الحــروب الإعلاميــة ضد "الإخــوان" من 11 سبتمبر إلى طوفان الأقصى.. طبيعتها وتأثيرها

الاثنين - 23 ديسمبر 2024

  • في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 بدأت حرب ممنهجة على الإسلام بمستويين: عالمي وإقليمي
  • مأسسة الحرب الإعلامية على "الإخوان" بعد 2011 بتنويع المنابر التلفازية والصحافية والبحثية
  • بعد "طوفان الأقصى" وانهيار نظام "البعث" السوري نشطت الجهود الإعلامية للتشهير  بجماعة "الإخوان"
  • من المتوقع في المدى القصير استمرار حملات القمع والتشهير ونزع الشرعية خصوصاً في مصر
  • من المهم تأسيس إعلام مضاد يتصدى للتضليل الإعلامي بشقّيه الخارجي والداخلي برسائل موضوعية

 

إنسان للإعلام- قسم الدراسات:

مقدمــة:

لم تقم الحروب بمعزل عن الإعلام والدعايات والحروب النفسية، لحشد الرأي العام ورفع معنويات الجيوش، ومواجهة العدو وتحطيمه، وقد بقيت فنون الاتصال والإعلام على علاقة وثيقة بالحرب، وتكاد تتحول برمتها في العصر الحالي، الذي يتميز بالاتصالات والمعلوماتية، إلى الإعلام والدعاية، فالحرب في جوهرها تبادل منظم للعنف، والدعاية في جوهرها عملية إقناع منظمة، فإذا أمكن هزيمة الخصم دعائياً وإعلامياً فلا حاجة للحرب العسكرية ابتداءً.

وأصبح الإعلام اليوم -بدون شك- أداة رئيسة من الأدوات التي تروج للحرب، لأنها صارت تعتمد على الرأي العام الدولي والمحلي في تحقيق النصر عن طريق الإعلام الموجه والدعاية. ولا تقرر وسائل الإعلام الأمور التي يفكر فيها الناس فحسب ولكنها نجحت في توجيههم نحو الموضوعات التي ترغب فيها.

وقد أدى التطور التكنولوجي الهائل في وسائل الإعلام إلى عدة نتائج مهمة، من أبرزها: اختراق المعلومات للحدود السياسية للدول، وجعل للإعلام وجهان رئيسيان، فهو من جهة أداة تعسفية بيد القوى الكبرى، كما أنه أداة ووسيلة نضال بيد الشعوب المستضعفة من جهة أخرى، وبالتالي يمكن الاستفادة منه إن أُحسن استخدامه.[1]

وفيما يتعلق باستخدام وسائل الإعلام في الحرب على جماعة الإخوان المسلمين، يمكننا تقسيم الحروب التي شنتها الدول الغربية والعربية على جماعة الإخوان المسلمين، إلى حربين سابقتين، وهما الحرب (الدعائية) عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، والحرب (الإستئصالية) عقب أحداث الربيع العربي (2011)، إضافة إلى حرب قادمة يتم التسخين لها حالياً في أوروبا بعد عملية طوفان الأقصى 2023م، ومن المتوقع أن تنتقل للمنطقة العربية قريباً.

فبعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى" عاد الإخوان المسلمون لواجهة الأحداث مجدداً، وبدأت دوائر سياسية واستخباراتية أوروبية في التسخين لحرب جديدة ضد الجماعة على الأراضي الأوروبية، ويتوقع أن تنتقل هذه الحرب إلى دول المنطقة العربية عقب إنتهاء الطوفان تحت شعار تغيير التعليم وإطلاق معركة فكرية من أجل تعايش الأديان الإبراهيمية وتعزيز السلام ومكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط.

وتفترض هذه الورقة أنه " عقب كل أزمة كبرى في المنطقة العربية الإسلامية، تحدث حرب إعلامية على الإخوان المسلمين" تصاحب إستعمال الأدوات الأمنية والقانونية، أو موجات القمع الاستئصالية.

مفهوم الحرب الناعمة

يرتبط مفهوم الحرب الإعلامية بمصطلحات أخري مثل: الحرب النفسية، الحرب الدعائية، وسوف نستخدم في هذه الورقة مفهوم (الحرب الناعمة)، رغم أن الأمور وصلت في مصر، بعد الثورة المضادة سنة 2013م، إلى اتباع المنهج الإستئصالي بالوسائل القانونية والأمنية في بعض الحروب على الإخوان المسلمين.

ويعرف "جوزيف ناي" القوة الناعمة بأنها القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة.[2]

وقد اقتبس ناي ثنائية الصلب والناعم من التقسيم المعروف لتكوين أجهزة  الحاسوب الذي يتألف من أدوات ناعمة software وأدوات صلبة hardware، وهو التقسيم الذي راج في التسعينات إثر انتشار الحواسيب والإنترنت.

ويمكننا القول إن الحرب الناعمة هي عبارة عن استخدام الإعلام والتخطيط للتأثير على ثقافة العدو وفكره بما يخدم تفسيرات حماية الأمن القومي وتحقيق أهدافه، وكسر إرادة العدو الداخلي أو الخارجي.

أما الحرب النفسية، فيرى "فخري الدباغ" أنها شن هجوم مبرمج على نفسية وعقل العدو، سواء كان فردا أو جماعة؛ لغرض إحداث التفكك والوهن والارتباك فيه وجعله فريسة لمخططات وأهداف الجهة صاحبة العلاقة، مما يمهد للسيطرة عليه وتوجيهه إلى الوجهة المقصودة ضد مصلحته الحقيقية أو ضد تطلعاته وآماله في التنمية أو الاستقلال أو الحياد أو الرفض.[3]

وتبدأ معركة الحرب الناعمة أولا مع الرأي العام؛ تمهيدا للانقضاض على النظام، أما الحرب النفسية فتبدأ ضد النظام لتنتهي بالسيطرة على المجتمعات.

