" لساها ثورة" .. ذعر يلاحق نظام السيسي
الجمعة - 28 يناير 2022
- التشديد الأمني قبل ذكرى جمعة الغضب يؤكد أن الثورة ما زالت حية والنظام مرعوب منها
- بيان لـ70 ناشطا:"العيش والحرية والعدالة الاجتماعية" لا تزال مطالب مشروعة للشعب
- الاحتجاجات الفئوية والعمالية كانت حجر الزاوية في اندلاع ثورة 25 يناير.. وقد عادت مجددا
- الانقلاب أغرق المصريين في التضخم والديون وارتفاع الأسعار بجانب اغتيال الحريات
- نسب الفقر بين المصريين تتجاوز 55% بسبب السياسات الاقتصادية للسيسي وحكومته
- مصر تعيش أسوأ مراحل تاريخها وتتصدر الدول الأكثر بؤسا في ظل حكم الثورة المضادة
- 4300 شخص على الأقل لقوا حتفهم بأحكام الإعدام أو بالقتل خارج إطار القانون منذ 2013
- المنصات الإعلامية الانقلابية ترتكب جرائم بحق الشعب أخطرها التحريض على القتل
- الأوضاع الحالية للبلاد تبشر بموجة جديدة من الثورة ستأتي كضربة برق غير متوقعة
ملف خاص من إعداد: مركز إنسان للإعلام
"لساها الثورة" شعار جديد رفعه كثير من المصريين المنتمين للثورة المصرية في ذكراها ال11، ويأتي الواقع ليؤكد أن هذه الثورة مازالت حية في نفوس المصريين وأن النظام المصري ما زال مذعورا منها ومن أفكارها وأهدافها.
قبل أيام قليلة فقط، قال السيسي على هامش افتتاح بعض المشروعات في صعيد مصر: "لن أنسى ما حدث في 2011، والعناية الإلهية أنقذت 100 مليون مصري من الخراب والدمار.."
إنها الكابوس الذي يطارده، ويكفي أن الغضب الشعبي المكتوم بدأ يعبر عن نفسه في صورة احتجاجات عمالية وفئوية رفعت شعارات 25 يناير
في ملف شامل أعده "مركز إنسان للإعلام"، نرصد مظاهر ذعر النظام من هذه الثورة والذي حوّل ميادين مصر بمختلف المحافظات لثكنات عسكرية، كما نرصد إرهاصات استكمال الثورة عبر استعراض الأوضاع التى آلت إليها مصر بعد الانقلاب وتأكيد جميع الأحرار أن الثورة قادمة لا محالة.
الميادين تحولت إلى ثكنات عسكرية
بالرغم من محاولات النظام المصري إظهارعدم اكتراثه بذكرى الثورة، إلا أن تصرفاته على أرض الواقع تؤكد رعبه من هذه الذكرى، فهو يتحسب للغضب الشعبي الذي وصل مداه بسبب الفشل العام الذي تعيشه مصر في مختلف مجالات الحياة .
ولذلك وجدنا النظام يحول ميادين مصر المرتبطة بثورة يناير، في مختلف المحافظات، إلى ثكنات عسكرية منذ الإثنين ليلة 25، وستستمرهذه القبضة الأمنية حتى نهاية الشهر الجاري خوفا من إحياء يوم جمعة الغضب، التي تصادف تاريخ اليوم 28 يناير، إذ انتشر في ميدان التحرير بالعاصمة القاهرة، المئات من ضباط وأفراد الشرطة الذين يرتدون زياً مدنياً، سواء من المنتمين للمباحث أو جهاز "الأمن الوطني"، بغرض سؤال المارة، خصوصاً الشباب، عن وجهتهم، والاطلاع على بطاقاتهم الشخصية، وما يحملونه داخل حقائبهم.
كما شهدت ميادين المحافظات تشديدا أمنيا مماثلا خاصة في ميدان القائد إبراهيم بالأسكندرية وميادين المحلة بالغربية وميادين دمياط ، والبحيرة وكفر الشيخ، كما شهدت ميادين محافظة الشرقية انتشارا أمنيا غير مسبوق .
كما شهدت ميادين محافظات الصعيد انتشارا أمنيا مماثلا خاصة في ميدان السواقي بالفيوم، ومعظم ميادين أسيوط ، وميدان المديرية ببني سويف ، وميادين المراكز بالمنيا ، وسوهاج وقنا، كما شهدت أيضا ميادين محافظة أسوان انتشارا امنيا كبيرا .
وعمدت أجهزة الأمن أيضاً إلى إيقاف جميع سائقي الدراجات النارية، للاطلاع على رخص القيادة والبيانات الشخصية، بمن فيهم العاملون في مجال توصيل الطلبات للمنازل، خوفاً من حدوث أي عمليات "إرهابية" بالتزامن مع ذكرى الثورة، علماً أن هذه الإجراءات المشددة لم تقتصر على مناطق وسط العاصمة فقط، بل طالت العديد من المناطق الرئيسية في محافظتي القاهرة والجيزة مثل الهرم، والدقي، والعجوزة، والزمالك، وشبرا، والمطرية، وعين شمس.
كذلك، أصدرت الأجهزة الأمنية تعليمات مشددة لكلّ المقاهي في نطاق وسط القاهرة، تفيد بعدم تشغيل أي مباريات في بطولة كأس الأمم الأفريقية حتى نهايتها في 6 فبراير/شباط المقبل، وعلى وجه التحديد مباراة مصر وكوت ديفوار في الدور ثمن النهائي من البطولة، اليوم الأربعاء، وما يعقبها من مباريات للمنتخب الوطني في حال فوز مصر.
