عاصفة اعترافات عمرو أديب| لماذا ورطت السعودية مذيعها المُجنّس في تمويل انقلاب "السيسي"؟

الأربعاء - 21 مايو 2025

إنسان للإعلام- تقرير:

في تصريحات إعلامية مثيرة للجدل، قال الإعلامي المصري السعودي عمرو أديب، معلقًا على الدعم المالي السعودي لانقلاب عبد الفتاح السيسي عام 2013: "أنا نقلت بإيدي شيكات من الإدارة السعودية في 2013 لصالح تحيا مصر".

وأضاف: "أنا بنفسي، بإيدي، في 2013، ناقل فلوس شيكات من المملكة العربية السعودية لمصر علشان تقدر تمشي حياتها".

وزعم أن "رجال الأعمال السعوديين كلهم اتجمعوا، واتحطت فلوس بقيادة الإدارة السعودية، الملك عبد الله، خدوا اصرفوا على طول لتحيا مصر".

وتابع: "السعودية والإمارات وقفوا بجانب مصر ضد الأمريكان والأوروبيين، وقالوا لهم إن دي ثورة شعب وليست انقلابًا"، مردفًا: "الناس كلهم بتبص لأكل عيشها ومصلحتها وتقدمها".

وادعى "أديب" أنه نقل هذه الشيكات إلى "صندوق تحيا مصر"، الذي لم يتم تأسيسه إلا في عام 2014.

لماذا صرح أديب الآن بنقل أموال للسيسي؟

هل الأمر مجرد حرب إعلامية بين السعودية والسيسي، بسبب انتقاد مصر لإعطاء المملكة تريليونات لترامب في جولته الخليجية الأخيرة؟ وما علاقة ذلك بالفتور الحالي في العلاقات نتيجة رفض السعودية مد السيسي بأموال ومساعدات جديدة؟

وهل الهدف هو نقل رسالة سعودية للسيسي تُذكّره بأنهم هم من صنعوه، بعدما سعت لجانه الإلكترونية للهجوم على المملكة؟

رغم أن أديب إعلامي ومذيع، فقد اعترف بأنه نقل أموالًا لسلطة الانقلاب من السعودية، ما أثار سؤالًا: لماذا تنقل السعودية شيكات للسيسي عبر أديب تحديدًا؟ ولماذا يقوم إعلامي بذلك؟ وما علاقة الحملات التي يقوم بها إعلاميو السلطة لتشويه جماعة الإخوان المسلمين والمعارضين؟ وهل كان له أو لغيره من الإعلاميين نصيب من هذه الشيكات؟

كل هذه التساؤلات تُعيد الحديث عن دور بعض الإعلاميين في التآمر على ثورة 25 يناير والرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي.

هل يُعاير حكام السعودية السيسي؟

بمجرد أن أعلن عمرو أديب عن نقله أموالًا سعودية للانقلابيين في مصر، واجه انتقادات حادة من إعلاميين وسياسيين مصريين. وكانت دهشة الجميع نابعة من صفته كإعلامي في نقل الأموال: من أعطاها له؟ ولمن سلمها في مصر؟ وهل كانت رشوة أم شيئًا آخر؟

وذهب بعض المحللين إلى أن حديث أديب الآن عن الدعم السعودي والإماراتي للسيسي ليس زلة لسان، بل رسالة معايرة للسيسي بأن لولا أموال السعودية ودعمها الإعلامي، ودعم الإمارات له، لما نجح انقلاب يوليو 2013. يأتي ذلك في سياق حالة الفتور في العلاقات بين القاهرة والرياض، التي زاد من حدّتها سخرية صحف السلطة ولجانها الإلكترونية من تسليم السعودية والإمارات وقطر تريليونات لرئيس أمريكا "ترامب" في جولته الخليجية الأخيرة.

ومن شواهد ذلك قول أديب: "الأمير سعود الفيصل لف العالم كله عشان يقول إن دي ثورة مش انقلاب"، وقوله: "الأمير سعود الفيصل لما لف أوروبا، ومحمد بن زايد ودوره، وكانت الدنيا كلها عايزاك تقع، هما وقفوا جنبك ضد الأمريكان وضد الأوروبيين، واتقال لهم: لأ، دا مش انقلاب، دي ثورة شعب".

