أحمد ديدات... صبي البقال الذي أصبح أشهر مناظري العصر!
الثلاثاء - 22 يونيو 2021
كتاب جديد يتناول فصول حياة الشيخ أحمد ديدات وأسباب نجاحه علميا و دعويا
بقلم: شعبان عبد الرحمن
تقديم
"ربما رأينا داعية يخطب ويناظر، وسمعنا صوته يعلو فوق المنابر والمنصات، ولكن الشيخ أحمد ديدات يتألق من بين الدعاة الكبار، ويترسخ صوته ويتردد صداه على كل الصدى والصرخات، وقد استوقفت كلماته النافذة جميع من تطاولوا على الإسلام ورأوا فيه رجلاً يتمثل عبقرية وتعمقاً..."
تلك كانت كلمات "صبغة الله الهدوي"، الكاتب والمترجم والأستاذ الجامعي الهندي، المنشورة تحت عنوان: "الشيخ أحمد ديدات.. خطب تنوب عن الكتائب"، والتي وجدنا فيها أفضل تقديم لهذا الكتاب الذي يتناول جوانب مضيئة من مسيرة الشيخ الدعوية وقصة نجاحه العالمية.
تميز -رحمه الله- بحدة فكره، وحكمته التي أسهمت في خرق عباءة المسيحية، واتسمت خطاباته بغزارة الدلائل والبراهين، وعبارات من أسفار التوراة والإنجيل وآيات القرآن، وهذا النمط ظل تكتيكاً عجز الكهنة عن الرد والإجابة عليه.
وبعد مناظراته الشهيرة مع أساتذة النصارى مثل "دوكنز"، و "روبرت دوكلس" وغيرهم، والتي انسحبوا فيها من منصة الكلام وبهتوا أمام سيل الحجج والأدلة، ظهرت في العالم الإسلامي موجة من الأمل والرجاء، ورأى المسلمون في كلمات الشيخ ديدات أمارات الانتصار والفخر، فكانت انطلاقة في مجال الدعوة والخطاب العام في مختلف الدول الإسلامية وغيرها، واحتشد جم غفير في استماع هذا الرجل من كل أنحاء العالم، ونبضت قلوبهم على وقع كلماته النافذة والمؤثرة.
ولم يكتف الشيخ بمنبر الخطابة، بل ألف كتبا يوضح فيها منهجية الإسلام، وهذه الكتب دعمت الأمة الإسلامية لمقاومة الاحتلال الفكري، ومضت تغزو الأسواق وتبلغ الآفاق، ووُزعت ملايين نسخها مجانا، واستطارت ترجماتها عبر البر والبحر بمختلف اللغات العالمية، وتلقاها العوام والعلماء بقبول حسن.
لقد سخَّر- رحمه الله- قلمه في الرد على "عصابات الشبهات الدينية"، وأثبت حجته عليهم، ثم امتدت اهتماماته إلى تأسيس مراكز ومعاهد ومطابع، تُعقد فيها جلسات وحلقات وتنظم فيها دراسات عالية في مجال الفنون الإسلامية، كمعهد "السلام" لتخريج الدعاة الذي تم تأسيسه بجنوب أفريقيا، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة ديربان.
وقد منح الشيخ رحمه الله جوائز وأوسمة، كجائزة الملك فيصل تقديراً واحتراماً لخدماته المخلصة.
رحم الله الشيخ ديدات، فقد كان عالماً منفتحاً يواكب العصر والظروف الحرجة، وكان فارس المنابر ونجم المنصات والمقاعد بلا منازع.
الفصل الأول: من صبي بقال.. إلى أشهر مناظري القرن العشرين!!
أحدث الشيخ ديدات زلزالاً في الغرب بمناظراته الشهيرة التي ذاع صيتها في منتصف السبعينيات، ومازال دويها يتردد حتى اليوم.. فقد هزت تلك المناظرات ثوابت كثيرة لدى الكنيسة بكل طوائفها، وكشفت عن تناقضات بين أناجيلها، كما سلطت الضوء على مواضع مليئة بالزيف والتضليل؛ الأمر الذي وضع الكنيسة في مأزق ودفع ـ في الوقت نفسه ـ بعشرات الآلاف من أبنائها للتوجه نحو الإسلام واعتناقه.
هذا الواقع الجديد الذي صاحب مسيرة الشيخ دفع الكنيسة ومراكز الدراسات التابعة لها، والعديد من الجامعات في الغرب لتخصيص أقسام من مكتباتها لمناظرات ديدات وكتبه، وإخضاعها للبحث والدراسة سعياً لإيجاد حل لإبطال مفعولها.
ربما يعلم الناس الكثير عن مناظراته الدعوية بل وربما يحفظ البعض مقاطع كثيرة منها، لكن قد يبدو غريباً أن الكثيرين لا يعلمون شيئاً عن أحمد ديدات نفسه.. نشأته.. وكيف أصبح مناظراً فذاً بهذا الشكل الفريد رغم أن حظه من التعليم كان بسيطاً.... فماذا حدث بالضبط؟
إبراهيم محمد جادات (55 عاماً)، هو أحد المقربين من الشيخ ديدات وأحد تلامذته، وهو من رجال الأعمال المسلمين في جنوب إفريقيا..وأوصاه الشيخ بعد مرضه بمواصلة مشاريعه الدعوية، تحدث لمجلة "المجتمع" الكويتية وزودها بأوراق تضمنت ملخصا لقصة حياة الشيخ ومشواره الدعوي(1).
المولد والبداية
ولد أحمد ديدات سنة 1918م في "تادكهار فار" بإقليم سراط بالهند لأبوين مسلمين؛ حسين كاظم ديدات وزوجته فاطمة.
كان والده يعمل بالزراعة في الهند وأمه تعاونه، ثم انتقل إلى جنوب أفريقيا وعاش فى ديربان، وغير نشاطه فعمل ترزياً (2).
كانت جنوب أفريقيا وقتها تعيش أتعس وأصعب أوقاتها مع محنة الفصل العنصري، وكغيره من أبناء البلاد كان يكتوي "ديدات" كل يوم عشرات المرات بنيران العنصرية.. في الشارع.. في وسائل المواصلات.. في المدرسة.. في البيع والشراء.. في الحياة.. كل الحياة.
في هذه البيئة أخذ الشيخ يسلك حياته، حيث التحق بالدراسة بالمركز الإسلامى فى ديربان لتعلم القرآن الكريم و علومه و أحكام الشريعة الإسلامية، و فى عام 1934 أكمل السادسة الإبتدائية، ثم قرر أن يعمل لمساعدة والده، فعمل فى دكان يبيع الملح, و انتقل للعمل فى مصنع للأثاث فأمضا به أثنا عشر عاما و صعد سلم الوظيفة فى هذا المصنع من سائق ثم بائع ثم مدير للمصنع، وفى أثناء ذالك التحق الشيخ بالكلية "الفنية السلطانية"، كما كانت تسمى فى ذلك الوقت، فدرس فيها الرياضيات و إدارة الأعمال .
نقطة تحول
بعدما قطع ديدات صلته تماماً بالمدرسة الابتدائية وانهمك في عمله بدكان الملح، لم يكن يدري أن ذلك الحانوت الصغير سيكون بمثابة جامعة كبرى لا تقل عن أكبر الجامعات التي تخرج كبار المفكرين.. ففيه تولدت لدى الفتى الصغير كل معاني التحدي والإصرار على التعلم بل والتبحر في العلم لهزيمة كل المنظرين باسم الكنيسة.
كانت نقطة التحول تلك فى الأربعينات من القرن العشرين، و كان سبب هذا التحول هو زيارة بعثة تنصيرية إلى دكان الملح الذى كان يعمل به ديدات و توجيه أسئلة كثيرة عن دين الإسلام ولم يستطع وقتها الإجابة عنها.
ويقال أيضا إن الدكان كان على مقربة من جامعة اللاهوت الكاثوليكية، وفي الطريق إليها غدواً ورواحاً كان الدارسون والمدرسون بالجامعة يمرون بالحانوت فيهزؤون من الصبي الصغير «أحمد» ويسخرون من دينه «الإسلام» ويخوفونه بسيل من السباب اليومي والتوعد بـ «الجحيم»..ويقولون له: أنت مسلم؟!.. دينك باطل.. ونبيك باطل.. وكتابك باطل.. مصيرك إلى جهنم!.
هذه الكلمات أدخلت الحزن في البداية إلى قلب الصبي، لكنها سرعان ما تحولت مع تكرارها اليومي إلى نار ألهبت حماسه للبحث عن الحقيقة.. حقيقة هذا الدين الذي قالوا إنه "باطل" حسب زعمهم- بل وحقيقة ديانة أولئك الذين يروجون هذا الكلام ويلقونه على مسامعه صباح مساء.. فأخذ يوفر من «أجره» الشهري ليشتري كتباً تتحدث عن الإسلام..
