استراتيجيات الإعلام الانقلابي في تغيير الهوية المصرية.. دراسة تحليلية
الجمعة - 4 نوفمبر 2022
- السيسي يعمل منذ وصوله إلى السلطة على تغذية المشاعر المضادة للدين والمتدينين وكراهية الآخر
- الإعلام يتبنى تغيير الهوية الإسلامية وتمجيد القيم المادية لتعبيد الطريق أمام سيطرة كاملة للعسكر
- إحياء النزعة الفرعونية وإضفاء حالة "تقديسية" على الجيش لإبقاء النفوذ والمصالح في دائرة محدودة
- ترسيخ النموذج العلماني بمعناه المشوه في مسارات الحياة بشكل متعمد.. وتقديم نخب فاسدة ومتسلقة
- ضرب المكونات والرموز الإسلامية في الدولة والهجوم على الأزهر والتشكيك في التراث الإسلامي
- محاربة المظاهر الإسلامية في المجتمع والسخرية من الدعاة والتحريض على منع الأعمال الخيرية
- نشر التفاهات والحض على التحلل القيمي والأخلاقي مع وصم الإسلاميين بالإرهاب وجعلهم أعداء!
- حملة مسعورة على الإخوان المسلمين وعلى المظاهر الإسلامية وعلى كل خطاب يعارض السلطة
- محاولات تذويب الهوية أدت إلى انحسار مظاهر التدين وارتفاع معدلات الجريمة وتفكك المجتمع
- اختفاء مظاهر التكافل وغياب الانتماء وتراجع الإبداع وانتشار الفساد والتخلف في كل مظاهر الحياة
إنسان للإعلام- خاص
مقدمة:
في تاريخ المجتمعات عامة، يرتبط ظهور سؤال الهوية بالتحديات التي تواجهها هذه المجتمعات، سواء كانت هذه التحديات خارجية أم داخلية، كما يرتبط أيضاً بمراحل التحول والانتقال التي يترتب عليها انقطاع في السياسات وتشكل أنظمة سياسية جديدة وبلورة اتجاهات وتوجهات سياسية مغايرة، تمثل انقطاعاً بدرجة ما مع ما سبقها من توجهات واستلهاما لبعض التوجهات القديمة في ضوء ظروف ومعطيات مختلفة(1).
وقضية الهوية كانت- وما زالت- محل جدل كبير في مصر منذ بداية القرن العشرين، فمع ظهور تيارات كانت تعبر عن نفسها من خلال الصحافة ثم تحولت إلى أحزاب سياسية، بدأ التناوش حول الهوية، وبرزت طروحات حول ضرورة "علمنة" الدولة، لتواكب المد الحضاري الغربي، وأخرى تتحدث عن "فرعونية" الدولة، في حين أن التيار العام في المجتمع مصطبغ بالصبغة الإسلامية منذ الفتح الإسلامي لمصر سنة 21هـ، 642م.
التيارات المُنشئة لهذا التنازع حول الهوية، عبرت عن نفسها بتشكيل أحزاب سياسية منذ عام 1907م، أشهرها:
- الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل، صاحب جريدة «اللواء»، وكان يعبر عن التيار المعادى للاحتلال الإنجليزي ومن ثم كانت قضية الاستقلال الوطنى همه الأول، وإن كان قد تبنى أيضا الدعوة إلى الدستور، ثم تطورت مواقف الحزب فيما بعد وفاة مصطفى كامل، فاكتسبت أبعادا اجتماعية فى ظل زعامة محمد فريد، حيث بدأ يهتم بالنقابات العمالية والتعاونيات ومدارس الشعب وغيرها من المشروعات.
- حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، الذي أسسه الشيخ على يوسف صاحب جريدة «المؤيد»، وكان حزبا مواليا للخديو عباس حلمى الثانى ومؤيدا له، وقد انتهى الحزب بوفاة مؤسسه سنة 1913.
- حزب الأمة، الذي أسسه مجموعة من كبار ملاك الأراضى الزراعية وكبار رجال العائلات وبعض رجال السياسة والقانون والصحافة، وكان من أبرز قادته ومفكريه أحمد لطفى السيد مُصدر جريدة «الجريدة»، كما شارك فى تأسيسه محمود باشا سليمان وعلى شعراوى باشا وعبد العزيز فهمى بك وحمد الباسل بك وحسن صبرى بك ومحمود عبد الغفار بك وأحمد فتحى زغلول. وقد تبنى الحزب الفكر الليبرالى ورأى أن الارتقاء بالتعليم وبناء ديمقراطية على أساس من النظام الدستورى الطريق الوحيد لتحقيق رقى مصر واستقلالها.
عمليا كان الحزب الوطني أقرب إلى الهوية الوطنية الإسلامية، أما حزب الإصلاح فكان مواليا للسلطة في حين عبر حزب الأمة عن نزعة ليبرالية علمانية أرادت سلخ المصريين من هويتهم الإسلامية أو التقليل من حضورها في حياتهم.
بجانب ذلك، ظهرت أحزاب ذات توجهات بعضها موال للإنجليز المحتلين وبعضها موال للقصر، لكن يبدو أن معظم أحزاب تلك المرحلة كانت مجرد برامج وأخبار فى الصحف باستثناء الأحزاب الثلاثة الرئيسية، حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية وحزب الأمة والحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل، بل ربما نستطيع القول إن هذه المرحلة انتهت إلى تيارين رئيسيين: تيار الحزب الوطنى وتيار حزب الأمة، حيث امتد تأثيرهما إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى(2).
وبين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتحديدا في عام 1928م، ظهرت جماعة "الإخوان المسلمون" التي نادت بالعودة للإسلام الصحيح واتخاذه منهجا شاملا للحياة، فدخلت بدعوتها هذه معترك إعادة رسم الهوية التي طالما نالها تشوش واضطراب نتيجة عوامل عديدها أولها الاحتلال الفرنسي لمصر في 1798، ثم ظهور الأسرة العلوية (نسبة إلى محمد علي باشا) بمشروعها "التحديثي" التغريبي، وانتهاء ببزوغ تيارات فكرية سبقت ظهور الأحزاب السياسية في بداية القرن العشرين.
وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى كان الحزب الوطنى الحزب الوحيد الذى استمر بمسماه وهياكله وبرنامجه إلى أن تم حل الأحزاب السياسية فى يناير 1953م، بعد الانقلاب العسكري في يوليو 1952، الذي فتح باب مصادرة الحياة السياسية وتشويهها، ثم حاول خلق هوية مصرية جديدة علمانية الطابع، عسكرية البنية، منسلخة من المقومات الحضارية الأصيلة لشعب مصر، التي يمثل الإسلام لبها وجوهرها.
فبعد ثورة 23 يوليو 1952، وتصدر الهوية القومية العربية المشهد السياسي ليس فحسب في مصر وحدها، بل في العالم العربي أجمع، مثل ذلك انقطاعا بدرجة ما واختلافا بدرجة أكبر مع التوجهات التي سبقت قيام حركة الضباط الأحرار بانقلابهم الذى تحول لثورة فيما بعد، عبر تدعيم وبلورة المضمون الاجتماعي والاقتصادي لتوجهات ثورة يوليو، والتقدم صوب الاستقلال عن الغرب ودعم التوجه الوحدوي والقومي العربي(3)، والتنكر للهوية الإسلامية.
وسبق قيام ثورة يوليو بعدد من السنين الجدل الذي أثاره الراحل الدكتور طه حسين في كتابه "حول مستقبل الثقافة في مصر"، في عشرينيات القرن العشرين، والذي انتهى فيه إلى أن مصر بتاريخها وجغرافيتها وثقافتها أقرب إلى الثقافة المتوسطية، أي ثقافة حوض المتوسط، استنادا إلى التبادل الثقافي والتاريخي بين ضفتي المتوسط، وبصفة خاصة تأثير عقائد المصريين القدماء في اليونان وتأثير الفلسفة اليونانية في مصر وغيرها من دول حوض البحر المتوسط.
الشاهد في هذا السياق أن عسكر 1952م، لم ينجحوا في رسم هوية جديدة للمجتمع المصري، فبعد انتهاء المشروع "القومي العربي" بهزيمة 1967م، وأفول نجم جمال عبدالناصر، حاول السادات التصالح مع هوية المجتمع الإسلامية فأطلق على نفسه- أو أُطلق عليه إعلاميا - لقب "الرئيس المؤمن"، وعدل الدستور في عام 1971م لينص في مادته الثانية على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع"، وأفسح المجال أمام الإسلاميين، لاستعادة نشاطهم في أوساط الشباب، وبدا كأن المجتمع يستعيد جزءا من هويته الأصيلة، خاصة عندما تبنى مجلس الشعب مشروع تقنين الشريعة الإسلامية، وتم تشكيل لجنة بالاتفاق مع الرئيس السادات ضمت صفوة علماء الشريعة الإسلامية من الأزهر والجامعات المصرية والقضاء، برئاسة الدكتور صوفي أبو طالب رئيس المجلس آنذاك، وبعد إنجاز القوانين في ضوء النص الدستوري لم تر تلك القوانين النور لأسباب ما زالت غامضة، ثم أغلق هذا الباب تماما في عهد حسني مبارك، وعندما تولى الدكتور رفعت المحجوب رئاسة مجلس الشعب (1984- 1990) سئل عن قوانين الشريعة فأجاب: " لا توجد عندى قوانين للشريعة"(4).
وفي عهد الرئيس حسني مبارك لم يكن سؤال الهوية مطروحا بتلك القوة التي صاحبت نهايات عهد عبدالناصر وبدايات عهد السادات، وذلك بسبب الاستقرار السياسي طويل الأمد، ووجود حالة من التوازن بين سيطرة النفعيين من أتباع الحزب الحاكم على مؤسسات الدولة الرسمية، وحضور الإسلاميين في النقابات ونوادي هيئات التدريس وعلى منابر المساجد، وتحالفاتهم الحزبية التي دفعت بعشرات منهم إلى البرلمان. كل ذلك أسهم في ألا تكون قضية الهوية محل نزاع أو حضور، وإن وجدت أصوات شاردة هنا وهناك كانت تنادي بالفرعونية تارة وبالعلمانية بكل تفريعاتها تارة أخرى.
وبعد ثورة يناير، كان لاختيار الشعب للتيار الإسلامي، بشقيه الإخواني والسلفي، لتمثيله برلمانيا ورئاسيا، دور في إحياء سؤال الهوية مجددا، وحمل خطاب الإسلاميين طابعا هوياتيا واضحا؛ إذ أكد ضرورة استعادة مصر لهويتها الإسلامية، واستعادة طابع الدولة الإسلامى واكتسب الاحتكام للشريعة والحكم بالشريعة طابعا مغايرا وكليا(5).
ولم يكد يكتمل عام حكم الرئيس مرسي (2012- 2013م) حتى حدث الانقلاب العسكري، فجاء بأجندة علمانية معبأة بعناوين مضادة للدين والمتدينين بشكل أساسي، كان من بينها تجديد الخطاب الديني و التشكيك في السنة ووصم الإسلاميين- والإخوان خصوصا- بالإرهاب، والحض على الانحلال الأخلاقي والقيمي بكل السبل المتاحة.
وكان للإعلام الدور الأبرز في تسويق هذه الأجندة، بل تجاوزها الى التحريض على قتل الإسلاميين المعارضين.
وبدا أن الانقلاب، بهذه الممارسات، يحمل مشروعا متكاملا لطمس الهوية المصرية وتمزيقها، دون أن يقدم ملامح للهوية التي يريد فرضها، سوى أقوال وممارسات متناثرة، تؤكد وجود قطيعة مقصودة مع الإسلام كدين يشكل جوهر الهوية المصرية، والإعلاء من شأن العلمانية والفرعونية، ووضع الجيش والشرطة في مكانة أعلى من الشعب، وتغليب متطلبات الأمن على مجمل الحياة، واختزال مفهوم الدولة في سلطة الحكم.
كل هذا تحول إلى موجات طاغية في وسائل الإعلام والتعليم، وظهر في مجموعة من الاستراتيجيات التي بدأت مع اللحظة الأولى للانقلاب، والتي استمرت الى اليوم وأثرت بشكل سلبي على بنية المجتمع وإن لم تغيب هويته بشكل كامل.