وتستهدف التعليمات الأمنية قطع الطريق على أي تجمعات جماهيرية كبيرة خلال ذكرى الثورة، واستغلالها في خروج تظاهرات مناوئة للسلطة الحاكمة على غرار ما حدث في عام 2019، احتجاجاً على تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وعدم مواكبة الأجور للارتفاعات المستمرة في الأسعار، جراء ما تفرضه الحكومة من ضرائب ورسوم دورية على السلع والخدمات.
وتأتي كل هذه الإجراءات الامنية على الرغم من غياب الدعوات للتظاهر في ذكرى الثورة المصرية، إلا أن وزارة الداخلية نشرت العديد من الكمائن الأمنية الثابتة والمتحركة على مداخل ميدان التحرير (أيقونة ثورة يناير)، وقامت بتوقيف أي شخص بحوزته حاسوب محمول للاطلاع على محتوياته، ومن ثم الولوج إلى هاتفه الشخصي في حالة الاشتباه بكونه أحد المعارضين لعبد الفتاح السيسي.
مصريون يدعون "الثوار" للاتحاد
وفي ذكرى الثورة، دعا عدد من رموز ثورة 25 كانون الثاني/ يناير المصرية إلى اتحاد كل من وصفوهم بالمخلصين للثورة حول مبادئها والتعاون لتحقيقها، مؤكدين أن "مطالب وشعارات الثورة (العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية) لا تزال مطالب مشروعة للشعب المصري، ولن يهدأ له بال حتى يحققها".
وقال بيان بعنوان "سنظل أوفياء ليناير"، أصدره أكثر من 70 ناشطا وقياديا مصريا، بمناسبة الذكرى الحادية عشرة للثورة، إن "ثورة يناير حملت مطالب بسيطة للمصريين، واجتهدت لتحقيقها، فأنتجت مسارا ديمقراطيا لم يكتمل، وأتت بأول رئيس مدني بعد 60 عاما من الحكم العسكري، ولكن الانقلاب عليها قطع مسارها نحو التنمية والحرية والكرامة والعدالة"
وتابع: "كنّا وسنظل أوفياء لثورة 25 يناير، ونرفض أي إهانة أو تشويه لها. هذه ثورة شعب انتفض من أجل لقمة عيشه، من أجل حريته وكرامته. ثورة جاءت بعد صبر طويل على مظالم استفحلت، وبعد نضال سلمي طويل سعى للإصلاح دون مجيب".
واستطرد البيان قائلا: "ثورة شاركت فيها كل فئات الشعب غنيها وفقيرها، شبابها وشيوخها. إنها ثورة فتحت عيون المصريين على حقوقهم المهدرة، وفجرت محبتهم الفائقة للوطن، وأشعرتهم أنهم أصحابه وليسوا مجرد ضيوف عليه أو عبيد إحسانات حكامه".
وقال إن "الشعب المصري كان على موعد بتحقق تلك المطالب حال انتصار ثورته وتمكنها من مفاصل الحكم في البلاد، لكن رعاة الاستبداد والفقر والبطالة حطموا تلك الآمال ثم الآن يتهمون الثورة بما ارتكبوه من جرائم"
وكان من أبرز الموقعين على البيان المرشح الرئاسي السابق ورئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية أيمن نور، ورئيس مركز حريات طارق الزمر، والقيادي الإخواني حلمي الجزار، ورجل الأعمال محمود وهبة، ومن البرلمانيين السابقين: جمال حشمت، وعبد الموجود الدرديري ومحمد عماد صابر، ومن الفنانين: وجدي العربي، وهشام عبد الله.
كما وقّع من النشطاء كل من: سوسن غريب، وغادة نجيب، ومعاذ عبد الكريم، وحمدي سليمان، ومن الحقوقيين: أسامة رشدي، ورامي المصري، وشادي طلعت، وأسماء شكر، وإيمان الجارحي، وسحر زكي، ومن الإعلاميين: قطب العربي، وأبو المعاطي السندوبي، وماجد عبد الله، وعماد البحيري، وأحمد عطوان، وحسام الغمري، ومحمد محيي، وداوود حسن.
كذلك ضمت قائمة الموقعين محمد زويل، وأحمد عامر، وسامية هاريس، وجمال نصار، وأمين محمود، ومحمد إبراهيم، ورجب العريني، وفريد الزيات، وآخرين.
غضب مكتوم واحتجاجات عمالية
وفي ذكرى الثورة ما زال الغضب الشعبي المكتوم يتصاعد بين المصريين، مما ينذر بانفجار ثورة في أي وقت، وقد مثّلت الاحتجاجات الفئوية والعمالية في مصر حجر الزاوية في اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، إذ شهدت السنوات الخمس السابقة على الثورة نضالاً عمالياً لافتاً..
وبالتزامن مع الذكرى الحادية عشرة للثورة المصرية، تهب رياح الاحتجاجات من جديد في القطاعين العام والخاص على حد سواء، بعد تنظيم المئات من العاملين وأصحاب المعاشات في مبنى التلفزيون الرسمي (ماسبيرو)، تظاهرات حاشدة على مدار شهر تقريباً، وسط هتافات اعتاد المصريون على ترديدها في الثورة مثل "ارحل" و"مش هانمشي... هو يمشي".
كما نظم عمال شركة "يونيفرسال" للأجهزة الكهربائية مسيرة حاشدة داخل مصنع الشركة، في مدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، للمطالبة بالإفراج عن ثلاثة من زملائهم ألقي القبض عليهم من منازلهم في سبتمبر/ أيلول الماضي (أخلي سبيلهم لاحقاً)، إثر مداهمتها من ضباط في جهاز "الأمن الوطني"، بسبب مشاركتهم في إضراب عن العمل، احتجاجاً على سياسة الإدارة في صرف الأجور على مرتين شهرياً.