إظهار الحق
ووقعت يده على كتاب ثمين هو كتاب «إظهار الحق» (Truth Revealed) للعالم الهندي "رحمةُ الله الكرانوي الهندي"، الذي ألفه أيام الاحتلال البريطاني، حيث زحفت آلات التبشير في العائلات الفقيرة المسلمة، فجذب الكتاب الشيخ "ديدات" وعقله وأيقن أن الإسلام قادر على رد معاقل الفرية، ودخل ميدان المناظرة مع القساوسة والأساقفة وأصبحت قفزته وخطوته في ميدان الدعوة بداية ثورة إسلامية جديدة.
وفيه يرد الكاتب عن كل الدعاوى والأكاذيب التي تروجها الكنيسة ضد الإسلام، وفيه أيضاً يجيب الكاتب عن كل التساؤلات الواردة إليه من مسيحيين هنود بطريقة منطقية قائمة على الأدلة الشرعية.
وفتح كتاب "إظهار الحق" آفاق الشيخ ديدات للرد على شبهات النصارى، وكان بداية منهج حواري مع أهل الكتاب بشكل مؤصل شرعيا، يوافق المنهج القرآني في دعوة أهل الكتاب إلى الحوار و طلب البرهان والحجة.
وأخذ الشيخ يمارس ما تعلمه من هذا الكتاب في التصدي للمنصرين، ثم أخذ يتفق معهم على زيارتهم في بيوتهم كل يوم أحد .. فقد كان يقابلهم بعد أن ينتهوا من الكنيسة.
يقول ديدات: «لقد تعلمت كثيراً من هذا الكتاب وحصلت منه على إجابات مهمة لكثير من الأسئلة المطروحة».
ثم بدأ في شراء نسخ من الأناجيل المتنوعة وانهمك في قراءتها ثم المقارنة بين ما جاء فيها فاكتشف تناقضات غريبة.. وأخذ يسأل نفسه: أي الأناجيل أصح؟!
وواصل وضع يده على التناقضات وتسجيلها لطرحها أمام أولئك الذين يناقشونه بحدة كل يوم في «الحانوت».
وقرر الشيخ أن يدرس الأناجيل بمختلف طبعاتها الإنجليزية، حتى النسخ العربية كان يحاول أن يجد من يقرأها له، و بعد أن وجد فى نفسه القدرة التامة على العمل من أجل الدعوة الإسلامية و مواجهة المبشرين، قرر أن يترك كل الأعمال التجارية و يتفرغ للعمل الدعوي.
الفصل الثاني: تضحيات ومجاهدة في حب الدعوة
كان الشيخ ديدات معروفًا عند المنصرين أنفسهم بأنه دائما يتحدث مع المسلمين بشأن إقامة الصلاة, وتصحيح أى تقصير فى عقيدتهم, و هذا لا يقوم به الا المحب لدعوته الصادق فى حبه.(3)
و يقول رحمه الله: " و لكن أين الدعوة.. المهمة الأصيلة للمسلم ؟.. من مائة ألف صحابي حضروا حجة الواداع لم يدفن فى المدينة إلا عشرة آلاف – أين ذهب الباقون ؟- فهموا معاني الشهادة و التبليغ للرسالة، وانطلقوا فى الآفاق يمتطون خيولهم و جمالهم ينشرون دعوة الله و يبلغونها للعالمين, أدركوا رسالتهم للعالم ولم يكتفوا بالجلوس فى بيوتهم و مساجدهم يقيمون نصف الدين و يتركون النصف الآخر ..... فأجدادك قد أدوا دورهم بينما أنت لا تستطيع أن تحافظ على نفسك و على أبنائك , أخى : إما أن تجاهد فى هذه المعركة وتقف فى وجه هذه القوى أو تقبع مكانك و تنهزم و تنعدم"(4)
وقفيات ديدات
من أجل ذلك وابتداء من عام 1959 م توقف الشيخ أحمد ديدات عن أعماله الحياتية وتفرغ للدعوة بقية حياته، من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات والمحاضرات .
وفي سعيه الحثيث لأداء هذا الدور العظيم زار العديد من دول العالم، وعقد مناظرات مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال : كلارك – جيمي سواجارت – أنيس شروش، لكنه قبل ذلك أنشأ ست وقفيات في ديربان من بينها المركز العالمي للدعوة الإسلامية (IPCI)، والذي يقوم بالتدريب على الدعوة على طريقة «ديدات» حيث تنظم به دورات للدراسين لمدة عامين تتضمن «8 كورسات»، ويقوم بالتدريس فيه علماء ودعاة لدارسين من جميع أنحاء العالم، رجالاً ونساء، ومن جميع التخصصات.
وهناك أيضاً معاهد مهنية لتدريب المهتدين على حرف جديدة مثل النجارة والكهرباء؛ لتعلم حرفة يكسبون بها قوتهم، كما يتم تدريبهم على طريقة أحمد ديدات في الدعوة، وهكذا يسير العمل في مؤسسات ديدات التي تحتاج إلى رعاية وتطوير لتكون على مستوى العصر.
لقد كان الرجل وقت نشاطه وحركته أكبر من أدوات العصر.. فهو لم يمتلك تكنولوجيا ولا قنوات فضائية ولا مواقع إنترنت ومع ذلك أحدث انقلاباً في الغرب بمناظراته الشهيرة.
وظل على سرير المرض يرد على التساؤلات ويقدم التوجيهات لكل من حوله.. ويوصي كل من حوله بمواصلة نشر مناظراته، ونشر كتاب الله بين الناس.
وقال رحمه الله: «لئن سمحت لي الموارد فسأملاً العالم بالكتيبات الإسلامية وبالأخص معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية إلى الغرب الذي يتحدث بالإنجليزية حيث يوجد مسلمون كثيرون».
طباعة معاني القرآن
لقد كان الشيخ ديدات يطمح ويتطلع لطباعة معاني القرآن الكريم، وقد أكد ذلك لمعاونيه في المركز العالمي للدعوة الإسلامية، حاثًّا إياهم على ضرورة طبع معاني القرآن الكريم ونشرها إلى العالم، حيث قال لهم: "ابذلوا قصارى جهدكم في نشر كلمة الله إلى البشرية وهي المهمة التي لازمتها في حياتي».
وفي سعيه الدؤوب لطباعة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية كثيراً ما استشهد الشيخ ديدات بجهود الكنيسة لطباعة الإنجيل إلى 2000 لغة، وكان الشيخ متفائلاً ـ وهو مصيب في ذلك ـ بأن المسلمين سيطورون قدراتهم وإمكاناتهم لطباعة معاني القرآن الكريم بالملايين وتوزيعها في العالم.
ولذلك قصة.. يرويها إبراهيم جادات قائلاً: "في عام 1976م روى لنا الشيخ ديدات أنه رأى في منامه أنه يقدم بيده مليون نسخة من القرآن الكريم لكل من يناظره حول الإسلام.. فأخذ على نفسه عهدا بطباعة وتوزيع مليون نسخة من معاني القرآن في كل مكان يذهب إليه في العالم".
وعندما أصيب بالمرض عام 1996م كان الشيخ قد أتم توزيع 400 ألف نسخة من معاني القرآن قام بترجمتها العلامة المشهور في الترجمة يوسف علي (أشهر مترجم لمعاني القرآن يقيم في بريطانيا).
يضيف السيد إبراهيم: وقد استدعاني الشيخ بعد مرضه وحملني أمانة إكمال هذه المهمة، والحمد لله أقوم بإكمالها بالتعاون مع المركز العالمي للدعوة الإسلامية برئاسة الأستاذ أحمد سعيد مولا الذي أكد مراراً أن المركز تعهد للشيخ بضمان استمرار نشر رسالة القرآن الكريم على نطاق واسع ودون انقطاع (5).
وحاول ديدات، فيما يخص منهجه، أن يقوم بـ "التوريث" لضمان استمرار نهجه في الدعوة إلى الله، فكان إنشاء وقفيات "ديربان" لهذا الغرض.
الفصل الثالث: شبهات النصارى حول دعوته ومسيرته
لم تتعرض حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بالتضييق على أحمد ديدات، لأن الرجل في نظرها كان يتحدث في الدين، والدين فقط ولا يتطرق إلى السياسة.. لا يهاجم حكومة الفصل العنصري ولا يحرض الناس ضدها ولا يدعو لقتالها ولا حتى يذكر اسمها في مناظراته، وهذا ما ساعده كثيراً على مواصلة مسيرته.
ولكن بعد أن ذاع صيت الشيخ وكسبت مناظراته زخما عالميا، بدأ بعض النصارى يلقون الشبهات حول دعوته ومسيرته، فاتهموه بداية بالترويج لعقائد القاديانية, وهي حركة نشأت سنة 1900م بتخطيط من الاحتلال الإنجليزي في القارة الهندية، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص، حتى لا يواجهوا المستعمر باسم الإسلام، وكان لسان حال هذه الحركة هو مجلة "الأديان" التي تصدر باللغة الإنجليزية (6) .
