السودان بين الواقع والتطلعات: قراءة إعلامية لأزمة الحرب وتحولاتها المستقبلية
الأربعاء - 26 فبراير 2025
- الصادق الرزيقي: تدمير البنية الإعلامية واستشهاد 13 صحفيا وتهجير ما يقارب 1200
- الإمارات أنشأت غرفا إعلامية لإدارة حسابات المتمردين على مواقع التواصل الاجتماعي
- الحكومة السودانية تسعى لسد الفجوة الإعلامية عبر إنشاء قنوات فضائية في الخارج
- تباين مواقف الإعلام العربي والدولي من الأزمة السودانية.. و"الجزيرة" تنقل الحقائق
إنسان للإعلام- تغطية خاصة:
ضمن فعاليات صالونه الثقافي، عقد مركز "إنسان للدراسات الإعلامية" باسطنبول ندوة بعنوان " السودان بين الواقع والتطلعات: قراءة إعلامية لأزمة الحرب وتحولاتها المستقبلية"، الاثنين 25 فبراير 2025، تحدث فيها الصادق الرزيقي، رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين، نائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب، وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين الأفارقة، ملقيا الضوء على المستجدات التي شهدها الساحة الإعلامية في السودان منذ اندلاع الحرب الأخيرة بتاريخ 15 أبريل 2023، وعلى الأوضاع الراهنة المتعلقة بمستجدات الحرب.
تدمير الجسد الإعلامي
قال "الرزيقي"- أمام الندوة التي أدارتها مي الورداني، مدير مركز إنسان للدراسات الإعلامية، وحضرها عدد من النشطاء والمثقفين العرب-: إن قوات "الدعم السريع" المتمردة بدأت هجماتها بتدمير هيئة الإذاعة والتلفزيون في أم درمان، حيث شملت عملياتها تدمير الاستوديوهات ومرافق البث الإذاعي. ولم تقتصر الأعمال على المنشآت الرسمية فحسب، بل استهدفت الإعلام الخاص؛ إذ تم تدمير وإغلاق 37 قناة تلفزيونية و71 إذاعة و43 صحيفة، إلى جانب تدمير وكالة أنباء السودان بشكل كامل، ومحاولة إيقاف كافة وسائل الإعلام في البلاد.
كما أدت الحرب إلى ملاحقة وتهجير ما يقارب 1200 صحفي، واستشهاد 13 صحفيا، ما يعكس حجم التحديات التي واجهها الصحفيون والجسد الإعلامي بشكل عام.
محاولة إيقاف الإنترنت
أضاف أن المتمردين سعوا إلى إيقاف الإنترنت؛ بهدف عرقلة انتشار المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ نجحوا جزئياً في هذا المسعى رغم عدم قدرتهم على وقف الخدمة بشكل كامل.
وفي سياق متصل، أنشأت دولة الإمارات ثلاث شبكات اتصالات لدعم تواصل المتمردين، واستخدمت مهندسين إسرائيليين لتحقيق هذا الهدف.
كما أنشأت الإمارات غرفا إعلامية في أبوظبي تُعنى بإدارة حسابات المتمردين على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما دعمت بعض القنوات العربية التي تبث من دبي – مثل قناة العربية وقناة الحدث وسكاي نيوز عربية – المتمردين في تلك المرحلة.
وأكد أن "الدعم السريع" لجأت إلى استخدام شركة علاقات عامة كندية، يملكها شخص صهيوني، بهدف تحسين صورتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال نشر أخبار كاذبة وصياغة صور توضح أن "لدعم السريع" تسعى لرفع الظلم عن أهل السودان، مع اعتماد نفس الشعارات التي يستخدمها الانفصاليون.
سد الفجوة الإعلامية
وأوضح "الرزيقي" أنه في محاولة لسد الفجوة الإعلامية التي خلفتها الأعمال التدميرية للدعم السريع، سعى الجهاز الحكومي والجيش السوداني إلى استعادة زمام الأمور عبر إنشاء قنوات تبث من الخارج، مثل قناة "الزرقا" التي تُبث من مصر.
وقد لعب استقبال مصر لما يقارب مليون سوداني دوراً مهما، حيث استضافت القنوات المصرية بعض السياسيين لتقديم سرد موضوعي يُبرز الحقائق في الأحداث.