كذلك أعلن المئات من عمال شركة "لورد إنترناشونال" في المنطقة الحرة بمدينة الإسكندرية الإضراب عن العمل، احتجاجاً على تجاهل إدارة الشركة لمطالبهم، ورفض التفاوض حولها، وأبرزها وضع حد أدنى للأجور لا يقل عن 2400 جنيه شهرياً (نحو 152 دولاراً تقريباً)، إذ يبلغ متوسط أجور العمال الذين أمضوا عشر سنوات في العمل نحو 2000 جنيه فقط.
و يواجه نحو12 من العاملين في شركة المستودعات المصرية العامة اتهامات بالتحريض على الإضراب أمام نيابة ميناء الاسكندرية، بناءً على بلاغ مقدم من رئيس مجلس إدارة الشركة، فؤاد الملا، رغم عدم توقف العمل بالشركة حسب عاملين بها.
جاءت الاتهامات على خلفية تظاهرات مستمرة في الشركة منذ الأحد(17 يناير 2022)، شارك فيها المئات من العمال، وعجز معها رئيس مجلس الإدارة عن دخول مقر الشركة. وكانت التظاهرات احتجاجًا على ما انتهت إليه أعمال اجتماع الجمعية العامة للشركة في 13 يناير الماضي، بخفض نصيب العمال من أرباح الشركة والمكافآت السنوية إلى سبعة أشهر من قيمة الأجر الأساسي في مقابل 28 شهرًا صرفت العام الماضي، حسب مصدر مشارك بالتظاهرات.
من جهتها، رصدت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، وهي منظمة مجتمع مدني مصرية أعلنت عن وقف نشاطها أخيراً بسبب "الاضطهاد والتضييق الأمني" على العاملين بها، نحو 206 احتجاجات عمالية ومجتمعية في مصر خلال عام 2021، من بينها 21 احتجاجاً في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وشملت الاحتجاجات العمالية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي وقفة احتجاجية للعاملين في المراكز الثقافية، بسبب رفض رئيسة دار الكتاب إقرار اللائحة المالية الجديدة، وتقدم عدد من العاملين في الشهر العقاري بشكوى جماعية ضد الوحدة الحسابية في مدينة الأقصر للمتضررين من طريقة تحرير الرواتب، ووجود مغالطات كبيرة فيها
أما شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، فقد شهد 32 احتجاجاً، وفقاً للشبكة، معظمها يعود إلى غياب دور المجلس المحلي في الأحياء والقرى، وانعدام الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي، على خلاف ما يروج له نظام السيسي من "إنجازات مزعومة" في هذه القطاعات تحديداً، تحت مسمى "الجمهورية الجديدة".
أساطير السيسي المذعور عن "25 يناير"
وفي حالة تؤكد ذعره من ثورة يناير ، أبدى السيسي تخوفه مراراً من تكرار سيناريو ثورة 2011، والتي زعم أنها "سبب الخراب والدمار في البلاد"، و"كان الهدف منها هو تدمير الدولة المصرية، وليس التغيير السلمي".
وقبل أيام قليلة فقط، قال على هامش افتتاح بعض المشروعات في صعيد مصر: "لن أنسى ما حدث في 2011، والعناية الإلهية هي التي أنقذت 100 مليون مصري من الخراب والدمار"، على حدّ زعمه
ولا يفوّت قائد الانقلاب على الثورة، أي مناسبةٍ إلا ويشن هجوما ضاريا على ثورة 25 يناير، لم يكتف بذلك، بل يكرّر أنها السبب في التدهور الاقتصادي والسياسي والتراجع الإقليمي لمكانة مصر.
وبنظرة فاحصة لما يكرّره المنقلب في كل مناسبة نجد أنه محض ادّعاء لا أكثر، فوصف ثورة يناير بالمؤامرة يتناقض مع الوصف الذي وصف المجلس الأعلى للقوات المسلحة (المجلس العسكري) به نفسه، في الفترة التي حكم فيها البلاد بعد تنحّي حسني مبارك (كان السيسي أحد أعضائه) من أنه حامي الثورة. وهنا السؤال، لو كانت ثورة 25 يناير مؤامرة فلماذا قام الجيش بحمايتها؟ ولماذا لم يخرج السيسي حينها ويتحدث عن تلك المؤامرة، ولماذا التقي بعديدين من شباب تلك الثورة؟ وحاول أن يستقطبهم؟ فما الذي تغير، ولماذا الآن أصبحت تلك الثورة مؤامرة.
لا علاقة ليناير أو ما حدث في يناير بسد النهضة، بل هو سابق عليها، كما أن حسن النوايا مع الجانب الإثيوبي وتحليف رئيس الوزراء الإثيوبي اليمين هما السبب في ما وصلت له الأمور الآن، وليست ثورة يناير التي فشلت في المفاوضات وجعلت إثيوبيا تستغل الوقت وتستثمره لصالحها وتنتهي من معظم الإنشاءات في السد وتنتهي من المرحلة الأولى في الملء، وتستعد للثانية، بل هي السلطة الحالية من فعلت هذا. لذا أدعو السيد الرئيس إلى أن يخفف من عدائه للثورة، فما يواجه مصر أضخم وأكبر مما حدث في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، فهي معركة وجود حقيقية.
سنوات عجاف.. وانقلاب دمر حياة المصريين
مرت سنوات عجاف على المصريين بعد 11 عاما من ثورة يناير، إثر انقلاب الثالث من يوليو 2013 على الرئيس الشرعي المنتخب، وما ترتب على ذلك في ظل حكم الثوة المضادة من تصدر مصر في مؤشرات الفقر والبؤس والانتحار وحوادث الطرق.
قامت به حكومات السيسي المتوالية بإغراق المصريين في التضخم والديون وارتفاع الأسعار الهستيري، بجانب اغتيال الحريات العامة والتخلص من كل الأصوات المعارضة والتنكيل بها.
بعد مرور 11 سنة ما زال المصريون يعيشون تحت وطأة أزمات معيشية خانقة ازدادت سوءاً خلال السنوات التي أعقبت الانقلاب العسكري.
