قراءةٌ تحليليةٌ في حاضر ومستقبل الأقليات المسلمة حول العالم
الأربعاء - 17 سبتمبر 2025
- شعبان عبد الرحمن
( كاتبٌ متخصصٌ في شئونِ العالمِ الإسلاميّ – مديرُ تحريرِ مجلةِ المجتمعِ - سابقاً )
شعبان عبد الرحمن
يعيشُ ما يقرب من ثلث المسلمين كأقليات عددية حول العالم، يتعرض عددٌ كبير منهم لصور مختلفة من التهمّيش السياسيّ والاجتماعيّ، والاضطهاد والتعذيب، في حين يحظى آخرون بفُرصٍ أكبرَ للتعايش السلميّ، والاندماج في مجتمعاتهم على اختلاف دياناتها، وفي الحالتين يتمُّ طرحُ إشكالياتٍ وأسئلةٍ تتعلق بكيفية فهم الأوضاع والسياسات التي أدتْ بواقع المسلمين إلى الاضطهاد أو التعايش، وكيف تعامل المسلمون مع مجتمعات مختلفة عنهم ثقافيًّا ودينيًّا؟ وما الأدوار السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة لهم؟ وما أهم التحديات التي يفرضها عليهم واقعُهم؟ وكيف يتعاملون معها من خلال الآليات المؤسسية والسياسية؟ ( من مقدمة موسوعة الأقليات المسلمة في العالم ).
من بين 232 بلداً وإقليماً في العالم (196دولة و36 إقليما )، هناك 50 دولة ذاتَ أغلبيةٍ مسلمةٍ، ويعيش أكثرُ من 300 مليون مسلم– أيّ أقل من سُدس مجموع المسلمين - في بُلْدان لا يُمثّلُ فيها الإسلامُ دينَ الأغلبية، فالصينُ على سبيل المثال لديها مسلمون أكثرُ من سوريا، وألمانيا أكثرُ من لبنان.
وتُغطي الأقلياتُ المسلمةُ رقعةَ جغرافيةَ كبيرةً، حيثُ تنتشر في معظم دول العـالم، وهي تعاني عاملاً مشتركاً واحداً، وهو تعرضُهم لتحدياتٍ أو تهديداتٍ، مبعثُها الأساسيّ المجتمعاتُ غـيرُ المسلمةِ التي تعيش فيها، لكنَّ حِدَةَ هذه المشاكل وحجمَ التهديدات يختلفان ـ بالطبع ـ من إقليم إلى آخر ومن دولة لأخرى ( عربي بوست).
التلاعبُ والانحيازُ في الإحصاءات
ويُمثّل التلاعبُ في تِعداد المسلمين وخاصةً الأقليات أحد أكبر التحديات في الوصول إلى أرقام واقعية لتِعدادهم حول العالم ، ورغم أن بعض المصادر تذهب إلى أن عدد المسلمين في العالم يصل إلى قُرابة الملياري نسمة، بنسبة تقارب 24% من عدد سكان الأرض، مما يعني أنهم يُمثّلون ثاني أكثر الأديان انتشارًا على الكوكب بعد الديانة المسيحية التي تصل نسبةُ مُعْتَنِقِيهَا إلى 31% من مجموع سكان الأرض، وتأتي الهندوسية في المرتبة الثالثة بين أكثر الأديان انتشارًا وتبلغ نسبةُ مُعْتَنِقِيهَا 15% م.
إلاّ أن عدم توفر المراجع والمصادر الكافية ذاتِ المِصداقية عن تِعدادهم فَتَحَ ثغرةً خطيرة للتلاعب في إجمالي عددهم وأماكن تواجدهم، كما أن هناك جهات دولية تحاول الخسف بتِعداد المسلمين خاصة الأقليات، وتتدخل مُحركات البحث في هذه اللُعبة، والهدف من ذلك واضح وهو التهوين من تِعداد المسلمين وإظهاره منخفضا، وبالتالي يكون الحديثُ عن حقوقهم المتعددة ومساواتهم بالآخرين حديثاً خَجُولاً، وقد وصل الأمرُ إلى حدِّ التزوير في التِعداد الخاص بالمسلمين في دول معروفة بأنها دولٌ إسلاميةٌ، وتِعداد المسلمين فيها أكبرُ من غيرهم، لدرجة هبطتْ بنسبة المسلمين فيها من أغلبية كاسحة إلى أقلية متواضعة، ومثال ذلك تِعداد المسلمين في دولة مثل نيجيريا، فبالرجوع إلى برنامج "شات Gpt " حول هذا الموضوع ، ذَكَرَ ما يلي :
"بعد مراجعة الإحصائيات المُتاحة حول نسبة المسلمين في بعض الدول ذاتِ الأغلبية غير المسلمة، تبيّن أن هناك تباينًا في الأرقام المذكورة، فعلى سبيل المثال، تشير بعض المصادر إلى أن نسبة المسلمين في نيجيريا تتراوح بين 50% و60%، مما يجعلهم إما متساوين مع المسيحيين أو يُشكّلون الأغلبية، بينما المُستقِرُّ تاريخيا وواقعا أن نسبة المسلمين هناك هي نسبة كاسحة، بل وتُعدُّ نيجيريا العضو في منظمة التعاون الإسلاميّ من أكثر الدول الأفريقيّة كثافةً في تِعداد المسلمين.