انتشرت هذه الفرية بعد مناظرة الشيخ مع جيمى سواجارت و أنيس شورش من أجل وقف التأثير الكبير الذى اكتسبه الشيخ رحمه الله بعد إقامته الحجة على أكبر القساوسة فى مناظراته المسجلة والمتداولة الى الآن.
و خلال تلك الفترة، وتحديدا في ثمانينيات القرن الماضي أصدر الشيخ بيانا يرد فيه على تلك التهمة قال فيه:"أنا أحمد حسين ديدات, رئيس مجلس الدعوة الاسلامية, أشهد هنا أمام الله, وأنا فى كامل الأهلية التامة للشهادة أن لا اله الا الله, محمد رسول الله..إننى أومن أن محمدا صلى الله عليه و سلم, هو النبى والرسول الخاتم و أنه لا نبى و لا رسول بعده ..إننى أومن أن ميرزا غلام أحمد القاديانى ما هو إلا دجال كافر .إننى أومن أن أولئك الذين يقبلونه كنبي أو رسول أو مجدد أو حتى أنه رجل عظيم, أنهم كافرون و خارجون عن حظيرة الاسلام .
إن كتابى " crucifixion or crucifiction " ( صلب أو صليب) يحوى في خاتمته ما يوضح موقفى فيما أعتقده من عودة المسيح مرة ثانية .
إن مركز الدعوة الإسلامية لم ينشر مطلقًا و لم يوزع و لم يبع أو يشجع على بيع ترجمة محمد أسد لمعانى القرآن الكريم .أسأل الله أن يحمينا من مروجى الإشاعات و مروجى الفساد"... أحمد ديدات
ومما قيل أيضا عن الرجل- الذى دعا الى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة و جاهد فى الله حق جهاده، جهاد الشرفاء النبلاء، و لم يخش الا الله حتى أتاه اليقين- أنه كان سببًا فى إشعال الفتنة الطائفية !في حين أن أصحاب الفتنة الطائفية الذين يشعلون فتيلها دائمًا هم من يسبون الإسلام و رسول الإسلام و يفرح لسبابهم رعاع النصارى (7).
كشف الزيف
كان نشاط الشيخ ومناظراته لونا متفردا من العمل الدعوي المتعلق برد الشبهات وكشف زيف المغالطات التي يبثها كثير من القساوسة، فضلا عن مواجهة حملات التنصير النشطة في كل من الهند والقارة الأفريقية, فكشف زيف القساوسة و بهتانهم, وناظرهم و أفحمهم ... وكان الشيخ يرى أنه "يقوم بواجب عن الأمة الاسلامية , تأثم ان هى غضت الطرف عنه" (8).
لم يجلس الشيخ رحمه الله فى غرفة مغلقة, يتطاول على الأديان وعلى الأنبياء كما يفعل بعض رجال الدين النصراني، بل عرفه العالم كله شجاعًا يجوب أنحاء الأرض و يدعو أكابر الشخصيات و أعلامهم الى كلمة سواء "ألا نعبد الا الله و لا نشرك به شيئًا".
لقد استطاع أن يصدع بقضيته بين المسلمين، ويرغم المنصفين من النصارى وغيرهم على الإقرار بالحق, ويرد على أهل الإفتراءات بكل قوة، رادعًا و ملزمًا إياهم بالوقوف عند قدرهم, بل أقر العديد من كبار النصارى بأنه "رجل تحبه منذ أن تلقاه"(9). وقد أُطلِقت ألقاب عديدة على أحمد ديدات، منها: "قاهر المنصِّرين"، و"الرجل ذو المهمَّة".
الحرية العرجاء
تحت عنوان " ديدات ليس المشكلة بل الحرية العرجاء"، كتب ممدوح الشيخ فى جريدة الدستور المصرية يقول: "تكاد مناظرة الشيخ أحمد ديدات رحمه الله مع القس جيمى سواجارت تكون بداية شهرته الجماهيرية فى مصر، عندما ظهر شريط الفيديو الخاص بها و أحدث ضجة جعلت بعض أكثر العلمانيين إثارة للجدل الصاخب حول قضية حرية التعبير و الرأى يطالبون بالمنع و المصادرة و الإدانة، و لذلك يرى الكثيرون فى ذلك مفارقة, و قبل أن نتعرض لثقافة المناظرات ينبغى الكشف عن الجذور العميقة لهذا الموقف المتناقض, فعندما خلق الله آدم وحواء و أسكنهما الجنة أباح لهما الأكل من كل ثمارها عدا شجرة واحدة .. و عندما استزلهما الشيطان استخدم أسلوبى التزيين و تغيير أسماء الأشياء دون أن يدعوهما مباشرة لمعصية الله ... وفى كل تصور شامل للعالم، سواء كان دينًا أو مذهبا أرضيًا هناك " شجرة محرمة " و فى الرؤية التنويرية العلمانية (المزعومة) يحتل "الدين" موقع الثمرة المحرمة و يتم إسكات صوته أو تأميمه أو هما معًا.
و لعل من الملاحظات الجديرة بالتوقف أن ديدات عاش تجربته فى المناظرة الدينية فى جنوب أفريقيا، وهى دولة كانت نخبتها السياسية أثناء نظام الفصل العنصرى السابق جزءًا من التشكيل الحضارى الإنجلوسكسونى البروتستانتى المعروف برفضه العميق والحاد لظاهرة الإلحاد، فأمكن ديدات أن ينشئ مؤسسة دعوية ويجرى مناظراته و يطبع كتبه و يروجها فى كل أنحاء العالم دون أن يتهمه أحد بإثارة الفتنة الطائفية فى بلد يشكل المسلمون فيه أقلية عددية ( 2% ) ! , كما أن نسبة من مناظراته تمت فى لندن، وهى العاصمة القديمة للتشكيل الحضارى الإنجلوسكسونى البروتستنتى، و مناظرة أنيس شورش التى تولت قيادة هذا التشكيل شأن جيمى سواجارت..المشكلة التى يحاول البعض إثارتها كلما ذكر ديدات، سببها هشاشة المجتمع المصرى، والنفاق الذى تغرق فيه شرائح واسعة من النخبة السياسية, فالسجال السياسى أو حتى الطبقى علامة من علامات الحرية أما السجال العقائدى، فثمرة محرمة لشجرة يتمنون لو تمكنوا من اجتثاثها, و على طريقة النظم الإستبدادية: "نحن ندافع عن خصوصيتنا الحضارية " !.
ومن معالم الخصوصية الحضارية أن تكون الحرية مكفولة لروائى أو مفكر ملحد يتطاول على ذات الله أو ينقض ثوابت الدين نقضًا متسترًا وراء أنه مسلم بالميلاد, فإذا ظهرت مناظرة لديدات أصبح فرسان الدفاع عن حرية الرأى قضاة بمحاكم التفتيش التنويرية و ظهرت أنياب الديمقراطية, و هو عيب خلقى انتقل من النظام للمجتمع فصارت أنيابه الديمقراطية تنهش بلا رحمة كل من تجرأ على الأكل من الثمرة المحرمة "الدين" أو دعا لإخراجه من المعتقل إلى ساحة الشأن العام.
وثقافة المناظرات تعبير عن الإقتناع بضرورة وجود "الكلمة الفصل" فى الشأن العقائدى، أما رفضها فهو من أعراض وباء تحويل وجهات النظر لأديان و التعايش معها دون شعور بتأنيب الضمير ..المشكلة ليست فى ديدات بل فى المجتمع الهش المرعوب و الحرية العرجاء والإقتناع بأن الدين شجرة محرمة يجب اقتلاعها من كل شأن عام حتى نصبح تنويريين"! (10)
عودة المسيح
أثار البعض فرية أخرى مؤدها أن عقيدة الشيخ فى عودة المسيح غير واضحة أو غير ثابتة . فهل كانت عقيدة الشيخ فى عودة المسيح كذلك فعلا؟
أجاب الشيخ عن هذا السؤال بقوله: " إن المسألة هى أن النصارى يزعمون أنه طالما رفع عيسى بالجسد إلى السماء فإنهم يسمونه لذلك الإله أو الله. فهذة وجهة نظر النصارى و هذا هو منطقهم . و لو لم أواجه اليوم بهذة المسألة فقد كان لدى الرد عليها من الكتاب المقدس أيضا.
لو أننى اصطحبت أو أخذت بشرا من بنى آدم الى أي مكان فكيف يجعل ذلك منه إلها؟ و لكن بما أن هذا منطقهم فإنهم يستنتجون أو ينتهون الى ما يلى : "لأن المسيح عيسى رفع بالجسد الى السماء, فإن هذا يجعل منه إلها" . حسنا! دعنا نقبل منطقهم من أجل المجادلة الحسنة! اذا كان هذا ما يجعل من عيسى إلها, فيجب عليكم أن تلتزموا بمنطقكم مرة أخرى.