وشهدت الأسواق موجات غلاء متسارعة للسلع والخدمات، كما قفزت نسب الفقر خلال السنوات الأخيرة، كما تعزم الحكومة الحالية إقرار زيادات جديدة في الأسعار
وفي شهر يناير/كانون الثاني الجاري وقبل ذكرى الثورة بأيام أطلق وزراء تصريحات تمهد لزيادة أسعار البنزين والخبز.
وكان وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي أعلن رفع الدعم تدريجياً عن منظومة الخبز بحلول العام المالي 2022-2023، الذي يبدأ في 1 يوليو/تموز المقبل، عن طريق تحويل الدعم العيني الذي يحصل بموجبه المواطن على 5 أرغفة خبز يومياً، بقيمة 5 قروش للرغيف على بطاقات التموين، إلى دعم نقدي مشروط للمستحقين فقط.
بدوره، دعا وزير البترول طارق المُلا المواطنين إلى الإسراع في تحويل سياراتهم للعمل بالغاز الطبيعي، قائلاً: "إعادة تسعير منتجات البنزين كل ثلاثة أشهر ساهم في ترشيد الاستهلاك المحلي.
وشهدت أسعار الوقود قفزة هائلة خلال الـ11 عاما الماضية معظمها بعد انقلاب 3 يوليو 2013. وكان سعر البنزين 95 أوكتان 275، والبنزين 92 أوكتان 185 قرشاً والبنزين 90 أوكتان 175 قرشاً والسولار 105 قروش.
وبعد قيام ثورة 25 يناير 2011، وإطاحة مبارك، وتولي المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي السلطة لمدة عام، لم تشهد تلك الفترة زيادات في أسعار الوقود
وقفزت أسعار البنزين والسولار في عهد السيسي، عما كانت عليه أيام مرسي، بصورة متسارعة وهائلة إذ تصل اليوم إلى 8 جنيهات للتر البنزين 92، و9 جنيهات 95، كما يبلغ سعر السولار 6.75 جنيهات
وقفزت معدلات التضخم إلى أكثر من 30% عقب تعويم الجنيه عام 2016، قبل أن يتراجع حسب بيانات رسمية، إلّا أنّ خبراء أكدوا أنّ نسب التضخم التي تعلنها الحكومة ليست دقيقة
وكانت نسبة الفقر تبلغ 25.2% خلال عام 2010/ 2011، وحسب بيانات رسمية بلغت 29.7% في العام المالي 2019/ 2020، مقارنة بـ32.5% من إجمالي السكان في 2017/ 2018
لكن خبراء اقتصاد يؤكدون أنّ النسبة الحقيقية للفقر تتجاوز 55% في مصر، بسبب السياسات الاقتصادية للسيسي الذي لم يضع محدودي الدخل ضمن أولوياته، ورضخ إلى تعليمات صندوق النقد بشأن تعويم الجنيه وتقليص الدعم، وتحرير أسعار الوقود والكهرباء نهائياً، علاوة على خفض أعداد الموظفين في الجهاز الإداري للدولة
وسارعت الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة إلى فرض المزيد من الضرائب والرسوم على جميع السلع والخدمات تقريباً، ما فاقم من سوء معيشة المصريين.
الاقتصاد و خلط الأرقام وتخويف الشارع
لم يكتف السيسي والمسؤولون في النظام المصري بتكرار تزييف وتشويه ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2001، بهدف تحطيم الصورة الذهنية الإيجابية التي تشكلت في أذهان غالبية المصريين حولها، وكان من أهم مطالبها العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بل لجأوا إلى تجميل الأرقام والمؤشرات الاقتصادية للحديث عن إنجازات رقمية في فترة ما بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز عام 2013، لا تعبر بالضرورة عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه غالبية الشعب المصري، وهو ما شكل موروثا متراكما لدى المصريين لا يكترث لهذا النوع من التصريحات والبيانات الرسمية، يعبرون عنه بعبارة "كلام جرايد".
ومؤخرا، قال السيسي إن الخسائر المباشرة التي تكبدتها مصر جراء ثورة يناير بلغت نحو 400 مليار دولار، زاعما أن "مصر كادت أن تتعرض وقتها إلى الدمار نتيجة توصيف غير حقيقي للواقع".
حسب الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، فإنه من الصعوبة بمكان معرفة حقيقة الخسائر الاقتصادية التي لحقت بمصر إبان ثورة يناير، نظرا لوجود خلط كبير في الأرقام التي تحدثت عن خسائر الاقتصاد المصري
وأضاف عبد المطلب في تصريحات لصحيفة "العربي الجديد" اللندنية، أنه من المؤكد في عام 2011 فقط فقدت مصر نحو 24 مليار دولار من احتياطيها النقدي، كما فقدت حوالي 7 مليارات دولار من الاستثمارات المباشرة فيها، وفق تقديرات تقرير الاستثمار العالمي عن حجم الأموال التي خرجت من مصر عام 2011
كما ارتفع العجز في الميزان التجاري ليصل إلى نحو 20 مليار دولار، علما أن هذا العجز كان دائما موجودا، ولا علاقة له بثورة 25 يناير، حيث تحسنت الصادرات لتجاوز 21 مليار دولار، وفق تعبير الخبير الاقتصاد
وأشار عبد المطلب إلى أنه "لا يعرف إن كانت هناك تقديرات محدّدة نتيجة توقف آلاف المصانع عن العمل، وتعطيل العمل في الحكومة والوزارات، وإغلاق البورصة المصرية، وعمليات تهريب الذهب والأموال وغيرها".
