مصر| كيف تعاطى إعلام الانقلاب مع ثورة يناير خلال 14 عاما؟
السبت - 25 يناير 2025
- رغم توثيق أحداث الثورة لعب "سحرة الإعلام" دورا خطيرا في تشويهها
- ثلاثة نماذج تعكس تحولات الإعلام الرسمي والمستقل بين الثورة والانقلاب
- بات صعبا على المواطن أن يثق فيما يرى ويسمع في ظل الإعلام المتحول
إنسان للإعلام- تقرير خاص:
كانت ثورة 25 يناير لمصر كلها كومضة نور، وشعاع بعث الأمل في مستقبل أفضل، جعلت كل الذين فروا من ضيق الأفق في الوطن يعودون، ومعهم أحلام كثيرة وآمال واسعة وكلهم تفاؤل أن يحيوها في الوطن الواعد بحلته الثورية الملهمة.
لم يكونوا يعلمون أن شيطان الدولة العميقة دخل في ثنايا تفاعلاتهم الثورية؛ ليلعب في سرديتهم، حتي يجعل الناس لا تفهم قصدهم بوضوح، وربما أكثر، فقد عاش الثوار أنفسهم متاهة المبادئ وسقط بعضهم في جب الدولة العميقة من جديد!
ما الذي أعاد عقارب الثورة إلى الوراء جدا.. إلى أبعد من السنوات العجاف لحكم حسني مبارك؟ هل هي ممارسات الدولة العميقة أم الجيش أم رجال الأعمال ام الساسة القدامي أم رفقاء الثورة الذين حسدوا "الإخوان" علي قربهم من الشعب؟، أم أنهم سحرة العصر (أجهزة الاعلام)؟. هذا ما نتناوله في هذا التقرير:
رمزية يناير
كانت ثورة يناير واحدة من أهم الأحداث في التاريخ المصري الحديث وتاريخ المنطقة العربية. كانت تعبيرًا عن رفض الشعب المصري للاستبداد والفساد وغياب العدالة الاجتماعية.
يقول التاريخ القريب إن ثورة يناير كانت رمزا للثورات في المنطقة وإن لم تكن البادئة، إذ تُعد رمزًا للكفاح الشعبي من أجل الحرية والكرامة، حيث خرج الملايين من المصريين إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام الحاكم آنذاك. كانت هذه الثورة جزءًا من موجة الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة.
نجحت الثورة في إسقاط النظام السياسي القائم وإجبار مبارك على التنحي، لكنها لم تحقق كل أهدافها، حيث واجهت تحديات كبيرة، بما في ذلك الصراعات السياسية بين شركاء الثورة، الذي مهد لانقلاب عسكري متكامل الأركان !.
قدم الشعب المصري تضحيات جسيمة خلال الثورة وبعدها، حيث ارتقى شهداء برصاص الشرطة وحوادث الدهس أثناء الثورة، ثم جاءت مجازر عده كماسبير ومحمد محمود ورابعة العدوية والنهضة، فأودت بحياة مئات الشهداء.
وبعد مرور 14 عاما على الثورة، لا يزال الجدل قائمًا حول مكاسبها، وحول من تسبب في انتكاستها، إلا أن المؤكد أن المصريين يعيشون اليوم في ظروف سياسية واقتصادية صعبة للغاية، وأن الإعلام الانقلابي لعب دورا كبيرا في خلق هذه الظروف وتشويه الثوار.
ولا يخفى على لبيب أن المكر بالثورة والثوار والتمكين للانقلاب ما كان ليكون لولا "سحرة الإعلام"، رغم أن المتتبع لتاريخ الثورة على محركات البحث سيجد أن كل شئ قد تمت تسميته بمسمياته الحقيقية، فالثورة ثورة والانقلاب وُثّق على أنه انقلاب، والتاريخ أيضا يحكي كيف تعامل سحرة الإعلام مع الثورة من بداياتها وحتي الآن.
