أغلى كارت شحن..النظام المصري ينتفض بعد جمع 11 مليون جنيه لعمل خيري!
الاثنين - 9 مايو 2022
في الساعات الأخيرة من شهر رمضان الكريم، نشأ "تريند" فريد في مصر مغاير للنمط الإعلاني والاستهلاكي الذي يراد أن يكون قريناً لهذا الشهر.
فتاة مصرية، أبت أن تكشف عن هُويتها، تواصلت مع السيدة هبة راشد، المسؤول الأول عن مؤسسة "مرسال" الخيرية في مصر، متسائلة عما إذا كان بإمكانها التبرع بكارت شحن من شركة "فودافون" لصالح قسم الرعاية الطارئة للأطفال حديثي الولادة في المؤسسة؛ نظراً لأنها لا تمتلك نقوداً يمكنها التبرع بها بشكل مباشر.
نشرت راشد نص الرسالة على "فيسبوك"، تشجيعاً للناس على المشاركة في مزاد علني على شراء الكارت في تلك الأيام المباركة، مع الحفاظ على هوية الفتاة سرية كما هي، وإذا بالكارت البسيط يتحول إلى محفل خيري عظيم، بعد تباري المتطوعين في رفع سقف ثمن الكارت، ودخول فودافون بنفسها إلى المنافسة عبر التبرع بجنيه أمام كل جنيه من الأفراد، إلى أن تجاوز الثمن المبدئي للكارت 11 ملايين جنيه مصري في ظرف ساعات.
إلى هنا فكل شيء على ما يرام وأفضل، اتحاد مجتمعي فعال حول مشروع خيري موثوق، ومسألة الموثوقية هي أحد أبرز التحديات أمام المؤسسات من ذلك النوع، تخضع للمراقبة الحكومية، وتنجح في إثارة روح تكافليّة جميلة في أيام مباركة تعتريها ظروف اقتصادية بالغة السوء.
المشكلة أن تلك الواقعة الفريدة لم تستنفر أجهزة الدولة المعنية إلا لإصدار بيان ملأه الشك والتحفُّز ضد تلك الحملة، مُذيلاً بعبارات "بارانويديّة" عن دورها في تتبع ورصد هذا النوع من الحملات، وهو ما اضطر المؤسسة الخيرية إلى إصدار بيان مقابل تذكّر فيه تلك الأجهزة بأنها مُشهرة قانونياً، وقد استوفت كل التراخيص اللازمة للقيام بمثل تلك الحملات، فضلاً عن الثقة العامة فيها.. فأين الخلل؟
"أمننة" العمل الخيري: كل شيء مُراقب
تعكس لنا تلك الواقعة طيفاً من الملامح المهمة في علاقة نظام الـ 3 من يوليو/تموز 2013 بالعمل الخيري، والأهلي، والجماعي، على التوالي، تلك العلاقة التي تبلورت سريعاً بمجرد صعود ذلك النظام إلى الحكم.
فالنظام المصري ينظر إلى شبكات الدعم والتكافل الاجتماعي تلك من عدة زوايا تقوده جميعاً إلى التعامل معها بحذر شديد وتغليب القلق على الدعم وتفضيل الأمني على التكافلي، والسعي المحموم إلى إخضاعها لقدر هائل من التعقيدات والإجراءات لضمان أن تلك الأموال خاضعة لرقابة الأمن السياسي أولاً، وأنها مرصودة اقتصادياً ضمن تصنيف فوائض المال لدى المصريين والاقتصاد غير الرسمي.
1. إحدى أبرز الزوايا التي ينظر من خلالها ذلك النظام، المتوتر من كل شيء، إلى شبكات التكافل الاجتماعي، هي كونها بوابة خلفية محتملة لإحياء النشاط الميداني لخصومه السياسيين من التيار الإسلامي، والذين طالما برعوا في تلك المساحة، مساحة: الإغاثي والخيري والتكافلي، فكان ذلك أحد أبرز أسباب قوتهم وقربهم من الناس، تماشياً مع المضامين الإسلامية الحاثّة صراحة على التعاون على البر.
لذا في وقت مبكر للغاية من عمر التحول السياسي القسري الذي حدث قبل 9 أعوام تقريباً، حرص ذلك النظام على اتخاذ حزمة من الإجراءات، تشريعياً وميدانياً، بهدف تقويض ذلك الدور الاجتماعي لخصومه، تحت لافتة تفكيك الاقتصاد الموازي للإسلاميين، وذلك عبر جهات معينة مثل وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة الأوقاف والجهات المنوط بها فرض الرقابة المالية. أدى ذلك إلى السطو على البنية التحتية الخيرية لعشرات المستشفيات والمدارس والمراكز الخيرية، وتفكيكها أو نقل ملكيتها وإدارتها إلى تلك الجهات الحكومية.