وفي الهند، يُقدَّر عدد المسلمين بحوالي 196 مليون نسمة، ما يُعادل نسبةً تُقارب 14% من إجماليّ السكان.
وفي القارة الأوروبيّة لا تتوفر في العديد من البلدان- وفق المصادر الحالية - معلوماتٌ دقيقةٌ حول نسبة المسلمين.
أما في باقي الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية، فتتفاوت نسبة المسلمين بين 1% و6%، حيث يُقدَّر عدد المسلمين في فرنسا بحوالي 6 ملايين (حوالي 9% من السكان)، وفي ألمانيا حوالي 4 ملايين (حوالي 5% من السكان)، وفي الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 6 ملايين (حوالي 1.8% من السكان).
وبناءً على هذه المعلومات، يبدو أن النِسَبَ المذكورة في الإحصائية التي أشرتُ إليها قد لا تكون دقيقةً تمامًا، خاصة فيما يتعلق بنسبة المسلمين في نيجيريا والهند، ويُنصح بالتحقق من مصادرَ موثوقةٍ ومُحدّثةٍ للحصول على بيانات أكثرَ دقة حول توزيع السكان، وفقًا للديانات في هذه الدول. وقبل أن نُسْهِبَ في تحليل أبعاد هذه القضية، جدير بنا التوقفُ وقفةً أكاديمية، لتعريف ما هي الأقليّة حسب المراجع العلمية ؟
تعريفُ الأقليّة...
"هي جماعةٌ تعيش بين جماعةٍ أكبرَ، وتُكوّن مجتمعاً تربطُه ملامحُ تميّزه عن المُحيط الاجتماعيّ حوله، وقد تُعتبر مجتمعاً يُعاني من تسلُّط مجموعة تتمتع بمنزلة اجتماعيّة أعلى وامتيازاتٍ أعظمَ، تهدف إلى حرمان الأقلية من مُمارسةٍ كاملةٍ لمختلفِ الأنشطةِ: اجتماعيّة، أو اقتصاديّة، أو سياسيّة، بل تجعل لهم دورًا محدودًا في مجتمع الأغلبية، وتختلف الأقلياتُ من حيثُ العدد والمنزلة الاجتماعيّة، ومدى تأثيرها في مجتمع الأكثريّة، ومهما كانت هذه المنزلة، فمجتمع الأكثرية، يَنْظُرُ إليهم على أنهم (غرباءُ) عنه..".
"..وقد اختلف الباحثون فيما بينهم في التفرقة بين مفهومي الأقليّة والدولة الإسلاميّة، فبعضهم يرى أنه إذا زادت نسبة المسلمين في الدولة عن 50% تصبح الدولةُ إسلاميةً، ويري البعض أنه إذا كان المسلمون أغلبيةً مقارنةً بأصحاب الديانات الأخرى حتى وإن لم يتجاوزوا نسبةَ 50% تصبح الدولةُ إسلاميةً، وهناك فريق ثالث من الباحثين يرى أن المعيار في تحديد إسلامية الدولة هو النص الدستوري، أو ديانة رئيس الجمهورية، أو تشكيل النظام الحاكم.. " ( ويكيبيديا الموسوعة الحرة).
وقد حَظِيتْ أوضاعُ وشئونُ الأقليات المسلمة حول العالم باهتمام علماء الأمة ومُفكّريها وإعلاميها والحركات الإسلامية الفاعلة، فعُقدتْ من أجلها مؤتمراتٌ وندواتٌ وصدرتْ دراساتٌ وأبحاثٌ، بل وتوافد صحفيون وباحثون إلى حيثُ تتواجد هذه الأقلياتُ؛ لدراسة أوضاعها على الطبيعة، ونتجَ عن ذلك دراساتٌ متنوعةٌ للتعريف بأوضاع هذه الأقليات، ومناطق انتشارها ومؤسساتها، وتاريخ الإسلام في الدول التي تعيش فيها، كما صدرت كتبٌ وأبحاثٌ تتناول جوانبَ مختلفةً من أوضاع الأقليات، السياسيّة والفقهيّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة.