في هذه الدراسة نرصد مظاهر واستراتيجيات طمس الهوية المصرية التي اتبعها الإعلاميون الانقلابيون بشكل خاص، منذ لحظة الانقلاب في مساء الثالث من يوليو 2013م، وتداعيات ذلك على الدولة المصرية بشكل عام.
محاور الدراسة:
المحور الأول: ما معنى الهوية؟
المحور الثاني: لماذا يتلاعب العسكر بالهوية المصرية؟
المحور الثالث: مفردات وأدوات الخطاب الإعلامي الانقلابي لتذويب الهوية
المحور الرابع: أثر الخطاب الإعلامي الانقلابي على هوية المجتمع المصري
فرضيات الدراسة:
- الانقلاب العسكري جاء بمشروع إعلامي لتغيير الهوية المصرية
- التلاعب بالهوية أحد أدوات العسكر للتمكين والتحكم في الشعب
- الخطاب الإعلامي الانقلابي حافل بخطاب تغيير الهوية وهدم الثوابت
- المضامين الإعلامية لتذويب الهوية المصرية أثرت في قطاعات من الجمهور
تساؤلات الدراسة:
- لماذا يعمد النظام العسكري الانقلابي لتغيير الهوية الوطنية؟
- ما دور الإعلام المصري بعد الانقلاب في تغيير الهوية؟
- ما هي أبرز المضامين والبرامج التي تركز على تغيير الهوية المصرية؟
- ماهي مظاهر الخلل الهُوياتي الناتجة عن الخطاب الإعلامي بعد الانقلاب؟
عينة الدراسة:
تعتمد هذه الدراسة على عينة عشوائية من الصحف والمواقع وشبكات التلفزة التابعة لسلطة الانقلاب في مصر، من خلال رصد أهم ما ينشر ويبث فيها عن موضوع الهوية أو محاولات تغييرها منذ 2013 وحتى الآن.
منهج الدراسة:
تقوم هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي الذي يشيع استخدامه في العلوم الإنسانية بشكل عام، وهو وهو "عبارة عن وصف وتحليل دقيق وتفصيلي لظاهرة معينة أو موضوع محدّد، ويكون على صورتين الأولى نوعيّة والثانية كميّة رقميّة، إذ إنّ التعبير الكيفي يصف الظاهرة ويُوضّح خصائصها، أمّا التعبير الكمي فيوضّح وصفًا رقميًّا مهينًا؛ حيث يُبيّن مقدار هذه الظاهرة أو حجمها ودرجة ارتباطها مع الظواهر المختلفة الأخرى، وقد يقتصر هذا المنهج على بيان وضع قائم في فترة زمنية محددة أو تطوير يشمل عدة فترات زمنية"(6)
وهذا المنهج يساعدنا هنا في رصد وتحليل ظاهرة تغيير الهوية، التي عمد النظام الانقلابي في مصر إلى التوسع في مفرداتها وخطابها بشكل زاعق بعد الانقلاب، مستعينا في ذلك بوسائل الإعلام المختلفة.
وبهذا تعرض الدراسة لأهم نماذج تغيير الهوية ومضامينها منذ الانقلاب وحتى الآن، محاولة الربط بينها وتحليلها وصولا الى نتائج علمية.
المحور الأول: ما معنى الهوية؟
مبحث الهوية مبحث معقد ومتشعب ذو طبيعة نفسية وفلسفية مركبة. وإذا ما نظرنا إلى الهوية في ارتباطها بالثقافة والتاريخ فإن الهوية الوطنية تُبني ويُعاد بناؤها وتُعرف ويُعاد تعريفها وتفسيرها عبر التجليات الظاهرية والمضمرة التي تتناقلها الأجيال عبر العصور وتحمل هذه التجليات التقاليد الثقافية والصورة الذاتية عن الجماعة، وصورة الآخرين لديها من خلال ما يمكن تسميته "بالشفرة"، التي يفهمها الناس ويتناقلونها في إطار الجماعة القومية.
ومع ذلك فإنه يمكن القول إن الهوية هي ما يميز شخصا عن آخر إذا ما تحدثنا عن الهوية الفردية، وأنها ما يميز جماعة عن أخري إذا ما تحدثنا عن الهوية الجماعية، وثمة من الدلائل والاستدلالات التي تؤكد أنه لا يوجد شخصان متطابقان تمام التطابق حتى لو تم ذلك عن طريق الاستنساخ، وربما أمكن القول بناءًا على ذلك وقياسا عليه، إن لا تتطابق جماعة مع أخرى تمام الانطباق؛ حيث أن كل جماعة ستختلف في كثيرا من معالمها وخصائصها عن الجماعة الأخرى، حتى لو انتمت هاتان الجماعتان لديانة واحدة أو اشتركت كلاهما مع الأخرى في العديد من القواسم المشتركة(7).
ولكن على مستوى الدول فإن الهوية تعني "الجوامع المشتركة، والخواص التي تجتمع حولها هوية اجتماعية ما لها ما يميزها عن غيرها، أي أن الهوية تعبر عن كل من الميزات الفارقة والعلامات المميزة التي تمنح الخصوصية وترسم الحدود بين الديموغرافيا البشرية، وعن السقوف الجامعة ومناطات الاشتراك والاتفاق عند جماعة أو أمة ما. وعموما؛ هي مجمل السمات التي تخص عنصرا أو جماعة دون غيرها.
والهوية فلسفيا تراكمية فلا توجد هوية الفرد حتى توجد هوية الجماعة والخلفية الجماعية التي يشغل الفرد مخيطا في نسيجها الكبير. ويعبر المنظور الفلسفي عن الهوية على أنها فرصة المطابقة والتشابه والتي تصنع بتضافرها هوية ثقافية لشعب لا يشركه فيها بكل محدداتها شعب آخر وإن اشترك معه ربما في بعضها"(8). وللهوية مكونات أساسية تحدد ملامحها في كل جماعة أو أمة دون غيرها:
أ ـ اللغة:
واللغة هي مكون أساسي من مكونات الهوية الثقافية، واللغة العربية مقوِّم أساسي من مقومات الثقافة العربية الإسلامية ، ذلك أن العربية ليست لغة أداة فحسب ، ولكنها لغة فكر أساساً ، وحتى الشعوب والأمم التي انضوت تحت لواء الإسلام، وإن كانت احتفظت بلغتها الوطنية ، فإنها اتخذت من اللغة العربية وسيلة للارتقاء الثقافي والفكري، وأدخلت الحروف العربية إلى لغاتها، فصارت تكتب بها ، وعلى هذا الأساس فإن الثقافة العربية هي ثقافة الأمة العربية؛ التي هي أمة الإسلام الذي منه اكتسبت صبغتها ، وحملت صفتها، واستمدت طبيعتها.
ب ـ اقتصاد مشترك:
فالهوية ترتبط بنمط التنمية، فإذا كان نمط التنمية مستقراً، فكان سبباً للتنمية والنمو، فالهوية تكون مستقرة وقوية، أما إذا كان مذبذباً ، فكذلك تكون الهوية ، ويؤثِّر اضطراب نمط التنمية في خلق مناخ سياسي داخلي متوتر.
ج ـ العامل السياسي:
تبحث الهوية السياسية عن عناصر ارتكاز لها في الهوية الثقافية، ليس لأن الهوية الثقافية هي المعبر عن مصالح الجماعة، ولكن لأن الهوية الثقافية أصبح لها دور أساسي في الصراع غير المتكافئ على السيطرة والهيمنة في العالم ، ويمكن القول أن الهوية السياسية تعد الدافع والغرض لهوية متحركة المقاصد ، قادرة على التجدد بشكل أسرع من الهوية الثقافية ، وهي ابنة أوضاع داخلية وعالمية أكثر منها ابنة ذاكرة جماعية وفردية ، ضرورية الاستحضار.
د ـ الانتماء والتحضر:
الانتماء غريزة فطرية لا تقتصر على البشر فقط ، ولكنها ترتبط كذلك بملايين الأنواع من الكائنات الحية، وعلى المدى الواسع لفصائلها ، وطبيعة حياتها ، فكل هذه الكائنات تنتمي لنوعها، والأرض التي تعيش عليها، والبيئة التي خرجت منها، أو تعيش فيها، وكلها تستمد قوتها ومعيشتها من هذا الانتماء، وافتقاد الانتماء يكون أحد أسباب تعاستها.
والسلوك الحضاري لا يقتصر على الأفراد، بل يتصل بالسلوك الجماعي لمجتمع من الأفراد، أو وطن من الأوطان، والسلوك الحضاري للأفراد والسلوك الحضاري للمجتمع كله سلوك متبادل، فالوطن المتحضر نتاج لشعب متحضر، كما أن الفرد المتحضر هو نتاج جهود لوطن متحضر
والانتماء والتحضر في علاقة ترابط قوية، ففقد الانتماء يقود إلى تصرفات فاقدة للسلوكيات الحضارية، والعكس صحيح. والانتماء والتحضر أساسيان للتنمية الاقتصادية، فلا يمكن القفز بمعدلات تنمية قياسية بعناصر إنتاج من أفراد انتماؤهم أو تحضرهم ضعيف ، أو من عناصر لا تملك منظومة مشتركة من الحقوق والواجبات تحكم العلاقات بينهم.
هـ . جغرافيا وتاريخ ووطن مشترك:
فهي أساسية في وضع الهوية، يقول أفلاطون: إن الهوية للكائنات هي ما يبقى كما هو رغم كل المتغيرات… هذه القدرة على البقاء فوق حواجز الزمن، وترهلات المكان، وعواقب الأيام هي التي تمنح التشابه قوة وجودية، فالأرض هي وسيلة للاتصال بين الأفراد وبين الجماعات لتكوين مجتمع، ولتحقيق التعاون والاتصال. ويعود بنا الحديث عن المكان والمجال الجغرافي إلى تعريف الدولة ومكوناتها: الشعب، الإقليم، السلطة، الحد الأدنى من الثقافة المشتركة الملائمة لإقامة حياة مشتركة. ونجد التشابك الكبير والتفاعل المطلق بين كل من الدولة والهوية والتاريخ والجغرافيا بالروابط الوثيقة بينهم، فوجود هذه العوامل مرتبط بالآخر في الأوضاع المستقرة، فإذا تقطعت هنا تحدث المشاكل، وتكمن أزمة الهوية، وينعكس ذلك على مفهوم المواطنة.
و ـ العامل الثقافي في الهوية:
الثقافة كلمة عريقة في اللغة العربية أصلاً، فهي تعني صقل النفس والمنطق والفطانة ، وفي القاموس المحيط: ثقف ثقفاً وثقافة: صار حاذقاً خفيفاً فطناً، وثقفه تثقيفاً: سوَّاه، وهي تعنى بتثقيف الإنسان وتسويته فكراً ووجداناً، وتقويمه سلوكاً ومعاملة ، واستعملت الثقافة في العصر الحديث للدلالة على الرقيّ الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات ، والثقافة ليست مجموعة من الأفكار فحسب ، ولكنها نظرية في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالاً ، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي يتطبع عليه شعبٌ من الشعوب ، وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تتميز بها عن غيرها من الجماعات ، بما تقوم به من العقائد ، والقيم ، واللغة ، والمبادئ ، والسلوك، والعادات ، والقوانين ، والتجارب.
ز ـ العامل الديني في الهوية:
فالدين هو أحد مكونات الثقافة، والدين الإسلامي ساهم في الهوية الإسـلامية التي تقـوم على أربعـة أسـس وعنـاصر: «العقيـدة، التـاريـخ ، اللغة، الأرض». وتجمعت هذه العناصر الأربعة في الأمَّة بمجموعها عن الهويـة الإسـلامية، وقد تضيـع هـذه الهويـة إن ضـاع الفرد عن دينه ؛ لذلك قال تعالى: َ {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ*} وقال جل علا: ُ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وخيرية هذه الأمَّة نابعة من استقلاليتها التشريعية، والعقائدية ، والسلوكية، عن غيرها من الأمم الأخرى ، وهنالك متربصون بهويتنا الإسلامية وأمتنا ، كما قال تعالى: َ {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ*}(9)
طبيعة الهوية المصرية وخصائصها:
تتشكل الهوية المصرية من كل ما سبق، لكن الدستور المصري الحالي أحدث اضطرابا في تعريف الهوية المصرية عندما نص في مادته الثانية على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع». ثم نص في المادة السابعة والأربعين على أن «تلتزم الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة». وتضيف المادة الخمسون من الدستور ذاته أن «تراث مصر الحضارى والثقافى، المادى والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافى المعاصر المعمارى والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أىٍّ من ذلك جريمة يعاقِب عليها القانون. وتولى الدولة اهتماماً خاصاً بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية فى مصر».