وقال: إن الوضع الإعلامي شهد تحسناً ملحوظاً؛ فقد قامت الدولة السودانية بإعداد نشرة أسبوعية تفصيلية توضح تطورات المعارك والأخبار الحكومية، فيما يشبه العمل الإعلامي العسكري في تغطية الأحداث. كما تعتزم الحكومة إنشاء قناة جديدة في الخارج – من المتوقع أن تكون في مصر – لتكون منبراً معبراً عن صوت السودانيين.
وأكد أن الجسم الصحفي أصبح متماسكاً، وأن وسائل الإعلام ستعود إلى مستويات أفضل عقب تنظيف الخرطوم من المؤثرات السلبية.
الإعلام العربي والدولي
وأشار "الرزيقي" إلى أن المشهد الإعلامي العربي كان متبايناً؛ إذ كان بعض الإعلام العربي – لا سيما الإماراتي وبعض الإعلام السعودي – متحيزاً لصالح المتمردين في بداية الأزمة، في حين سعى الإعلام المصري والجزائري إلى تحقيق الحياد، كما كان الإعلام العربي الذي يبث من الخارج داعماً للشعب والدولة السودانية.
وعلى الصعيد الدولي، حافظت معظم وسائل الإعلام العالمية على موقف محايد، وسعت إلى كشف الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها المتمردون، وكان لقناة الجزيرة مراسلون على الأرض ينقلون الاحدث بصورتها الحقيقية.
جذور الصراع السوداني
وكان "الرزيقي" قد بدأ حديثه باستعراض التاريخ الطويل للصراع في السودان، موضحاً أن جذور هذا الصراع تعود إلى العام 1955، وأن الحرب على السودان لم تتوقف منذ ذلك الحين، موضحا أن الاستعمار لعب دوراً محورياً في زرع الفتنة بين أبناء الوطن، حيث أغلق مناطق الجنوب ودارفور لمنع العرب من التوغل فيها، مُرسخاً بذلك الانقسامات بين الشمال والجنوب.
وأضاف أن السياسات الاستعمارية لم تخلُ من الفتن، إذ قامت دولة الاحتلال (بريطانيا)، التي تلقّت دعماً من الغرب، بزرع بذور الشقاق قبل انسحابها من السودان.
أعمال التدمير والتهجير
وأوضح الرزيقي أن دولة الإمارات استطاعت استقطاب "الدعم السريع" التي كانت تملك قوة عسكرية كبيرة في العاصمة الخرطوم، تفوق في بعض الأحيان عدد قوات الجيش النظامي، مشيرا إلى أن المتمردين شرعوا في تنفيذ سلسلة من الأعمال العدائية، شملت تهجير المواطنين، حيث اضطر نحو 11 مليون شخص لترك منازلهم، كما تم تدمير البنية التحتية الحيوية للبلاد، وتعرضت المشاريع الزراعية للتدمير، ومن بينها مشروع الجزيرة الزراعي، بالإضافة إلى تدمير المنشآت الصناعية والمؤسسات الحيوية، ونهب البنك المركزي السوداني.
انحسار "الدعم السريع"
وفيما يتعلق بالمشهد الحالي على الأرض، أوضح "الرزيقي أن المتمردين لم يعد لهم وجود واسع في السودان، بل اقتصر وجودهم على جزء من العاصمة الخرطوم وست ولايات من أصل 18 ولاية تشكل كيان السودان.
وقال: إن المتمردين يلفظون أنفاسهم في ظل الضغوط المتزايدة، فيما تشهد بعض دول الجوار مثل كينيا ودولة الإمارات محاولات لإنقاذهم من خلال دعم جهود إقامة حكومة منفى، دون وضوح تام حول مقر هذه الحكومة، سواء كان في الخارج أو في داخل السودان.
وفي حديثه عن الوضع في العاصمة الخرطوم، نسب عدم الحسم في تحقيق استقرارها إلى وجود قناصة وأسلحة ثقيلة في قلب العاصمة، مما يعرقل السيطرة الكاملة عليها بالسرعة المطلوبة.
أما فيما يخص دارفور، فقد أشار إلى أن عاصمة دارفور، مدينة الفاشر، لا تزال صامدة وعصية على المتمردين، رغم تعرضها لهجمات متكررة بلغت 178 هجمة جميعها باءت بالفشل.