2. الزاوية الثانية التي ينظر عبرها النظام إلى تلك الأنشطة وتدفعه إلى التربص الدائم بها هي زاوية "الاقتصاد غير الرسمي"، فهذا النظام منذ لحظات تشكله الأولى هو اقتصاد فقر وأزمة، يدعو قائده منذ 2014 إلى تقسيم الرغيف على 4 أجزاء، ويعمل على جرد كل مصادر المال، ويتمنى شخصياً لو كان سلعة يمكن بيعها، فيما تعني ثقافة التبرع، في المقابل، أن هناك فائضاً مالياً لدى شرائح من المجتمع، ومن ثم فإن ما يحتاجه الوطن يحرم على الجامع طبعاً.
في هذا السياق، سياق استدعاء حالة الفقر وإبراز ضرورة إخضاع تلك الأموال الفائضة عن حاجة المجتمع للإشراف الحكومي، قال السيسي إنه تبرع بجزء من راتبه إلى الدولة، وإنه ينتظر في المقابل أن يقوم المواطنون على الأقل بالتبرع "بالفكة" التي تقدر بالمليارات إذا جُمعت من المواطنين، داعياً إلى توجيه تلك الأموال إلى المؤسسة الرسمية التي أسسها النظام لكي تتولى، تحت إشرافه شخصياً، إدارة ذلك المال الفائض عن حاجة المجتمع: صندوق تحيا مصر.
ضمن تلك الحملة القومية لتوجيه الفوائض المالية المجتمعية إلى مؤسسة رسمية مختومة بختم النسر وتابعة لسيادته مباشرة، التقى السيسي قبلاً عدداً من النسوة الطاعنات في السن أمام الإعلام للتبرع ببعض مما يفيض من ممتلكهاتهن إلى ذلك الصندوق، وفي وعي شديد بدور ذلك الصندوق أفتى أحد رجال الدين المقربين من الأجهزة الأمنية، خالد الجندي، صراحة، بأن أفضل طريقة لغسل المال الحرام تكون عبر التبرع به لصندوق تحيا مصر.
3. أما الزاوية الثالثة التي تدفع النظام إلى القلق من هكذا حملات، فهي الخوف من التداعيات بعيدة المدى الناجمة عن شعور المجتمع بالقدرة على الإنجاز بما يتجاوز طاقة الأفراد. يثير ذلك لدى نظام الـ 3 من يوليو ذكريات القدرة على التكتل خلال ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وروح ميدان التحرير، ومشاهد نجاح المواطنين في تقليل عواقب الفراغ الأمني الناتج عن انسحاب الشرطة من الشوارع ضمن تجربة "اللجان الشعبية" شديدة الفرادة.
الشغل الجماعي يهدد الأمن السياسي!
في نظام سياسي أفضل، كان سينظر إلى "مرسال" وحملتها الأخيرة عبر عدسة تركز على الدور الجديد الممكن لعبه من قبل المؤثرين في العمل الخيري، وكيف باتت المنصات الرقمية مساحة جديدة، تسويقاً وتمويلاً، في تغيير شكل ومفهوم الأنشطة المجتمعية غير الهادفة للربح.
ولكن الحظ السيئ لـ"مرسال" قادها أن تعمل في ظرف سياسي شديد الاستثنائية بالغ الرداءة، إلى حد أن تكون نظرة القائمين على البلاد للعمل الخيري مقتصرة على ضرورة الحد من مخاطر الشغل الجماعي على الأمن السياسي للنظام وتتبع حركة الأموال في المجتمع.
جدير بالذكر هنا أن أحد أبرز الأسماء البازغة مهنياً في مجالها، مجال الاقتصاد، والتي ارتبطت بـ"مرسال" عبر تقديم مساقات تدريبية مهمة لرواد الأعمال ضمن دور الجمعية في التأهيل لسوق العمل، وهو عمر الشنيطي، يقبع في السجون المصرية منذ أعوام، محبوساً على ذمة "قضية الأمل" التي تدور أوراقها حول محاولة بعض الشباب المدني المتعلم جيداً التحضير لدخول الانتخابات البرلمانية!
المصدر: "عربي بوست"