إذن نحن أمام خلطة "هوياتية" مضطربة، تجمع بين كل النقائض، رغم أن الهوية المصرية العربية الإسلامية مستقرة منذ الفتح الإسلامي، مع عدم إهمال مكونات الهوية الأخرى، والتي تلاشى حضورها وتأثيرها بعد استقرار المجتمع على هويته الإسلامية.
ويمكن الإشارة هنا إلى وجود بعض الخصائص التي تميز الهوية المصرية عن غيرها، ومنها:
أولا: التلاقح والتأثير المتبادل مع الحضارات المجاورة:
فقد تأثرت الهوية المصرية بالعوامل الجغرافية الذاتية الخاصة، كما تأثرت وأثرت وتلاقحت مع الحضارات المجاورة- بفعل هذا التجاور- كما استفادت الهوية المصرية من الغزوات الخارجية والهجرات الجماعية، التي أكسبتها ثقافات وخبرات شعوب هذه الحضارات.
ثانيا: هوية ذات بعد ديني وإنساني:
كانت مصر هى صانعة الحضارة، وباعثة الضمير الإنسانى- كما يشير لذلك العديد من الباحثين على مستوى العالم- من كل هذا تكونت سمات الشخصية المصرية الفريدة، وتشكل أيضا فيها الوجدان والإحساس، وتكونت الطبيعة الشخصية المصرية. وجاء الدين الإسلامي ليصبغ الهوية المصرية بصبغة خاصة تجمع بين الموروث الحضاري المصري والعادات والتقاليد والضوابط الشرعية.
ثالثا: هوية ذات تراكم تاريخي وحضاري متعدد:
تعتبر الشخصية الحضارية المصرية هى العنوان الرئيسى للهوية المصرية. فهذه الشخصية تكونت عبر تراكم حقبات تاريخية، كان أهمها تأثيرا: الفرعونية، واليونانية، والرومانية والمسيحية، والإسلامية.
فكل حقبة من هذه الحقب مهدت وشكلت وصنعت حالة تواصل حضارى بين الحقبات المختلفة؛ فتواصلت وتكاملت.
رابعا: هوية ذات طبيعة متمدنة ومتحضرة:
حيث إن الإنسان المصري المبدع المتمدن المتحضر منذ فجر التاريخ، المتدين بطبعه عرف معنى الانتماء الوطني منذ أن عرف الزراعة وارتبط بالأرض ارتباطا وثيقا، تلك الشخصية المتفردة رغم تعدد الأزمنة واختلاف العقائد وتباين الأفكار والتوجهات.
من هنا، تشكلت الشخصية الحضارية المصرية؛ إفرازًا وإنتاجا لحقبات تاريخية وحضارية وتجارب إنسانية متعددة، صنعها المصرى منذ فجر التاريخ.
خامسا: هوية واحدة- جامعة متعددة الثقافات:
فقد كان ولا يزال هناك رافد الثقافة المصرية العامة، الذى تصب فيه كل الروافد الثقافية الفرعية المتعددة، فكانت التعددية فى إطار الواحد، وهذا هو سر تفرد وثراء الهوية المصرية.
وبالرغم من التعددية فى الثقافة والعادات والتقاليد والانتماءات الفرعية، حيث نجد هذه التعددية ظاهرة بوضوح فى إطار المجال الخاص سواء في: القرية، أو الحى، أو المسجد، أو الكنيسة.. إلخ.
لكن ما يخص المجال العام الوطنى بكل مكوناته وتداخلاته، نجد الهوية المصرية الواحدة الجامعة القابعة فى الضمير الجمعى المصرى.
سابعا: تتسم الهوية المصرية بالثبات:
الهوية المصرية ثابتة الملامح، وهي لا يمكن أن تهتز أو تُلغى، فالصراعات التي تشهدها مصر منذ عقود و"محاولات التدخل في هوية مصر" قد باءت بالفشل، منذ عهد الهكسوس والتتار والحكم العثماني والاحتلال الفرنسي والبريطاني.
ثامنا: الارتباط بالأرض:
الإنسان المصري مرتبطة ارتباط وثيق بالأرض، فالمصري لازال يؤكد أن الأرض كالعرض، لذلك أنشط قطاع اقتصادي يساهم فيه الشعب كأفراد هو القطاع العقاري لأن كل انسان علي أرض مصر يريد أن يمتلك ارضاً أو عقاراً أو شقة لأن الهوية المصرية مرتبطة بالأرض.
تاسعا: هوية أول وأكبر دولة في التاريخ:
ولها موروث حضاري لا يمكن شرذمته.. وعلينا أن نتذكر مسألة أساسية وهى أن الصورة التى يرى المصريون أنفسهم بها سوف تحدد بالفعل صورتهم التى سيصبحون عليها. مستقبل مصر يبدأ عندما يرى المصريون أنفسهم كمصريين مسلمين.(10)
المحور الثاني: لماذا يتلاعب العسكر بالهوية المصرية؟
تبرز أزمة الهوية غالبا في لحظات ضعف المجتمع، وكان أول بروز لها منتصف عشرينيات القرن الماضي مع سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية، وإن كان دستور 1923المعبر عن ثورة 1919 نص في مادته الأولى على دين الدولة ولغتها اللذين يمثلان هويتها، وهو ما تناقلته الدساتير المتعاقبة حتى وقتنا الحالي، ما يؤكد استقرار قضية الهوية على الورق، أي في الدستور، ثم تكررت أزمة الهوية بشكل قوي بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967، وفي مرحلة السبعينيات مع موجة المد الإسلامي، ثم أطلت برأسها مجددا منذ انقلاب 2013 وحتى الآن وعبرت عن نفسها بأشكال متنوعة.
ففي السنين الأخيرة، وفي أعقاب الربيع العربي ظهرت النزعة الفرعونية "كيميت" من جديد لتداعب أذهان اليمين القومي المصري، الذي يتخيل أن لمصر هوية ضاربة في الجذور عائدة للفرعونية، وكأن آلاف السنين من الوجود الإغريقي والفارسي والروماني والعربي الإسلامي لم تغير في هوية ولغة الشعب المصري وتبدلها وتدخل عليها مدخلات ثقافية أخرى(11).
وكانت أزمة الهوية وحالة الانهزام الحضاري التي صاحبت سقوط الخلافة العثمانية من مسببات ظهور جمعيات وجماعات إسلامية تنادي بالعودة للحكم الإسلامي بهويته الحضارية الشاملة، ومنها جماعة "الإخوان المسلمون" التي جعلت عودة الخلافة مطلبا أساسيا لها من لحظة نشأتها في 22 مارس عام 1928م.
ورغم الجهود التي بذلها الإسلاميون عبر قرن تقريبا لتصحيح وترسيخ هوية المجتمع المصري، الإسلامية الأصيلة، إلا أن الأنظمة القمعية التي تولت الحكم منذ منتصف القرن العشرين عمدت إلى تزييف الوعي وحرف المجتمع عن قيمه وعن قضاياه الرئيسيّة، لأن هذه هي البيئة المناسبة التي تستطيع العمل فيها.
ولما جاء انقلاب يوليو 1952، وتمكن جمال عبدالناصر من الإمساك بزمام السلطة في عالم 1954، بدأت موجة مما يسمى "المد القومي العربي" تفرض نفسها على مصر بإرادة سياسية خالصة لعبدالناصر، وشن حربا لا هوادة فيها على كل ما هو إسلامي، حيث أودع الإخوان المسلمين السجون بعد حادث المنشية الملفق في 26 أكتوبر 1954، وفتح بابا للتطاول على الشيوخ والعلماء وغير قانون الأزهر ليخضعه للسلطة التنفيذية، وأطلق يد الكتاب العلمانيين، من اليسار خصوصا، للاستهزاء بكل المظاهر الإسلامية في المجتمع والدعوة إلى تحييد الدين وحصره في مظاهر طقوسية لا علاقة لها بواقع الناس، والدعوة إلى الانحلال الأخلاقي؛ حتى صار المجتمع المصري، في الفترة من نهاية الخمسينيات إلى نهاية الستينيات من القرن العشرين، مسخا مشوه الهوية. كان هدف عبدالناصر هو إحكام السيطرة على المجتمع والدولة، وقد نجح في ذلك بالفعل، إلا أن هزيمة يونيو 1967 قوضت مشروعه وأحدثت استفاقة للمصريين وطرحت سؤال الهوية من جديد.
وبعد وفاة الرئيس عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970 تولى السادات الرئاسة من بعده، وقاد توجها جديدا بالقضاء على ما أسماه في حينه "مراكز القوى" من أصحاب التوجه القومي الناصري وبقايا نظام عبدالناصر، وأصدر دستورًا جديدًا لمصر في 11 سبتمبر 1971، نص في مادته الثانية على أن " مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، ثم أطلق سراح معتقلي الإخوان وقياداتهم وسمح لهم بالعمل العام، وفتح المجال أمام العمل الطلابي الإسلامي في الجامعات، فاصطبغ المجتمع بصبغة أقرب للإسلام وإن بقيت العلمانية تحكم دواليب الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو ما امتد إلى بدايات سنوات حكم حسني مبارك حتى بدأ في التضييق على الإخوان من بداية التسعينيات وزاد هذا التضييق شيئا فشيئا حتى وصل ذروته في نهاية العقد الأول للألفية الثانية، وتحديدا مع الانتخابات البرلمانية في نوفمبر وديسمبر 2010، والتاي كانت من أهم أسباب الثورة على نظام مبارك في يناير 2011.
والحاصل في مصر الآن: أن دروس التاريخ الثمينة مهملة؛ بل التاريخ الآن في مصر يداس عليه بالبيادة وتمزق وثائقه؛ والإعلام السلطوي يستخدم أحط حيل التلاعب بوعي المصريين ويتمادى في إغراقهم في ضباب لا يمكن الرؤية الصحيحة من خلاله. ولم يبق من "حيل السلطة" الآن للاستمرار في الحكم غير: مخاصمة الواقع والحقائق وخلخلة مؤسسات الدولة؛ لصالح "حكم الفرد" المعتلي "جيش السلطة" منذ التخطيط لإجهاض "الثورة الشعبية" وألا تصبح واقعاً في مصر
وخلال فترة هذا الحكم المستبد؛ قدم السيسي ما لم يقدمه غيره أبدا من تنازلات في قضايا تمس وجود الدولة المصرية، وهي التنازلات التي لم يسبقه في تقديمها أي حاكم لمصر في تاريخها المعروف(12).
وكانت أحدث جولات أزمة الهوية في مصر صاحبت الكشف مؤخرا عن تصميمات لعملات ورقية جديدة، إذ رغم شمولها لرموز إسلامية إلى جانب الرموز الفرعونية كما هو معتاد في العملات المصرية على مدى عقود طويلة، إلا أن تمرير رموز جديدة لفت الأنظار مثل ألوان علم المثليين، ومثل صورة مسجد السيسي في العاصمة الإدارية (الفتاح العليم) المبني حديثا والذي لا يمثل رمزا تاريخيا، لكن الأهم فيما نطرحه هو مسارعة العديد من الشباب الذين يغلب عليهم الوجه الليبرالي لنشر تصميمات خاصة من إنتاجهم على صفحاتهم غالبيتها رموز فرعونية، ما يعني انحيازهم للهوية الفرعونية، وهو ما فتئ يطلبه الكثيرون من النخب العلمانية المصرية، الذين يتأففون من الهوية العربية الإسلامية.