بدوره، قال الخبير الاقتصادي ونقيب الصحافيين الأسبق، ممدوح الولي، إنه بحسب بيانات البنك الدولي، فقد بلغ الناتج المحلى الإجمالي لمصر عام 2010 نحو 218.912 مليار دولار، وهو ما يعبر عن حجم الاقتصاد قبل الثورة، ومن المفترض أن تكون الخسائر الناجمة عن الثورة نسبة من حجم الاقتصاد.
وأوضح الولي، لـ"العربي الجديد"، أن الناتج المحلى الإجمالي خلال عام 2011، حسب بيانات البنك الدولي، بلغ 236 مليار دولار، أي أن حجم الاقتصاد ارتفع خلال عام الثورة بنحو 17 مليار دولار عن العام السابق، كما ارتفع نصيب الفرد من الناتج بسعر الصرف إلى 2792 دولاراً مقابل 2340 دولاراً عام 2010.
وأوضح الولي أن ثورة يناير لم تكن ذات تأثير سلبي في العديد من القطاعات الاقتصادية، حيث زادت قيمة الصادرات السلعية خلال عام الثورة بنحو 2.9 مليار دولار عن عام 2010، كما زادت التحويلات الخاصة للعاملين المصريين بالخارج
وأردف: كما زادت المعونات بنحو 998 مليون دولار، وارتفعت إيرادات قناة السويس بنحو 466 مليون دولار، فضلا عن القطاع المصرفي الذي شهد نموا في غالب مؤشراته خلال عام الثورة عن العام السابق له، حيث زادت أصول البنوك بنسبة 2 في المائة، وارتفعت الودائع بنسبة 3.9 في المائة
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أن الحديث عن خسائر بنحو 400 مليار دولار جراء ثورة يناير غير صحيح ويحتاج إلى دليل
وأشار الصاوي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن البيان المالي لوزارة المالية لعام 2015 لشهر ديسمبر/ كانون الأول، كشف عن أن الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011 لم يتأثر سلبا، بل حقق معدل نمو، ولكن كان أقل من معدلات النمو للسنوات السابقة للثورة
ولفت إلى أن المشاريع التي تم تعطيلها فقط خلال فترة 18 يوماً المتعلقة بالثورة هي مشروعات صغيرة، كبعض المتاجر الصغيرة وشركات السياحة، مشيرا إلى أن قطاع السياحة حقق معدلات إيجابية بعد الثورة وانتخابات البرلمان والرئاسة، والتي بلغت حصيلتها 9.5 مليارات دولار في 2012/2013، أي بفارق مليار دولار فقط عن معدلات ما قبل الثورة.
مصر تتصدر مؤشرات البؤس العالمي
وفي ظل حكم الثورة المضادة نجد أن مصر تعيش أسوء مراحل تاريخها، حيث تصدرت مصر كأكثر دول العالم في البؤس، في مؤشر البؤس العالمي، وهذا مؤشر بسيط يكشف ما آل إليه المصريون في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية طوال 9سنوات من حكم العسكر، وقبل انطلاق ذكرى ثورة يناير المجيدة
وتقول الورقة البحثية، التي أصدرها معهد فريزر عن ترتيب 35 دولة في مؤشر البؤس، وهو مقياس اقتصادي يعتمد على معدلات التضخم والبطالة في العامين الماضيين إن "عوامل مثل البطالة والفساد ونقص الحرية الاقتصادية والتضخم الجامح والاستقرار السياسي، يمكن أن تسهم جميعها في جعل الحياة أكثر بؤسا لمواطني الأمة، على الرغم من أنه لا يوجد إنكار أن الذاتية تؤثر على أولئك الذين يستمدون هذه المقاييس النوعية ، إلا أن الأهمية التي تكتسبها في جميع أنحاء العالم مهمة للغاية".
وحول مصر، قال المعهد إن "دولة الانقلاب تقترب من قمة قائمة أكثر الدول بؤسا في العالم، لا تزال هذه الدولة الواقعة في شمال إفريقيا تعاني من الأزمة التي مرت بها في أوائل عام 2010 ، والتي بدأت بالثورة المصرية في عام 2011، ومنذ ذلك الحين ، شهدت البلاد رئيسا للإطاحة بها ، وشهدت انقلابا ، تلتها انهيارا في الاقتصاد وتردي للأوضاع المعيشية للمصريين، وارتفاع نسب الفقر".
و هناك صورة أخرى أكثر قتامة، يوثقها الواقع والأرقام الصادرة عن الجهات المالية المحلية، تتصدرها الطفرة الهائلة في حجم الدين الخارجي، الذي زاد بنسبة 193% خلال سنوات السيسي
وتستحوذ مصر على 34% من إجمالي ديون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2019 حسب تقرير البنك الدولي.
لا حرية بعد في ذكرى الثورة
بالرغم من أن الحرية كانت المقصد الرئيسي للثورة، لكن بعد مرور 11 عام نجد أنفسنا أمام صورة فريدة من الاستبداد والقمع للحريات، والتنكيل المستمر بالمعارضين .
وتشير التقديرات إلى أن 800 شخص قد لقوا حتفهم بسبب أحكام الإعدام منذ عام 2013، وقد اتُهمت الحكومة الحالية بحكومة الانقلاب، بإغلاق المنظمات غير الحكومية وحظر حرية التعبير، ليس من غير المألوف أن يتم حظر بعض المواقع في البلاد، في الوقت الحالي ، تعد معدلات البطالة المرتفعة ومعدلات الفقر المذهلة من المشكلات الرئيسية في المجتمع المصري
ولعل ما كشفه مقطع فيديو حصلت عليه صحيفة "ذا جارديان" البريطانية من تعذيب معتقلين داخل أحد أقسام الشرطة المصرية في القاهرةمؤخرا خير دليل علي الواقع السياسي في مصر وتصاعد الانتهاكات .