أبرز التحولات
شهدت ثورة 25 يناير 2011 تحولات سياسية واجتماعية هزت مصر والعالم العربي، وكان للإعلام دور محوري في تشكيل رواية الأحداث وتوجيه الرأي العام. ومع مرور الوقت، اتضح أن التغطية الإعلامية لم تكن محايدة، بل كانت متلونة وفقًا لمراحل الثورة والتحولات السياسية، فمن التعتيم الإعلامي في البداية إلى الانحياز الكامل للنظام بعد الانقلاب، مرت وسائل الإعلام المصرية بمراحل متعددة تعكس صراعًا بين الحقيقة والمصالح.
في الأيام الأولى للثورة (25 يناير - 11 فبراير 2011) ، كان الإعلام المصري الرسمي (مثل التليفزيون الحكومي) يتعامل مع الأحداث بتوجيه من النظام الحاكم، حيث حاول التقليل من شأن الاحتجاجات ووصفها بأنها أعمال شغب محدودة.
بدا المشهد وكأن شيئًا لم يحدث، بينما كانت الشوارع تغلي بالغضب الشعبي، ولم يكن هذا التجاهل بريئًا، بل كان جزءًا من استراتيجية النظام لتقليل تأثير الاحتجاجات.
ومع تصاعد الأحداث، تحول الخطاب الرسمي إلى تصوير المتظاهرين على أنهم "مخربون" و"بلطجية"، في حين تم تمجيد دور الشرطة في "حماية الأمن"، لكن مع زيادة أعداد المتظاهرين وانتشار الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد، بدأ الإعلام الرسمي في تغيير خطابه تدريجيًا تحت ضغط الشارع.
على النقيض من ذلك، لعبت القنوات الخاصة دورًا كبيرًا في تغطية الأحداث بشكل مباشر، مما ساهم في تعبئة الجماهير وإظهار حجم الثورة.
كما كانت منصات التواصل الاجتماعي أداة رئيسية في تنظيم الاحتجاجات ونقل الأحداث بشكل مباشر، مما قلل من سيطرة الإعلام الرسمي على الرواية.
وبعد تنحي مبارك في 11 فبراير 2011، تحول الإعلام المصري، بما في ذلك الرسمي، إلى تغطية الأحداث بمنظور أكثر إيجابية تجاه الثورة، حيث تم تصويرها على أنها انتصار للشعب المصري، وبث التليفزيون المصري احتفالات المصريين في ميدان التحرير، وبدأ في تبني خطاب مؤيد للثورة، مع التركيز على أهمية تحقيق مطالبها، لكن هذا التحول لم يكن سوى بداية لمرحلة جديدة من الانحياز، فبعد الانقلاب العسكري في 2013، تحول التليفزيون المصري إلى أداة دعاية للنظام الجديد.
بعد سقوط مبارك، دخلت مصر في مرحلة انتقالية شهدت اختلافات في المواقف والاتجاهات بين قوى الثورة. تبنى الإعلام الرسمي خطابًا أكثر حذرًا، مع التركيز على استقرار البلاد ودور الجيش كضامن للأمن.
في المقابل، انقسمت القنوات الخاصة بين داعمين للثورة ومعارضين لها، حيث بدأت بعض القنوات في انتقاد الفوضى وعدم الاستقرار، كما ظهرت قنوات للتيار الإسلامي (مثل قناة "مصر 25") دعمت الثورة ودعت إلى الخيار الديمقراطي في اختيارات الشعب القادمة لأنظمة حكمها المستقبلية.
عهد جديد
بعد انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسًا لمصر في يونيو 2012، انقلب الإعلام المصري الرسمى على الرئيس الجديد، إذ بدأ في انتقاد حكم مرسي.
وبنفس المنهج، وربما أكثر شراسة، كانت القنوات والصحف الخاصة تخوض حربًا شعواء في ملاحقته والسعي لإسقاطه، و أصبحت التغطية الإعلامية ساحة معركة سياسية، حيث تم تصوير حكم مرسي على أنه "فاشل وغير قادر على إدارة البلاد "
ومع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، تحول الإعلام المصري بشكل كامل إلى دعم النظام الجديد، حيث تم تأييد الانقلاب من قبل غالبية وسائل الإعلام المصرية، باستثناء وسائل إعلام فريق تحالف دعم الشرعية، والتي تم التنكيل بها وبإعلامييها بسبب معارضتها للانقلاب.