وعمل نظام السيسي منذ وصوله إلى السلطة في 2013 على تغذية هذه المشاعر الفرعونية، ظنا منه أن ذلك جزء من محاربته للتيار الإسلامي، بحسبان أن هذا التيار هو القيم على الهوية العربية الإسلامية وهو المروج لها، ولعل مشهد نقل مومياوات ملوك الفراعنة من متحف التحرير إلى المتحف الجديد، في إبريل/ نيسان الماضي، كان أحد المظاهر المهمة في هذا السياق، حيث صاحبته زفة إعلامية وثقافية عن هوية مصر الفرعونية، وجذورها الفرعونية الضاربة في عمق التاريخ، وهو أمر لا مشكلة فيه إذا نظر إليه في سياق التطور التاريخي للمجتمع وليس باعتباره نهاية التاريخ لمصر، وكان من مظاهر هذه الزفة الفرعونية أيضا إعلان وزير التعليم المصري طارق شوقي عن البدء في تدريس اللغة الهيروغليفية (لغة الحضارة الفرعونية) للأطفال الصغار في المدارس الابتدائية، وهو نوع من المبالغة والمزايدة الرخيصة، التي تغذي معركة الهوية دون أن تكون نابعة عن احتياج حقيقي لتدريس لغة مندثرة، ويمكن تدريسها في كليات الأثار، أو أقسام التاريخ بكليات الآداب (13).
وبالعودة إلى السؤال: لماذا يتلاعب العسكر بالهوية المصرية؟ نجد أن هناك أهداف أهمها: إبقاء المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي محصورة في دوائر معينة لا تتعداها إلى غيرها، وهي دوائر أفرزها انقلاب يوليو 1952، بدأت بدائرة قيادات الجيش وتطورت مع الوقت إلى نخب نفعية محيطة بهذه الدائرة من سياسيين وإعلاميين وقضاة وأجهزة أمنية وموظفين عموميين تم تجييرهم لصالح أي سلطة قائمة بحكم القوانين البيروقراطية، وكل ذلك يكون في مجمله ما يسمى بالدولة العميقة التي تقاتل للحفاظ على مصالحها بمعطيات فاسدة، يأتي في مقدمتها الهوية المنسلخة من أي قيم دينية أو أخلاقية.
لذلك فإن ترسيخ النموذج العلماني – بمعناه المشوه- في مسارات الحياة المصرية هو بحد ذاته ممارسة متعمدة ومقصودة لنظام الحكم العسكري والمتسلقين حوله منذ 1952 وحتى الآن.
الخلاصة أن طمر الهوية المصرية التي يشكل الإسلام عمودها الفقري أمر مستهدف الآن وظاهر في الأداء الإعلامي والأمني والقضائي للدولة المصرية، وإن كان الإعلام يأخذ النصيب الأوفر في هذه المهمة منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013م؛ تحقيقا لمصالح ضيقة لمجموعات نفعية لا تقيم وزنا لقضية الدولة ومقوماتها ودون أي اعتبار لشعبها الذي يتم تجاهله دوما في أي قضايا تتعلق بمصيره ومستقبله، ويدار من قبل النخب وجماعات المصالح الحاكمة على أنه مجرد "قطيع"!.
وكما يقول الباحث هشام جعفر: " إن الترويج لما يسميه الحكام العرب "الإسلام المعتدل" -الذي يدور صراع في المنطقة عمن يمثله- عن طريق مأسسة وتنظيم المجال الديني؛ يعني الوصول إلى صورة عن الإسلام لا تمثل تهديدا لكياناتهم السياسية وبقائها ونمط تحالفاتهم وشبكات امتيازاتهم المالية والدولية، وليس إسلاما يعيد توزيع السلطة والثروة في المجتمع -كي لا يكون دولة بين الأغنياء- كما نصت آية سورة الحشر"(14).
المحور الثالث: مفردات وأدوات الخطاب الإعلامي الانقلابي لتذويب الهوية
تحدث السيسي بعد الانقلاب عن فكرة "الأذرع الإعلامية"، ثم عمد بعد الانقلاب إلى استحواذ جهاز المخابرات العامة والمخابرات العسكرية على كافة وسائل الإعلام، العامة والخاصة، وصياغة المضامين والرسائل الموجهة للشعب بطريقة لا تنتمي لعصرنا، عصر السماوات المفتوحة والفضاء.
أراد السيسي أن "يدجن" وعي المصريين ويضعهم في قالب يخدم توجهاته ومصالحه، ومن بينها تغيير الهوية الإسلامية للمجتمع وتمجيد القيم المادية وتعبيد الطريق أمام سيطرة كاملة للعسكر على كل مفاصل الدولة وقولبة حياة المواطنين ليكونوا "عبيدا" للنظام.
واعتمدت أذرع الإعلام الانقلابي والثورات المضادة في حربها على هوية مصر على عدة محاور، أهمها: ضرب المكونات والرموز الإسلامية في الدولة (الجماعات والهيئات والأشخاص)، والهجوم على المؤسسات الإسلامية وخاصة الأزهر الشريف، والتشكيك في التراث الإسلامي والكتب الصحيحة وبشكل محدد كتب السنة الشهيرة مثل صحيحي البخاري ومسلم.
كما تبنى الإعلام الانقلابي الهجوم المباشر على المظاهر الإسلامية في المجتمع ومحاربتها، والترويج للتضييق على الدعاة وتقليص دور المساجد والجمعيات الإسلامية، والتحريض على منع الأعمال الخيرية ذات الصبغة الإسلامية والتضييق عليها الى أقصى حد، ونشر التفاهات والحض على التحلل القيمي والأخلاقي، والتحذير من وهم اسمه "سعي الإخوان لتغيير هوية الدولة"، ثم ترسيخ عبودية من نوع جديد تتمحور حول أدوات القوة المسلحة في الدولة ؟(تمجيد الجيش والشرطة والحاكم الفرد)
1- ضرب المكونات والرموز الإسلامية
أ. تشويه الإسلاميين:
كان للإسلاميين (الإخوان المسلمون والسلفيون وغيرهم) الدور الأبرز في الحشد والتعبئة لاستكمال ثورة يناير 2011م، وصاحب ظهورهم في ميادين الثورة منذ يوم 28 يناير 2011 حملات تشويه ممنهجة في إعلام نظام مبارك، ثم في فترة حكم المجلس العسكري التي تلت تنازل مبارك عن السلطة.
كان الإعلام الموالي للعسكر يتعمد في تلك الفترة الربط بين المكونات الإسلامية الموجودة في الميدان وبين جماعات العنف والتكفير، وخصوصا تنظيم القاعدة، فمثلا: تم اطلاق اسم "جمعة قندهار" على مظاهرة مليونية للتيار الإسلامي يوم الجمعة 29 يوليو 2011 ضمن أحداث الثورة وتم تصوير المشهد إعلاميا على أنه "ظهور لأشخاص بملامح غريبة، حملوا أعلام السعودية وتنظيم القاعدة" وأن هذه الوجوه "ذات انتماءات تتعاظم على الانتماء الوطني المصري"!!
وعندما ظهر مرشحون إسلاميون في انتخابات الرئاسة 2012، كانت الحرب الإعلامية عليهم بلا هوادة، وبعد فوز الرئيس محمد مرسي بمنصب الرئاسة بالغ إعلاميو العسكر في إهانته كرمز للدولة مع التخويف مما أسموه "أخونة الدولة"، إلى أن جاء الانقلاب في يوليو 2013 ليفتح بابا واسعا لهجوم كاسح على جماعة الإخوان المسلمين، كونها النواة الصلبة للحركة الإسلامية بشكل عام والأكثر ثقلا سياسيا على الساحة.
وبعد الاعتقالات الواسعة التي شملت معظم الإسلاميين، وبخاصة الإخوان، ثم صدور قرار حكومي بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، ظهرت أبعاد الحملة المنظمة ضد الجماعة، وبدأ تأطيرها إعلاميا بمفردات ثابتة ومتكررة، منها: "الجماعة الإرهابية"، "الإخوان ليسوا وطنيين ولا يعترفون بالوطن"، "الوطن عندهم حفنة تراب"، "خوارج العصر"، "المتاجرون بالدين"، "إخوان الشياطين"، "الإخوان هي الجماعة الأم لكل جماعات العنف"..إلى آخر هذه الأوصاف المفتراة على الجماعة والتي يقصد منها تنفير الرأي العام منهم.
كان الإعلام هو الوعاء الواسع لهذه الحملة، بمساهمة واضحة ومنظمة من المؤسسات الرسمية للدولة المصرية، وفي مقدمتها دار الإفتاء ووزارة الأوقاف، التي لم تأل جهدا في "صك" دعايات كاذبة ضد الجماعة ووصمها بالإرهاب والعنف، وأنها "تحرف الدين" وأساس "كل الشرور"، متماهية في ذلك مع خطاب قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، الذي حرص من أول يوم لانقلابه على وصف الإخوان بأنهم "أهل الشر".
حالة التأطير والقولبة هذه استمرت وزادت حدتها منذ الانقلاب، وتخطت الإخوان الى السلفيين وجماعة التبليغ والدعوة وغيرها.
وضمن توزيع الأدوار، عمد الدعاة الرسميون والإعلاميون إلى تنظيم برامج وبث مفردات تربط بين الجماعات الإسلامية وبين كل نقيصة في المجتمع، فظهر الشيخ أسامة الأزهري، مستشار السيسي للشئون الدينية ببرنامج "الحق المبين" ليخصص كل حلقاته تقريبا للطعن في منهج وفكر الإخوان وتشويه تاريخهم، ونظم الإعلامي حمدي رزق لقاءات مع مفتي مصر شوقي علام عبر برنامج " نظرة" ليقول المفتي عن الإخوان ما ليس فيهم ويفتري عليهم كذبا، وانبرى الإعلامي إبراهيم عيسى ليلصق كل نقيصة بالإخوان والسلفيين، واصفا إياهم بأنهم "سبب عدم وجود الديمقراطية" وأنهم "بندقية للإيجار" وغير ذلك من التعبيرات ذات الدلالة السلبية.
ولا تكاد تخلو وسيلة إعلامية تابعة للانقلاب في مصر من قدح في الإخوان بصفة يومية، في إطار منهجية تنفير الناس منهم، وما وراء ذلك من خلق حالة من الكراهية للإسلام ذاته في إطار الهدف الأكبر وهو نسف الهوية الإسلامية للدولة المصرية.
ب. التشكيك في الجمعيات الإسلامية والدعوة لحلها
قادت وسائل إعلام الانقلاب هجوما حادا على الجمعيات الإسلامية الخيرية، ما هو تابع منها لجماعة لإخوان وماهو قريب منها، مثل الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية.
وبعد الانقلاب مباشرة في يوليو 2013، تشكلت اللجنة المكلفة بالتحفظ على أموال جماعة الإخوان المسلمين، بعد صدور حكم قضائي مسيس بالتحفظ على أموال وممتلكات الجماعة، التي تم حظرها واعتبارها جماعة إرهابية بعد أن عزل الجيش الرئيس الشهيد محمد مرسي.
كانت للجماعة شعبية كبيرة اكتسبت قدرا كبيرا منها من العمل الخيري و
2- التشكيك في التراث الإسلامي والكتب الصحيحة
يتعرض التراث الإسلامي لهجوم شديد فلا يكاد شيء من هذا التراث يوجد إلا وتعرض لهجوم وخصوصاً من قبل عدد من الإعلاميين وهذه هجمة عامة لضرب المعنويات وللتشكيك في الثوابت وفي التراث(25).
وأطلق الانقلاب العسكري مجموعة من دعاة الفتنة أمثال إسلام البحيري وإبراهيم عيسى وأفسح لهم المجال للتشكيك في التراث الإسلامي بكل مكوناته، فقادا- مع غيرهم- حملة شرسة على السنة النبوية الشريفة ظنا منهم أن التشكيك في المصدر الثاني للتشريع سيؤدي حتما إلى التشكيك في الإسلام أو زعزعة ثقة المسلمين به وتشويه صورته في عيون غير المسلمين، أو على الأقل التشويش على إيمان المسلمين بأهمية السنة النبوية، وقد نال رواة الأحاديث وعلى رأسهم الصحابي الجليل أبو هريرة الراوي الأول للأحاديث، والإمام البخاري صاحب أكبر وأوثق كتب الحديث؛ القدر الأكبر من الطعن والسخرية والتشويه من هؤلاء(26).
