هل كان الإعلام العربي على قلب رجل واحد في تغطية "طوفان الأقصى"؟

الأحد - 6 أكتوبر 2024

- عيسى شقفة
( صحفي أردني )

بقلم: عيسى شقفة

عمليَّة “طوفان الأقصى” طغت على جميع وسائل الإعلام العربية والعالمية، فكان هناك تباين في تغطية بعض المنابر لها، مما يضع نقاط استفهام وتعجّب في أكثر من اتجاه، مع قضيّة وصفت بكونها الأولى من حيث الإنجاز الفلسطيني وانهيار العدو، وأيضاً تعتبر قضية الأمّة الأولى، فيستدعي المنطق أن يكون الإعلام العربي على قلب رجل واحد، فينحّي انحيازاته وأجنداته جانبًا ليقوم بدوره في تغطية المستجدات الميدانية والسّياسية، والذّهاب بعيدًا في فتح مساحات النّقاش بين العرب، وبينهم وبين غيرهم؛ سعيًا نحو فهم أعمق لما يجري، وطلبًا لوعي متقدّم بما يدور حوله من رهانات إقليمية ودولية.

مع بداية المعركة وتحقيق المقاومة انتصاراً لم تره الأمة العربية والإسلامية منذ 75 عاماً، بدت المواقع والفضائيات العربية، للوهلة الأولى، متقاربة في تغطيتها للأحداث، وانحيازها بشكل واضح للقضيّة الفلسطينية وحقّ الشّعب الفلسطيني في استرجاع أرضه المحتلة، وأنّ ما تقوم به المقاومة هو عمل بطولي ومشروع، ما لبثت هذه التّغطيات لتتغير لدى بعض وسائل الإعلام العربية، وذلك مع بداية دخول جيش الاحتلال المعركة، وقصفه بشكل هستري قطاع غزة.

وإذا كان الإعلام الغربيّ في أعمّه الأغلب يظهر انحيازًا مفضوحًا للرواية الإسرائيلية، جاعلًا من هجوم حماس إرهابا، ويردّد ذلك في كل مادّة خبرية أو نقاش، فإنّ الخطاب الإعلامي العربي بدا مشتّتاً بفعل التبعية السّياسية لهذا الطرف أو ذاك.

من قناة إلى أخرى، ومن موقع لآخر، تتصدر أخبار “طوفان الأقصى” الواجهة، وإذا كانت المفاجأة الميدانية المذهلة التي أنجزتها كتائب القسام قد فرضت نفسها على الأيام الأولى، فلم يكن من بدّ سوى رصد مظاهر تلك العملية العسكرية غير المسبوقة، إلا أنّ الاختلافات بدأت تطفو على السّطح، وقسمت التّغطيات الإعلامية فكان منها المشهود له بمعاضدة الجهد العسكري، وتحشيد الدّعم الجماهيري، مثل قنوات: الأقصى، والمنار، وفلسطين اليوم، والميادين وغيرها، إلاّ أنّ تلك القنوات واجهت محاولات لإسكاتها على اعتبار أنّها صوت لما يعتبره الاحتلال وكل الدّول المتحالفة معها تنظيمات إرهابية لا حقّ لها في الوجود أصلًا، فتم إلغاء تردّد قناة الأقصى عن قمر نايل سات مع بداية المعركة، ولاحقا تم غلق مكتب الميادين في فلسطين المحتلّة وتمّ حجب موقعها الإخباري ومنصّاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأراضي المحتلّة.

في حين، ظهرت قنوات أخرى تزجّ السمّ في الدسم، وتستضيف مسؤولين بالكيان الصّهيوني، متحجّجة بالمهنية والموضوعية، وتعطي الرّواية الصّهيونية أهميّة وتعرضها على شاشاتها، متناسية  أنّ من تستضيفه من الكيان هو محتل لأرض عربية، وأنّ المقاومة تقوم بواجبها بالدّفاع عن أرضها، ويجب على تلك القنوات دعم الشّعب الفلسطيني بكلّ الوسائل المتاحة والممكنة، لتقرير مصيره وتحرير أرضه، وأنَّ الكيان الصهيوني هو العدوّ الإستراتيجي الأوَّل لكلّ الدّول العربية.

إلاّ أنّ شاشات تتبع دولًا سارت في اتجاه التطبيع، معترفة بالاحتلال ومحتفية بالعلاقات المتنامية معه، انصبَّت التغطية عندها على العمليَّة العسكرية ضد غزة، أكثر بكثير مما اهتمت بالزلزال العسكري والسّياسي الذي خلّفه هجوم كتائب القسام على مستوطنات غِلاف غزة، بل وصفت ما قامت به حماس بجرائم الحرب، في حين لم تدن أفعال الاحتلال، بل بعضها تجاوز الأمر ليصف المقاومة في فلسطين بـ”المجرمة”، وظهر جليّاً تحيّزها للاحتلال ورغبتها بالقضاء على المقاومة الفلسطينية.

مع التّطور التّكنولوجي وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، أصبح المواطن العربي لا يعوّل كثيراً على القنوات العربية، وخاصة تلك المنحازة للاحتلال الصهيوني، فأصبح لديه بدائل كثيرة، فلجأ لاستسقاء الأخبار والمعلومات من خلال “السوشال ميديا”، ومتابعة الأخبار من مصادرها مباشرة، كمتابعة قنوات كتائب القسّام والنّاطق باسمها عبر تطبيق “تلغرام” الروسي، كونه لا يقوم بحجب تلك القنوات، بل تعدّى الأمر ذلك وأصبح يهاجم تلك القنوات التي تنحاز للاحتلال ويفضحها على مواقع التواصل.

وأصبح لدى المواطن العربي وعي، حيث بدأ القيام بحملات لتكثيف البثّ الإعلاميّ والتغطية المفتوحة والمباشرة عبر كلّ الوسائل الإعلاميّة الممكنة، وعبر كلّ الحسابات الشخصية لكل المؤمنين بقيم الحُرية والكرامة والعدالة الإنسانية، بمختلف الصور الداعمة للقضية الفلسطينية، وبدأ نشطاء العمل على التّشبيك والتّواصل مع المؤسسات الإعلامية الدّولية، وخاصة تلك الموجودة في الولايات المتّحدة والدّول الأوروبية، ومدّها بالمعلومات والحقائق الميدانية عن الانتهاكات التي تمارسها قوّات الاحتلال الإسرائيلي، فبدأ بتغيير الرّأي العام، وتبدّلت آراء بعض القنوات والصّحفيين الغربيين، بل قام بعضهم بالاعتذار عن بثّه روايات مكذوبة كانت تصبّ في مصلحة الاحتلال.

 

* نقلا عن موقع "الأيام نيوز" الجزائري