كم من الوقت مضى على عيسى بعد رفعه إلى السماء؟ ألف و تسعمائة ( 1900) سنة؟ إذا كان هناك شخصا آخر رفع الى السماء من أربعة آلاف سنة وهو لا يزال هناك, ألن يكون هذا الشخص أعظم من عيسى ؟! ألن يكون إلها أعظم؟ خاصة أن النصارى يعتقدون أنه كان على عيسى أن يموت أولا ثم يقوم من الموت, ثم يرتفع او يصعد فى النهاية إلى السماء! فهناك شخص فى الكتاب المقدس بل إن هناك شخصين ارتفعا الى السماء "من غير أن يذوقا الموت"، ففى كتاب النصارى المقدس أن أخنوخ و إيليا كلاهما رفع الى إلسماء "بدون أن يذوقا الموت" (الملوك الثانى 2 :11) و (التكوين 5 : 24)، ووفقًا لفهم النصارى و منطقهم فإن عيسى قبل أن يرفع الى السماء كان عليه أن يموت ثم يبعث إلى الحياة مرة أخرى، ثم يرتفع إلى السماء, وهذا هو المفهوم المسيحى, فإذا كان هذا هو مفهومهم و اعتقادهم فيما يجعل من البشر إلها, فأخنوخ و إيليا هما إلهان أعظم من عيسى لأنهما رفعا إلى السماء "بدون أن يذوقا الموت! " هذا ما يقوله الكتاب المقدس! فهل النصارى مستعدون لأن يعلموا بهذا و يقبلوه ؟!
إنك لن تجد منهم إلا التردد : ماذا ؟ ! ماذا ؟! هذا ما سوف يفعلونه! فهم غير مستعدين لأن يحاوروا ويواصلوا النقاش. أرأيتم ؟! و لذلك فهذا لا يثبت أن رفع البشر الى السماء يجعل منه إلها، لأنه لو كان الأمر كذلك لكان إيليا أيضا قد عبد باعتباره إلها, فلماذا لا تعبدون إيليا ؟! ولكان أخنوخ قد عبد فلماذا لا تعبدون إخنوخ ؟ !
و فيما يتعلق بالسؤال الذى طرح بشأن مسألة صلب المسيح فأعتذر، لأنه كان يجب علي أن أفسر الآية التى جاءت بعد قوله تعالى: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا"، وهو قوله تعالى: "بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا"، و هذا يعنى أن المسيح عيسى عليه السلام لم يذق الموت بل رفعه الله إليه. و أنا أؤمن بعودة المسيح عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة(11).
مهمة التحدي
لم يكن الشيخ أحمد ديدات يعرف الكلل و الملل للسفر في تبليغ خطابه الذي عاهد نفسه على تقديم حياته له, بل كان حريصاً أن يصل كلامه و حجته إلى أكبر عدد من الناس يدعوهم إلى التوحيد, إلى دين الله الخالص, فقد تكلم في أكبر مدن العالم كنيويورك وشيكاغو و لندن وكوبنهاجن, ووصل صوته إلى أقاصي الأرض من أدغال إفريقيا في غينيا و زامبيا إلى أوساط آسيا في هونغ كونغ.. إلى شمال القارة الأمريكية في كندا, و تجمع الآلاف من النصارى لسماع كلامه, ووزع الملايين من النسخ من كتبه مجانا.
ولعل آخر حدث لامع في هذه المسيرة الدعوية قبل أن يقع طريح الفراش, هي رحلته الدعوية إلى أستراليا سنة 1996م, والتي كانت حدثا بارزا هناك, ليس فقط لأن الشيخ أحمد ديدات تحدى كبار علماء اللاهوت وقساوسة أستراليا للمناظرة, و لكن للزمن الذي وافق زيارة ديدات لأستراليا, و هو يوم عيد المسيحيين, يوم الجمعة العظيمة (The Good Friday) اليوم الذي يزعم فيه النصارى أن المسيح قام فيه من الموت بعد حادثة الصلب المزعومة.
استأجر الشيخ أكبر قاعة في سيدني, وألقى محاضرة بها، فاهتزت أستراليا, وقامت ثورة الكنائس ضد أحمد ديدات ولم تقعد, وراحت وسائل الإعلام تلاحق الشيخ حتى في غرفة نومه بالفندق, لتمطره بالأسئلة، كما سودت الجرائد صفحاتها بالتقارير لمهاجمة الحملة الدعوية للشيخ.
وكان رد فعل الشيخ أن قال: "إني سعيد جدا بهذه الحملة والضجة الإعلامية المثارة ضدي, لو لم تكن هذه الأخبار, ما سمع أحد بوجودي في أستراليا ولا جاء أحد إلى محاضراتي و لقاءاتي.. إنها دعاية مجانية من وسائل الإعلام يشكرون عليها"، ثم أضاف قائلاً: "هذا أمر مشجع بالنسبة لي, الجميع ينتقدني, في القنوات التلفزيونية , في الجرائد و الإذاعات, لو كانوا أهملوني و لم يلقوا لي بالاً لما كان أحد سمع أحد بمجيئي إلى أستراليا"(12)
في ذلك الوقت قالت مذيعة أخبار التلفزيون الأسترالي: "إن زيارة أحمد ديدات إلى أستراليا تعتبر إهانة للمسيحيين... في بلد ديمقراطي معروف بحرية التعبير كأستراليا ليست الإهانة في محاضراته, لكن الإهانة في التوقيت الذي اختاره"!
وقد أجرى معه التليفزيون الأسترالي مقابلة قال فيها: "إن الهدف من زيارتي لأستراليا هو أن أعلم الناس, قومي و المسيحيين في هذا البلد على حد سواء، عن العلاقة بين الإسلام و المسيحية, لأن الإسلام هو العقيدة اللامسيحية الوحيدة التي تجعل الإيمان بالمسيح عيسى عليه السلام من أسس هذه العقيدة, و تلزم أتباعها بذلك. لا يكون المسلم مسلما إن لم يؤمن بالمسيح عيسى, إن الكثير من الناس لا يعرفون أن القرآن الكريم يعظم من شأن عيسى عليه السلام, هذا القرآن الذي يدعي البعض أنه من تأليف محمد, ذكر المسيح عليه السلام أكثر من ذكر محمد نفسه!
نحن نؤمن أن المسيح عليه السلام نبي عظيم من أنبياء الإسلام, نؤمن بمولده المعجز الذي لا يؤمن به الكثير من الطوائف و مفكري المسيحية في هذا الزمان, نحن نؤمن بأنه ولد من غير أب, و أنه أحيا الموتى باذن الله, و أنه أبرأ الأكمه و الأبرص باذن الله, الكثير من المسيحيين لا يعرفون أننا نؤمن بكل هذا, الشيء الوحيد الذي يعرفونه هو أننا نختلف معهم, لكن .. لماذا يختلف المسلمون مع المسيحيين؟ هل من أجل أن نتميز عنهم؟ هل من أجل المرح و الفكاهة ؟ مالذي يجعل المسلمين و المسيحيين مختلفون؟
إن المسيحيين يؤمنون بأنه في يوم الصلب, يوم السبت, و يوم الأحد الذي هو يوم الإقامة، هناك ثلاثمائة نبوة من نبوات العهد القديم قد تحققت!, لكني أسأل: و النبوة الكبرى التي لم تتحقق, ماذا نقول عنها ؟ فأنا هنا من أجل هذه النبوة الكبرى التي انفلتت!
سألته المذيعة: لكن المسيحيين في أستراليا مستاؤون جدا, هل لي أن أسألكم: ألا تعتبرونه أمرا حساسا لمشاعر المسيحيين أن تختاروا يوم إقامة الرب يسوع المسيح من أجل تتكلموا و تفندوا مزايا هذا اليوم؟
فأجاب: لا , لا , ليس لي أي نوايا من هذا القبيل, لقد دعيت إلى أستراليا منذ شهور, ولم أستطع تلبية الدعوة إلا في هذا الوقت نظرا لامتلاء برنامجي, لكنها صدفة عجيبة أن يكون موضوعي حول يوم إقامة المسيح في يوم الإقامة عندكم! نعم عجيبة , لكن , لم لا ؟ إنها مصادفة واقعية, لنفرض أنه في يوم عيد الميلاد, وفي بهجة المسيحيين بمولد المسيح, نأتي و نتكلم عن صلب المسيح, و أنه ضُرب, وسُمر و عُلق و أُهين , وبصق على وجهه! إن هذا الأمر غير لائق بالنسبة إلى المسيحييين, أمر لا يفيد, لكن الواقعية تقتضي أن نتكلم عن ميلاد المسيح في يوم ميلاد المسيح, ونتكلم عن مسألة صلب المسيح في يوم صلب المسيح, إن هذه المصادفة أكثر واقعية!!