كما يتم الترويج لجماعة «القرآنيين» الذين تتوفر لهم جميع الإمكانيات لنشر أفكارهم المسمومة في العالم وبكل اللغات، والذي يقولون:«لا نأخذ إلا بما صرح به القرآن الكريم وندع ما عداه، لا قيمة لما جاء في السنة عندنا».
ومنذ أعلن السيسي انقلابه، أفسح المجال للمشككين في كتب السنة الصحيحة، بل قاد هو نفسه حملة كراهية ضد التراث الإسلامي في خطاب علني على الهواء، عندما دعا في مطلع يناير 2015، إلى "ثورة تجديد دينية للتخلص من "أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون وباتت مصدر قلق للعالم كله"، وأضاف: "لا يمكن أن يَقتل 1.6 مليار (مسلم) الدنيا كلَّها التي يعيش فيها سبعة مليارات حتى يتمكنوا هم من العيش"(27)
وخصص الانقلابيون مساحة زمنية معتبرة للمدعو "إسلام البحيري، عبر قناة "القاهرة والناس، ليبث أفكاره التي جعلت الأزهر يرفع دعوى قضائية ضده.
أثار بحيري سجالات واسعة بسبب آرائه، منها وصف تقي الدين بن تيمية بـ"سفاح الإسلام" ووصف البخاري بـ"المجرم" واتهام المؤسسات الدينية في مصر بأنها لا يُرجى منها أي إصلاح أو قول حق.
وفي 31 مايو 2015، أصدرت محكمة جنح في القاهرة حكماً بحبس "بحيري" خمس سنوات بتهمة "ازدراء" الدين الإسلامي والطعن في الأئمةـ إلا أنه في أواخر ديسمبر من العام نفسه، قضت محكمة استئناف مصر القديمة، بقبول استئنافه على الحكم وخففته إلى الحبس سنة واحدة، ثم أيدت محكمة النقض، أعلى محكمة في مصر، في 31 يوليو 2016 عقوبة حبسه عاماً، لكن السيسي أفرج عنه بعفو رئاسي في نوفمبر 2016 قبل انتهاء محكوميته بشهرين، ثم عاد إلى الشاشة ليواصل بث سمومه منذ باية العام 2018 عبر قناة TEN التي يديرها نشأت الديهي، المعروف بولائه الشديد لسلطة الانقلاب.
إبراهيم عيسى مثال آخر على من أطلقت لهم سلطة الانقلاب العنان للتشكيك في الثوابت الدينية وفي الإسلام نفسه، فتنقل بين قناة وأخرى يطرح أفكارا تصطدم مباشرة مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
عيسى، المقرب من السيسي ومخابراته، جند نفسه للطعن في العقيدة الإسلامية، زاعماً أن الإسراء والمعراج خرافة وأنها قصة وهمية! كما تناول الصحابة بالقدح، ومما قال ان عمر بن الخطاب لو كان عادلاً ما قتل!
نشر أيضاً كتاب (أفكار مُهدَّدة بالقتل) مصرَّحا فيه بكراهية رجال العلم الشّرعي، بل اختار مهاجمة أقرب شيخ للقلوب في ذلك الوقت وهو الشيخ محمد متولي الشعراوي، (رحمَهُ اللّٰهُ).
وفي سبيل نضاله التنويري الزائف الذي تضمن العبث بالثوابت وأصول الدين ظل يتجاوز كل الخطوط الحمراء مسخراً قلمه ولسانه ومنبره في محاولات بائسة للنيل من الدين، فمن نقد البخاري وابن تيمية وأبو هريرة وغيرهم، إلى نقد الخطاب الديني التقليدي، وبين هذا وذاك ظل يروي روايات غير مُعتبرة عن الصحابة؛ وحوادث في التاريخ الإسلامي محل شك وشبهة.
وقد اعتبر الرسوم المسيئة للنبي (صل الله عليه وسلم) ، أموراً شكلية لا تستوجب التفاعل معها، وأن عذاب القبر أكذوبة اخترعها المسلمون للتخويف من الآخرة، وهو أيضاً يطعن بشكل دائم في القرآن والسنة، فعنده لايوجد شىء يسمى الطب النبوى؛ ولا يوجد إعجاز علمي فى القرآن الكريم.
وباختصار فإن الرجل؛ يتطاول على القرآن والسُّنَّة، ويفتري ويسيء الأدب مع رموز الأمة، كل ذلك بصورة مستمرة وممنهجة، وبإسناد من سلطة الانقلاب.
ولا يخفى على عاقل أن الرجل وأمثاله- وهم كثر في هذه الأيام- مجرد أدوات لمخطط أوسع يستهدف النيل من العقيدة الإسلامية وقيم المجتمع المسلم، وهو مشروع معروف وحرب ممنهجة ومدروسة(28).
3- الهجوم المباشر على المظاهر الإسلامية في المجتمع ومحاربتها
لقد رفضت الدولة العربية التسلطية الإسلام السياسي منذ البداية، ليس لسبب موضوعي أو تحديثي، بل لأنه يشكّل كيانًا موازيًا يعارض الكيان الرسمي وينافسه في المجال العام، وهو ما ترفضه الدولة عمومًا. لكن درجة الرفض كانت عربيًّا أكثر عنفًا، بحكم الطابع السلطوي العربي المهيمن على الدولة، ولأن الإسلام السياسي صار البديل تقريبًا عن فشل الإسلام الرسمي الذي فشل لأنه جزء من الدولة الفاشلة أصلًا. ثم أصبحت حدة المواجهة أكثر صدامًا ودموية، تبعًا لدرجة المنافسة للسلطة وتعرية فسادها، وحشرها في الزاوية محليًّا ودوليًّا، في ظل التطورات المتعلقة بالضغوط الدولية في مسائل من قبيل الإرهاب.
و في سياق ما بعد الربيع العربي، نشطت حملة مسعورة على الإخوان المسلمين، لكنها تحولت تلقائيًّا إلى حملة على الدين نفسه. صار الدفاع عن انقلاب السيسي يستلزم تلقائيًّا الهجوم على الإخوان المسلمين، ثم تطور إلى الهجوم على الإسلام السياسي، أي على كل خطاب يعارض السلطة من مرجعية دينية. وكاد الأمر أحيانًا يصل إلى التحريض على الدين نفسه بوصفه سبب البلاء ورأس الداء، وتم الإلحاح على الصبغة الشخصية للتدين وأنه يجب ألا يتجاوز تلك الحدود، ولا مكان له في الحياة العامة ولا بين الجماعة، بل وصل الأمر إلى كره كل ما هو ديني، وصارت محاربة أي ممارسة دينية "جماعية" أو تذكّر بالإسلام السياسي مكروهة ومرفوضة ومدانة (29).
المعركة امتدت في مصر بعد الانقلاب إلى الهجوم على المظاهر الإسلامية مثل اللحية والحجاب والنقاب، "فتحويل الحجاب من أن يكون شأنا خاصا (يستند إلى الإرادة الحرة لصاحبته) إلى أن يكون شأنا عاما؛ يجعله يرتبط بالتحكم والسلطوية -سواء من قبل السلطة السياسية أو أي سلطوية أخرى.
ويهدف النظام إلى استكمال استعادة الأرض التي "احتلها" الإسلاميون على مدار العقود الخمسة الماضية؛ فقد استطاع النظام أن يقضي عليهم -ولو إلى حين- في المجال السياسي والاقتصادي والخيري …إلخ، وكذا في المجال الديني حين أمّم المؤسسات الدينية كافة، ولكن يظل المجال الاجتماعي الذي يعد الحجاب أحد مظاهره قائما، وقد أفصح سعد الهلالي عن ذلك صراحة حين قال: إن الحجاب أحد مظاهر حضور الإسلاميين في المجال العام، وبه يجري تصدير صورة للخارج عن استمرار وجودهم ونفوذهم في مصر. وللتوضيح هنا؛ فإن المعركة تدور حول استرداد الدين من الإسلاميين ليجري بعد ذلك السيطرة والتحكم فيه، وهنا نشير أنه ولأول مرة في التقاليد السياسية المصرية فإن الرئيس يملك آراء دينية يفصح عنها؛ والأهم أنه يدفع مؤسسات الدولة لتتبناها مثل قضية الطلاق الشفوي(30).
4- مباركة سياسات التضييق على الدعاة وتقليص دور المساجد
منذ انقلاب 2013، "تخوض وزارة الأوقاف المصرية حرباً شعواء، ساحتها المساجد وهدفها "الإخوان" وأبناء عمومتهم، وأداتها السيطرة، وكل تفصيلة من تفصيلاتها جمر مشتعل ولغم يتعجل الانفجار"(31)
"استخدمت الوزارة أدواتها في محاولة لفرض خط مؤيد للنظام، وسعت لاستئصال جيوب المعارضة، وخاصة تلك الموالية لجماعة الإخوان المسلمين، من المرافق الخاضعة لسيطرتها في عملية تطهير طويلة الأجل.
كما عززت الوزارة رقابتها على عمليات توزيع الزكاة، وأغلقت المساجد في غير أوقات الصلاة، وهو جزء من خطتها المتنامية لتنظيم الفضاء العام، ولكن أيضا بسبب الخوف التاريخي من استخدام المساجد كملتقى للإسلاميين وكمركز تجنيد للجماعات المعارضة للنظام. ولا يخفى على العامة أن المساجد تخضع ليس فقط لرقابة الدولة، ولكن لرقابة الجهاز الأمني كذلك.
وفي عام 2016 سعت الوزارة لتوحيد خطبة صلاة الجمعة عن طريق فرض خطبة مكتوبة يلقيها الدعاة على المنابر في يوم الجمعة في كافة المساجد.
وفي 2019 اقترحت الوزارة أن يقدم الوعاظ تسجيلات صوتية ومرئية لخطب الجمعة، ولكنها تراجعت عن اقتراحها بسبب احتجاجات الأئمة الذين لم يثنيهم تذكير الوزارة لهم بأن لديها أدوات أخرى للرصد.
وما أن بدأت جائحة كوفيد-19، حتى سارعت الوزارة إلى التذرع بها لتجديد محاولات السيطرة على زوايا الصلاة الصغيرة والتجمعات التي تتم على أسطح المباني أو في الشوارع، على الرغم من أنها تهاونت في البداية، ولم تحذُ حذو الأزهر الذي أوقف صلاة الجمعة للمساهمة في الحد من انتشار المرض.
وتعمل لجنة من الخبراء على إعداد الخطب الوعظية للوزارة، وتضم هذه اللجنة أعضاءً من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وتركز عملها على أمرين أساسيين: أولهما التذكير المستمر بأهمية طاعة ولي الأمر وهو الحاكم، أو القائد، أي رئيس النظام السياسي الحاكم. وثانيهما ضرورة مكافحة الإرهاب والتطرف، وهي مصطلحات تستخدمها الوزارة لوصف كلٍ من يعارض النظام".(32)
كل هذه الإجراءات يتم نشرها ومباركتها إعلاميا على نطاق واسع، كما يتم الترويج لكل قرارات الوزير التي تتم بإيعاز من الأمن، وكان من أبرزها فصل الدعاة المنتمين للمعارضة.
الأهم أن خطاب الوزارة الديني يكرس ويرسخ رؤية النظام للدولة والمجتمع، وهو ما يعني إسهام الوزارة بشكل أساسي في رسم نمط الهوية المراد فرضه على الدولة؛ خدمة لمصالح العسكر والمنتفعين حولهم.
5- التشجيع على منع الأعمال الخيرية الإسلامية والتضييق على الجمعيات
كانت الجمعيات الخيرية الإسلامية أهم مؤسسات المجتمع المدني التي أثبتت فاعلية في المنطقة العربية عامة ومصر خاصة، لما لعبته من دور في تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي وتخفيف عبء آثار الأزمات الاقتصادية عن كاهل المواطنين في الدولة. ولكن الحسابات السياسية والأمنية في النظم التسلطية العربية، وقفت عائقاً أمام نضج وترسيخ هذه التجارب كسن قانون الجمعيات الأهلية في مصر.
