ندوة نظمها مركز إنسان للإعلام البروفيسور يزيد صايغ حول توقعاته للدور السياسي للجيوش العربية
الأربعاء - 24 مارس 2021
في ندوة نظمها مركز إنسان للإعلام السبت 13 فبراير 2021م :
البروفيسور يزيد صايغ حول توقعاته للدور السياسي للجيوش العربية:
جيوش مصر وليبيا والجزائر والسودان ستلجأ بأي ثمن للاحتفاظ بموقعها السياسي والمركزي داخل دولها
- الجيوش عملت منذ 2011 على تأكيد سلطتها وإعادة التوازن ضد المدنيين والأجهزة الأمنية المنافسة
- "السيسي" رهينة ائتلاف حاكم في مقدمته الجيش والداخلية والقضاء.. ولا بدائل للتغيير سوى الانهيار أو الحرب الأهلية
- جائحة كورونا" سهلت لجيشي الجزائر والسودان تقويض الحراك الجماهيري وفتحت الباب لصراعات جيوسياسية
- حراك السودان والجزائر قد يواجه مخاطر كبيرة كما حدث في مصر بعد انقلاب 2013 وحرب ليبيا الأهلية 2014
- ليبيا لن تشهد لفترة طويلة مؤسسة عسكرية موحدة أو حكما مطلقا للمدنيين وسيظل الوضع صراعا طويل الأمد
- القوات المسلحة السودانية ستوسع نفوذها وتبقى كطرف مستقل في أقل تقدير أو مهمين في المدى البعيد
- الجزائر تشهد عودة لنمط ما قبل بوتفلقية.. والرئيس الحالي مجرد تعبير عن واجهة نظام قديم استعاد عافيته
- أنظمة الحكم ستواجه تحديات اجتماعية واقتصادية ضخمة تستعصي على الحل في ظل الافتقار لراس المال
- الحراك الجماهيري من 2011 إلى 2019 كان جبارا ومثيرا للإعجاب ولكنه يفتقر للوحدة والتماسك
أكد البروفيسور يزيد صايغ، كبير الباحثين بمعهد كارينجي لدراسات الشرق الأوسط، أن الحراك الجماهيري في كل من السودان والجزائر يواجه "مخاطر كبيرة"، كما حدث في مصر بعد انقلاب 2013 وليبيا بعد الحرب الأهلية في 2014، مشددا على أن ميراث العلاقات العسكرية المدنية في الدول الأربع يشير الى أن "القوات المسلحة ستلجأ بأي ثمن ولكل الاساليب للاحتفاظ بموقعها السياسي والمركزي في مؤسسات الدولة والحياة السياسية"، موضحا أن تراجعها امام القوى المدنية في كل من السودان والجزائر منذ 2019 وحتى الآن هو "تراجع تكتيتي"، لأن الجيوش عملت منذ 2011 على تأكيد سلطتها وإعادة التوازن ضد المدنيين والأجهزة الأمنية المنافسة.
وأضاف أن "جائحة كورونا" سهلت لجيشي الجزائر والسودان تقويض الحراك الجماهيري، ومكنت وزير الدفاع السوداني من احتكار السياسة الخارجية، وفتحت الباب لصراعات جيوسياسية في المنطقة.
وقال، في ندوة نظمها المركز المصري للإعلام بعنوان "الدور السياسي للقوات المسلحة في مواجهة التحديات القادمة"، أدارها الدكتور سليمان صالح، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة والبرلماني المصري السابق، مساء السبت 13 فبراير 2021 عبر تطبيق زووم: "إن الحراك الجماهيري الذي أطاح بالرؤساء من 2011، إلى 2019 كان حراكا جبارا ومثيرا للإعجاب ولكنه يفتقر للوحدة والتماسك، ... ويبدو من التجربة أن الحراك ليس قادرا وحده على مواصلة الانتقال السياسي، ويعجز عن إرغام الأطراف الأخرى، التي تحافظ على النظام السابق، على التراجع والقبول بعملية تغيير أو إصلاح هيكلي بداخل النظام"، مستبعدا أن يحدث هذا في وقت قريب.