سألته: لكن ألا تعتبرون أنتم الدعوة التي دعاها سماحة القديس البابا يوحنا و هو في إيران إلى الحوار مع المسلمين, وكان ذلك في شهر ومضان , إلا تعتبرون ذلك مسيئا ؟
أجاب: أبدًا, أبداً, له أن يطلب ما يشاء , في رمضان أو غير رمضان.
سألته: هل لي أن أسألكم, إننا جميعا نؤمن بإله واحد, لكننا نتكلم لغات مختلفة, و نسكن بلدانا مختلفة, و لنا ثقافات مختلفة, لماذا علينا أن نجبر بعضنا البعض على عقيدة واحدة أو منهج واحد؟ أليس لنا أن نتفق مع اختلاف عقيدتنا و أدياننا ؟
أجاب: لا, ليس هناك إجبار أبداً, الإجبار شيء و التبليغ شيء آخر, لكن كل صاحب عقيدة يريد الناس كلهم أن يتبعوا عقيدته, فهو يبلغ و يبشر بعقيدته للناس, المسيحيون يريدون العالم كله أن يكون مسيحيا, هناك حوالي 35 ألف جمعية تبشيرية صليبية في صحارى إفريقيا, يتحملون الشقاء و التعب, هؤلاء مدعومون من الكنائس و المنظمات المسيحية الأمريكية, إنهم يريدون جعل إفريقيا كلها مسيحية, في سنة 1977 كان هناك في إندونيسيا حوالي 6 آلاف جمعية صليبية تبشيرية من أجل تحويل 15 مليون إندونيسي إلى المسيحية, ولقد نجحوا إلى حد ما في ذلك, وهو يطمحون إلى جعل إندونيسيا بلدا مسيحيا, وهذه مهمة و غاية مقدسة عند المسيحيين, كذلك الإسلام, كما أن المسيحية دينا تبشيريا, فالإسلام كذلك دين تبشيري, فكما أن المسيحيين يريدون مشاركة غيرهم في عقيدتهم, كذلك نحن المسلمون نريد مشاركة غيرنا في عقيدتنا, والإسلام – و لا أدري إذا كنت تعرفين- هو الدين الأسرع انتشارًا في العالم, في أمريكا, وبريطانيا , وفي كل مكان في الغرب.
الذي أريد أن أخبر المسيحيين به هو أن ما يعتقدونه في هذا اليوم لم يحدث أبداً, و أدلتي من الكتاب المقدس نفسه! (13)
الرفض الجبان !
مع ضوضاء التحدي والضجة الواسعة للقساوسة ضد رحلة ديدات الدعوية في أستراليا, طلب الشيخ إلى جميع قساوسة أستراليا الانضمام لهذه الرحلة و قبول المناظرة في مسألة صلب المسيح, لكنهم رفضوا جميعا, وطلب الشيخ من جميع طوائف المسيحية في أستراليا المناظرة و الحوار على أن يتحمل جميع تكاليف إيجار القاعات, لكن لم يجد أحمد ديدات قسيسا شجاعا يمكن أن يفند ما جاء به, رغم أن الشيخ وجه هذه الدعوة إلى أكابر القساوسة، و أعالي درجاتهم في الكنيسة الذين يفترض أن يكونوا أعلم الناس بالعقيدة المسيحة وقد أمضوا عقودا من الزمان في البحث و الدارسة.
وهنا صرح راهب الكنيسة الأنجليكانية القديس "بيتر هولينجورث" متسائلا: ماذا لو أحد المسيحيين استأجر قاعة سيدني من أجل الهجوم على محمد وعلى نقد القرآن في وسط رمضان, والهجوم على العقيدة الاسلامية, ماذا سيحدث؟ أقول لكم: لا أمانع من أن انضم إلى سلمان رشدي!
وقال القديس الأعظم الدكتور "هاري غودهيو" :"أرفض المناظرة ليس جبناً و لا ضعفاً, لكن السيد ديدات لم يحترم مشاعر المسيحيين بإعلان دورته التبشيرية هذه في أعظم يوم عند مشاعر المسيحيين".
و يغادر الشيخ أحمد ديدات أستراليا بعد أيام دعوية ألقى فيها محاضرات في سيدني و بريزبان ليعود بعدها إلى جنوب إفريقيا, ولم يلبث طويلا إلى أن سقط طريح الفراش.
الفصل الرابع: نتاج فكري ملأ أركان الدنيا
جاهد أحمد ديدات في سبيل الله كأروع ما يكون الجهاد بالدعوة إلى دين الله بالتي هي أحسن وبأسلوب الإقناع العقلي والدليل المنطقي.
ونشر رحمه الله ما يزيد على عشرين كتابا، ووزَّع ملايين النسخ منها مجَّانا، كما ألقى الآلاف من المحاضرات، فضلاً عن نجاحه في المناظرات مع القساوسة حول الإنجيل، والتي كان من أبرز نتائجها إسلام آلاف البشر(14).
ومن أشهر هذه الكتب:
• ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟
• هل الكتاب المقدس كلام الله ؟
• الاختيار The Choice وهو مجلد متعدد الأجزاء.
• القرآن .. معجزة المعجزات.
• المسيح في الإسلام.
• العرب وإسرائيل صراع أم وفاق؟
• مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء.
• من حرك الحجر؟
• الإله الذي لم يكن.
وغيرها من الكتب التي نفع الله بها الإسلام والمسلمين.
ومن أشهر مناظراته مناظرة "هل صُلب المسيح؟" التي ناظر فيها الأسقف جوسيه ماكدويل في ديربان عام 1981م، وكذلك مناظرته مع القس الأمريكي "سواجارت"، والتي حضرها 8000 شخص، وكانت حول موضوع "هل الكتاب المقدس كلام الله؟" واستطاع الشيخ أحمد ديدات أن يفند بحزم مزاعمه وادعاءاته وقرأ عليه أجزاء كاملة من الإنجيل، وقارن بين نسخه المختلفة في براعة وشدة، وكأنه يعرف عن المسيحية أكثر مما يعرفه القسيسون والرهبان !