تُعد إشارة أديب إلى تدخل الإمارات والسعودية للدفاع عما وصفه بـ"ثورة الشعب" في مواجهة الضغط الأوروبي والأمريكي، إقرارًا بتدخل سياسي خارجي في سياق دعم تغييرات داخلية، وتصريحًا كاشفًا للدور السياسي الواضح الذي يقف وراء الهجوم الحالي على السيسي من بعض الأطراف الخليجية.

هل كانت رشوة سياسية وإعلامية؟

من بين الصحفيين والإعلاميين الذين انتقدوا "أديب"، كل من جمال سلطان ومحمد علي خير، اللذين اعتبرا أن شيكات أديب كانت رشوة للإعلاميين لدعم السيسي، ورشوة للسيسي لتنفيذ الانقلاب، خاصة أن أموال هذه الشيكات لم تدخل خزينة الدولة.

قال جمال سلطان: "أما أنك كنت تأخذ شيكات من السعودية وقتها فهذا مفروغ منه، أما أنها كانت لمصر، فهذه أول مرة أعرف فيها أن الشيكات الخليجية للسيسي ينقلها الصحفيون".

بدوره، قال المذيع محمد علي خير، بقناة "القاهرة والناس" التابعة لشركة المخابرات (المتحدة)، إن ما يتحدث عنه أديب هو "رشوة" لا مساعدات. وكلام "خير" يشير إلى أنه رد مصري على معايرة السعودية للسيسي بأموالها.

رد عمرو أديب على خير، زاعمًا أن "رجال أعمال سعوديين محبين لمصر قد استجابوا لدعوة السيسي عام 2014، عندما أعلن تأسيس صندوق تحيا مصر، وقدموا تلك الشيكات لأديب، وأن السيسي وقتها قد أشار إلى ذلك".
وهو ما يتعارض مع ما قاله أديب على الهواء من أنه هو من نقل الأموال بنفسه عام 2013، وليس عقب تنصيب السيسي نفسه رئيسًا عام 2014 وتدشين صندوق تحيا مصر في 1 يوليو 2014.

من أين أتت الأموال؟ ومن تسلمها؟

ومن الإعلاميين الذين علّقوا على كلام "أديب" الإعلامي أسامة جاويش، الذي أوضح أن صندوق "تحيا مصر" لم يكن قد أُسّس في 2013، إذ تم إنشاؤه رسميًا بقرار جمهوري في يوليو 2014.

وتساءل: من الذي تسلم هذه الأموال في 2013؟ وهل تم إيداعها في خزينة الدولة؟ أم تم توزيعها عبر جهات غير رسمية؟ وأين توجد المستندات التي تُثبت مسار هذه الأموال؟

وأضاف: من الذي سلّم الأموال لعمرو أديب؟ هل كانت الأموال من رجال أعمال سعوديين؟ أم من جهة رسمية تتبع الدولة السعودية؟

وقال: في الحالتين، لماذا اختير عمرو أديب، كإعلامي مدني، للقيام بهذا الدور؟ هل تم بتكليف رسمي؟ وهل كان يمتلك صلاحيات قانونية لحمل أموال عبر الحدود؟

وتابع: في البداية، قال عمرو أديب إنه "ناقل فلوس"، ثم أوضح أنها "شيكات". فهل كانت الأموال نقدًا؟ أم شيكات مصرفية؟ وإذا كانت شيكات، فمن كانت باسمه؟ وهل تم صرفها في بنوك مصرية؟ وأين كشوف الحسابات التي تثبت المسار المصرفي المشروع لها؟

من جانبه، قال الصحفي أحمد عبد العزيز، الذي عمل مستشارًا إعلاميًا للرئيس محمد مرسي، إن ما قاله أديب هو اعتراف واضح وصريح لا لبس فيه ولا غموض، بأن السعودية موّلت (بسخاء) الانقلاب على الرئيس مرسي، رحمه الله. وأكد أن أديب قال: نقلت "فلوس" من السعودية إلى مصر، ثم استدرك وقال: "شيكات" ليُخفي الحقيقة.