ورغم ما لهذه السياسات من تأثير سلبي على جمعيات حقوق الإنسان وشرعنتها لمزيد من تضييق الخناق على المنظومة الحقوقية داخل مصر، فإن التأثير الأكثر خطورة يتمثل في مصير الملايين من الفقراء، المعتمدين على الجمعيات الخيرية في تدبير شؤون حياتهم الاجتماعية والاقتصادية. وهذا ما كشفته التقارير كما سبق ذكره، فالنظام المصري لم يجد بديلاً لسد الفراغ الذي تركته هذه الجمعيات.
وشكّل قانون "الجمعيات الأهلية"، الذي أقره البرلمان المصري، في 24 مايو 2017م، جدلاً واسعاً في الداخل والخارج، وذلك كونه يفرض قيوداً هائلة على تأسيس المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية، ويهدد عملها ويجفف منابعها، ويعاقب من يخالف القانون بالسجن لمدة تصل إلى 5 سنوات، وبغرامة تصل إلى مليون جنيه.
ومنذ الانقلاب، تم التضييق على عمل نحو 47 ألف جمعية محلية، خصوصاً منها ذات الطابع الإسلامي، بالإضافة إلى 100 جمعية أجنبية، وغيرها من الجمعيات التي كانت تقدم خدمات تطوعية للمواطنين الفقراء.
وقد سبق ذلك حكم المحكمة الصادر بحظر أي جمعية تتلقى التبرعات إذا كان بين أعضائها أحد المنتمين إلى الإخوان المسلمين، وأتبعه قرار تجميد أموال الجمعيات الخيرية كوسيلة لتجفيف منابع التمويل. حسب تفسير الحكم.
هذه الإجراءات ساهمت بزيادة الضغط على الطبقات الكادحة التي تعاني الفاقة نتيجة الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي تفرضها الحكومة، ومع التغول العسكري في مفاصل الدولة وجميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية، انحسر العمل الأهلي في مصر، الذي كان يقوم على تعويض عجز النظام، وحماية ملايين المواطنين من أزمات كبرى.
القرار أدى إلى تفجير الأوضاع الاجتماعية، وزيادة غضب المستفيدين من أنشطة هذه الجمعيات نحو الدولة أكثر منه نحو الإخوان"(33).
ورغم عدم قدرة النظام على سد الفراغ الناجم عن تغييب مثل هذه المؤسسات، ظلت الأبواق الإعلامية للنظام تبرر الإجراءات المتخذة ضدها وتشن حملات تشويه مستمر للقائمين عليها، وهو ما يعد حالة من حالات هدم الهوية الخيرية للمجتمع ومحاربتها عمدا.
6- نشر التفاهات والحض على التحلل القيمي والأخلاقي
مطربة شهيرة قررت حلق شعرها تماما بعد طلاقها من زوجها، وأدمنت المخدرات، وممثل قديم خرج يتهم ابنته بالعقوق، وأغنية لصبي مغمور يمشي في مناطق قذرة ويبحث عن بطة اسمها شيماء، وقرار منع بيكا وشطة وشاكوش وحاحا وحنجرة وطيخة والعصابة وغيرهم من مطربي ما يعرف بالمهرجانات من الغناء.
هذه الأحداث وليس غيرها من أحداث سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية هي أبرز ما يشغل المصريين منذ الانقلاب، ليتجدد التساؤل: هل هي وسيلة لإلهاء المصريين وإشغالهم عن قضايا أهم؟
بهذا الشكل يفرض الإعلام الانقلابي أجندة هابطة على المتلقين، ترتكز على الفضائح الأخلاقية وتتبع سقطات المشاهير وتسليط الضوء على الجرائم ذات الطبيعة العاطفية والجنسية،؛ بهدف الإلهاء عن القضايا الأساسية التي يعانيها الناس، ونشر نسق قيمي هابط مغاير للقيم الطبيعية للمجتمع.
"بص العصفورة" عبارة يستحضرها المصريون في سياق تأكيد أصحاب وجهة النظر الأولى؛ ففي تقديرهم أن إثارة تلك القضايا -التي في أغلبها لا تتعلق بقضايا مهمة، أو استغلالها عند ظهورها- تهدف في الأساس إلى صرف نظر المواطن المصري وإلهائه عن قضاياه الحياتية الأهم، سواء تلك التي تمس معيشته أو حقوقه، أو الواقع السياسي في بلده.
ويعزز ذلك أحيانا تزامن إثارة تلك "الترندات" وتعزيز الجدل حولها، مع قرارات صادمة أو أحداث كبرى، مما يثير الريبة لديهم، في حين يرى آخرون أن ذلك أمر طبيعي، خاصة أن العديد من تلك القضايا تظهر فجأة ولا يمكن من وجهة نظرهم تصور أن تكون مفتعلة (34).
وساهمت الدراما المطعمة بمشاهد صادمة وشاذة، بدور كبير في هذا الاتجاه، بل ملأت ساعات الذورة في شهر رمضان، التي كانت تزدحم بالمسلسلات الدينية في عقود ماضية.
ولا شك أن جهات تابعة للنظام هي صاحبة المصلحة في ذلك لما سبق ذكره، لكن آخرين من مؤيدي النظام الحالي يذهبون إلى أن جهات معارضة للنظام هي التي تفتعل تلك الإلهاءات لصرف الناس عن الإنجازات التي تحققها السلطة (35).
7- الترويج لوهم "سعي الإخوان لتغيير هوية الدولة"
كان لافتا طول الوقت منذ ما قبل انقلاب 2013، تصدير خطاب إعلامي يخوف الجمهور المصري من الحركات الإسلامية، خصوصا الإخوان، بزعم أنهم سيفرضون الحجاب ويقطعون الرقاب ويقيمون الحدود، بهدف "السيطرة على الشعب وسرقة هويته"!
عبر عن هذا بوضوح كل الإعلاميين، وحاز قصب السبق في هذه المزاعم إبراهيم عيسى، الذي خرج مؤخرا ليقول: " إن الوعي أمر هام جدا، وكان سبب من أسباب طرد الإخوان من مصر، وهذا أمر يجب على الجميع الاعتراف به، حيث إن الإخوان لم يتم طردهم من مصر ومن الحكم بسبب أنابيب الغاز أو انقطاع الكهرباء، وإنما الخطر الحقيقي التي شهدته مصر هو رغبة الإخوان في السيطرة على وعي المصريين، وهذا أمر لم يقبل أحد به.
وأردف، أن "الإخوان عقب توليهم الحكم بدأوا في العمل على السيطرة على وعي الشعب المصري، وسرقة الهوية المصرية، وهو ما رفضه الشعب المصري، حيث وجد الشعب نفسه مصريته تُسرق منه"(36).
الأمر نفسه كرره كاتب يدعى محمد الشرقاوي، حيث كتب في "صوت الأمة" تحت عنوان (زحام الهوية): "إن المصريين لأشد حاجة لاستعادة هويتهم التي حاول الكثير مسخها على مدار عقود وسنوات"، واستشهد في ذلك بأقوال باحث دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، يدعى محمود عبد العزيز، والذي نشر مقالا في مجلة السياسية الدولية في 2 نوفمبر 2021، جاء فيه: "إن الأحداث التي تلت اعتلاء تنظيم الإخوان الإرهابي قمة السلطة السياسية في مصر، والتي تزامنت مع سياسات خارجية وداخلية حاولت زعزعة وحدة النسيج الاجتماعي المصري، وأضرت بالمصالح القومية"(37).
8- تأسيس عبودية من نوع جديد تتمحور حول دور القوة المسلحة في الدولة (تمجيد الجيش والشرطة)
منذ الانقلاب، تبارت وسائل الإعلام المصرية في مخاطبة الجماهير بنمط يمجد الجيش والشرطة، ويجعل الجيش تحديدا هو العمود الفقري لكل شئ في الدولة، في الوقت الذي جرى فيه "عسكرة" كل المؤسسات المدنية في الدولة، بتعيين ضابط من الجيش كمسئول عنها.
في هذا السياق سمعنا وشاهدنا عبارات للسيسي مثل: "لولا الجيش والشرطة ما كانت مصر تسير في طريق تنميتها المنشودة"، والتي صدرت من قائد الانقلاب خلال احتفالية عيد الشرطة في يناير 2022، ثم عاد فزعم في مداخلة مع المذيع يوسف الحسيني مساء 26 أكتوبر 2022 أنه " لولا اليد من حديد والجيش القوي في 2011 و2013 لكانت الناس اتدبحت في الشوارع"!!(38)
كرر السيسي هذه المزاعم مرات عديدة وتبعه في ذلك الإعلاميون وبعض الكتاب والبرلمانيين والمنتفعين وعلماء الدين، الذين بالغوا في دور الجيش والشرطة حد التقديس، ومن ذلك على سبيل المثال عبارة باتت مثل اسطوانة مشروخة يرددها هؤلاء، لتبرير انقلاب 2013: " لولا تدخل الجيش والشرطة فى الوقت المناسب، لسقطت مصر فى الفوضى والحرب الأهلية والتقسيم"(39)
ومع تغيير القوانين لتمكين قيادات الجيش والشرطة وأفرادهما من الإفلات من العقوبة على جرائم قتل المدنيين منذ يناير 2011 وحتى الآن، وإعطاء مزايا مادية وعينية بلا حدود لهؤلاء، وصل الحد ببعض المصريين- نتيجة الدعاية المبالغ فيها- إلى رفع الأحذية "الميري" على رؤوسهم، اعتقادا منهم بصحة ما يشاهدونه في الإعلام.
ولا يمكن في هذا السياق أن ينسى الجمهور ما قاله أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، سعد الهلالي، ممجدا دور كل من عبدالفتاح السيسي و محمد إبراهيم، وزيرا الدفاع والداخلية أثناء حكم الرئيس محمد مرسي، حيث اعتبرهما "نبيين مرسلين" لدورهما في الانقلاب على الرئيس الشرعي، حيث قال بالحرف الواحد: "تمر الأيام وما كان لأحد أن يتخيل أن سنة الله تنكر ويأتي من يقول لا إسلام إلا ما نمليه عليكم ولا دين إلا ما نعرفه لكم، ويقيض الله للمصريين من يقف في مواجهتهم لكي يحققوا أن يكون الدين لله كما أمر الله، فابتعث الله أيضا رجلين، كما ابتعث الله موسى وهارون أرسل وابتعث رجلين"
وتابع:"ما كان لأحد من المصريين أن يتخيل أن هؤلاء من رسل الله عز وجل، وما يعلم جنود ربك إلا هو، خرج السيسي ومحمد إبراهيم، لتحقيق قول الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله"(40).
هذه الصورة الغريبة والجديدة من تقديس للجيش والشرطة لم تكن معهودة لدى المصريين من قبل، وهي داخلة- لاشك- في إطار رسم صورة خيالية لدورهما في الحفاظ على مصر وهويتها، ما يعني أن القهر والظلم والقبول به وبمن يرتكبه بات ضمن مكونات هذه الهوية!
المحور الرابع: أثر الخطاب الإعلامي الانقلابي على هوية المجتمع المصري
لم يترك الإعلام الانقلابي- بإيعاز وتوجيه من قائد الانقلاب وأجهزته- فضيلة إلا وهدمها، ولم يترك رذيلة إلا رفع من شأنها وعزز وجودها، وكأنه يريد عمدا أن ينشر الفساد والفاحشة في المجتمع، وهو ما أثمر في النهاية فسادا غير مسبوق رصدته أجهزة محلية ودولية، وارتفاعا في معدلات الجرائم ذات الطابع الاجتماعي، ونمو حالات الطلاق والتفكك الأسري، وغير ذلك من الظواهر السلبية التي باتت تفتك بالمجتمع المصري، وتهدد بنيانه.
كانت شرارة ذلك ونقطة انطلاقه، عندما أعلن قائد الانقلاب حربا استئصالية واضحة على قسم من الشعب يتبنى الحكم المدني الديمقراطي ويدافع عنه، ثم انخرط إعلامه بعد ذلك في التشنيع على هؤلاء المؤمنين بالديمقراطية ووصفهم بأنهم إرهابيون، وتبرير جرائم القتل بحقهم، ووصل الأمر إلى توظيف الأغاني والدراما لقسم الشعب إلى فريقين والإمعان في تشويه المخالفين لسلطة الانقلاب حد تخوينهم ونفي الوطنية عنهم.