أما محاضرات وندوات وحوارات أحمد ديدات فهي عديدة جدا، ومنها على سبيل المثال:
• الإسلام و الديانات الأخرى – تكنيكون ديربان - جنوب إفريقيا- 1983م
• المسيح عليه السلام في الاسلام – ديربان – جنوب إفريقيا - 23 أغسطس 1983 م
• حوار مفتوح مع المسيحية غينا لويس - إذاعة جنيف، السويد، 1987 م
• القرآن أم الحاسوب ؟ ديربان – جنوب إفريقيا 26 أبريل 1991
• ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه و سلم؟ – كيب تاون – جنوب إفريقيا- 1985م
• محمد صلى الله عليه و سلم, الخليفة الطبيعي للمسيح عليه السلام – كيب تاون – جنوب إفريقيا -1985م
• محمد صلى الله عليه و سلم ..الرسول الأعظم، شهادة اليهود و النصارى – كيب تاون- جنوب إفريقيا -1985 م
• العرب و إسرائيل - كيب تاون- جنوب إفريقيا- 1985م
• القرآن الكريم معجزة المعجزات – أبو ظبي –الإمارات – 5 يوليو 1987م
• حادثة الصلب - حقيقة أم خيال؟ - كيب تاون – جنوب إفريقيا - 1985م
• الإسلام و المسيحية.. مناقشة بين أحمد ديدات و جاري ميلر- كيب تاون – جنوب إفريقيا - 1985م
• العلاقة بين الله والانسان في الاسلام - لندن - بريطانيا - 1985م
• مناظرة أحمد ديدات و فلويد كلارك– هل صلب المسيح حقا ؟- قاعة ألبرت الملكية- لندن- بريطانيا 7 يوليو 1985م
• "احتمالات الإله"- لقاء ديدات في مع إذاعة "بي بي سي"– لندن -بريطانيا 1985م
• لقاء مع تلفزيون الشرق الأوسط - 1985
• المسيحية و الاسلام- جامعة جنيف - سويسرا - 17-03-1987 م
• مناظرة أحمد ديدات و الدكتور أنيس شروش - هل المسيح هو الله ؟ قاعة ألبرت الملكية - لندن - بريطانيا – 15 ديسمبر 1985م
• المسيح عليه السلام في المسيحية والإسلام - جامعة ويجيتا ستايت – الولايات المتحدة الأمريكية - 1986م
• مناظرة أحمد ديدات مع جيمي سواغارت- هل الكتاب المقدس كلام الله ؟- جامعة لويزيانا - الولايات المتحدة الأمريكية – 3 نوفمبر 1986م
• المسيح عليه السلام- رسول الاسلام العظيم- توسكون - أريزونا – الولايات المتحدة الأمريكية - 1986م
• دعوة أم اجبار ؟ نيويورك- الولايات المتحدة الأمريكية – 14 نوفمبر 1986م
• مناظرة أحمد ديدات مع روبرت دوغلاس – الصلب : حقيقة أم خيال ؟ - أمريكا 1986م
• طريق ووسائل المنصرين – محاضرة في جزر المالديف، 8 ديسمبر 1987 م
• محمد صلى الله عليه و سلم ، الرسول الأعظم- كراتشي – باكستان - 1988م
• مناظرة أحمد ديدات و البروفسور "فان روي": الاسلام و المسيحية، بوتشيفستروم - جنوب إفريقيا
• ضيف مسيحي في مسجدك - حوار مفتوح في مسجد رايفر سايد – ديربان- جنوب إفريقيا - 1988 م
• هل المسيح بشر, روح أم إله ؟- مسجد ريجن بارك - لندن- بريطانيا - 1988 م
• المسيح عليه السلام و محمد صلى الله عليه و سلم – دراسة مقارنة – برادفورد - بريطانيا - 11 أغسطس 1988م
• الدعوة في الولايات المتحدة الأمريكية- أطلنطا - أمريكا- 1988م
• سلسلة محاضرات في الكويت - فبراير 1989م
• التبشير المسيحي في العالم - الشيراتون - قطر- 11 أبريل 1989
• نقاش: أحمد ديدات و بول فيندلي : هل إسرائيل تعمل من أجل الاضطهاد ؟ - كيب تاون – جنوب إفريقيا- 3 أغسطس 1989
• هل يجب أن يموت سلمان رشدي ؟ رؤية شرعية اسلامية- كيب تاون - جنوب إفريقيا - 23 يونيو 1989م
• الخطط الجديدة في أساليب المنصرين- كيب تاون- جنوب إفريقيا- 29 يونيو 1989م
• مناظرة أحمد ديدات و القس ستانلي شوبرج - هل الكتاب المقدس كلام الله ؟ - ستوكهولم - السويد - 27 أكتوبر 1991 م
• الاسلام – رسالة الحق – كوالالمبور - ماليزيا - 1991م
• مناظرة أحمد ديدات و القس إريك بوك : هل المسيح هو الله ؟ - كوبنهاجن - الدانمارك - 2 نوفمبر 1991م
• محاضرة الشيخ أحمد ديدات إلى المستثمرين الإماراتيين في جنوب إفريقيا - 3 يونيو 1992م
• مناظرة الشيخ أحمد ديدات مع الجنود الأمريكيين - البحرين - 19 يرنيو 1993 م
• إظهار الحق - النادي الثقافي - مكة - المملكة العربية السعودية- نوفمبر - 1994م
• ما هو الكتاب المقدس ؟ - مركز الملك فيصل - الرياض - المملكة العربية السعودية
• محاضرة مفتوحة في جدة - المملكة العربية السعودية
• التحدي الأخير و النداء الرائع - الجبيل - المملكة العربية السعودية
• سلسلة محاضرات رحلة كينيا - 1995م
• المسيحية، اليهودية, الاسلام ، أيها يقدم الحلول لمشاكل العالم ؟ - لندن - يونيو 1995م
• مفهوم الإله في الاسلام و الهندوسية - 26 يوليو 1995م
• الطلبة المبشرون - ديربان - جنوب إفريقيا- 1996م
• الجمعة الحزينة - مالذي جعلها حزينة ( تفنيد مسألة قتل المسيح) - سيدني - أستراليا - 5 أبريل 1996م
• المسيح في الإسلام- سيدني - أستراليا- 9 أبريل 1996م
هذا بجانب محاضرات ومناظرات عديدة ما زال صداها يتردد حتى اليوم في كل من السعودية وباكستان وجنوب أفريقيا وكينيا وبريطانيا وسويسرا وأمريكا وماليزيا وغيرها من دول العالم.
ونتيجة هذه الجهود الضخمة مُنح الشيخ رحمه الله جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986 م وأُعطِي درجة " أستاذ".
الفصل الخامس: مدرسة باقية وتلامذة مؤثرون
رفقاء الدعوة
سافر الشيخ الى باكستان فى عام 1949م من أجل المال، فقد وجد أنه لكى يجمع مبلغا يفيض عن حاجته لإنفاقه فى الدعوة كان عليه أن يسافر، و فعلا مكث فى باكستان لمدة ثلاث سنوات، عمل خلالها فى مصنع للنسيج، وبعدها كان لابد من العودة الى جنوب أفريقيا وإلا فقد تصريح الإقامة بها، لأنه ليس من مواليد جنوب أفريقا، وعندما عاد الى ديربان أصبح مديرًا لنفس المصنع الذى سبق أن تركه قبل سفره، ومكث حتى عام 1956 يعد نفسه للدعوة الى الدين الحق.
ذات يوم تعرف ديدات على صديق عمره الأول «غلام حسن فنكا» من جنوب إفريقيا، الحاصل على الليسانس في القانون والذي يمتلك مصنعاً كبيراً للأحذية.
وقد جمعت بين الرجلين صفات عديدة.. الأخلاق العالية.. رقة المشاعر.. والاهتمام بقضية الإسلام والاتهامات المروجة ضده على أوسع نطاق.
تزامل غلام حسين فنكا مع ديدات في رحلة البحث والدراسة والقراءة المتعمقة في مقارنات الأديان، وساعده كثيراً في التحصيل العلمي، وكان بمثابة السند الأقوى ـ بعد الله سبحانه وتعالى ـ الذي عضده ووقف إلى جواره طوال مسيرته العلمية.. في تلك الآونة كانت مَلَكة المناظرة قد نضجت لدى أحمد ديدات من خلال مناقشاته اليومية التي تطورت إلى مناظرات ضيقة تم تنظيمها بينه وبين العديد من القساوسة في مدن وقرى صغيرة داخل جنوب أفريقيا.
وأصبحت الدعوة تملك على السيد حسين غلام كل وقته، فقرر التفرغ تماماً ليكون إلى جوار ديدات عام 1956م، واتفق الرجلان في العام نفسه على تأسيس مكتب «الدعوة» في شقة متواضعة في "ديربان" ومنه انطلقا إلى الكنائس والمدارس المسيحية، وإلى القرى والمدن داخل جنوب إفريقيا، حيث قام أحمد ديدات بمناظراته المبهرة والمفحمة.
لقد جاب البلاد بطولها وعرضها، ومعه رفيق دربه حسين غلام، وأحدث انقلاباً في الوسط المسيحي داخل الكنائس والمدارس والمجتمع كله، فقد هز مفاهيم ومعتقدات راسخة ومقدسة واستطاع تغييرها، وأحدث ثغرة كبيرة داخل الكنيسة بعد أن تحول المئات بإرادتهم إلى الإسلام إثر حضور مناظراته أو بعد زيارته في مكتبه الذي تحول إلى منتدى للزائرين الوافدين إليه من كل مكان.
ثم تعرف ديدات بعد ذلك إلى صالح محمد، وهو من كبار رجال الأعمال المسلمين في مدينة "كيب تاون"، والذي كان يمتلك سلسلة من المحال التجارية.
ومدينة كيب تاون هي من المدن التي بها كثافة سكانية من المسلمين وبها أغلبية قوية ومنظمة جداً من النصارى، وهي مدينة ذات موقع مهم ولها جاذبيتها وأهميتها التجارية والسياسية.
وقد كانت أوضاع المسلمين عادية قبل أن يزورها أحمد ديدات، وعندما دعاه صديقه الجديد صالح محمد لزيارة المدينة تغير الحال هناك، لقد رتب صالح محمد لديدات أكثر من مناظرة مع قادة النصارى في المدينة، وأصبح وجود ديدات فيها من كثرة المناظرات شبه دائم وتمكن ديدات من خلال مناظرته من تبوؤ مكانة كبيرة بين سكان المدينة جميعاً الذين تدفقوا على مناظراته حتى أصبح يطلق على «كيب تاون» مدينة أحمد ديدات.
وفي مدينة "ديربان" كان الشيخ يحاضر صباح كل أحد محاضرات دعوية، وكان جمهوره صباح كل أحد ما بين مائتين إلى ثلاثمائة فرد ، وكان جمهور المحاضرات في ازديادٍ دائماً، واقترح عليه شخص إنجليزي اعتنق الإسلام اسمه "فيرفاكس" أن يعلم الحضور كيفية استخدم الكتاب المقدس في الدعوة إلى الإسلام.
واستمرت دروسه لحوالي شهرين ثم تغيب، ولاحظ الشيخ الإحباط وخيبة الأمل على وجوه الشباب، فاقترح عليهم الشيخ أن يملأ الفراغ الذي تركه "فيرفاكس"، وأن يبدأ من حيث انتهى، وظل الشيخ لمدة ثلاث سنوات يتحدث إليهم كل أحد.
