بين المهنية والانحياز.. كيف عالج الإعلام الحرب الأخيرة بين الهند وباكستان؟
السبت - 17 مايو 2025
إنسان للإعلام- تغطية خاصة:
ضمن أنشطة صالونه الثقافي، نظم مركز "إنسان للدراسات الإعلامية" ندوة حوارية بعنوان "بين المهنية والانحياز.. كيف عالج الإعلام للحرب الأخيرة بين الهند وباكستان؟".
تحدث في الندوة الكاتب الصحفي شعبان عبدالرحمن، مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية سابقًا ومؤسس "مركز إنسان"، و الحقوقي والناشط الإعلامي الكشميري ناصر قدري.
وتولى الإعلامي أبو بكر حامد مهمة الترجمة الفورية، فيما أدارت الندوة وقدمتها مي الورداني، مدير "مركز "إنسان.
استهلت "الورداني" الجلسة بالترحيب بالحضور، مؤكدة أن الندوة تسعى إلى تحليل التغطية الإعلامية للحرب الأخيرة بين الهند وباكستان، قائلة: "هذه الندوة معنية بمقارنة الخطاب الإعلامي الهندي والباكستاني خلال الحرب الأخيرة، وأبرز القنوات والمنصات التي ساهمت في التصعيد."
وأشارت في كلمتها إلى تساؤلات محورية حول دور الإعلام في النزاعات، منها على سبيل المثال: كيف تتحول الوسائل الإعلامية إلى أدوات للدعاية أو التهدئة؟ وما هي المسؤولية الأخلاقية للمؤسسات الإعلامية أثناء النزاعات؟"
مشاهدات مرصودة
وقالت: دعوني أشارككم أول المشاهدات التي رصدناها، والتي تعكس أنماط التغطية الإعلامية خلال الأزمة، ومخاطر التضليل الإعلامي:
- شهدت التغطية الإعلامية استقطابًا حادًا وحربًا كلامية موازية للعمليات الميدانية، حيث تبنت وسائل الإعلام في كلا البلدين روايات وطنية، تبادلت الاتهامات، وفي بعض الأحيان، ضخمّت الأحداث. ومن أمثلة التغطية المتحيزة والاتهامات:
- في الهند: سارع الإعلام الهندي إلى اتهام باكستان بالضلوع في هجمات وقعت في كشمير، حتى قبل ظهور أدلة قاطعة، ووُصف بعض المعلقين في الإعلام الهندي بأنهم "قارعو طبول الحرب"
- في باكستان: اتهمت وسائل الإعلام الباكستانية الهند باستهداف مدنيين بشكل متعمد، وأكدت تصريحات مسؤولين أن الرد الباكستاني استهدف مواقع عسكرية هندية.
- في المقابل، حاولت وسائل إعلام دولية تقديم صورة أكثر توازنًا، رغم تحديات الوصول إلى المعلومات والتحقق منها، حيث سعت وسائل مثل "بي بي سي نيوز عربي"، و"الجزيرة نت"، و"رويترز"، ووكالة الأنباء الفرنسية، إلى تغطية الأحداث من الجانبين، ونقل تصريحات المسؤولين، وتسليط الضوء على الأبعاد الإنسانية للنزاع، بما في ذلك معاناة المدنيين.
ورغم ذلك، واجهت هذه الوسائل تحديات، منها القيود على الوصول للمناطق ومحاولات التأثير على سرديتها، بالإضافة إلى طلب الهند من منصة "إكس" حجب عدد كبير من الحسابات كإجراء رقابي.
- برزت حادثة مقتل معلم مسلم في كشمير كنموذج للتغطية المتحيزة، حيث وصفت بعض وسائل الإعلام الهندية الضحية بأنه "إرهابي باكستاني"، وهو ما نفته عائلته والشرطة المحلية، ما أثار انتقادات واسعة حول تعامل بعض الإعلام الهندي مع الأحداث بشكل متحيز.
- أدرج تقرير المخاطر العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024 "التضليل والمعلومات المضللة" ضمن أخطر التهديدات التي تواجه النظام الدولي، وهو خطر يتضاعف في ساحات النزاع، حيث تؤدي حملات التشويه والتزييف إلى تقويض الثقة بالصحافة والحكم الديمقراطي.
- أكدت وكالة الأنباء الفرنسية أن التضليل الإعلامي لم يتوقف حتى بعد وقف إطلاق النار، إذ استمرت الحملات الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنافس المواطنون من الجانبين للسيطرة على السرديات العامة.
- استمرت منصات مثل "فيسبوك" و"إكس" في عرض مقاطع فيديو مُحرّفة، زُعم أنها توثق الهجمات التي خلفت 60 قتيلاً وأجبرت الآلاف على الفرار، لكن مدققي الحقائق في وكالة "فرانس برس" كشفوا أن هذه المقاطع مأخوذة من صراعات أخرى، مثل حرب غزة وأوكرانيا.