وتوقع يزيد صايغ حدوث تحديات اجتماعية واقتصادية ضخمة تستعصي على الحل من جانب أنظمة الحكم، حتى بعد تراجع جائحة كورونا، "خاصة في دول شمال إفريقيا، في ظل الافتقار لراس المال اللازم للاستثمار... وتراجع وانكماش الطبقة الوسطى".
وقال إن الرئيس الحالي بمصر عبد الفتاح السيسي "هو الفرد الأقوى دون منازع، ولكنه أيضا رهينة ائتلاف حاكم، في مقدمته الجيش والداخلية والقضاء"، موضحا أن القوات المسلحة تمكنت في تعديلات الدستور عام 2019، أن تصنع لنفسها "سلطة ووضعا مميزا" وبالتالي "لا يستطيع أي رئيس مقبل التأثير عليها".
وحول إمكانية التغيير في مصر، قال صايغ: " تقييمي أن النظام الذي نشأ بعد 2013 نظام قوي وقادر على جلب دعم دبلوماسي واقتصادي وسياسي من الخارج ولكنه هش في اللحظة التي يتعرض فيها لتهديد وجودي حقيقي، مالي اقتصادي اجتماعي.. ولو أرادت القوات المسلحة أن تخرج من المعادلة السياسية فلن تجد أحدا تتفأوض معه لترتيب انتقال الحكم اليه،... وأخشى تصرفات هذا النظام الذي خلق وضعا ليس امامه بديل سواء الانهيار أو الحرب الأهلية".
وفيما يخص الوضع في ليبيا، توقع صايغ أنه "لن تكون المؤسسة العسكرية وطنية موحدة لفترة طويلة... لأن أحد أسباب الحرب الأهلية في 2014 هو "الصراع بين المتشرذمين عقائديا و جهويا و إثنيا، وهؤلاء يُتوقع أن يكونوا جزء من السلطة القادمة... ولن نشهد حكما مطلقا للمدنيين داخل نظام ديمقراطي وسيظل الوضع صراعا طويل الأمد"
وبالنسبة لنفوذ الجيش في السودان، قال: "إن القوات المسلحة نقلت السلطة لها بعد البشير، وفي تقديري أنها ستوسع نفوذها وتبقى كطرف مستقل، في أقل تقدير، أو مهمين في المدى البعيد".
وحول دور المؤسسة العسكرية في الجزائر، قال صايغ" إننا نشهد عودة "لنمط ما قبل بوتفلقية"، حيث "سهلت القوات المسلحة اليوم عودة الوضع السابق من وراء ستار من الحديث عن مطالب الجماهير والإيمان بالديمقراطية، فأزاحت الجنرالات المتحالفين مع بوتفلية مع إبعاده، ثم عاد الجنرالات لينتقموا في لعبة كراس موسيقية تدور بين أطراف عدة"، مبينا أنه تم انتخاب رئيس جديد ولكنه "صار مجرد تعبير عن واجهة نظام قديم استعاد عافيته".
وانتهى إلى أن القوات المسلحة في كل من مصر والجزائر تسعى "لخلق ضمانات مستقبلية تحميها من أي تحولات سياسية لا تستطيع معها حماية نفسها".
تحليل الاتجاهات العامة
بدأت الندوة، بتمهيد للدكتور يزيد صايغ قال فيه: سألخص أهم الأفكار التي نخلص إليها من خلال تحليل الاتجاهات العامة لدور العسكر في الحياة السياسية بدول شمال أفريقيا، التي مرت بعملية انتقال سياسي، من نظام سلطوي إلى نظام سلطوي.
وهنا أتكلم عن مصر وليبيا والسودان والجزائر، لن أتطرق لتونس التي مرت بانتقال سياسي ناجح وكان دور القوات المسلحة مختلف جذريا بكل المعايير عن الدور الذي لعبته القوات المسلحة للدول الأربعة.