وهكذا أفرز هذا المناخ الإعلامي التعبوي عدة نتائج تضرب الهوية المصرية الأصلية في مقتل، ومن أبرزها:
انحسار مظاهر التدين، ارتفاع معدل الجريمة، انتهاك الحرمات وانتشار والرذائل، تفكك المجتمع واختفاء مظاهر التكافل، غياب الانتماء وتراجع الإبداع، انتشار الفساد، التخلف في كل مظاهر الحياة.
وقد رصدت مؤسسات دولية مؤشرات تؤكد كل ذلك، ومنها:
1- ارتفاع معدل الجريمة:
تتوالى الصدمات مع أخبار شبه يومية، عن جرائم قتل وانتحار ذات نمط مخيف وغير معهودة في مصر. ويستيقظ المصريون يوميًا، منذ الانقلاب، على جرائم تقشعر لها الأبدان، وتشيب الرؤوس من فظاعتها ودناءة مرتكبيها الذين تجردوا من كل مشاعر الإنسانية، وارتكبوا أفعالا تنكرها الشياطين، والأبشع من تلك الأفعال هو نشرها على مواقع «السوشيال ميديا» واعتياد المواطنين على مشاهدتها وكأنها أصبحت أمرا طبيعيا(41).
يقول محللون إن السبب يكمن في: الاستبداد السياسي، الخطة الإنمائية الفاشلة لدى النظام الحالي مع ضعف الوازع الديني، الفوضى العلمية الشرعية، تغلغل شبكات المافيا، وعصابات الإفساد اليهودية المنشأ عابرة القارات في نسيج الشعب المصري، إضافة إلى الظلم الاجتماعي الطاحن والدور التدميري لوسائل التواصل الاجتماعي.
ونتيجة لذلك، "تكررت جريمة الذبح العلني دون وجل في ذروة النهار، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على كارثة جلل، تنبيء عن فوضى أخلاقية حيث لا دين يردع ولا وازع ضميري يعمل.. وإزاء هذه الفوضى الماحقة قد يشعر المراقبون أن هناك غيابًا خطيرًا للسلطة المراقبة والشرطة الداخلية وقوى الأمن التي تضلع بحماية الشعب والمجتمع والحفاظ على استقراره"(42).
و وفقا لتقرير "NUMBECO" العالمي فإن معدلات الجريمة قد ارتفعت في آخر ثلاث سنوات في مصر بنسبة 45 في المائة، كما ارتفع معدل جرائم "القتل العمد" بنسبة 130 في المائة وفقا لتقرير مصلحة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية المصرية- 2021 (43)
2- انتشار الفساد
أتى ترتيب مصر في المرتبة 117 من بين 180 دولة، وذلك وفق بيانات مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، لعام 2021، وكانت مصر تحتل المرتبة 106 عام 2019.
ورصد تقرير لمنظمة الشفافية، عدة ممارسات تتسم بالفساد من قبل مصر في القروض التي حصلت عليها، من صندوق النقد الدولي، لمواجهة جائحة كورونا، منها: أن النظام المصري تعمد إضعاف القضاء، ودللوا على ذلك بقيام نظام السيسي بتعديل قانوني يسمح له بعزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك من أجل الإطاحة بالمستشار هشام جنينة (44).
وعربيًا، جاءت مصر في الترتيب الـ11 بعد كل من الإمارات التي احتلت المرتبة 24 عالميًا، وقطر 31، والسعودية 52، وسلطنة عمان 56، والأردن 58، وتونس 70، والكويت 73، والبحرين 78, والمغرب 87، والجزائر 117.(45)
3- انحسار مظاهر التدين وظهور الإلحاد
بدأت ظاهرة الالتزام الديني بالتقلص لأسباب من بينها إفشال ثورات الربيع العربي واستهداف «الإسلاميين» بشكل خاص بسبب تصدرهم المشهد الثوري، وتضافر القوى المضادة للثورة للإجهاز على المسار الثوري وإفشال الحراك العربي، وتبني مشروعات إعلامية واسعة لدعم ذلك التوجه.
كانت نتيجة ذلك ظهور أصوات علنية لبعض الملحدين في مجتعنا المصري والمجتمعات العربية، ورغم عدم وجود ظاهرة الإلحاد على نطاق واسع، فإنه بد من الاعتراف بوجود مشاريع لدى تحالف قوى الثورة المضادة في ذلك الاتجاه. وهذا التوجه مدعوم من القوى الغربية بحماس كبير تحت عناوين براقة في مقدمتها ضمان الحرية الشخصية في الاختيارات العقيدية او حتى الهوية الجنسية للفرد (46).
ومن بين المشاريع التي تبناها النظام الانقلابي في مصر، بعد ضرب الحركة الإسلامية، فتح المجال للاتجاهات الصوفية والتضييق الشديد على المؤسسات الدينية مثل الأزهر، وإغلاق أكبر عدد من المساجد، وتحجيم وقت الصلاة، ومنع النوافل وصلاة التراويح، ما كان له أثر سلبي في المجتمع المصري بشكل عام، والذي بدا أنه لم يعد يعط الدين الأهمية ذاتها التي كان عليها قبل يوليو 2013، إما خوفا من بطش النظام أو تأثرا بما يبث عبر الإعلام من شبهات على مدار الساعة.
4- تفكك المجتمع واختفاء مظاهر التكافل
جرائم العنف التى ترتكب بمنتهى القسوة في مصر تؤكد أن هناك تغيرًا حدث فى طبيعة عدد كبير من المصريين، وهو ناتج عن إعمال آلة القتل والاستهانة بالدماء، التي بدأها العسكر منذ اللحظة الأولى للانقلاب، وأيضا حالة التردي الاقتصادي التي أفقرت الكثير من المصريين، ومع تراجع الدخل وغلاء الأسعار عادت إلى السطح، بل واستفحلت، مظاهر التباين الاجتماعي والطبقي التي كانت سائدة قبل انقلاب 1952، وتوحش الفقر، ونتج عنه تمزق الأسر وغياب التكافل، خاصة بعد أن أغلق الانقلابيون كافة الجمعيات الخيرية وصادروا أموال المحسنين.
حتى داخل الأسرة الواحدة، تظهر مئات التدوينات وآلاف التعليقات تتناول يومياً مواضيع لم يتصور أحد أن تخرج عن نطاق "أسرار البيوت" خلال سنوات سابقة، إذ انتشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في مصر تختص بحل المشكلات الاجتماعية، خصوصاً ما يتعلق بالأزمات الأسرية، إذ يرسل أحدهم إلى المسؤول عن الصفحة مشكلته طالباً استشارة المتابعين عبر تعليقاتهم.
وبينما يحتفظ صاحب المشكلة بسرية هويته فكثيراً ما تكون تفاصيل ما يسرده صادمة، مثل الخيانات الزوجية والانحرافات.
وقد أدت زيادة نسب الطلاق داخل المجتمع المصري وارتفاع معدل التفكك والعنف الأسري إلى "خروج قضايا الأسرة من الشأن الخاص إلى تداولها على العام، الأمر الذي انعكس على الأسرة إجمالاً بالسلب"(47).
ويكفي أن نشير هنا إلى أن عدد حالات الطلاق في عام 2021 نحو 255 ألف حالة بزيادة قدرها 14.7 في المئة عن عام 2020، وفق أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
5- غياب الانتماء وتراجع الإبداع
تحت الضغوط اجتماعية والاقتصادية التي أحدثها الانقلاب، لم يعد الانتماء الوطني قيمة راسخة في نفوس المصريين، بل إن كثيرا منهم، وخصوصا المتعلمين والمهنيين، بات يبحث عن وطن بديل يعيش فيه وجنسية أخرى تحفظ له كرامته.
وعلى النقيض من موجات الارتحال المصري ذات الدوافع السياسية في المرحلة الممتدة من خمسينيات إلى سبعينيات القرن العشرين، تضم الدفعة الراهنة من المغادرين كوكبة متنوّعة جداً من الأشخاص ذوي الهويات والدوافع والوجهات المختلفة والتجارب المختلفة في المنفى.
وفي حين أنه يصعب الحصول على بيانات محدّدة، يبدو أن المرتحلين المصريين بعد العام 2011 هم، عموماً، أكثر عدداً وأصغر سناً وذوو كفاءات علمية أعلى بالمقارنة مع المرتحلين في السابق. وأحد الأسباب خلف أعداد المرتحلين وتنوّعهم هو أن أعداداً أكبر من الفئات تُواجه خطراً جدّياً في مصر اليوم مقارنةً بالسابق (48).
لكن المؤكد أن "حالة الاغتراب التي يعاني منها الواقع الشبابي اليوم لها جوانب سيكولوجية واجتماعية متعمّقة. كما أشارت مجموعة من الدراسات إلى زيادة نسبة الأمراض النفسية في مصـر بنسب ملفتة عما كانت عليه قبل ثورات الربيع العربي"(49).
هذا يعبر بوضوح عن غياب الانتماء، والذي يصاحبه، تحت حكم الانقلاب، غياب الإبداع لعدم وجود ما يحفزه، فالإبداع ينمو مع الحرية وينتهي تماما مع اختفائها.
6- التخلف في كل مظاهر الحياة
محاولات تذويب الهوية المصرية في السنوات الأخيرة ومحاربة كل ألوان التمسك بها أدت إلى ظهور معدومي الموهبة على السطح في كل المجالات، وأفسحت المجال أكثر لتعمق مظاهر التخلف في كل دواليب الدولة المصرية.
وما تمر به مصر الآن هو (حالة تخلف عامة) لها جذور، بدأت منذ انقلاب 1952 وتفاقمت بعد انقلاب يوليو 2013م.
كل تلك المؤشرات تؤكد أن "حرب الهوية" التي تبناها نظام السيسي الانقلابي وروج مفرداتها عبر أذرعه الإعلامية قد تمكنت من المجتمع المصري، لكن ذلك لا يعني أنها صهرته نهائيا في هوية بديلة، فالمجتمع- رغم الخوف والقهر- مازال يقاوم هذا التوجه لتذويب هويته، ولو أتيحت له الفرصة وتحرر من قيود الانقلاب سينتصر في هذه المعركة لهويته الأصيلة، التي يمثل الإسلام عمودها الفقري.
النتائج:
من خلال ما عرضته هذه الدراسة من وقائع ومعلومات، يمكن التوصل إلى النتائج التالية:
- الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 جاء بمشروع لتذويب هوية مصر وخلعها من انتمائها العربي الإسلامي إلى نموذج صارخ في العلمانية منبطح أمام الصهيونية العالمية.
- أدى الإعلام الانقلابي دور خطير في مسألة تذويب الهوية من خلال برامج "التوك شو" والدراما بشكل أساسي، وعمل على بث رسائل متنوعة تضرب الهوية المصرية في الصميم.
- اعتمد الإعلام الانقلابي على أدوات ومفردات لمحو الهوية المصرية منها: ضرب المكونات والرموز الإسلامية ، التشكيك في التراث الإسلامي والكتب الصحيحة، الهجوم المباشر على المظاهر الإسلامية في المجتمع ومحاربتها، التضييق على الدعاة وتشجيع إغلاق المساجد ، ومنع الأعمال الخيرية، ونشر التفاهات والحض على التحلل القيمي والأخلاقي، والترويج لوهم "أخونة الدولة"، وتعظيم دور الجيش والشرطة.
- نتج عن محاولات تذويب الهوية ارتفاع معدل الجريمة، انتشار الفساد، انحسار مظاهر التدين وظهور الإلحاد، تفكك المجتمع واختفاء مظاهر التكافل، غياب الانتماء وتراجع الإبداع، والتخلف في كل نواحي الحياة.
التوصيات:
- على الإعلام الحر تبني برنامج واضح المعالم، يكشف كل محاولات العسكر لتمييع وتذويب الهوية الوطنية للمصريين.
- تفنيد جميع مفردات الخطاب الانقلابي لتذويب الهوية ورد الجمهور إلى الأصول التي يؤمن بها ويعيش عليها والمتجذرة في المجتمع منذ مئات السنين.
- كشف مخاطر المشروع العلماني الصهيوني الذي يريد الانقلابيون فرضه على المجتمع المصري وآثاره السلبية في كافة مناحي الحياة.