ومنذ ذلك الوقت، عاشت وسائل الإعلام المصرية عصر الطبعة الواحدة، حيث اختفى النقد للحكم العسكري الانقلابي، وتم تقليص أي اختلاف في وجهات النظر أو حتى في طرق التناول، حتى لو كان ذلك على سبيل توزيع الأدوار شكليًا.
نماذج دالة
من خلال قراءة بعض النماذج الإعلامية الدالة، يتبين لنا حجم الجريمة الإعلامية في التآمر على الثورة المصرية من نشأتها وحتى اليوم.
وقد تم اختيار ثلاثة نماذج تمثل طرق تعامل الإعلام المصري مع الثورة، وهي: التليفزيون المصري الرسمي، صحيفة "المصري اليوم"، وبرنامج "العاشرة مساءً"
- في الأيام الأولى للثورة، اختار التليفزيون المصري الرسمي سياسة التعتيم الإعلامي، متجاهلًا الاحتجاجات التي اندلعت في ميدان التحرير. ومع تصاعد الأحداث، تحول الخطاب الرسمي إلى تصوير المتظاهرين على أنهم "مخربون" و"بلطجية"، لكن بعد تنحي مبارك، تغير الخطاب فجأة، وأصبح التليفزيون ينقل احتفالات الشعب في ميدان التحرير، وكأنه كان مع الثورة منذ البداية.
لكن هذا التحول لم يكن سوى بداية لمرحلة جديدة من الانحياز، فبعد الانقلاب العسكري في 2013، تحول التليفزيون المصري إلى أداة دعاية للنظام الجديد، مع تقليص حاد لأي صوت ناقد.
- على عكس التليفزيون الرسمي، بدأت جريدة "المصري اليوم" بتغطية جريئة للأحداث، حيث نشرت تقارير مفصلة عن المظاهرات، وانتقدت نظام مبارك بصراحة، لكن مع مرور الوقت، بدأ الخط التحريري للجريدة يتغير، فبعد سقوط مبارك، ركزت على تحقيق العدالة الانتقالية، لكنها سرعان ما انتقدت المجلس العسكري بعد أحداث مثل "ماسبيرو" و"محمد محمود"
ومع صعود حكم مرسي، أصبحت الجريدة أكثر انتقادًا لسياساته، خاصة بعد الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012، لكن التحول الأكبر جاء بعد الانقلاب العسكري في 2013، حيث تحولت الجريدة إلى دعم النظام الجديد بقيادة السيسي، مع تقليص واضح للنقد.
- برنامج "العاشرة مساءً"، الذي كانت تقدمه الإعلامية منى الشاذلي على قناة "دريم"، بدأ بتغطية جريئة للأحداث، حيث حاول أن يعكس صوت الشارع ويناقش قضايا الثورة بحيادية نسبية، لكن مع تصاعد الأحداث، بدأ البرنامج في الانحياز تدريجيًا، خاصة بعد الانقلاب العسكري.
ومع مرور الوقت، أصبح البرنامج جزءًا من الخطاب الإعلامي المؤيد للنظام، حيث قلص من النقد وبدأ في تقديم تغطية إيجابية لسياسات السيسي.
وهكذا، انضم "العاشرة مساءً" إلى قافلة الإعلام الموالي، مع تغيير جذري في مضامينه، في تحول يعكس تراجعًا في استقلالية الإعلام المصري.
وفق هذه النماذج، يمكن القول إن التغطية الإعلامية لثورة 25 يناير تعكس صراعًا بين الحقيقة والمصالح، فمن التعتيم الإعلامي في البداية إلى الانحياز الكامل للنظام بعد الانقلاب، مما يجعلنا نتساءل بعد مرورتلك السنوات: أين دور الإعلام كمرآة للحقيقة وضامن للشفافية؟
الحقيقة أنه في ظل نظام إعلامي متحول من التعتيم إلى الدعاية، يصبح من الصعب على المواطن العادي أن يثق في ما يرى أو يسمع. وهذا يطرح تحديات كبيرة على مستقبل الإعلام في مصر، خاصة في ظل تراجع استقلاليته وزيادة انحيازه.
في النهاية، تظل ثورة 25 يناير ذكرى تؤكد أن الإعلام الحر والمستقل هو أحد أهم أركان أي نظام ديمقراطي. ودون ذلك، تظل الحقيقة أول ضحايا الصراعات السياسية.