أولا: أقدم إطارا تحليليا وأرجع للتفاصيل، ما طرح الموضوع للبحث للنقاش هو أنه منذ عامين حدث حراك جماعي واسع في كل من السودان و الجزائر، ثم نجح الحراك في إزاحة رئيس سلطوي هو عمر البشير كما أزاح بوتفليقية، وهذا أعاد أذهاننا إلى عام 2011 عندما أزيح حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا.
طبعا حدوث الحراك من هذا الحجم في 2019، بعد 8 سنوات من الحراك الذي فشل في مصر وليبيا، كان مشجعا وأثار سؤالا: هل هناك حراك ربيع عربي ثان وهل حراك السودان والجزائر سيكون على عكس ما حدث في مصر وليبيا؟ وكان أحد أسباب طرح السؤال أن القوات المسلحة سهلت خروج الرئيسين إما فعلا أو ضمنا دون انقسام داخل الأجهزة.
تداعيات جائحة كورونا
هناك تراجع بالسودان والجزائر لأن نشوء جائحة كورونا سهل للجيش والأجهزة وبقايا النظام أن يقوضوا أو يحاصروا الحراك الجماهيري، بسبب الضرورات الطبية.
ونشهد منذ ذلك الحين تراجع ومؤشرات خطيرة، واحتكار وزير الدفاع السوداني للسياسية الخارجية، ومؤشر ذلك تطبيع العلاقة مع اسرائيل الذي لم يحصل على موافقة رئيس الوزراء.
بجانب ذلك اشتدت الصراعات الجيو السياسية في هذه الأنحاء، بتدخلات لكل من تركيا وروسيا وقطر وفرنسا في ليبيا، وتدخلات في السودان، وعودة الصراعات بين القوى الاقليمية التي تدور ميدانيا في منطقة شمال أفريقيا. هذا عامل مهم للحراك للوصول بهذه الدول لانتقال ديمقراطي.
انا استنتاجي أن النتائج الواعدة للحراك في السودان والجزائر أمام خطر كبير، حيث تراج في الجزائر بشكل واضح وبات بحالة هشة، ويواجه صعوبات ومخاطر كبيرة في السودان، وهناك خطر حقيقي أن يلحق المسار في السوادن والجزائر بما حدث في مصر بعد انقلاب 2013 وليبيا بعد الحرب الأهلية بعد 2014.
منطقلي الأساسي بتقدير المخاطر هو أن الانتقال السياسي السلمي في السودان والجزائر هل كان مكتوبا له أن يستمر أم أنه توقع وتفاؤل مبالغ فيه، وهل كان هناك توقع بأن تقبل القوات المسلحة بتسهيل رحيل الرئيس؟ هل ذلك كان مؤشرا ان القوات المسلحة ستقبل بعد ذلك بحالة من الديمقراطية؟
العلاقات العسكرية المدنية
تاريخ العلاقات العسكرية المدنية بكل هذه الدول، في مصر وليبيا، وبالتالي في الجزائر والسودان لا يوحي بانتقال سلس للسلطة، فهذا الميرات يؤشر إلى أن القوات المسلحة ستلجأ باي ثمن كان وبأي طريقة لكل الأساليب للاحتفاظ بموقعها السياسي والمركزي في مؤسسات الدولة والحياة السياسية الوطنية وأنها بذلك ستواصل المسعى، وبالتالي فإن موقفها في 2019 وتراجعها حاليا أمام القوى المدنية تراجع تكتيتي.
لماذا إذن نطرح السؤال؟ أعتقد ان هناك تحديا ضخما يواجه الدول.. هناك تحديات اجتماعية واقتصادية تستعصى على الحل من جانب أنظمة الحكم الموجودة، وجائحة كورونا ضاعفت من الصعوبات جراء ضعف الإنتاج والزراعة واحتياج الأسواق العالمية للمنتجات وليس النفط فقط، وهذه آثار طويلة الأجل حتى بعد تراجع الجائحة، والتي قد تستمر نحو سنتين، وأغلب الدول النامية لا تستطيع تعميم اللقاح حتى منتصف 2024 . نحن مسار شائك عالميا، خاصة في دول شمال أفريقيا في ظل الافتقار لراس المال اللازم للاستثمار، وتراجع الاستثمارات والإنتاجية وانكماش الطبقة الوسطى.
نشهد منذ يضع سنوات والآن المزيد من تضييق الخناق على القطاع العام في هذه الدول،.. وهناك مفارقة أن القطاع العام في مصر هو الركيزة السياسية للنظام منذ الخمسينات أما اليوم فهو المستهدف من جانب النظام الحالي، الدولة تضرب حلفاء الامس، وهذا نشهده في الجزائر وغيره، وفي المقابل فإن القوات المسلحة والأجهزة هي جزء من القطاع العام وهذه معادلة صعبة.
امام كل ذلك فإن الحراك الجماهيري الذي أطاح بالرؤساء من 2011 إلى 2019 كان جبارا ومثيرا للاعجاب ولكن يفتقر للوحدة والتماسك، والعمودي الفقري التنظيم، ويبدو من التجربة أن الحراك ليس قادرا وحده على مواصلة الانتقال السياسي ويعجز عن إرغام الأطراف الاخرى التي تحافظ على النظام السابق على التراجع والقبول بعملية تغيير أو إصلاح هيكلي بداخل النظام.
هذا لم يحدث وأعتقد مازلنا بعيدين، ربما السودان قريب، ربما في ليبيا، ولكن في ليبيا الآن ليس ورادا.
قبضة الحكم العسكري
بعد تقديم صلب أفكاري أدخل في التفاصيل: تقديري في الدول الأربعة ان القوات المسلحة لن تتراجع عن قبضتها على الحكم، وستعمل كل ما تستطيع للبقاء للاحتفاظ بالحكم أو بالتركيبة الحاكمة.
اعقتد أن المؤشرات التي يجب أن ننظر اليها في كل بلد أين نتجه وبعد سنة أو سنتين أو ثلاثة نستطيع التقييم، وهنا يجب أن ننظر لأربعة عوامل:
أولا: العلاقة بين الرئيس والقوات المسلحة، وتختلف من شكل وطريقة توازناتها من بلد إلي بلد.
ثانيا : الطبيعة الداخلية للقوات المسلحة وعلاقاتها بالأجهزة الأخرى يعني مدى وحدانية الدولة ومدى تشرذم أجهزة الدولة وهذا يختلف تماما.
ثالثا: العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص: هل القطاع الخاص يشكل حليفا أم خصما؟ وهنا السؤال: أين موقف القوات المسلحة في كل هذا؟
رابعا واخيرا: ما سيؤثر في مصر هو علاقة أهم الجهات السيادية المؤسسية (الرئاسة والقوات المسلحة) بأي من القوى الخارجية وقدرة هذه الجهات على التحالف، والاستمالة أو الاستفادة من دعمها الاقتصادي والمالي والدبلوماسي وما يحقق من توازن في الداخل.
أهمية التجربة المصرية
الآن ننظر لبعض الحالات وأسقط عليها رؤيتي في البلدان الأربعة:
يبدو واضحا أن القوات المسلحة في مصر والجزائر تعاملت مع الانتقال السياسي بارتباك أولي وهذا ما فتح مجالا أمام الحراك لينجح ويفتح فضاءً عاما للمطالبة بالانتخابات وطرح مشروع إصلاحي.. إلخ.
هنا التجربة المصرية مهمة جدا، لأن القوات المسلحة بعد استلامها في شباط / فبراير/ 2011 لم تكن متاكدة من وجهتها وأصرت على أنها قائدة المسار وأن تضع هي أجندة الانتقال، وهذا الاختلاف الكبير مع تونس، وهذا معاكس لها، حيث قال القوى المدنية في الأخيرة هي من تضع البرنامج.
والذي شهدناه في مصر والسودان أن القوات المسلحة لم تكن مستعدة لترك الزمام للمدنيين بل أصرت في مصر أن تكون الوحيدة التي تمسك الزمام، وباعتقادي أنها اختارت مسار الدفاع للحفاظ على الاستقلالية وبعض الموارد والامتيازات والقوى الخارجية، وكانت تخشى من إخضاع الميزانية للرقابة، ولم يكن متبلورا في البداية إن كان لديها طموح سياسي، فكانت تعمل عملية اختبار عبر وثائق شادي الغزالي، وهنا بدأنا نشعر بمرحلة وضوح للقوات المسلحة وكان هدفها صياغة نص تحصل فيه على وضع ومكانة فوق الدستور، ومن الملفت أنها حصلت على ذلك في النهاية بالدستور المعدل في 2019 بتقيين نص قانوني لها، وهذا دليل على توازنات وصراعات بين القوات والرئاسة.
الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي هو الفرد الأقوى بمصر دون منازع، ولكنه أيضا رهينة ائتلاف حاكم بمقدمته الجيش ووزارة الداخلية والقضاء وغير ذلك، وقراءتي لهذا المشهد أنه رغم أن السيسي عنده القبضة بتغيير مستمر للقيادة العسكرية المدنية بوضع صهره أو نجليه، وبالتالي يعرف كل الأسرار، وأكيد يهدد وبالتالي هو قوي، ولكن واضح أنه مضطر يتعامل مع "شلل" داخل القوات وهناك آخرون عندهم انتهازية سياسية ومالية، وواضح من نمط توزيع الترخيص عملية كسب ود شرائح وجماعات داخل الأجهزة، وهناك استمالة للابقاء على هذا الاتئلاف الحاكم دون برنامج، والرابط هو المصالح التي تدار بعملية تفأوضية، وأعتقد تم هذا مع تعديلات الدستور 2019.
بهذا لايستطيع أحد الاستقواء على السيسي، ولكن القوات المسلحة تضع لها سلطة ووضعا مميزا بالدستور، وبالتالي أي رئيس مقبل لا يستطيع التأثير عليها.
معسكران رئيسيان في ليبيا
في ليبيا وضع مختلف، الدولة لامركزية، معمر القذافي جرف الدولة والقوات المسلحة، وهذا مايفسر تشرذم قيادات القوات في 2011
هذا يعني أن ليبيا فيها معسكران رئيسيان: الجيش التابع لخليفة حفتر، وجيش ائتلاف مليشيات يتبع حكومة طرابلس، فعليا الطرفان لا يزيدان عن اتئلاف عجيب.. عشائرية رسمية قبلية بينها قيادات من نظام القذافي.
لو نظرنا خلف الستار سنرى التشرذم في الجهتنين بليبيا، لن تكون المؤسسة العسكرية وطنية موحدة بنظري لفترة طويلة، لأن أحد أسباب الحرب الاهلية في 2014 هو الصراع بين المتشرذمين، عقائديا إسلاميا، أو جهويا أو إثنيا، وهؤلاء يتوقع أن يكونوا جزءً من السلطة القادمة.
إذن العلاقة بين المؤسسة العسكرية والرئيس القادم ليست بين جهتين موحدتين، ولكن بين تركيبة سياسية أمنية وعسكرية فيها تناحرات وصراع، كما حدث في العراق في 2003، تركيبة ظرفية من توافق باتت في 2021 جبرية ودائمة.
ويدل ذلك على استمرار أهمية الجهات المسلحة في الحياة السياسية الليبية التي لن تشهد حكما مطلقا للمدنيين داخل نظام ديمقراطي، وسيظل الوضع صراعا طويل الأمد، ربما مع بعض القشور الديمقراطية، لكن أعتقد أن دور القوات المسلحة دائم في أحسن الأحوال، لأن الخطر الثاني أن تعود الدولة لحالة الصفر وحلبة الصراع المسلح.
هيمنة مرتقبة في السودان
بالنسبة للمشهد السوداني، نرى بعض ملامح المشهد الليبي، حيث الانقسام وكثرة الجماعات المسلحة والقوات شبه الرسمية، كالدعم السريع التي قمعت المواطنين ولكنها كانت من دعامات نظام البشير بجانب القوات المسلحة، ولها نظرية سلطوية بالتحالف مع المدنيين لتعدل الميزان في الصراع مع بعض الأطراف العسكرية.
القوات المسلحة نقلت السلطة لها بعد البشير، في تقدير أنها توسع نفوذها وتبقى كطرف مستقل في أقل تقدير أو تكون الطرف المهمين في المدى البعيد.
عودة لجزائر ما قبل بوتفليقة
أخيرا ننتقل للجزائر.. نشهد عودة للنمط قبل بوتفليقة، بإعادة القوات للخلف شيئا فشيئا وتقوية الرئاسة، وهذا ليس من أجل الديمقراطية ولكن لتقوية الرئاسة.
اليوم سهلت القوات المسلحة عودة الوضع السابق من وراء ستار من الحديث عن مطالب الجماهير والإيمان بالديمقراطية، فقامت فورا بإزاحة الجنرالات المتحالفين مع بوتفليقة، لم يريدوا بذلك تقليص دور القوات المسلحة، ولكن تقليص المنافسين، وبالتالي مع إبعاد بوتفلقية عادوا لينتقموا في لعبة كراسي موسيقية تدور في الجزائر بين أطراف عدة.
خارجيا يبدو المظهر كأن هناك جيشا جزائريا واحدا ولكن هنكاك تناقلات داخل الجيش خلال ستنين كلها تنم عن صراعات في الداخل.
صار رئيسا جديد ولكنه صار مجرد تعبير عن واجهة نظام قديم استعاد عافيته ولن يكون أكثر من واجهة
والقوات المسلحة الجزائرية أصلا عندها دور في الدستور، وهناك تعديلات دستورية تجسد استقلالها عن السلطة المدنية والرئيس، ولكن هناك محأولات بالجزائر ومصر تسعي لخلق ضمانات وصمامات أمان مستقبلية تحمي القوات المسلحة من اي تحولات سياسية لا تستطيع معها حماية نفسها أو لاتتنبأ بها.
صراع القوى داخل الأجهزة
العامل الثاني، مسار العلاقة بين المدنيين والعسكر سيتشكل بنمط ما بين داخل الأجهزة وفيما بينها.
في 2011، اضطر الرئيس السلطوي في السودان والجزائر للجوء للأجهزة والقوات المسلحة للتدخل لحفظ النظام، وبالحالات الأربعة كانت تلعب هذا الدور.
في اعتقادي، ليس من مؤشر سوى في ليبيا والسودان إلى حد ما لعلاقة متوازنة بين المدنيين والعسكر، ولكن في مصر والجزائر لا تخرج الصراعات عن سياق معين يمثل أزمة للنظام ولكنهم متفقون على بقاء النظام.
دور القطاع الخاص في التغيير
العامل الثالث، هل القطاع الخاص في كل بلد يشكل قوى اجتماعية، وبالتالي قوى سياسية تستطيع أن تكون حليفا مهما للنظام السلطوي وبالتالي القوات المسلحة أم هو منافس؟.
إذا نظرنا لتجربة البرازايل وتركيا وتشيلي، بكل هذه الحالات كان القطاع الخاص حليفا طبقيا للحكم العسكري، وفي باكستان ايضا.
ومع تحولات اقتصادية وصل الأمر بالقطاع الخاص - كما في تشيلي أو تركيا بالأمس- أن أصبح عمليا مفأوضا للطرف الآخر، وهو من يقول للعسكر إنهم يجب أن يسلموا السلطة.
بالدول الأربعة القطاع الخاص ضعيف ونمو مشوه، وبالتالي هو مهمش اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
بالنسبة لليبيا، القوى الخارجية لها دور مهم كبير، ومصير ليبيا في الأمد المنظور سيكون رهن التوازنات والتفاهمات، وبذلك تكون ليبيا كلبنان والعراق، لا تستطع إدارة مواردها وستخضع للاعتبارات الخارجية.
يدل هذا على أن القوى الداخلية في ليبيا ستلجأ إلى القوى الخارجية لمواجهة منافسيها في الداخل في ظل تحالفات مع تركيا وروسيا، عسى يستخدمها طرف مستقوى بالخارج ضد طرف مستقوى بالخارج.
بالنسبة لليمن، كان يديره عسكري هو علي عبد الله صالح، ويشهد اختلافات وهناك تشرذم كبير ولكن وضعه مثل وضع الدول الأربع.
مستقبل النظام في مصر
بمصر.. بتقييمي النظام الذي نشأ بعد 2013 نظام قوي ومتمكن من عناصر القوة.
النظام قادر على جلب دعم دبلوماسي واقتصادي وسياسي من الخارج، وباعتقادي ستستمر نقاط القوة لمدة 8 أو 10 سنوات، طالما لم يحدث تهديد وجودي حقيقي، في لحظة توقف اللعبة والهرم المالي، لبنان ومصر تعوم اليوم على المال الساخن، وفي اللحظة التي يتوقف فيها ستنهار المعادلة.
أيضا كل حلفاء النظام بمصر من أولاده، وهذا يعني أن النظام قوي بالمعني السلطوي وأيضا هش في اللحظة التي يتعرض فيها إلى تهديد وجودي حقيقي، مالي اقتصادي اجتماعي ، وليس من ثورة أو تمرد بالشارع لأنه لم يعد هناك وجود لنقابات وجماعات قادرة على القيام بما حدث في 2011.
والمأساة هنا أنه إذا لو جاء اليوم، وأرادت القوات المسلحة أن تخرج من المعادلة السياسية فلن تجد مع من تتفأوض للخروج، ليس هناك حليف اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي تتفأوض معه لترتيب الحكم إليه، ولو بشكل انتقالي جزئي، بعكس ما حدث في تركيا وتشيلي من اتفاق على صيغة الانتقال، لكن هذا الاحتمال معدوم، فهذا النظام أزال امكانية التفأوض أو الخروج من أي مازق يحدث في المستقبل وهذا خطر كبير عليه. وهذه هي المخاطر التي أراها في مصر ولكنها مازالت بعيدة.
وهل يمكن أن تقدم قوى المعارضة حوارا تصالحيا تشاركيا طالما بقي لنظام قويا؟
لا بديل لأي بلد من الحوار، وأخشى من تصرفات هذا النظام الذي خلق وضع اليس أمامه بديل سوى الانهيار أو الحرب الأهلية، ولا أعتقد ان مصر ستذهب لمآل ليبيا أو سوريا لكن هذه المجموعة الحاكمة ترى إما نحن أو الجحيم!
لكن على كل القوى السياسية بمصر في الداخل و الخارج تأن تطرح مشروعا للحوار، فليس هناك وقت للتنظيم السري، ولابد من العمل في العلن، ويجب أن نسمع عن مشاريع بديلة واضحة المعالم، ما هو مشروعي للاستثمار، للديمقراطية، للصحة العامة، للقطاع الخاص؟ لأنه حينما تكون القوى في الحكم تعرف مع من تتفأوض إذا أرادت التغيير، ولماذا سيكون البديل أفضل؟
الحوار ضرورة مع أطراف واضحة المعالم ولديها خطة انتقالية للحكم واضحة المعالم ومشاريع جادة في مختلف المجالات.
مسارات الوضع العراقي
مليشيات الحشد الشعبي هي مليشيات أو اتئلافات متناحرة، وأغلبها شيعية وأيضا هناك سنية.
فكرة اندماج الحشد في الجيش دون خضوع لنظام رواتب وتنظيم موحد، هذا تعبير عن ما حصل من تآكل في وحدوة الدولة العراقية وهويتها، وعدم الوصول لصياغة مقبولة للتحول من نظام سلطوي لصدام حسين إلي نظام آخر تعددي، واعتقد أن المسار الملتبس سيبقى لسنوات طويلة قادمة.