لكن هذا الاهتمامَ الكبيرَ ضَعُفَ في الفترة الأخيرة، حتى كادت قضايا هذه الأقليات تنزوي في عالم النسيان، بل إن بعضَها بدأ ينقرض تحت ضربات العُنصريّة البَغِيضَةِ والكراهية، والتعصّب الدينيّ من الأغلبية والتي بلغت حدَّ التطهّير العِرقيّ، وطرد المسلمين إلى خارج ديارهم بدعاوى مختلفة وكاذبة، كما فعل الصّربُ الأرثوذكس والكاثوليك مع المسلمين في البوسنة والهرسك في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وكما فعل ويفعل عبدة النار في بورما مع مسلمي الروهنجيا، ويفعل النظام الشيوعيّ الصينيّ مع مسلمي تركستان الشرقيّة وغيرها، وسط صمت العالم.
زياراتي ولقاءاتي...
وقد زرتُ عدداً من هذه الأقليات في دِيارها، كما التقيتُ بعدد كبير منهم في مَهْجَرِهم حول العالم، وأتابعُ – كغيري من المُهتمين - أحوالَهم عن قُرب، وأشهدُ أن تمسّك هذه الأقليات بديارها التي وُلدت فيها، وبأرضها التي نشأتْ عليها، وتشبثَها بحقوقها والمُنافَحَة عنها على كل المستويات وفي كل المنتديات، جسّد قضاياها ورسّخها وجعلها ساخنةً على الساحة الدوليّة، وقدموا في سبيل ذلك – ومازالوا - تضحياتٍ كبرى تحت ضربات الحرب الشرسة الدائرة عليهم، وتمكّنوا بفضل الله، ثمّ إيمانهم بعدالة قضيتهم، وتمسكهم بحقوقهم من الظَفَرِ بموقع على خريطة اهتمام العالم، بعد أن أصبحوا في كثير من البلاد قوةً مُعترَفًا بها، وتحظى بتمثيل سياسيّ ونِقابيّ واقتصاديّ، حقق لها الاندماجَ في المجتمع، والانسجامَ معه إلى حد ما، حتى باتتْ مُرحَّبًا بها في العديد من المجتمعات، بينما مازال عددٌ منها يواجه التنكيلَ والطردَ من البلاد، مثلما يحدث في بورما ـ مثلا -، أو تذويب الهُويّة، وممارسة الضغوط للتخلي عن الإسلام، مثلما يحدث في تُركستان الشرقية على يد النظام الشيوعي المُلحد، وبات العالم يقف من تلك الأقليات موقفَ المُتابع، لكن دون الاهتمام الكافي، ويبقى مطلوباً من العالم الإسلاميّ والعربيّ ـ شعوباً وحكوماتٍ ـ الوقوفَ إلى جانبهم بقوة لنيل هذه الحقوق، أقول الشعوبَ قبل الحكوماتِ، فهناك حكوماتٌ - للأسف ـ ترفع مصالحَها الخاصة فوق حقوق إخوانهم في الإسلام.
ويزيد من التحدي في هذه القضية أنّ الصراعاتِ والحروبَ والتحدياتِ الصعبةِ في العالم الإسلاميّ دفعتْ بموْجات جديدة من هذه الأقليات، بل ومن المسلمين عموماً من الفرار في هِجرات إلى دول مختلفة من العالم فراراً بالدين إلى المناطق الهادئة مثل أوروبا، لكنَّ صعودَ اليمين المُتطرّف في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ودولٍ أخرى في أمريكا اللاتينية، وزيادة حِدة انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، وما خلَّفته من مظاهرَ عنفٍ وتحرشٍ بالمسلمين، بات يمثّلُ مُعضلةً كبيرةً أمام تلك الأقليات ، الأمر الذي يستوجب وقفاتٍ تحليليةً أسبوعية – في مقالات قادمة - لشئون هذه الأقليات؛ للتعريف بهم، وبالأخطار التي تُحْدِقُ بهم، وتهدد وجودَهم، خاصة أن آلةَ التطرّف، ومقصلة العنصرية التي لا تتوقف تقضي عليهم رُويدا رُويدا ويوماً بعد يومٍ وفي صمت، ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ.