الإعلام الغربي وتنامي "الإسلاموفوبيا" من الربيــع العربي إلى طوفان الأقصــى

الاثنين - 3 مارس 2025

  • كثير من وسائل الإعلام تدعو إلى كره الإسلام.. والخطاب العنصري مسموح فقط ضد المسلمين
  • الخطاب الغربي لا يدعم النظم القمعية فقط لكنه قد يعرض المجتمعات الأوروبية نفسها للخطر

 

إنسان للإعلام- قسم الدراسات:

وفقًا للإحصاءات الديموجرافية غير الرسمية، يُقدر مركز "بيو" للدراسات أعداد اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ في دول الاتحاد الأوروبي، بنحو 26 مليون نسمة، بما يُعادل 5% من إجمالي السكان، ومعظمهم في فرنسا وألمانيا.

كما تشير الإحصاءات إلى أنّ هذا العدد قد "ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة"؛ بسبب فرار الأشخاص من مناطق الصراع في أفغانستان والعراق وسوريا إلى دول الاتحاد الأوروبي.[1]

وكشف تقرير لمؤسسة "رينيمد تراست" البريطانية الصورة التي تتبلور في الأذهان حين يُذكَر الإسلام والمسلمون، والمواد التي تهيمن على تشكيل الصورة المنتشرة عن الإسلام، وتحمل المضامين التالية:[2]

  • تطغى الصلابة والجمود على بنية الدين الإسلامي بدل التنوع والديناميكية؛ ولهذا السبب لا يستجيب للحقائق الجديدة.
  • الإسلام دين متفرد، لا يؤثر في الثقافات الأخرى ولا يتأثر بها.
  • الإسلام الذي لم يرتفع إلى مستوى الغرب، دين همجي وغير منطقي وبدائي وجنسي.
  • الإسلام خصم ذو طبيعة عدوانية ومهدِّدة.
  • الإسلام دين يدعم الإرهاب، وعنصر في صراع الحضارات.
  • تُعدّ الخطابات المعادية للمسلمين خطابات عادية وطبيعية

وبناء على هذا الشحن الإعلامي، تتنوع مظاهر "الأعمال المعادية للإسلام والمسلمين"، بين جرائم التمييز الديني والعنصري، والخطابات التحريضية، والعنف الجسدي، وإلحاق الضرر الوظيفي، وهو ما يعني أن الأذى الذي يتعرض له ضحايا "الإسلاموفوبيا" لا يقتصر على لحظة الإيذاء بحد ذاتها، بل يمتد ليؤثر نفسيًّا بشكل سلبي على اندماجهم الاجتماعي، وأدائهم الوظيفي، وإسهاماتهم الفكرية؛ الأمر الذي يحتاج لجهود كبيرة لدعم هؤلاء الضحايا نفسيًّا واجتماعيًّا لتخفيف تأثير هذا التمييز وتلك الاعتداءات.

 وفيما يتعلق بضحايا "الأعمال المُعادية للإسلام والمسلمين"، تأتي النساء في المرتبة الأولى. وأما بالنسبة للجهات التي تنفذ تلك الاعتداءات العنصرية فتأتي "المؤسسات" في المرتبة الأولى، يليها "الأشخاص الاعتباريون"، وأخيرًا "الأشخاص العاديون".[3]

وأكدت منظمة العفو الدولية "أمنستي" أن التعصب والتحيز والتمييز المجحف اليومي الذين يعاني منهم العديد من المسلمين هو شكل من أشكال العنصرية.

وتتأثر المسلمات بشكل غير متناسب، حيث يواجهن التمييز المجحف لأسباب متعددة، فيقيّد في الكثير من الأحيان وصولهن إلى الأماكن العامة من خلال سياسات وممارسات تستند إلى قوالب نمطية مسيئة متعلقة بالنوع الاجتماعي، ففي مختلف أنحاء أوروبا، تحظر قوانين مختلفة على المسلمات ارتداء رموز وملابس دينية في مكان العمل، وفي المدارس، وفي الأماكن العامة.[4]

وتضيف أن عملية «التصنيف على أساس العنصر» هذه تدفع إلى أن يُنظر إلى المسلمين على أنهم مجموعة عرقية منفصلة «بالاستناد إلى علامات متنوعة تشمل الأصل العرقي أو القومي والمظهر والخصائص الثقافية، وقد يتداخل ذلك مع المشاعر المعادية للمهاجرين وكراهية الأجانب والتحيز الطبقي الاجتماعي.[5]

وأسهمت وسائل الإعلام الغربية في تأسيس صورة نمطية سلبية للمسلم والإسلام، بدأت قبل السبعينيات من القرن الماضي، حيث أبرزت الإسلام كدين أصولي، مروراً بالثمانينيات التي صورته كدين غريب وليس واحداً من أكبر الديانات التوحيدية.

 وفي التسعينيات علت نبرة أنه "دين لا يعرف التسامح ودين كراهية وعنف"، وفي الألفية الثالثة "ارتبط الإسلام بالإرهاب وصعد مصطلح الأصولية الإسلامية والراديكالية والحرب على الإسلام حيث تزايدت الإسلاموفوبيا وجرائم الكراهية والهستريا ضد الإسلام".[6]

وتنطلق هذه الورقة من فرضيتين: أن العنصرية ووجهها الرئيس "الإسلاموفوبيا" في الدول الأوروبية ترتبط بدوافع دينية وسياسية مركبة، والثانية: أنه يمكن بناء إئتلافات مدنية وإعلامية ناجعة لتقليل حدة العنصرية وتعزيز الدمج لمسلمي أوروبا والغرب.

وتهدف إلى فتح باب المراجعة الإعلامية والثقافية الغربية نحو الإسلام، والإنفتاح عليه، وتجاوز عقدة الحروب الصليبية من جهة، من أجل بناء فهم علمي واقعي للإسلام كما هو، وللمسلمين كما هم وليس كما يتم تخيلهم، وكذلك فتح باب التعاون الحضاري والعيش المشترك بدل الصراع، وبخاصة أننا في عالم صار مصير كل شعوبه مترابطاً.[7]

السياق السياسي والإعلامي للعنصرية والإسلاموفوبيا

في خطوة صادمة تتكشف معها خيوط الواقع المؤلم، وتؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في قلب أوروبا، أصدرت وكالة حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي FRA تقريرًا في 24 أكتوبر 2024م، كشفت فيه عن حقائق مُقلقة حول أوضاع المسلمين في القارة العجوز، حيث يعكس صورة مؤلمة عن التمييز الذي يعاني منه ٥٠٪؜ من المسلمين في أوروبا في حياتهم اليومية، وهو ما يمثل قفزة حادة بالمقارنة مع نسبتهم عام ٢٠١٦م، والتي بلغت 39%  وهذا التصاعد اللافت في حجم التمييز يضعنا أمام حقيقةٍ دامغة، مفادها أن الإسلاموفوبيا التي كانت في الماضي مجرد فكرة هامشية يروج لها متطرفون ومتعصبون، قد تحولت إلى مرضٍ مستشرٍ في العديد من المجتمعات الأوروبية، ولم يعد الأمر مجرد حالة شاذة أو سلوك فردي، بل أصبح ظاهرةً حاضرة وبقوة في الساحة السياسية، والاجتماعية، والحقوقية، بل ومجالًا للمزايدات في النقاشات العامة.[8]

وأكدت لجنة المساواة وعدم التمييز في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا PACE، في قرار تم التصويت عليه، الزيادة المستمرة في مظاهر الإسلاموفوبيا، "والتي وصلت إلى ذروة دراماتيكية في السنوات الأخيرة"، إذ يتم "التصنيف النمطي للمسلمين ككائنات غريبة عن الثقافة والقيم الأوروبية وغير متوافقة معها، ما يؤدي إلى المزيد من التجريح والاستبعاد" [9]

وإن كان أفراد الجيل الثاني والثالث من المهاجرين في أوروبا يتمتعون بوضعية مهنية أفضل مما كان الأمر عليه مع آبائهم، إلا أنهم يتعرضون للتمييز بسبب انحدارهم من الهجرة، وهي نتيجة مسجلة في جميع الدول الأوروبية، حيث أن شخصاً من بين خمسة أشخاص منحدرين من أصول مهاجرة أكد تعرضه للتمييز في الشغل، وعدم تمتعه بحقه في المساواة في الفرصة.

 كما تؤكد العديد من الشهادات أنه أحيانا يتم تمييز الأوروبي عن ذوي الأصول المهاجرة حتى وإن كان المهاجر يتمتع بكفاءات أعلى، وقد تأكد ذلك من خلال خلاصات تقرير مؤشرات اندماج المهاجرين لسنة 2015، الذي أعدته "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية"؛ لإثارة انتباه الحكومات التي لم تقم بالمجهود الكافي من أجل مساعدة المهاجرين وأطفالهم على الاندماج.[10]

ومن المثير أن بعض الدول الأوروبية قد ساهمت في تأجيج الهوة السحيقة بين المجتمعات المسلمة وبقية مكونات المجتمع، حينما ربطت في خطابها العام المسلمين بالإرهاب والصراعات الدولية.

وساعد هذا الربط المشوه بين المسلمين والجريمة والعنف في خلق بيئة خصبة للفكر العنصري، ليعزز مشاعر الخوف والريبة التي يتغذى عليها أولئك الذين يرفضون قبول الآخر، وبذلك أصبح المسلمون في العديد من الدول لا يعاملون بوصفهم مواطنين ذوي حقوق وواجبات، بل باعتبارهم أشخاصًا ملاحقين ومشبوهين، تتسارع ضدهم الخطوات في سبيل تجريدهم من إنسانيتهم، بل ومن حقهم في الحياة بكرامة.[11]

وفي قلب هذه المعركة العميقة التي لا تنفك أن تتصاعد، يبرز دور الجماعات اليمينية المتطرفة عاملًا رئيسيًّا يضرم النار في الهشيم، ويُذكي لهيب الكراهية، ويغذي نيران العنصرية، فالجماعات المتطرفة مثل: "فوكس" في إسبانيا، و"الحرية" في النمسا، و"البديل من أجل ألمانيا"، وغيرها من الجماعات المتطرفة تتبنى خطابًا معاديًا للإسلام بشكل صريح، وتلعب دورًا محوريًّا في تسويغ هذا العداء المقيت، وتأسيسه في بنية المجتمعات الأوروبية.[12]

وقد زادت كراهية المسلمين في أوروبا عقب صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية إلى الحكم أو إلى البرلمان، وأضحت على الأقل خمسة دول أوروبية في قبضة أحزاب يمينية تنظر بكثير من السلبية للمسلمين، ومن أكبر الأمثلة المجر، حيث وصف رئيسها فيكتور أوربان اللاجئين السوريين بـ"المسلمين الغزاة"، قائلاً إن "هويتنا في خطر بسبب الغزو الإسلامي".[13]

وتنقسم الأحزاب اليمينية إلى يمين تقليدي، ومتطرف، ويسعى اليمين التقليدي للحفاظ على التقاليد وحماية الأعراف داخل المجتمع، أما المتطرف فيسعى إلى التدخل القسري، واستخدام العنف للحفاظ على التقاليد، والأعراف، والتعصب القومي لجنسه، والتعصب الديني، ومعاداة المهاجرين بشكل عام، والمهاجرين المسلمين بشكل خاص، ذلك لأنه يرى أن ما يحدث من جرائم، وسرقات يعود لزيادة الهجرة بشكل عام وهجرة المسلمين بشكل خاص.[14]

وفي ظل هذا الواقع السياسي والمجتمعي، أدى الإعلام إلى جانب التحريض دورا مهمّا في تضخيم الأحداث التي تساعد على تغذية العنصرية وظاهرة الإسلاموفوبيا، وإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين بشكل متكرر كمصدر للتهديد.

ويعدّ الكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد من الأوائل الذين درسوا هذا الدور في كتابه "تغطية الإسلام Covering Islam ، حيث قدم تحليلاً عميقاً لكيفية تغطية الإعلام الغربي للإسلام، وهو جهد ضروري ومهم لفهم جذور العنصرية والإسلاموفوبيا في الخطاب الغربي.

كما ساهم صعود الحركات السياسية اليمينية في أوروبا وأمريكا الشمالية، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية، في زيادة الظاهرة، حيث أصبحت الهجرة والمجتمعات الإسلامية هدفا للخطاب السياسي الشعبوي لتلك التيارات.[15]

ويلحظ الراصد لتطور العنصرية والإسلاموفوبيا، جمعها بين الطابع العرَضي والخط الاستراتيجي على المدى الطويل الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى ترسيخ كراهية الإسلام في عقول الناس، وعدم تفويت أي فرصة تتاح أو أي حادث عرضي لتجذير ذلك، وإعادة تدويره بهدف صناعة رأي عام متحيز ضد الإسلام والمسلمين، ومتوتر إزاء الحظوة المتزايدة التي يلقاها لدى الجمهور الغربي، ولا سيما الشبابي منه، وتنامي الإقبال عليه كدين جاذب للأفكار والأرواح، أمام التراجع الملحوظ للفكر الكنسي وانغلاق الفكر التلمودي.[16]

والملاحظ أن كثيرا من وسائل الإعلام تدعو إلى كره الإسلام، وعندما يقوم شخص ما بإلقاء خطاب عنصري ضد أقلية واحدة، يتم حظره تماما من أي منصة إعلامية، ولكن عندما يطلق خطابا معاديا للمسلمين، يظل متاحا له الحديث عبر منصاتهم، ويسهم في ذلك تركيز ملكية الإعلام الغربي في أيدي نحو 10 مليارديرات، بحيث لا يسمح الوضع بتنوع الآراء في القضايا الرئيسية.

وهذا التصوير السلبي للمسلمين الذي يصل إلى حد كره الإسلام قد تم تشكيله ورعايته من قبل وسائل إعلام رئيسية، حيث أصبحت صحف ومذيعين ومنصات تواصل تجني وتتربح من نشر كراهية وعداء المسلمين، بل وحتى منتجي ألعاب الفيديو يستفيدون من الإسلاموفوبيا.[17]

دور الإعلام.. في بناء القوالب النمطية السلبية

يشكل الإعلام أهم الوسائل المؤثرة في الترويج للمواقف التمييزية وتحويلها إلى أمر اعتيادي، وقد لمس إدوارد سعيد في دراسته تغطية الإسلام  Covering İslam كيف أوجد الإعلام الغربي انطباعًا عن المسلمين، الذين ذكرهم بـ"الآخرين"، بأنهم يعيشون في دوامة من العنف، نابعة من الدين الإسلامي الذي يعتقدون به. [18]

فعبارات "العنف يتولد من الإسلام" يتلبسها الإعلام تجاه المسلمين، ويقول سعيد لطلاب الكليات أو النخب الجامعية الأخرى: اسألوا عن معنى كلمة الإسلام، ستتلقّون نفس الجواب حتماً: الإرهابيون، المسلحون، المتعصبون، أصحاب اللحى الذين يسعون لإلحاق الضرر بعدوهم الرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تُعرض أسطورة المسلم التي شكلها الإعلام في الغرب بصورة ملموسة على الصعيد الاجتماعي.[19]

ولبيان هذا التأثير، يركز "سيد رضا عاملي" على قدرة صناعة الإعلام على إنتاج الحقيقة، فيذكر أن الحقيقة المصنّعة التي ينتجها الإعلام تشكّل ضاغطًا أكبر من الحقيقة الموجودة على أرض الواقع. 

ويذكر أن التوصل إلى نتيجةٍ خاطئةٍ عن المسلمين والحكم على المؤمنين انطلاقاً من هذه النتيجة هو التمييز المزدوج، ويشير إلى أن المحاصصة في هذا التمييز تتمّ في الإعلام. وموضوع التمثيل الإعلامي للإسلام والمسلمين الذي شكل في الآونة الأخيرة الأدبيات بشكلٍ فعلي، يؤيد الجانب السلبي للخطاب والصورة المتعلقة بالمسلمين في وسائل الإعلام الرئيسية الغربية، كما يلاحظ أن العبارات التي تؤكد مزاعم تجريم المسلمين، مثل الأصولية الإسلامية والتطرف الإسلامي والتشدد الإسلامي قد ازداد استخدامها بعد 11 سبتمبر 2001.[20]

فيما يرى "راثوس" أن القوالب النمطية الذهنية الجامدة، هي توقع ثابت عن أشخاص وأشياء ووقائع وهي حكم قبْلي يؤدي بالمرء إلى التعميم المبالغ فيه، ويرى "رايتسمان ودو" أن القالب النمطي الثابت تصور يتسم بالتصلب والتبسيط المفرط عن جماعة معينة في ضوء وصف وتصنيف الأشخاص بناءً على مجموعة من الخصائص.[21]

وبالرغم من أن الأفكار النمطية جامدة، إلا انه يمكن تغييرها، فإذا حدثت أمور غير عادية فإن التغير في محتوى القالب قد يتم على نحو بالغ السرعة بالإيجاب أو السلب. وفي هذا الإطار يعد نموذج bar – tab  نموذجاً لتكوين الصورة النمطية عن الدول والشعوب الخارجية، بالإيجاب أو السلب، ويشير إلى أهمية مصادر المعلومات وطبيعة المحتوى الإعلامي في التأثير على الأفراد لاكتساب معتقدات واتجاهات معينة تجاه دول خارجية، إلى جانب متغيرات كالتعليم والعمر ومستوى المعرفة والاتجاهات الشخصية.[22]

العنصرية الغربية أثناء الربيع العربي وبعده

بقدر ما كانت ثورات الربيع العربي، وهذا منطقي، موجهة ضد الأنظمة المستبدة في العالم العربي، كانت أيضا ضد سياسات الهيمنة الغربية على المستويين، السياسي والإقتصادي.

وأسقطت الثورات العربية الصورة النمطية التي كانت إلى وقت قريب تفسّر عدم قيام الثورة في المجتمعات العربية لعدة عوامل: [23]

  • خصوصية الثقافة القائمة بين الحاكم والرعية وليس بين الدولة والمواطن.

- المقايضة التاريخية بين الحاكم والرعية وفقاً للمعادلة الأمنية.

- الدولة الريعية التي تقدّم مسكّنات اجتماعية لمنع التغيير.

- غياب القوى القادرة على تبني وقيادة التغيير.

وجاءت الثورات العربية لتعبّر عن نوع من أنواع الانقطاع بين الأجيال الجديدة والنخب التقليدية، فقد عجز هؤلاء عن رصد التحولات في مزاج وثقافة الأجيال الجديدة التي عرفت تنشئة سياسة واجتماعية تختلف عما عرفه الجيل السابق، كل ذلك طبعاً في ظل ما أتاحته وسائل التواصل التكنولوجية الحديثة.

كذلك وجهت الأحداث التي شهدتها تونس وميدان التحرير بمصر، وما تميّزت بها من تسامح بين الطوائف الدينية (مسلمين وغير مسلمين) وتلاحم بين المجموعات السياسية "الإسلامية والليبرالية واليسارية.." ومن طابع سلمي "شعارات وتضامن وتقاسم للأدوار.."، رسائل إلى الداخل وأيضا إلى الخارج، تفيد: "أنظروا ها نحن نصنع ملحمتنا بعيدا عن الأفكار السلبية التي تعشش في رؤوسكم عنا”، وهي ملحمة أبرزت للغربيين الصور التي لا تخطر بأذهانهم أو لم يتعوّدوا رؤيتها.[24]

ولم تؤد الانتفاضات العربية فقط إلى سقوط الأنظمة التي تسلطت على شعوبها عقودا طويلة، وانما إلى ما اعتبره خبراء إعلاميون إخفاقا مهنيا لبعض الفضائيات الاخبارية الناطقة بالعربية بعد أن فشلت في التوفيق بين متطلبات السياسة والمتطلبات المهنية.[25]

وخلال الثورات عملت دول عربية على انشاء قنوات مؤيدة للتيارات المدنية ومعارضة لتوجهات الاسلام السياسي وحكم الإخوان؛ لتعادل الأثر الذي تلعبه قنوات أخرى لها باع طويل في السوق الإعلامي وداعمة لهم، أما القنوات الامريكية الموجهة بالعربية مثل الحرة وبعض القنوات الخليجية فقد اتضح من مناقشتها للأحداث والشأن المصري انها تأخذ خطا معينا مؤيدا للنظام.[26]

وفيما يتعلق بالإعلام الغربي، فإنه في عالم الاخبار، كما في غيره، لا توجد حيادية مطلقة، لكن الجميع في مهنة الصحافة يتفق على أن توخي الحياد هو مفتاح النجاح لأي منصة اعلامية، لأنه في معركة كسب العقول، تتعاظم أهمية الحياد، أو عدم الانحياز، أو التجرد من الميول والمصالح في نقل أخبار العالم للمشاهدين، ويضاف إلى ذلك القيم الاخبارية التي تعلن كل محطة اخبارية انها تلتزم بها. [27] وهذا ما يفسر تنوع الإعلام الغربي، وقت إشتعال الثورات العربية

وضمن تأثيرات الربيع العربي أسهمت أزمة الهجرة التي ارتفعت حدّتها بعد الثورات المضادة 2013م في صعود تيارات اليمين المتطرف بأوروبا والعالم، ولم يعد معيبا التصريح بأقوال عنصرية على الملأ، بل وتنظيم المظاهرات وكسب الجماهير والفوز في الانتخابات، كما حدث في انتخابات الرئاسة بالولايات المتحدة.[28]

واعتبرت "إيما سكاي"، الزميلة في معهد جاكسون بجامعة ييل، أن الحد من الهجرة كان الدافع الرئيسي للقرار البريطاني بمغادرة الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى استغلال الشعبويين ملف الهجرة في تحقيق مكاسب سياسية، قائلة إن نايجل فاراج، زعيم حزب الاستقلال اليميني المتطرف مثلا تم تصويره وهو يقف أمام ملصق ضخم للاجئين السوريين على الحدود بين سلوفينيا وكرواتيا، وكانت الرسالة واضحة: "ما لم تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي واستعادت السيطرة على حدودها، سيتدفق اللاجئون إلى بريطانيا".[29]

وتزامنت الهجرات مع تراجعات اقتصادية وتحولات سياسية تمثلت في صعود المد اليميني، وهو ما عزز موجتين متناقضتين: الأولى: تزايد الأحداث العنصرية ضد مسلمي أوروبا، والثانية: المبادرات الحكومية والمدنية لمكافحة التمييز.

العنصرية في أوربا في ظل طوفان الأقصى

 أطلقت القضية الفلسطينية خلال عملية "طوفان الأقصى" شرارة وعي نقدي قوي، فقد بيّنت أن العالم بأسره يعاني من نوع آخر من الاحتلال، سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا أو إعلاميًا، حيث يتم احتلال العقول واستعمارها فكريًا.

 والمفارقة المأساوية، بل والمضحكة إلى حد ما، هي أن الفلاسفة مثل يورغن هابرماس وشيلة بن حبيب، الذين بنوا مسيرتهم الفكرية على النقد وادعوا تعليم العالم التفكير النقدي، لم يكونوا بمنأى عن هيمنة هذا الاحتلال الفكري.

ويكفي أن "طوفان الأقصى" قد سلط الضوء على هؤلاء المتأخرين من دعاة التنوير، الذين لا يزالون يبررون موقفهم بحجة أن مشاريعهم الفكرية لم تكتمل بعد، وفضح زيف مبرراتهم أمام الإنسانية. [30]

ورصدت "لجنة توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي"، التي دشنتها نقابة الصحفيين المصريين، 5 مشاهد تبرز انحياز عدد من وسائل الإعلام الغربية للاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة، وهي:[31]

1- خوف المدنيين في غزة: نشرت شبكة «إيه بي سي» الأمريكية، تقريرًا أشارت فيه إلى أن المدنيين في قطاع غزة يشعرون بالخوف نتيجة للضربات الإسرائيلية التي تستهدف مقاتلي حركة «حماس»، في صياغة تخلط المصطلحات، وتخفف من حدة العنف والقتل الذي يتعرض له الفلسطينيون نتيجة للاحتلال، وتعفي إسرائيل من المسؤولية المباشرة عن قصف المدنيين.

وتصنع هذه الصياغة انطباعًا بأن موت الفلسطينيين هو نتيجة غير مباشرة للضربات الإسرائيلية، وأن أعمال القصف الإسرائيلي أمر لا يمكن تجنبه خلال المواجهات مع «حماس». وعندما تُشير الصحيفة ذاتها، إلى القصف الذي يستهدف قطاع غزة، غالبًا ما تصيغ الخبر بطريقة لا تُحدّد مسؤولية من نفّذ الهجوم مباشرة، إذ تستخدم مصطلحات مثل «تعرض لأضرار» أو «دُمر»، دون توضيح سياق القصف بدقة.

2- مقتل إسرائيليين وموت فلسطينيين: أما ثاني مشاهد لجنة رصد وتوثيق جرائم الاحتلال وانحياز الإعلام الغربي له فكان كالتالي: يبدو أن مهنية شبكة «بي بي سي» البريطانية، لم تمنعها من التحيّز السافر لدولة الاحتلال، باعتماد أن تتحدّث عن مقتل إسرائيليين وموت فلسطينيين حتى في النص الواحد، كما جاء في تغريدة منشورة عبر حسابها على منصّة «إكس» حقق ملايين المشاهدات، فقد جاء فيها: "أكثر من 500 شخص ماتوا في غزة وأكثر من 700 شخص قُتلوا في إسرائيل".

3- هجمات حماس: في مقابلة أجرتها قناة «بي بي سي» البريطانية مع سفير فلسطين لدى المملكة المتحدة حسام زملط، ركزت أسئلة المذيع على إدانة هجمات «حماس»، وتجاهل الضحايا الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي. وفي رده على المذيع، أشار السفير الفلسطيني إلى أنَّ وسائل الإعلام الغربية كانت دوماً تنحاز للرواية الإسرائيلية، وأشار إلى أنَّه يُدعى للحديث على التلفزيون عندما يكون هناك قتلى إسرائيليون فقط، بينما لا تستضيفه وسائل الإعلام عندما تشن إسرائيل هجماتها على الفلسطينيين.

4- وقف المساعدات للسلطة الفلسطينية: تبنت صحيفة «بيلد» الألمانية انحيازًا جارفًا للاحتلال الإسرائيلي، حتى أنّ رئيسة تحريرها ماريون هورن سارعت مع بداية الحرب إلى نشر مقال دعت فيه إلى وقف المساعدات عن السلطة الفلسطينية، تحت عنوان «لا أموال ألمانية بعد الآن لهؤلاء البرابرة». وفي الافتتاحية ذاتها، ربطت الصحيفة الهجوم بعيد ميلاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكأنها هدية الحركة للرئيس الروسي.

5- استضافة مهاجمين للقضية الفلسطينية: لم تكتف قناة «فوكس نيوز» الأمريكية، بالانحياز إلى الرواية الإسرائيلية، لكنها دأبت على استضافة المهاجمين للمدافعين عن الرواية الفلسطينية، وفي مقدمتهم مساعد الأمن القومي السابق في البيت الأبيض مايكل ألين، الذي انتقد سياسة بعض وكالات الأنباء العالمية التي تلوم "إسرائيل" عما يحدث في قطاع غزة، ووصف موقفهم بأنه «مثير للشفقة»، كما أنَّه دعا صراحة إلى الضغط على وسائل الإعلام لتغيير ذلك.

وعلى الصعيد الاجتماعي نجد أن تدنيس مقابر المسلمين، والهجمات على المساجد، والرسائل والمكالمات بلغة التهديد، والشتائم العنصرية.. الخ، نماذج للسلوكيات العنصرية ضد المسلمين التي سُجلت في الأسابيع القليلة في مختلف الدول الأوروبية بعد حرب السابع من أكتوبر، على خلفية هجوم حماس على "إسرائيل"، والرد العسكري "الإسرائيلي" عليها.[32]

وأفاد تقرير بأن نحو نصف المسلمين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي يتعرضون للتمييز في حياتهم اليومية، مع تسجيل زيادة حادة في الكراهية.

 وقالت المتحدثة باسم وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية "نيكول رومان" إنه بحسب البيانات التي تم جمعها أن تكون مسلماً في الاتحاد الأوروبي يزداد صعوبة.[33]

وبحسب استطلاع شارك فيه 9600 شخص بين أكتوبر 2021، وأكتوبر 2022 في 13 دولة من الاتحاد الأوروبي، أكد نحو نصف المسلمين أنهم واجهوا التمييز في حياتهم اليومية، مقارنة بنسبة 39% المسجّلة في الدراسة الأخيرة من هذا النوع التي تعود إلى عام 2016. وأشارت رومان إلى أنه منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، تمّ تسجيل زيادة حادة في الكراهية إزاء المسلمين يغذيها النزاع في الشرق الأوسط.

ومن العوامل التي تدفع باتجاه الأعمال العنصرية ضدّ المساجد، حسب رئيس هيئة العلماء والدعاة في ألمانيا الدكتور طه عامر، الإعلام المنحاز الذي يعمل على تشويه الحقائق وترويج الأكاذيب ضدّ المسلمين.

ويوضح أنه "عندما يقع حادث عنف مثلاً أو جريمة، فإذا كان المتورط به مسلماً عندها تسارع أجهزة الإعلام إلى تبني سردية الإرهاب الإسلامي، ولكن عندما تقع حوادث مشابهة لغير المسلمين فإن الإعلام لا يعلق عليها بنفس الطريقة، بل يحاول تسويغها أحياناً.

بهذه الطريقة يجري تشكيل وعي عند الجماهير، يربط بين العنف والإسلام وبين العمليات الإرهابية والإسلام، وهذا يؤدي إلى ازدياد معدلات العنصرية، التي تتمثل في الاعتداءات على المساجد والمسلمين عامة. [34]

لكن من حسن حظ الوجود الإسلامي في الغرب، أن هذه التصريحات والمواقف النشاز، لا تعبر إلا عن جزء من المجتمع الغربي المشحون عبر وسائل الإعلام، ودورها التضليلي ضد الإسلام والمسلمين، وأن هناك جزءاً آخر معتبراً لا يحمل مشاعر الإسلاموفوبيا، ويقف موقفاً موضوعياً بعيداً عن التحيز والكراهية.

ولا أدل على ذلك من التحركات التضامنية المشرفة التي قام بها طلاب الجامعات الغربية، مساندة لغزة التي تعرضت لأكبر إبادة جماعية في التاريخ الحديث.[35]

آليات لتصحيح صورة المسلمين وتعزيز المواطنة

في عام 2017 قام باحثان بتحليل 345 دراسة منشورة لفحص وسائل الإعلام ودورها في بناء الهوية الإسلامية، وتوصلا إلى أن أغلب الدراسات أهملت البلدان الإسلامية ووسائل الإعلام الإسلامية، ووجدا أن معظم البحوث حققت في مواضيع الهجرة والإرهاب والحرب، وأن المسلمين يميلون إلى أن يكونوا مؤطرين سلبياً، في حين أن الإسلام يصور في الغالب على أنه دين عنيف.[36]

ورغم أن حدة مشاعر كراهية المسلمين على خلفية حرب غزة تختلف من بلد أوروبي لآخر، بسبب مواقف حكومات كل دولة منها، إلا أن المخاوف في مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي تتزايد - خصوصاً تلك التي تعيش فيها نسب كبيرة من المسلمين - من تأثير مشاعر الكراهية والسلوكيات العدائية ضد المسلمين سلبًا على اندماجهم في المجتمع.

وعلى مستوى الحياة السياسية قد يدفع الوضع الكثير من المسلمين إلى مقاطعة الأحزاب التقليدية الحاكمة التي تحظى بثقتهم، وتحميلها مسؤولية عدم حمايتهم، وهذا العامل قد يكون في صالح الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة، التي تتبنى خطاباً معاديًا للمسلمين.[37]

وفي وقت يقوم فيه السياسيون المروجون للخوف بشيطنة المسلمين لكسب الأصوات، من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يكون للمجتمعات المسلمة صوت على طاولة القرار، ومع ذلك، نشهد حالات يتم فيها التعامل مع المنظمات، التي تدعو ببساطة إلى حماية الحقوق الإنسانية للمسلمين، بشك وريبة ومنعها من المشاركة في الحياة العامة، أو حتى حلها، في كثير من الأحيان لأسباب أمنية زائفة، لذلك يجب التأكيد أن حماية الأمن القومي لا تبرر فرض قيود غير متناسبة وغير ضرورية على حقوق الإنسان. [38]

وعلى الصعيد الأوروبي، هناك منسق المفوضية الأوروبية لـ "مكافحة الكراهية ضد المسلمين"، وقد تم إنشاء المنصب عام 2015 لأجل "ضمان استجابة قوية وشاملة عبر خدمات المفوضية لمكافحة الكراهية ضد المسلمين "، ومن هذه الخدمات تمويلات في قطاع التعليم، وفي سياسات التكامل والإدماج الاجتماعي، وفي مجالات التوظيف ومواجهة التمييز.[39]

ولا تتضمن القوانين الألمانية على سبيل المثال، بنودا قانونية حول العقاب على معاداة المسلمين، لكن وفق جواب للحكومة الألمانية على سؤال برلماني يتعلق بالعقوبات على الظاهرة، يتم استخدام عدة فصول من قانون العقوبات الألماني، منها تلك المتعلقة بالتحريض على الإهانة  أو التحريض على الكراهية والاعتداء الجسدي والتهديد، وقد قامت الحكومة بمتابعة 120 حالة قضائية بهذا الشأن في ثلاثة أشهر.[40]

ويرى خبراء أن مسلمي أوروبا وممثليهم يجب عليهم بدورهم المساهمة في مكافحة خطاب الكراهية ضدهم من خلال توضيح مواقفهم وفتح قنوات التواصل مع ممثلي الديانات الأخرى ومع الأحزاب السياسية في البلدان التي يسكنون فيها.[41]

كما تظهر الحاجة لأن تقوم المؤسسات التعليمية والعلمية بإبراز سماحة الإسلام بصورته المشرقة التي تدعو إلى قيم التسامح والمحبة والتواصل مع الآخر والتعاون على الخير، بتكثيف الجرعات التربوية والتعليمية والتركيز على الأجيال الناشئة في التعريف بالمبادئ الإسلامية السمحة، وتصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة حول فهم النصوص الشرعية، وذلك بإقامة الدورات العلمية وورش العمل وتفعيل دور العلماء من الدعاة والمختصين في دور العلم المختلفة، وتفعيل دور الإعلام بمختلف أنواعه في التعريف والتنوير بخطورة التمييز العنصري والدعوة إلى العنصرية وتبنّي أفكارها ومعالجة ذلك بكافة السبل الممكنة، وسَنّ التشريعات والقوانين التي تجرم التمييز العنصري وتتبنى أفكاره، وتطبيق القوانين الرادعة للقضاء على العنصرية والاستعباد، ودعوة الدول والمجتمعات إلى الاستفادة من التجارب الناجحة في سبل مواجهة التطرف والإرهاب والتعصب بمختلف أنواعه. [42]

ويلزم أن تشمل البرامج التعليمية والتدريبية توضيحاً للدور الإيجابي الذي يلعبه المسلمون في بناء المجتمعات الأوروبية، والعمل على تصحيح الصورة السلبية التي تصورها بعض الدوائر في الغرب عن الإسلام والمسلمين، من أجل خلق مجتمع يسوده الاحترام المتبادل بين جميع أفراده. [43]

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه ممارسات التمييز والكراهية، تظهر الحاجة الملحة إلى تعزيز الوعي الاجتماعي والتثقيف حول قضايا التنوع الثقافي والديني كحلول عملية وواقعية لمجابهة هذا التحدي الخطير لتعزيز العيش المشترك بين مختلف مكونات المجتمع الأوروبي، فالتثقيف هو السلاح الأمضى في مواجهة الظواهر العنصرية، وهو الطريق الذي يضمن التفاهم والتعاون بين الشعوب المختلفة.

وإذا كانت وسائل الإعلام تقوم بأدوار سلبية، بفعل الأدلجة أو التمويل، فإن وسائل التواصل الاجتماعي بإمكانها أن تسهم في نقل الأفكار والآراء وبلورة رأي عام مساند لقضية التعايش ومكافحة العنصرية والإسلاموفوبيا، مع التأكيد على المصداقية والبعد عن فخاخ التضليل الإعلامي والتأثير السلبي في الرأي العام.[44]

خاتمة

يمكن القول إن إلصاق صفات الشر بالعرب والمسلمين، يتعلق بقوى ماكرة تنظر إلى استهدافهم كأفضل استراتيجية لتحسين صورتها أو تحقيق مكاسب سياسية وتأهيل أجندتها فاقدة المصداقية، فيتم بث الخوف كبديل عن عرض سياسات اقتصادية واجتماعية سليمة، والمشاركة في نقاشات مشروعة حول أفضل الطرق لمعالجة مختلف التحديات التي تواجهها المجتمعات بشكل عام.

ويؤمن هؤلاء الأشخاص الذين يضْمرون مشاعر الكراهية بنظرية تفوّق الرجل الأبيض، أو يخافون من مزاحمة المهاجرين لهم في رزقهم، ولكن بشكل عام يتصاعد الخطاب اليميني في أوروبا كلما زادت موجات الهجرة من دول الشرق الأوسط.

 وأصبح للأفكار اليمينية والشعبوية جمهور كبير يتزايد كل يوم، كلما تزايد الخطاب الذي ينشر الرعب من تدفق اللاجئين العرب والمسلمين، أو تلك التنظيرات التي تحذّر من ضياع هوية أوروبا المسيحية بعد تزايد أعداد المسلمين.[45]

وهذا الصعود كانت له تداعيات وانعكاسات سلبية على حقوق وحريات المهاجرين واللاجئين، وعلى تراجع مواقف وسياسات دول أوروبية اتجاه الهجرة، وتجاوزهم عن التزامات دولية مترتبة عن تبنيهم لاتفاقيات تتعلق بحقوق اللاجئين والمهاجرين، وهذه الممارسات والتصرفات والسلوكيات مست كذلك بمبادئ الديمقراطية النيابية ومبادئ حقوق الإنسان التي تعد أوربا موطنا لها.

ويكتسب خطاب وسائل الإعلام الغربية عموماً والأوروبية على وجه الخصوص سلطته من خارجه، وما تقوم به اللغة ليس أكثر من كونها ترمز لتلك السلطة وبنيتها، فليس شرطاً أنْ يُعّبر الخطاب عن الرأي العام، وإنما يُعبر عن القائمين على هذا الخطاب، ومعظمهم من المحافظين أو المؤيدين لـ"إسرائيل".

ويروج هذا الخطاب صوراً نمطية حول العرب والمسلمين هي في الحقيقة تلك الصور السلبية التي رسمت خلال العصور الوسطى، وتستخدم اليوم وسائل الإعلام الغربية التي تصنع الرأي العام هذا الوضع فتخلط بين الإسلام كدين وبين الوضع المتردي للعالم العربي الإسلامي، مما يعني أن وسائل الاعلام المعاصرة -بفضل انتشارها وقوتها- تُستخدم كأداة للهيمنة والتبرير للقيام بحروب استباقية مع تهيئة الرأي العام لتقبلها عبر تعزيز الصورة النمطية السلبية عن العرب والمسلمين، وهذه الصورة النمطية ترسخت اليوم بعناصر جديدة من الكراهية.

وهذا الخطاب لا يدعم النظم القمعية فقط، بل قد يعرض المجتمعات الأوروبية نفسها للخطر، مما يتطلب ما يمكن تسميته "ربيع إعلامي"، يعيد للحقيقة شرفها المهدور، ويؤسس قيماً جديدة لدور الإعلام باعتباره رافعة أساسية من روافع الإصلاح والتغيير، وموجهاً أساسياً ينير خريطة الطريق أمام تطلعات الشعوب.

وعلى الجانب الآخرون فإن الإعلام الإسلامي يواجه أيضا ندرة في البحوث والدراسات، ومشكلة في التنسيق بين العلماء والدعاة وبين رجال التربية والمثقفين، ليأتي مشروع الإعلام الإسلامي متكاملا في موضوعه يلبي احتياجات ورغبات كل الشرائح المستهدفة دينيا وتربويا وثقافيا واجتماعياً.[46] وهو ما يظهر الحاجة إلى منظومة إعلامية محترفة ترقى بالعمل الإعلامي إلى تطلعات الشعوب.

المصادر:

[1]  دراسة تحليلية بعنوان مسلمو أوروبا ضحايا التنميط والتمييز العنصري فرنسا أنموذجاً، مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، https://2u.pw/AO4xNzv3

[2] الإسلاموفوبيا والإعلام: المظاهر المعاصرة لمعاداة الإسلام، دورية رؤية تركية، https://2u.pw/L7SqNL2

[3]  دراسة تحليلية بعنوان مسلمو أوروبا ضحايا التنميط والتمييز العنصري فرنسا أنموذجاً، مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، مصدر سابق.

[5] المصدر السابق.

[6]  أماني عبد الرؤوف محمد عثمان: آليات تصحيح صورة المسلم على سبكة الإنترنت دراسة تحليلية نقدية، مجلة البحوث والدراسات الإعلامية، ص 371.

[8] الإسلاموفوبيا في قلب أوروبا.. تصاعد الخطر وتزايد التمييز ضد المسلمين، مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، https://2u.pw/j1ezdxso

[9]  إسماعيل عزام: "رهاب الإسلام" في أوروبا..تعاريف وإجراءات لمواجهته، https://2u.pw/PHp7RCF7

[10] العرب والمسلمون يعانون العنصرية والتمييز في أوروبا ، صحيفة العرب، https://2u.pw/NmW13s0U

[11]  الإسلاموفوبيا في قلب أوروبا.. تصاعد الخطر وتزايد التمييز ضد المسلمين، مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، مصدر سابق.

[12]  المصدر نفسه.

[13] إسماعيل عزام: "رهاب الإسلام" في أوروبا..تعاريف وإجراءات لمواجهته، https://2u.pw/PHp7RCF7

[14] الهجمة العنصرية ضد تركيا في ظل صعود اليمين المتطرف بأنحاء أوروبا، ترك برس، https://2u.pw/xJeXtoOV

[15]  محمد النوري: الإسلاموفوبيا.. ظاهرة عرضية أم خطة استراتيجية؟ الجذور والتداعيات، موقع عربي 21، https://2u.pw/XdEEnwPG

[16]  المصدر السابق.

[17] .الإساءة للمسلمين في الإعلام الغربي.. ممارسات مأجورة (تقرير)، وكالة الأناضول للأنباء، https://2u.pw/Jtrm8lm4

[18]  الإسلاموفوبيا والإعلام: المظاهر المعاصرة لمعاداة الإسلام، دورية رؤية تركية، https://2u.pw/L7SqNL2

[19] المصدر السابق.

[20].  المصدر نفسه.

[21]   أماني عبد الرؤوف محمد عثمان: آليات تصحيح صورة المسلم على سبكة الإنترنت دراسة تحليلية نقدية، مجلة البحوث والدراسات الإعلامية، ص 357.

[22] . المصدر السابق، ص 359.

[23]  خليدة كعسيس خلاصي: الربيع العربي بين الثورة والفوضى، مركز دراسات الوحدة العربية، https://2u.pw/3Smjj2N4

[24] “الربيع العربي كسر أيضا الصور النمطية في أذهان الغربيية، https://2u.pw/VAnjJQrW

[25] أحمد سليمان: "وهم" الحياد الإعلامي والربيع العربي، موقع بي بي سي، https://short-link.me/U9Q7

[26]  المصدر السابق.

[27] . المصدر نفسه.

[28] حسن مازن: العنصرية وأصولها التطورية عند البشر، صحيفة العرب، https://2u.pw/mnZqNNfM

[29] فشل الربيع العربي فازدادت الهجرة إلى أوروبا وتغطرست الشعبوية، صحيفة العرب، مصدر سابق.

[30]  أكاديمي تركي: أثر "طوفان الأقصى" على الوعي العالمين ترك برس، https://short-link.me/Rxpb

[31]  أحمد البهنساوي: مشاهد لانحياز الإعلام الغربي للاحتلال الإسرائيل

[32]  عبد الرحمن عمار: تحليل: تزايد حدة كراهية المسلمين في أوروبا على خلفية حرب غزة، https://2u.pw/F7H9BLIt

[33] خطاب الكراهية ضد المسلمين في أوروبا.. تقرير يتحدث عن "زيادة حادة" ، https://2u.pw/wXb0rY1t [34] باسل المحمد: عشرات الاعتداءات منذ بدء حرب غزة..ما أسباب استهداف المساجد في ألمانيا؟، TRT عربي،  https://short-link.me/Ua82  

[35]  محمد النوري: الإسلاموفوبيا.. ظاهرة عرضية أم خطة استراتيجية؟ الجذور والتداعيات، موقع عربي 21، https://2u.pw/XdEEnwPG

[36] د. إبراهيم خلف سليمان الخالدي، ود. رائقة على العمري: الصور النمطية لواقع الإسلام والمسلمين في الإعلام الغربي، مجلة كلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف، https://2u.pw/9QNevAMG

[36] عبد الرحمن عمار: تحليل: تزايد حدة كراهية المسلمين في أوروبا على خلفية حرب غزة، https://2u.pw/F7H9BLIt

[37] قرار مجلس أوروبا دعوةُ للتحرك ضد ظاهرة كراهية الإسلام في أوروبا، موقع أمنستي، https://2u.pw/OBq7RTuI

[38] عبد الرحمن عمار: تحليل: تزايد حدة كراهية المسلمين في أوروبا على خلفية حرب غزة، مصدر سابق.

[39] إسماعيل عزام: "رهاب الإسلام" في أوروبا.. تعاريف وإجراءات لمواجهته، https://2u.pw/PHp7RCF7 [40].  عبد الرحمن عمار: تحليل: تزايد حدة كراهية المسلمين في أوروبا على خلفية حرب غزة، مصدر سابق.

[41] . د. عبد الفتاح أبنعوف: العنصرية.. جريمةٌ كبرى واعتداءٌ سافِرٌ على خالق الكوْن، وما أوْدعه من نظام وتشريع!، موقع منظمة التعاون الإسلامي، https://iifa-aifi.org/ar/46449.html

[42].  الإسلاموفوبيا في قلب أوروبا.. تصاعد الخطر وتزايد التمييز ضد المسلمين، مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، https://2u.pw/j1ezdxso

[43].  أشرف العيسوي: وسائل التواصل الاجتماعي: تأثيرات متنامية وأدوار شائكة في العالم العربي، مركز ترندز للبحوث، https://2u.pw/Gore9mO

[44].  أحمد ماهر: العنصرية والتعصب ليسا حكراً على شرق أو غرب، العربي الجديد، https://2u.pw/wPSBE5Ra

[45].  دعوات لتطوير وسائل الإعلام الداعمة لثورات الربيع العربي، عربي 21، https://2u.pw/6Il8VCV2