وأوضح أن هذا يعني أن عمرو أديب حمل أموالًا سائلة (ملايين الدولارات في حقائب)، وخرج بها من السعودية، عن طريق الجناح الملكي في أحد المطارات، وسلّمها في مصر لمندوب السيسي، ونقلتها شاحنة إلى مكان ما، وليس إلى البنك المركزي، بطبيعة الحال! وهكذا كانت (ولا تزال) تصل أموال السعودية والإمارات إلى الانقلابيين في مصر.

تمويل أجنبي أم جريمة قانونية؟

طرح الإعلامي أسامة جاويش تساؤلات إضافية، منها: إذا كانت الأموال من رجال أعمال أو جهات أجنبية، وتم نقلها دون تصريح، ألا يضع هذا "أديب" ومن تسلمها منه من الانقلابيين، وعلى رأسهم السيسي، أمام شبهة تلقي تمويل أجنبي دون ترخيص؟

وهو ما يُخالف قانون العقوبات المصري (مادة 78)، وقوانين البنك المركزي، وقانون مكافحة غسل الأموال.

وقال: لو لعب أديب دور "الوسيط المالي"، فهذا الدور لا يجوز قانونًا لأي شخص غير مرخّص له بذلك من البنك المركزي. ولو كانت هناك موافقة رسمية، فهل هناك مستندات تؤكد أن الدولة المصرية فوّضت عمرو أديب في هذا الشأن؟

وكيف يُحاكم نظام السيسي آخرين بتهم التمويل الأجنبي بناءً على تحويلات أصغر وأقل تأثيرًا، بينما هو يتلقى شيكات ويقوم بعمل مالي غير مشروع دون مساءلة؟

أضاف جاويش أن تصريحات "أديب" تتضمن عددًا من العناصر الخطيرة قانونيًا وسياسيًا، وأن "المجنس السعودي" يعترف على نفسه بمجموعة من الجرائم، منها: تورط شخص مدني غير مخوّل في نقل أموال من جهة أجنبية إلى داخل مصر، وهو ما يُخالف القوانين المصرية المنظمة للتمويل الخارجي، وحوكمة تحويل الأموال، ومكافحة غسل الأموال.

كما أن الأموال إذا دخلت بشكل غير رسمي أو عبر وسطاء دون إفصاح، فإن هذا قد يُشكل شبهة غسل أموال، خاصة إذا لم تكن مدعومة بمستندات رسمية.

أيضًا، فإن نقل الشيكات من الخارج إلى الداخل بشكل شخصي يدخل ضمن التعامل في شيكات أجنبية خارج الإطار المصرفي، بما يُخالف قانون التجارة المصري رقم 17 لسنة 1999. فالشيكات أدوات مالية يجب أن تُدار عبر النظام المصرفي الرسمي فقط، ونقل شيكات بأسماء أطراف غير معروفة، أو صرفها دون اتباع الإجراءات القانونية، يُعد جريمة تزوير أو تلاعب في أوراق مالية.

في النهاية، ما قاله عمرو أديب ليس مجرد زلة لسان، بل وثيقة إدانة تُلقي بظلالها على الدور السعودي المشبوه في تمويل الانقلاب في مصر، وعلى مشروعية النظام المصري الحالي، وشرعية تمويله، وشفافية مؤسساته.

إن اعتراف إعلامي بنقل أموال من دولة أجنبية إلى مصر، خارج الأطر الرسمية والقانونية، يعيد إلى الواجهة الحديث عن التمويل الأجنبي غير المشروع، ويطرح تساؤلات قانونية وأخلاقية حول ازدواجية المعايير في التعامل مع هذا الملف، حيث يُلاحق المعارضون بذرائع واهية، بينما تُمرر ملايين الدولارات في الظل دون محاسبة.

فهل نعيش لحظة تصفية حسابات بين الرياض والقاهرة؟ أم أن ما خفي أعظم، وما قيل ليس سوى رأس جبل الجليد؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف إن كانت هذه التصريحات مقدمة لانفجار سياسي وإعلامي... أم مجرد مناورة جديدة في لعبة قديمة.