ويظهر الفيديو، الذي التقطه سرّا أحد المعتقلين عبر شق في باب الزنزنة، محتجزين اثنين معلقين في وضعيات مجهدة، نصف عاريين، وأيديهما مغلولة بواسطة مشبك معدني مثبّت خلف ظهريهما.
وقال أحد السجناء في الفيديو: "انظر كيف يعذبوننا وزملاءنا، أخبرونا أن الدور علينا بعد ذلك". ومضى مخاطبًا الرئيس عبد الفتاح السيسي: "سيدي الرئيس، نسأل لماذا الشرطة في قسم شرطة السلام الأول تفعل هذا بنا؟".
ومقطع الفيديو هذا هو واحد من اثنين تم تسجيلهما في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي داخل مركز الشرطة الواقع في حي السلام شمالي القاهرة.
ومن هذه الانتهاكات التي تشهدها مصر منذ تولت الثورة المضادة بقيادة السيسي حكم مصر الأتي :-
اعتقال أكثر من 70 ألف مصري بالسجون المصرية من قوى المعارضة المختلفة
تعرض أكثر من 12 ألف سياسي معارض للإخفاء القسري
مقتل أكثر من 1022 معتقل بالإهمال الطبي بالسجون
مقتل أكثر من 3500 آلاف شخص خارج إطار القانون
استمرار حبس أكثر من 37 ألف معتقل حبسا احتياطيا
صدور أحكام بالإعدام على أكثر من 2590 معارض سياسي
قتل أكثر من 190 شخص بالتعذيب في مقرات الاحتجاز المختلفة
اعتقال أكثر من 2050 معارضة منذ 2013 واستمرار حبس أكثر من 200 معارضة في السجون حتى الآن
مقتل 213 معارضة مصرية واغتصاب 50 أخريات
فصل أكثر من 500 طالب وطالبة من الجامعات بسبب التظاهر
فصل أكثر من 5 آلاف معارض مصري من أعمال بسبب رفضهم للانقلاب العسكري
صدور مئات القوانين المقيدة للحريات العامة والحق في التظاهر والتقنين لاستمرار حالة الطوارئ بصورة دائمة.
محاولات محو الثورة من ذاكرة المصريين
يعمل السيسي ونظامه منذ ما بعد الانقلاب على الثورة في يونيو/حزيران 2013، لبناء وقائع جديدة تستهدف فعلياً مسح حدث ثورة يناير من ذاكرة المصريين، وربط الثورة بـ"الخراب والدمار"، حتى لا يفكر أحد في تكرار هذا الحراك من جديد.
ولم يتوان السيسي مراراً عن التخويف مما حصل في 25 يناير 2011، وكيف أن البلاد "كانت ستضيع"، والتشديد على ضرورة عدم تكرار المسار نفسه مرة ثانية..
تجلّى ذلك في العديد من الترتيبات والإجراءات، التي تبدأ بمحاولة فرض سردية جديدة خاصة بالنظام، وصولاً إلى إجراء تعديلات على الدستور وحذف الديباجة التي تمجّد الثورة، وذلك في سياق خلق "جمهورية جديدة" لطالما تحدّث عنها المسؤولون في النظام الحالي
وترافق كل ذلك مع توسع إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية على ذمّة قضايا سياسية، ليسقط ضحيتها الآلاف، والانتقام من رموز ثورة يناير منهم البلتاجي وصفوت حجازي وماهينور المصري وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة وغيرهم كثيرين، مقابل منع كل محاولات لإصلاح وزارة الداخلية، وجهاز الشرطة.
غير أن كل ذلك يصطدم بعوامل وسياسات متعددة تدفع الجميع في مصر، سواء من القوى الثورية والمعارضة، أو من الموالين للنظام والداعمين له، أو حتى من داخل النظام نفسه، للحديث عن أن استمرار الأوضاع بهذا الشكل يعني حتمية الوصول إلى لحظة الانفجار
أحد السياسيين المصريين البارزين قال لـ"العربي الجديد"، متحفظاً على ذكر اسمه، إنه "بعد مرور 11 عاماً على ثورة يناير، تعرضت خلالها إلى أقصى درجات التنكيل والقمع ومحاولات الإجهاض منذ اللحظة الأولى لاندلاعها، إلا أنها لا تزال حية في وجدان الشعب وتحت الركام، وستأتي اللحظة التي ستنهض فيها مرة أخرى وتستعيد عافيتها وتكمل مسيرتها التي لم تنتهِ بعد".
وأضاف السياسي، الذي كان عضواً في "جبهة الإنقاذ": "كنا نعتقد أن ما حدث في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، هو موجة ثانية لثورة يناير، لكن الواقع بعد نحو تسع سنوات، أثبت أنها كانت ضربة عنيفة للثورة، ترتب عليها الارتداد إلى وضع أسوأ مما كان قبل يناير 2011، لكنها لم تقتل الثورة".
وأوضح أن "الأوضاع التي تعيشها البلاد الآن تبشر بموجة جديدة من الثورة، وهذا أمر لا شك فيه، ولكن يبقى السؤال متى يحدث ذلك؟".
وأضاف: "هذا سؤال لا يمكن لأحد الإجابة عنه مهما حاول قراءة المشهد وتحليله، فهي لحظة تاريخية تأتي كضربة برق غير متوقعة، تتشكل قبلها وتتكون في السماء بفعل عوامل متعددة لا يراها الكثيرون ولكنهم يفاجَؤون بها تضرب مرة واحدة من دون سابق إنذار".
وتابع: "هذا ما حدث في يناير 2011، فنحن كقوى سياسية دعونا قبلها الناس للنزول إلى الشارع كما دعوناهم في يناير، وكثير منا لم يكن يتوقع أن تحظى الدعوة بصدى واسع، إذا كانوا يتوقعون بعض العشرات ينظمون مسيرة هنا أو هناك أو يقفون على سلالم نقابة الصحافيين كما كان يحدث في العادة، ثم يذهب كل إلى منزله بعد ذلك".