ويصف الشيخ تلك الفترة بقوله: "كانت هذه التجربة أفضل وسيلة تعلمت منها، فأفضل أداة لكي تتعلم هي أن تُعَلِّم الآخرين...إن سرّاً عظيماً يكمن وراء ذلك، فإنك إذا بلَّغت وناقشت وتكلمت، فإن الله يفتح أمامك آفاقاً جديدةً، ولم أدرك قيمة هذه التجربة إلاَّ فيما بعد" .
ثم صار حسين غلام وصالح محمد ملازمين لديدات في حله وترحاله، وأصبح الرجلان يمثلان جناحي طائر ينطلق بهما إلى الفضاء محلقاً في جولات ناجحة ومناظرات فتحت عشرات الآلاف من القلوب والعقول للإسلام فاهتدت إليه..
الجناح الأول ـ حسين غلام ـ لازمه في البحث والدراسة والقراءة وكان ساعده الأيمن.
والجناح الثاني ـ صالح محمد ـ كان يتولى ترتيب المناظرات من الألف إلى الياء ويتحمل أي تكاليف.
وقد طاف ديدات معظم مدن جنوب إفريقيا، حيث أعدت له مناظرات عديدة وأصبح اسمه يتزامل في الشهرة والجاذبية مع اسم نيلسون مانديلا الذي كان يخوض نضالاً سياسياً لتحرير بلاده من داخل زنزانته.
أسرته على طريق دعوته
ولم يكن علمه الغزير الذي امتلكه ولا رفيقاه العامل الوحيد في نجاحه هذا، وإنما كان لزوجته السيدة حواء- التي وقفت إلى جواره منذ أول لحظة ـ دور أيضاً، فقد قامت على رعاية بيته البسيط وتربية الأبناء تربية إسلامية صالحة حتى أصبحوا ذوي شأن.. فإبراهيم الابن الأكبر أصبح مهندساً للكهرباء، ويوسف أصبح رجل أعمال ناجحاً، أما زهرة الابنة الوحيدة فقد توفيت عن أربعين عاماً عام 1993م.
ورغم اشتغال ولديه بمهن مدنية إلا أنهما مهتمان كثيراً بالإسلام والدعوة الإسلامية.
وربما يقودنا الحديث عن أسرة ديدات الصغيرة إلى الحديث عن أسرته الكبيرة في سطور. فرغم أن والده (الشيخ حسين) كان يعمل «ترزياً» ورغم أن أحمد ديدات الابن الكبير ترك التعليم ليساعد والده على تحمل نفقات الحياة وتربية إخوته، إلا أن الوالد حرص على تعليم بقية أولاده تعليماً جيداً، فأخوه عبدالله أرسله والده إلى مصر عام 1956م للدراسة في الأزهر الشريف، وهناك تعرف على الحركة الإسلامية وعاد إلى جنوب إفريقيا ليؤسس مع إخوة له «حركة الشباب المسلمين» المعروفة في جنوب إفريقيا.
أما شقيقه الثاني قاسم فهو رجل أعمال معروف في جوهانسبرج، أما شقيقه الثالث عمر فهو حاصل على الثانوية ويعمل في استيراد الماكينات من الخارج، ورغم انشغال إخوته جميعاً بأعمالهم الخاصة إلا أنهم جميعاً مهتمون بالدعوة والعمل الإسلامي.
وهكذا صنعت أسرته الصغيرة وأسرته الكبيرة بيئة جيدة.. مدته بعوامل النجاح في أداء رسالته.
تلامذة ورثوا الدعوة
وسيظل للعلامة ديدات رحمه الله أثرا باقيا الى أن يرث الله الأرض و من عليها، فلن ينساه المسلمون و لن يهمله التاريخ العالمى الصادق و المنصف بل و المتحزب !
فاليوم مدرسته الدعوية منتشرة فى كل بقاع المعمورة، تدعو إلى الإسلام بالحكمة و الموعظة الحسنة و تدفع بأس الظالمين المفترين على الإسلام بالحجة البالغة.
لقد كان رحمه الله يقول "سوف يأتى بعد ديدات من هم أفضل من ديدات "!.(15)
وصدق فيما قال، فقد علَّم ديدات العديد من التلاميذ الذين ساروا على دربه، ومضَوا في طريق الجهاد في سبيل الله تعالى ضد المنصِّرين والقساوسة، من أبرزهم الدكتور ذاكر نايك، والذي قال عنه ديدات: "ما قمتُ به في أربعين سنة، قام به ذاكر في أربع سنوات!".(16)
و ذاكر عبد الكريم نايك - لمن لا يعرفه- هو داعية وخطيب ومُناظر إسلامي هندي من أهل السنة والجماعة، ولد في 18 أكتوبر 1965. وهو طبيب أيضاً، ولكنه منذ عام 1993م ركز على الدعوة الإسلامية، وكان أحد الطلاب النجباء للشيخ أحمد ديدات، وهو مدير مؤسسة البحث الإسلامية (بالإنجليزية: Islamic Research Foundation أو IRF) في الهند. والحائز على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لعام 1436 هـ، 2015 م .
وعادةً ما يتحدث ذاكر عن مواضيع مثل الإسلام والعلم الحديث، الإسلام والمسيحية، الإسلام والعلمانية، الإسلام والهندوسية، الدعوة الإسلامية، والشبهات حول الإسلام.
وقد ألقى أكثر من 1000 محاضرة، في كل من الهند وأمريكا وكندا وبريطانيا والسعودية والبحرين وعمان والإمارات وقطر والكويت وجنوب أفريقيا وموريشيوس وأستراليا وماليزيا وسنغافورة وهونغ كونغ وتايلند وغيانا (في أمريكا الجنوبية) ودول أخرى. وقد أصبحت له شعبية عالمية.
ومن أشهر مناظراته تلك التي عقدت في 1 أبريل 2000 ضد وليام كامبل في مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة تحت عنوان "القرآن والإنجيل في ضوء العلم".
حاز نايك على شهرة كبيرة لأسباب كان من بينها قدرته على تذكر الشواهد من القرآن والحديث والكتب المقدسة الأخرى للمسيحيين واليهود والهندوس والبوذيين بعدة لغات، فمن عادته أثناء خطبه أو مناظراته أن يستشهد مثلاً بآيات قرآنية مع ذكر رقم السورة ورقم الآية التي يستشهد بها من ذاكرته، أو أن يستشهد بحديث نبوي مع ذكر الكتاب الذي ورد فيه ورقم الحديث في ذلك الكتاب، وهو ذات الأمر الذي يفعله عند الاستشهاد بالكتب المقدسة الأخرى(17).
على خطى ديدات
وتأثرا بمدرسة "ديدات" الدعوية، أطلق بعض نشطاء الانترنت العرب مشروعا منذ سنوات لإنشاء "لوبي" إسلامي كان من بين أهدافه:
• الدعوة إلى الإسلام.
• مواجهة التنصير.
• إغاثة المسلمين في أنحاء العالم.
• دعوة المقصرين من المسلمين.
• الدفاع عن قضايا المسلمين كالقضية الفلسطينية و فضح ممارسات الصهاينة
• تحسين صورة الاسلام.
• دفع التنمية في العالم الاسلامي و مواجهة البطالة.
الفصل السادس: بأي صفات عاش "ديدات" ..و علام فارق الدنيا ؟
التواضع.. أقصر طريق إلى القلوب
كانت صفات الشيخ أحمد ديدات الشخصية، العامل الأكبر في نجاحه، إذ كيف يلتف الناس حول داعية لا يتوافر فيه من الصفات الأخلاقية ما يجذبهم إليه حتى وإن كان ذا علم غزير؟..
إن أهم ما كان يتمتع به ديدات ويجذب الناس إليه حسن الاستماع، وحسن الإجابة، وحسن الصبر على من أمامه.. ورغم ما حققه من شهرة واسعة، فقد ظل محتفظاً بخلقه السامي وتواضعه وبساطته في ملبسه وفي حياته، حتى إنه ظل يستخدم سيارة صغيرة من طراز «فولكس فاجن» حتى أقعده المرض.
ومع بساطته وتواضعه امتلك ديدات صفات خاصة ساعدته كثيراً على نجاح دعوته وجذبت إليه الناس كثيراً وأبرزها: الدقة في تنفيذ ما يقوم به من عمل، والحرص على النظافة والنظام في كل أموره، وبالإضافة إلى أنه خلوق وكريم واجتماعي فهو دقيق الملاحظة لا يترك شاردة ولا واردة إلا لاحظها بدقة وتوقف عندها.