الخاتمة:
الهوية المصرية والتي تمزج بين كل الحضارات التي ظهرت على أرض مصر بدءا بالفرعونية ونهاية بالعربية الإسلامية هي هوية جامعة لكل المصريين، مسلمين ومسيحيين، فالحضارة العربية الإسلامية شارك فيه بنائها مسلمون ومسيحيون، وهي ملك لهم جميعا، وقد أدرك ذلك السياسي القبطي الشهير مكرم عبيد الذي قال إنه “مسيحي دينا مسلم وطنا”.
وافتعال معارك الهوية من قبل النظام الانقلابي هو هروب من المشاكل الحقيقية التي يعانيها المجتمع المصري، فالهوية مقننة في نص دستوري متوارث، يمثل توافق المصريين عبر ممثليهم في لجان صياغة الدساتير المتعاقبة، وظهور أصوات نشاز محدودة العدد بين الحين والآخر لإثارة الجدل مجددا هو نوع من الفراغ السياسي والثقافي، وشعور من أصحاب هذه المعارك بضعف موقفهم شعبيا، لذا يلجأون لمثل هذه القضايا الملغمة من باب “عليّ وعلى أعدائي”(50).
ومع ذلك فإن الهوية بمعناها الشامل والعميق والمركب تبدو أكثر رسوخا وتجذرا فى الوعى والوجدان والسلوك، وأبعد غورا من نمط الثقافة السياسية السائدة وقيمها؛ فالهوية ذات عمق تاريخى مركب رافق الجماعة المصرية عبر مراحل تطورها المختلفة (51).
ووقائع التاريخ الحديث والمعاصر أثبتت أن سياسات العدوان على الهوية والذاكرة الجماعية لأي شعب، بما في ذلك الشعب المصري؛ يمكن أن تبوء بالفشل الذريع في نهاية المطاف، وذلك عندما تنهض قوى الإصلاح الأصيلة وجماهيرها في مواجهة سياسات أي نظام قمعي يعتدي على الذاكرة الجماعية، وذلك إما بجهود تهدف لإعادة اكتشاف قصص الماضي وتصويب سرديته التاريخية، أو تهدف لدحض الأباطيل التي روجتها السلطة في وقت ما، أو لإزاحة ما أحدثته من تزييف وتشويه (52).
المصادر:
(1) عبدالعليم محمد، مصر تبحث عن هويتها: سؤال الهوية بعد الثورة، البوابة نيوز، الثلاثاء 19 مارس 2013م، https://bit.ly/3BhRQfi
(2) عماد أبو غازي، قراءة فى تاريخ الأحزاب السياسية فى مصر، جريدة الشروق، الجمعة 10 مايو 2013، https://bit.ly/2tOlq8J
(3) عبدالعليم محمد، مصر تبحث عن هويتها: سؤال الهوية بعد الثورة، مصدر سابق
(4) الدكتور صوفي أبو طالب لـ «البيان»:ثورة ايران وتجربة السودان ساعدتنا بتأجيل تطبيق الشريعة، جريدة البيان، 2 يونيو 2002، https://bit.ly/3er60BZ
(5) عبدالعليم محمد، مصر تبحث عن هويتها: سؤال الهوية بعد الثورة، مصدر سابق
(6) رجاء وحيد دويدري ، البحث العلمي أساسياته النظيرة وممارسنه العملية (الطبعة 1)، دمشق سوريا:دار الفكر، صفحة 183. بتصرّف.
(7) عبدالعليم محمد، مصر تبحث عن هويتها: سؤال الهوية بعد الثورة، البوابة نيوز، الثلاثاء 19 مارس 2013م، https://bit.ly/3BhRQfi
(8) علي الصلابي، الهوية الوطنية ركن من أركان الدولة الحديثة المسلمة، الجزيرة نت، https://bit.ly/3L70vEQ
(9) علي الصلابي، الهوية الوطنية ركن من أركان الدولة الحديثة المسلمة، الجزيرة نت، https://bit.ly/3L70vEQ
(10) خيري فرجاني، الانتماء الوطني والحفاظ على الهوية المصرية، مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، بدون تاريخ، ص: 91-94.
(11) مصطفى علي، مصر وكيميت.. إشكالية الهوية المترددة، عربي 21، 5 أغسطس 2021، https://bit.ly/3Drgtr2
(12) محمد الصباغ، أزمة الحكم في مصر خلال 100 عام !، مدونات الجزيرة، https://bit.ly/3BLCAXf
(13) قطب العربي، معركة الهوية في مصر مجددا، الجزيرة مباشر، https://bit.ly/3r5SdDI
(14) هشام جعفر، الجدل حول الحجاب في مصر.. ضجة تحركها السياسة، الجزيرة نت، 24 يوليو 2022، https://bit.ly/3sur1iI
(15) مصر: التحفظ على 62 شركة وأكثر من ألف جمعية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، فرنسا 24، https://bit.ly/3UKB7Ja
(16) "الجمعية الشرعية» تتبرّأ من «الإخوان»: أيدناهم بعد ترويجهم لـ «مشروع إسلامي"، الراي الكويتية، https://bit.ly/3SiV6NH
(17) دعوى قضائية تطالب بحل جمعيتي أنصار السنة والجمعية الشرعية بسبب محمد حسين يعقوب، صحيفة الوطن البحرينية، https://bit.ly/3SeNSKq
(18) أيمن عبدالرحيم، الأزهر والعسكر .. من التحالف إلى التدجين!، موقع "إضاءات"، https://bit.ly/3eJeWDd
(19) مروة البشير، الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر للأهرام: لاأخـونة فى الأزهـر ..ومحاولات الهجوم لن تنال من رسالتنا، بوابة الأهرام، 26 ديسمبر 2014م، https://bit.ly/3TGasMt
(20) أحمد البحيري، عبدالحي عزب: الهجوم على الأزهر يهدف لهدمه، المصري اليوم، 29 يوليو 2015، https://bit.ly/3DukfzH
(21) الطيب: الهجوم على الأزهر هجوم على مليار وخمسمائة مليون مسلم، دنيا الوطن، 22 يناير 2016م، https://bit.ly/3gGFHsi
(22) معركة الأزهر والسلطة تستعر .. و"الطيب" يرد بمهاجمة مستشار السيسي، قدس برس، 18 فبراير 2017، https://bit.ly/3D8l2oQ
(23) سليم عزوز، دفاع عن الأزهر وشيخه، الجزيرة نت، 18 أبريل 2017، https://bit.ly/3Sy0HPd
(24) الأزهر والسيسي.. 4 قضايا فجرت الاختلافات، وكالة أنباء الأناضول، 25 ديسمبر 2018، https://bit.ly/3f3YTzT
(25) عبدالعزيز العمري، التراث الإسلامي يتعرض لهجوم شديد من أبنائه لضرب المعنويات والتشكيك في الثوابت، جريدة الجزيرة السعودية، https://www.al-jazirah.com/2022/20220603/tn1.htm
(26) الهجوم على السنة النبوية هدفه التشكيك في الإسلام، جريدة الخليج الإماراتية، https://bit.ly/3Shh0kq
(27) السيسي وشيخ الأزهر.. مبارزة جديدة على الهواء مباشرة، الجزيرة نت، 20 نوفمبر 2018، https://bit.ly/3fb8nJD
(28) د. اسماعيل صديق، حملات مسعورة على الإسلام … ناطح الصخرة إبراهيم عيسى؛ أنموذجاً، الراكوبة، 25 سبتمبر 2022، https://bit.ly/3gIB55e
(29) حماه الله ولد السالم، الخوف من المُقدّس أو كراهية الإسلام عربيًّا!، منتدى العلاقات العربية والدولية، https://bit.ly/3W4Uo8P
(30) هشام جعفر، الجدل حول الحجاب في مصر.. ضجة تحركها السياسة، الجزيرة نت، 24 يوليو 2022، https://bit.ly/3sur1iI
(31) أمينة خيري، "حرب المساجد" في مصر صراع من أجل البقاء، اندبندنت عربية،28 أبريل 2022، https://bit.ly/3gEaGW4
(32) ناثان براون, ميشيل دنّ ، من سيتحدث باسم الإسلام في مصر ، ومن سيستمع؟، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 5 يناير 2022، https://carnegie-mec.org/2022/01/05/ar-pub-86118
(33) عبير بوعكاز، التضييق على “الجمعيات الخيرية الإسلامية” في مصر.. كيف يهدم النظام آخر سقفٍ يستر ملايين الفقراء؟، عربي بوست، 18 يونيو 2022، https://bit.ly/3zgrHw5
(34) عبدالرحمن محمد، "ترندات" شغلت المصريين.. اهتمامات أم إلهاءات؟، الجزيرة نت، 13 سبتمبر 2021م، https://bit.ly/3gDay9k
(35) عبدالرحمن محمد، "ترندات" شغلت المصريين.. اهتمامات أم إلهاءات؟، الجزيرة نت، 13 سبتمبر 2021م، https://bit.ly/3gDay9k
(36) عبدالرحمن خالد، إبراهيم عيسى: طرد الإخوان من مصر لم يكن بسبب أنابيب الغاز وانقطاع الكهرباء، تحيا مصر، 29 سبتمبر 2022، https://www.tahiamasr.com/725511
(37) محمد الشرقاوي، زحام الهوية ، صوت الأمة، https://bit.ly/3SQNUZ2
(38) محمد السنباطي وصفاء محمد، السيسي: لولا اليد من حديد والجيش القوي لـ... كانت الناس اتدبحت في الشوارع، الراي الكويتية، 26 أكتوبر 2022، https://bit.ly/3DuVZfY
(39) محمد حلاوة: مخطئ من يتصور أن أطماع الاخوان في الحكم لن تتعدى مصر، الجمهورية، 26 أكتوبر 2022م
(40) وكالة جراسا، الأزهر : السيسي وابراهيم رسولان بعثهما الله لحماية الدين، https://www.gerasanews.com/print/136311
(41) شربات عبدالحي، جرائم غريبة على أرض "المحروسة"، الوفد، 10 نوفمبر 2021، https://alwafd.news/article/4018749
(42) روعة نابلسي، مصر وارتفاع نسبة الجرائم، إشراقات، 27 يونيو 2022، https://bit.ly/3UhT8gP
(43) أسامه جاويش، مصر بخير، عربي 21، 14 أكتوبر 2022 ، https://bit.ly/3NmFebe
(44) عبدالحافظ الصاوي، بعد 11 عام ثورة : اقتصاد مصر للمجهول، العربي الجديد، 28 يناير 2022، https://bit.ly/3fvoj9L
(45) رصد، مصر تحتل المركز 117 عالميًا في مؤشر مكافحة الفساد لعام 2021 ، 26 يناير 2022، https://rassd.com/508644.htm
(46) سعيد الشهابي، التديّن والإلحاد بين الفطرة والتسييس، القدس العربي، 10 يوليو 2022، https://bit.ly/3sM8qyH
(47) إبراهيم عبدالمجيد، البيوت المصرية "لم تعد أسراراً" في زمن السوشيال ميديا، إندبندنت عربية، 15 سبتمبر 2022، https://bit.ly/3sMp4yb
(48) ميشيل دنّ, عمرو حمزاوي، الارتحال السياسي في مصر: "لو مش عاجبك، روح، مركز مالكوم كير كارنيغي للشرق الأوسط، 1 مايو 2019، https://carnegie-mec.org/2019/05/01/ar-pub-79018
(49) سامح عودة، الاغتراب والسيولة.. هل أثر الربيع العربي على مشاعر الانتماء؟، الجزيرة نت، 6 يونيو 2017م، https://bit.ly/3WyoMJh
(50) قطب العربي، معركة الهوية في مصر مجددا، الجزيرة مباشر، https://bit.ly/3r5SdDI
(51) عبدالعليم محمد، مصر تبحث عن هويتها: سؤال الهوية بعد الثورة، البوابة نيوز، الثلاثاء 19 مارس 2013م، https://bit.ly/3BhRQfi
(52) إبراهيم البيومي غانم، ثورة 1919 وسياسات العدوان على الهوية والذاكرة الجماعية، إضاءات، 25 مارس 2019، https://bit.ly/3TObmqQ