ورأى المعارض البارز، أن "السيناريو الذي حدث في يناير 2011، يمكن أن يتكرر، في ظل سياسات الإفقار التي يتّبعها النظام، والاقتراض من الخارج والداخل بشراهة ومن دون التحسب لتبعات ذلك على الأجيال المقبلة، والاندفاع في عملية التحرير الاقتصادي، وتعويم العملة، ورفع يد الدولة عن الفقراء، وإلغاء الدعم، وتقليل النفقات الاجتماعية للحدود الدنيا، ووقف التوظيف الحكومي".
من جانبها، أعلنت برلمانية سابقة موالية لنظام السيسي أنها "تخشى بشدة من لحظة الانفجار". وقالت في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" إن "البلد لا يتحمل ثورة جديدة، ولو حدث ذلك فإنه سيكون نتيجة سياسات الحكومة، التي يجب أن تنظر لأحوال الناس بجدية بعيداً عن المشروعات الوهمية التي لا تعود بفائدة على الشعب".
ورأت أن "القرارات التي اتخذها الرئيس السيسي في 19 يناير 2022م، والخاصة برفع الحد الأدنى للأجور وتوفير فرص عمل وصرف حوافز للموظفين، قبيل ذكرى 25 يناير، دليل على أن الحكومة تعلم جيداً أن الأحوال الاقتصادية للشعب سيئة، ولذلك تحاول رفع معنوياته".
ولفتت البرلمانية المصرية إلى أن حكومة ما قبل يناير 2011 "أعلنت في اليوم نفسه (19 يناير) نفس القرارات التي أعلن عنها السيسي، أخيراً، إذ أعلنت عن وظائف جديدة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وأنها سوف تحقق في شكاوى المواطنين، في محاولة لتفادي أي غضب شعبي محتمل، وهو ما حدث بالفعل وأطاح النظام كله".
وقالت إنه "منذ عام 2014، وحتى قبل قرار تعويم الجنيه، انخفضت العملة المصرية بنسبة كبيرة أمام العملات الأجنبية، كما أن الحد الأدنى السابق (2400 جنيه) لم يتم تطبيقه في هيئات كثيرة بالدولة، بحجة عدم وجود ميزانية"
وعن القرارات التي أعلن عنها السيسي برفع الحد الأدنى للأجور إلى 2700 جنيه، وغيرها، أكدت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أنها "جاءت نتيجة تقارير رفعتها أجهزة أمنية إلى رئاسة الجمهورية، تحذر من تبعات السياسات الحكومية وتأثيرها السلبي على الناس، الأمر الذي يهدد بغضب شعبي".
استماتة لمسح الذاكرة واختراع تاريخ جديد
مع القضاء على كل المنافسين السياسيين، وإحكام السيطرة على أغلب المنصّات الإعلامية، احتكر عبد الفتاح السيسي الحديث والسردية التاريخية الخاصة بثورة 25 يناير/ كانون الأول 2011، في محاولة منه لمسح ذاكرة المصرين بخصوص الحدث، وإنشاء ذاكرة جديدة تربط كلّها الثورة بـ"الخراب والدمار"، حتى لا يفكر أحد في الثورة مجدداً.
ورأى قيادي حزبي سابق، أن "حديث السيسي الدائم عن الثورة وربطها بالخراب والدمار فقط، هو محاولة مستميتة منه لفرض سردية جديدة خاصة به". وأضاف المصدر أن السيسي "يذكر الناس بالخراب والدمار، بحسب روايته، وفي الوقت نفسه يبيع لهم واقعاً جديداً مبنياً على مشاريع وإنجازات مزعومة، ضمن الجمهورية الجديدة التي يتحدثون عنها هذه الأيام".
ومع اقتراب الذكرى الـ11 لثورة 25 يناير، صدر كتاب للصحافي ياسر رزق، المقرب من السيسي، الذي توفي قبل أيام، بعنوان "سنوات الخماسين... بين يناير الغضب ويونيو الخلاص"، يتناول الفترة الزمنية الواقعة من يناير 2011 حتى يونيو 2013.
وجاء الإهداء في أولى صفحات الكتاب، والذي يقول "إلى شعب عظيم لا يرضخ لظلم، ولا ينحني لعاصفة، ولا يركع إلا لرب العباد"، متسقاً مع سردية السيسي عما حدث في يناير.
وكان السيسي قد قال في كلمة له على هامش "منتدى شباب العالم": "السفيرة الأميركية في عام 2011 كانت بتقولي مين اللي ها يحكم مصر؟"، ورديت عليها "اللي ها يحكم مصر الإخوان". وقالت لي "طب وبعدين؟". قلت لها "بعدين ها يمشوا لأن الشعب المصري لا يُقاد بالقوة وما يخشش الجامع والكنيسة بالعافية"
وكتب رزق في مقدمة كتابه إن "هذا الكتاب هو جزء أول من ثلاثية عن الجمهورية الثانية"، مضيفاً أنه "ليست محاولة لكتابة تاريخ، إنما محاولة لقراءة حاضر، علّنا نهتدي بها عند مفارق طرق قد تقابلنا في المستقبل".
جرائم مهنية للإعلام المصري بعد 25 يناير
العلاقة ما بين ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، والإعلام، قصة طويلة ومعقدة، إذ إنه مع اندلاع شرارة الثورة الأولى، وامتدادها بعد ذلك، اندلعت شرارات إعلامية موازية كثيرة حاولت مواكبة الحدث واستغلاله في تحقيق الانتشار، وفي الوقت نفسه انطفأت منصات إعلامية أخرى، وتوارت بعيدًا.