- أعلن موقع "تدقيق الحقائق" التابع لمكتب المعلومات الصحفية (PIB)، وهو موقع حكومي هندي، عن دحضه لأكثر من 60 خبراً مضللاً عقب إعلان وقف إطلاق النار.
كما أكد رقيب حميد نايك، المدير التنفيذي لمركز "دراسة الكراهية المنظمة"، وجود علاقة بين خطاب الكراهية الرقمي والتحريض على العنف، مشيرًا إلى أن هجوم "باهالغام" تسبب في موجة مظاهرات استغلها قادة اليمين المتطرف للتحريض على الكراهية والعنف ضد المسلمين الهنود والكشميريين.
- وثّق مختبر الكراهية الهندي، ومقره الولايات المتحدة، 64 حادثة خطاب كراهية شخصية بين 22 أبريل و2 مايو، تم تصوير معظمها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعكس التداخل بين العالمين الرقمي والواقعي في نشر الكراهية والتحريض.
بهذا الاستعراض، وضعت مي الورداني أساسًا للنقاش، مؤكدة أن هذه الملاحظات تفتح الباب أمام المشاركين لتحليل دور الإعلام في تشكيل الرأي العام خلال النزاعات الدولية، وتأثير ذلك على العلاقات بين الشعوب.
جذور الصراع
وتحدث شعبان عبد الرحمن عن جذور الصراع من الناحية التاريخية، موضحًا أن الاستعمار البريطاني، عندما غادر المنطقة تحت وطأة ضربات المقاومة، حرص على زرع بذور الفرقة في هذه المنطقة المهمة من العالم، وهي منطقة جنوب آسيا أو شبه القارة الهندية؛ بهدف منعها من الاستقرار والنهوض.
وأضاف أن الاستعمار لم يكتفِ بذلك، بل عمل أيضًا على تعزيز المذهب الهندوسي في المنطقة لمواجهة الإسلام، مما أسهم في إضعاف المسلمين هناك.
وأكد "عبد الرحمن" أن هذه السياسات الاستعمارية أدت في النهاية إلى انفصال بنجلاديش عن باكستان، كنتيجة مباشرة لبذور الفرقة التي زرعها الهندوس بين المسلمين في كلا البلدين، موضحا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد إلى قضية كشمير، التي لا تزال منذ عام 1947 مطروحة على أجندة الأمم المتحدة دون حل، بسبب حرمان سكانها من حق تقرير المصير.
كما لفت الانتباه إلى أن ما يحدث في كشمير يشبه ما جرى للمسلمين في البوسنة والهرسك في أوروبا، ويتكرر اليوم مع المسلمين في غزة.
"مثل فلسطين"
بدوره، تناول ناصر قدري ما يجري في كشمير، مؤكدًا في مستهل حديثه أن ما يحدث هناك يتطابق مع ما يحدث في فلسطين، حيث قُتل ما لا يقل عن 500 ألف كشميري منذ اندلاع الأزمة في عام 1949، مع فرض تعتيم إعلامي صارم ومنع نشر ما يجري، تمامًا كما هو الحال في فلسطين.
وأشار قدري إلى عدة نقاط رئيسية، يمكن تلخيصها فيما يلي:
- منذ عام 1949، طُرحت مقترحات لحل أزمة كشمير، وعُيِّن مسؤولون لتحديد مصير سكانها عبر الاستفتاء بين الانضمام إلى الهند أو باكستان. ومع ذلك مرّت أكثر من 77 عامًا دون تحقيق هذا الهدف، وخلال هذه الفترة شهدت المنطقة عدة حروب، وتعرض أهل كشمير للظلم، بينما لم تقم الأمم المتحدة بأي دور فعال لحل الصراع.
- تستغل الهند الأحداث لترويج فكرة أن الإقليم غير آمن ويحتاج إلى تدخلها، وتختلق الأزمات وتُلقي باللوم على باكستان، كما حدث في الحادث الأخير، بهدف السيطرة على كشمير.
- على مدار 77 عامًا، ارتكبت الحكومة الهندية جرائم تصل إلى حد الإبادة الجماعية في كشمير، حيث تعرّض سكان الإقليم لانتهاكات واسعة النطاق.
- في عام 2019، أقر البرلمان الهندي قانونًا يسمح لغير الكشميريين بتملك الأراضي في كشمير، وهو أمر لم يكن مسموحًا به سابقًا، مما يمثل انتقالًا من الاحتلال الإداري إلى الاحتلال الاستيطاني، بهدف تغيير التركيبة السكانية للإقليم، في خطوة تُشبه ما يحدث في فلسطين.
- تفرض الهند حصارًا إعلاميًا على كشمير، مما جعلها واحدة من أقل المناطق في العالم التي تحظى بتغطية إعلامية، حيث لا يتم نشر سوى 20% فقط مما يحدث على أرض الواقع، في ظل تواطؤ دولي واضح.