هذه العوامل كلها- الشخصية والبيئية المحيطة به وأصدقاؤه الذين تجردوا للعمل معه في رحلته الدعوية- كانت وراء نجاحه، ولذلك فإنه قبل أن يخرج إلى العالم في أول مناظرة عالمية عام 1977 بقاعدة لندن الكبرى «ألبرت هول» كانت جنوب إفريقيا كلها تعرفه جيداً بعد أن عاينت فيه مناظراً من طراز فريد، لكن صديقيه غلام حسن فنكا وصالح محمد كانا قد توفيا إلى رحمة الله، وبقي تلامذته الذين تكاثروا وصاروا بالمئات، ومساعدوه الذين صاروا بالعشرات وكان أقربهم إليه هو السيد إبراهيم جادات.
إن أهم ما تمتع به ديدات "تواضعه"، وكل من عايشه أو تعامل معه عن قرب انتبه إلى هذا الملمح فيه؛ ما ساعده على نجاح دعوته وجذب الناس إليه، بالإضافة إلى ذكائه الاجتماعي فهو دقيق الملاحظة، لا يترك شاردة ولا واردة إلا لاحظها بدقة وتوقف عندها.
هذه العوامل الشخصية والبيئية المحيطة به تضافرت مع إخلاص ووفاء أصدقائه الذين جردوا أنفسهم للوقوف وراءه في رحلته الدعوية.. ساعدت في صياغته وإنضاجه وجعلت منه نموذجا للداعية المسلم (18).
على خطى أحمد ياسين
وبعد أن طاف ديدات العالم بمناظراته الناجحة التي فتحت الباب أمام الآلاف لدخول الإسلام، وأجاب فيها للغرب عن كل التساؤلات، وبدد فيها كل التشكيكات وفند كل الاتهامات ورد الأباطيل، قدر الله أن يرقد مريضا بالشلل في كل أعضاء جسده عدا رأسه.. فاستضافته المملكة العربية السعودية 4 أشهر للعلاج بأكبر مستشفياتها، لكن قدر الله أن ظل الجسد عليلاً لكن الذاكرة والوعي كما هما، فأعيد مرة أخرى إلى بيته في ديربان، وهناك واصل دعوته من فوق سرير المرض إذ شبهه تلامذته بالشيخ أحمد ياسين الذي فجر حركة الجهاد في فلسطين وهو مشلول قعيد إلا من رأسه ولسانه.
ورغم رقدته على فراش المرض، حتى كاد العالم ينساه إلا أن الجماهير في العالم كله لم تنسه.. إذ تؤكد إدارة مكتبه في ديربان أن متوسط الرسائل بالبريد والفاكس والإنترنت والمكالمات الهاتفية التي كانت تصل إليه يوميا لم يكن يقل عن 500 رسالة، وهي في معظمها تطلب نسخاً من مناظرات الشيخ وكتبه، كما كان متوسط زائري مسجده الكبير في ديربان من الأجانب أربعمائة سائح يتم استقبالهم وضيافتهم من قبل تلامذة ديدات وإهداؤهم كتبه ومحاضراته ومناظراته.
صلابته أمام المرض .. ورحيله
فى عام 1996م، وتحديدا في شهر أبريل، وبعد عودة الشيخ من استراليا أصيب بالمرض الذي أقعده طريح الفراش طيلة تسع سنوات.
وعن بداية إصابة الشيخ ديدات يقول صهره "عصام مدير" : "إنه أصيب بجلطة في الشريان القاعدي بسبب عدة عوامل، في مقدمتها أنه مريض بالسكر منذ فترة طويلة، وأجهد خلالها نفسه في الدعوة كعادته..ولكن في ذلك الشهر تحديدا أخذ رحلة مكوكية للدعوة، وكانت رحلته الأولى إلى أستراليا التي تحدث عنها الإعلام الاسترالي، لأنه ذهب لعرض الإسلام عليهم وتحدى عددا من المنصرين الاستراليين الذين أساءوا للإسلام، وعندما عاد حدث له ما جرى واصيب بجلطة في الدماغ"
لم يستسلم الشيخ للمرض الذي أصابه ويتوقف عن الدعوة، فأصبح يرد على الرسائل والاستفسارات التي تأتيه، وكان يتواصل مع أسرته وضيوفه بواسطة لغة خاصة تشبه النظام الحاسوبي, فكان يحرك جفونه سريعا وفقا لجدول أبجدي يختار منه الحروف، ويكون بها الكلمات، ومن ثَم يكون الجمل.
و فى صباح يوم الإثنين الثالث من رجب 1426هـ، الثامن من أغسطس 2005م لاقى الشيخ ربه عن عمر يناهز 87 عاما بمنزله في منطقة فيرولام بإقليم كوازولو ناتال بجنوب أفريقيا، بعد أن أقام الحجة على النصارى وجاهد في سبيل الدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة مرسلاً رسالة سامية إلى كل شعوب الدنيا يخبرهم فيها بأن الإسلام هو دين العقل والمنطق، وهو دين المحبة والسلام (19). , فعليه من الله جزيل الرحمات وواسع المغفرة و الكرامات.
وصيته للمسلمين
لم يورّث الشيخ ديدات دينارا ولا درهمًا، ولا أسهمًا ولا عقارًا، وإنما ترك لمن بعده سفرًا مشرقًا من كنوز الدعوة وطرائق الجدل، وأساليب المناظرة ووسائل دعوة أهل الكتاب. كانت الدعوة إلى الله همّه الذي لا يفارقه، حتى وهو على فراش المرض؛ فكانت بيئة الأطباء والمساعدين والموظفين في المستشفى الميدان الوحيد الذي واصل فيه رسالته، ومارس فيه مهمته حتى وضع له الأطباء نظامًا خاصًا للتخاطب مع الآخرين ومحادثتهم - كما أشرنا سابقا- ليرفق بنفسه التي طالما أجهدها في سبيل الله.
وكانت وصية الشيخ للمسلمين كافة وهو يودّع الدنيا: "اتقوا الله في رسولكم ونبيكم"، بعد أن أبلى بلاءً حسنًا في الدفاع عن محمد – صلى الله عليه وسلم-، والرد على القساوسة والإنجيليين وغيرهم، ممن أرادوا صدّ الناس عن الحنيفيّة السمحة.
ولئن كان الشيخ يمارس الدعوة إلى الله في وقت الرخاء، فإنه ترك لمن بعده مواصلة الرسالة في وقت تقطّعت بالدعاة السبل، وبلغت قلوبهم الحناجر.. يرون الأرض تضيق عليهم بما رحبت، بيد أن العزاء في العزيمة، والرجاء في الإرادة، والأمل في نبذ اليأس، حتى ولو كان الحمل ثقيلاً، والأمانة عظيمة. فلنتذكر دائمًا وصيّة الشيخ(20).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- شعبان عبدالرحمن ، الشيخ أحمد ديدات.. قصة يحكيها أحد حوارييه... «صبي البقال» الذي أصبح أشهر مناظري القرن" ، موضوع منشور في مجلة "المجتمع"، 2002م.
2- "ويكيبيديا"...الموسوعة الحرة، بدون تاريخ.
3- حوار مع ديدات فى باكستان، أجراه الصحفى "تينيز أرينا"
4- أحمد ديدات، كتاب " بين الإنجيل و القرآن، ص 10- 11"
5- شعبان عبدالرحمن ، الشيخ أحمد ديدات.. قصة يحكيها أحد حوارييه، مصدر سابق.
6- نقلا عن موسوعة الأديان و المذاهب المعاصرة، لمجموعة من العلماء.
7- أحمد ديدات، "هذه سيرتى و مسيرتى"
8- أحمد ديدات، " بين القرآن و الإنجيل"، مصدر سابق، ص 14- 26
9- المصدر السابق
10- ممدوح الشيخ، "ديدات ليس المشكلة بل الحرية العرجاء"، مقال في جريدة "الدستور" المصرية. العدد 22، 12 رجب 1426 هـ، 17 اغسطس 2005 م.
11- من كتاب "هل عيسى إله أم بشر أم أسطورة ؟، مجلة المختار الاسلامى، ص 113 – 118
12- موقع أحمد ديدات، تقرير حول رحلة أستراليا وما تابعها من ردود أفعال في الأوساط المسيحية هناك.
13- من مقابلة لتليفزيون أستراليا مع الشيخ أحمد ديدات، 1996م.
14- موقع إسلام أون لاين - بتصرف وتعديل
15- من مقدمة حوار ديدات فى باكستان، للصحفى "تينيز أرينا"
16- موقع إسلام أون لاين، المصدر السابق
17- "ويكيبيديا"...الموسوعة الحرة، بدون تاريخ.
18- شعبان عبد الرحمن، أحمد ديدات.. شيخ المناظرين، مجلة "المجتمع"، الكويت، 24 نوفمبر 2002م.
19- موقع "الجزيرة نت"، موقع الشيخ أحمد ديدات - بتصرف.
20- د. محمد بن سعود البشر، مقال بعنوان "لنتذكر وصية الشيخ"، 16 أغسطس 2005م.