قصص صعود وهبوط كثيرة لمنصات إعلامية، ارتبطت بانفجار الثورة الشعبية التي أطاحت حكما ديكتاتوريا استمر لثلاثين عامًا، وجعلتها محط أنظار العالم، بينها قصص لمؤسسات نشأت خصيصًا لمواكبة الحدث ومحاولة التأثير فيه سلبًا أو إيجابًا، انتهى بعضها إلى التلاشي، بينما تم حظر البعض الآخر، وآلت البقية الباقية إلى قبضة النظام الذي أضحى يتحكم في أغلب وسائل الإعلام في مصر.
كانت مجموعة قنوات "دريم" التي أسسها رجل الأعمال الراحل أحمد بهجت، أولى القنوات المصرية الخاصة، والتي كانت تبثّ من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي، وهي الميزة التي لم يتمتع بها الآخرون، ضمن وسائل إعلامية أخرى خاصة، بحسب ما يراه خبراء، سببًا من أسباب اندلاع الثورة على مبارك.
إذ كانت تقدم برامج ذات نبرة معارضة، وكانت تستضيف كوادر في تيارات سياسية معارضة، لعرض وجهة نظرها من النظام، الأمر الذي ساهم في تشكيل الوعي لدى الجماهير، وذلك من خلال برنامج مثل "العاشرة مساءً" والذي كانت تقدمه الإعلامية منى الشاذلي، وبرامج أخرى.
ولكن مع اندلاع الثورة، اتخذت قناة "دريم" موقفًا محايدًا وأخذت في تخفيف النبرة ضد نظام مبارك، وظهر ذلك حتى في برنامج "العاشرة مساءً" والذي كان يعتبر برنامج الـ"توك شو" الأول في مصر، عندما بكت المذيعة منى الشاذلي بعد "خطاب مبارك" الشهير الذي تعهد فيه بعدم الترشح للرئاسة مرة أخرى، في محاولة لإخماد الثورة.
أخذت "دريم" بعد ذلك في الخفوت تدريجيًا، مع ترك المذيعين الرئيسيين للقناة وانتقالهم لقنوات أخرى، ومع الضغط الذي مارسه نظام السيسي على رجل الأعمال أحمد بهجت قبل وفاته للاستحواذ على القناة، أصبحت الآن قناة ضعيفة دون مشاهدات.
وبينما كانت قناة "دريم" تتراجع تدريجيًا بعد ثورة يناير، أخذت قناة "أون تي في" المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، في الصعود، لا سيما مع انضمام شخصيات محسوبة على الثورة مثل المذيعين يسري فودة، وريم ماجد وغيرهما، ما أعطى زخمًا للقناة في مواكبة أحداث الثورة، وتبني موقف القوى الليبرالية في مواجهة المجلس العسكري الحاكم آنذاك، لكن الأمر لم يستمر كثيرًا، حيث خففت القناة من حدة النقد، وغادرها نجومها من المذيعين بالتدريج. وكان من بين أشهر مذيعي القناة أماني الخياط، وجابر القرموطي، ويوسف الحسيني، وإبراهيم عيسى.
ومع زخم الثورة نشأت قنوات "التحرير" و "مصر 25" و"سي بي سي" و"النهار"، وحصدت تلك القنوات ملايين المشاهدات، ولكن مع الانقلاب، أغلقت مصر 25 بالقوة و انتهت "التحرير" الآن إلى أن تكون قناة "تن" المملوكة لرجل الأعمال والقيادي الفلسطيني المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان.
أما "سي بي سي" و"النهار" فكانتا بمثابة ذراع المجلس العسكري لاختراق الثورة، ونجحت "سي بي سي" في إنتاج برامج زادت شعبيتها مثل البرنامج الساخر الذي كان يقدمه باسم يوسف، وبرنامج "أبلة فاهيتا"، وهو ما حقق لها شعبية كبيرة، لكنها كشفت عن وجهها الحقيقي قبل وأثناء الانقلاب، وما بعده، وانتهت أخيرًا إلى قبضة المخابرات.
وكانت "الفراعين" القناة الرسمية الموحدة داخل جميع وحدات القوات المسلحة المصرية، بعد اندلاع الثورة، بشهادة الكثير من المجندين الذين خدموا بالجيش خلال تلك الفترة. وكان يديرها توفيق عكاشة الذي شكل بحد ذاته معولًا لضرب أول تجربة ديمقراطية لانتخاب رئيس للجمهورية، عام 2012، إذ كان يستغل أسلوبه الشعبي في التقديم للتأثير على الطبقات الشعبية، والهجوم على حكومة الرئيس محمد مرسي.
في النهاية لم يتبق تقريبًا على الساحة الإعلامية في مصر، بعد مرور 11 عامًا على اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، سوى المنصات الإعلامية التي تتبع بشكل مباشر جهاز المخابرات العامة وتمتلكها المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة للجهاز، إضافة إلى بعض المنصات المملوكة لجهاز الشرطة، وكلها ترتكب جرائم مهنية بحق الشعب المصري، وأخطرها التحريض على القتل والعنصرية.
ويالنظر الى الخارطة الإعلامية الآن نجد أن معظم المشروعات الإعلامية القديمة قد انهارت سواء بالإغلاق أو التصفية أو الاندماج مع مشروعات أخرى، ولم يتبقَّ سوى المنصات الإعلامية التي أسستها الأجهزة الأمنية منذ اللحظة الأولى، ومنها "راديو 9090" وموقع "مبتدا" اللذان تأسسا قبيل انقلاب الثلاثين من يونيو 2013، لدعم الانقلاب، من قبل الاستخبارات الحربية التي كان يديرها اللواء عبد الفتاح السيسي قبل أن يعين وزيرًا للدفاع، ثم بعد نجاح الانقلاب، توسعت الأجهزة الاستخباراتية في مشروعاتها وأسست قناة "دي أم سي"، لتصبح هي القناة الرسمية الأولى الآن لنظام السيسي.