- تُرتكب في كشمير جرائم وإبادات لا يُكتب عنها شيء، في حين أن حوادث أقل منها في أوكرانيا أو غيرها من الدول تُغطى في أبرز الصحف العالمية.
- العمل الإعلامي في كشمير محفوف بالمخاطر، حيث سنت الهند قوانين تقيد حرية الصحافة وتمنع الصحفيين من نشر تقارير عن الأوضاع هناك، بل إن الصحفيين يتعرضون للمحاكمة بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، التي تسمح بسجنهم لفترات تصل إلى سنتين على الأقل دون محاكمة، لمجرد إعداد تقرير لا ترضى عنه الحكومة الهندية. وأوضح "قدري" أن مثالًا صارخًا على ذلك هو قضية الصحفي حمزة، الذي اعتقل لمدة أربع سنوات، منها سنتان دون محاكمة، وسنتان حكم عليه فيهما بتهمة توثيق انتهاكات الحكومة الهندية في كشمير.
- الصحافة الهندية تحرّض على الكراهية ضد المسلمين بشكل عام، وهناك ما يُعرف بـ"الكودي ميديا"، التي تغطي أحداث كشمير وتحرض على قتل المسلمين، وتعتبرهم أقل شأنًا من البشر.
- تصنف الصحافة الهندية بأسوأ التقييمات في النزاهة والشفافية، وتشتهر بنشر السرديات الكاذبة والتحريض على الكراهية، وهو ما يعزز نفوذ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي مكّن هذه الوسائل الإعلامية من نشر الأكاذيب حول كشمير.
وفي إجابته على سؤال حول تعامل الهند مع القادة والصحفيين في كشمير، أشار "قدري" إلى أن هناك جهازًا قياديًا كاملًا تحت الاعتقال، وأن العديد من القادة حُرموا من الدواء والعلاج حتى لقي بعضهم حتفهم، مثل محمد أشرف سهراي.
وفي عام 2020، أقرت الحكومة الهندية سياسات إعلامية جديدة تقضي بحذف الأرشيف الإعلامي الذي يوثق الأحداث في كشمير، حتى لو لم يتم نشره، وهو ما يُعدّ محوًا للتاريخ.
وردًا على سؤال حول القضايا الدولية المرفوعة ضد الحكومة الهندية، أوضح "قدري" أن هناك العديد من القضايا الموثقة، مثل أكثر من 8000 حالة اختفاء مسجلة لدى منظمات حقوق الإنسان، مثل "هيومن رايتس ووتش"، ومع أن الأدلة متوفرة، فإن الجناة لم يُدانوا، ولم يتخذ المجتمع الدولي موقفًا حازمًا تجاه مجرمي الحرب، مما يعوق جهود النشطاء الإعلاميين والحقوقيين في إيصال الحقائق إلى العالم.
تحول ملحوظ
وعلّق شعبان عبد الرحمن بقوله: "في الماضي، كان حكام المسلمين يقفون إلى جانب الهند، كما فعل الرئيس المصري جمال عبد الناصر في تأييده لرئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو ضد باكستان.
أما اليوم، فقد شهد الموقف تحولًا ملحوظًا، حيث تبنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقفًا مغايرًا، متمثلًا في دعمه لباكستان ضد الهند، تأييدًا لحق كشمير."
وفي ختام الندوة، قالت مي الورداني: "إذا صمد وقف إطلاق النار هذا، فستشهد الأسابيع المقبلة معركة جديدة: معركة الروايات."
ونقلت تحليلًا لمراسل الأمن الدولي في صحيفة "الغارديان" "جيسون بيرك"، نشر بعد ساعات قليلة من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، أشار فيه إلى أن التركيز الإعلامي على ميادين القتال يغفل معركة موازية لا تقل حسماً، وهي معركة السيطرة على الرواية.
وأوضحت "الورداني" أن التاريخ الطويل للبروباغندا وانتشارها وتأثيرها قد بلغا آفاقًا غير مسبوقة في العصر الرقمي، حيث مكّنت وسائل التواصل الاجتماعي وخوارزميات الانتشار الإعلامي من تشكيل وعي جماهيري واسع بطرق لم تكن ممكنة من قبل.
وأشارت إلى أن العديد من المحللين اتفقوا على أن الإعلام لعب دورًا حاسمًا في تأجيج المشاعر وتصعيد الخطاب العدائي بين الهند وباكستان، إذ ساهمت الروايات الأحادية والاتهامات المتبادلة في خلق مناخ من عدم الثقة وتعميق الانقسامات.
لذلك دعا بعض المعلقين إلى ضرورة "تخفيف حدة الخطابات السياسية والإعلامية" لتجنب الانجرار إلى حرب شاملة، فيما أشار آخرون إلى أن التغطيات الإعلامية المكثفة ساهمت في تصعيد التوتر وزيادة الخسائر البشرية، وأثارت قلقًا واسعًا على المستوى الدولي، وسط دعوات من قادة دوليين والأمم المتحدة لضبط النفس وتجنب التصعيد بين القوتين النوويتين.