الحروب الثلاثة على الإخوان

يلاحظ في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، أن الحرب الإعلامية كانت على مستويين:

الأول: على مستوى عالمي يتعلق بالهجوم على الدين الإسلامي بشكل عام،  حيث لوحظ زيادة حملة العداء لكل شخص أو حركة ذات خلفية إسلامية، وقد خدم هذا الأمر مختلف وسائل الإعلام الغربية بداية من الامبراطوريات الإعلامية الكبرى (CNN ،CBS, FOX NEWS) وصولاً إلى شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وزادت المعالجات الإعلامية من "الإسلاموفوبيا" (الرهاب من الإسلام)، وهي ظاهرة قديمة يرجعها البعض إلى زمن الحروب الصليبية واستمرت حتى الوقت الراهن.

الثاني: على مستوى إقليمي وخليجي، حيث سعت حكومات عربية وخليجية وأوساط بحثية وثقافية علمانية إلى تجذير فكرة أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي قدمت السردية والإطار المفاهيمي لتنظيم القاعدة والجماعات الأخرى الأكثر عنفًا، وبالتالي كانت المصدر الأساسي لذلك التهديد، وفي هذا الإطار أدار القادة الإماراتيون عملية تطهير ممنهجة للجماعات الجهادية والإسلامية في مجتمعاتهم، فطردوا المعلمين الإسلاميين، وأعادوا كتابة مناهج الكتب المدرسية. والأهم من ذلك، أن الإمارات بدأت بوضع وترويج سردية معادية للإسلاميين إضافة إلى نموذج بديل يقوم على التسامح والتعايش والانفتاح الاجتماعي، ولكن ليس على الديمقراطية أو التعددية السياسية.[4]

أما في إطار الثورات المضادة، التي تبعت ثورات الربيع العربي عام 2011م، فقد استهدفت عدة حكومات الجماعة بحرب سياسية وأمنية وثقافية وقانونية من دون هوادة حتى الآن، وامتزج هذا المستوى بمستوى أيديولوجي آخر لم يفرق بين عقائد جماعة تنتمي للإسلام وبين الدين نفسه، حيث شنت حكومات حرباً أيديولوجية تعيش على السرديات الغربية، في محاولة كسب الحرب الأيديولوجية – السياسية مع الإخوان، من دون إطلاق رصاصة واحدة.[5]

وفي هذه الحرب انضمت السعودية والإمارات إلى حملة النظام المصري، فضمّت الرياض جماعة الإخوان إلى لائحتها الخاصة بالمنظمات الإرهابية، وقيَّدت الدعم المحلي للجماعة، ويعكس دعم السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الثابت والقوي للنظام المصري، مدى توجّسهما من الصعود الإيديولوجي والسياسي للإخوان في المنطقة.[6]

وفي خضم الحرب الشاملة، الأيدولوجية والسياسية، التي تزامنت مع مشاكل تنظيمية للإخوان، تبنت غالب المقاربات أطروحة ما بعد الإسلام السياسي، وكانت ترى أن المشروع الذي حملته الحركة وبشرت به، قد وصل إلى طريق مسدود، ومُني بالفشل الذريع، وأن معطيات الواقع وإكراهاته تجبر تلك الحركات والأحزاب الإسلامية على تحولات جذرية، وإجراء تغيرات أساسية للتكيف والتواؤم مع واقع ما بعد الإسلام السياسي.

 لكن تلك الأطروحة لم تصمد طويلا كنموذج تفسيري في فهم وتحليل ظاهرة "الإسلام السياسي"، إذ جاء "طوفان الأقصى" ليعيد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى صدارة المشهد الإسلامي، وهي الحركة التي خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وإليها تنتمي، ومن ثم مد سائر حركات الإسلام السياسي بماء الحياة، وإعادتها للمسرح السياسي من جديد.[7]

ثم جاء انهيار النظام السوري البعثي وسيطرة الإسلاميين -مبدئيا- على إدارة المشهد الانتقالي لمنظومة الحكم الجديدة، ليؤكد تصدر الإسلاميين مشهد التغيير في المنطقة.

وما بين مآلات الربيع العربي، وما تعرضت له حركات الإسلام السياسي من قمع وملاحقات واعتقالات، وبين تداعيات طوفان الأقصى والتغيير الجذري لنظام الحكم في سوريا، "أكدّت معطيات الواقع أن حركات الإسلام السياسي ما زالت تمتلك رصيداً شعبياً واسعاً، وأنها قادرة على الفعل والتأثير".[8]

وبالتزامن مع حملات القمع والوصم بالإرهاب في الدول العربية، اصطفت الكثير من الدول الأوروبية، مع إسرائيل، في حرب الإبادة والتجويع التي تلت عملية طوفان الأقصى فضلاً عن تنامي اليمين المتطرف في العديد من تلك الدول، الذي يخوف من المهاجرين العرب والمسلمين ويتهمهم بتأييد تنظيمي داعش والقاعدة في سوريا والعراق.[9]

وبدأت أجهزة استخبارات أوروبية في التضييق على المؤسسات الإسلامية القريبة من الإخوان في غرب أوروبا في حرب جديدة بدأت من أوروبا وسيكون لها ارتدادات في المنطقة العربية.

طبيعة الحرب: الوسائل والرسائل

طوال الحربين السابقتين والحرب الحالية، حاولت الرواية الرسمية إقناع الرأي العام أن الإسلاميين جزء من مؤامرة دولية، لإعادة تصميم المنطقة: تقسيم بعض الدول، وإعادة رسم حدود أخرى، والأهم من ذلك تقويض الدولة القومية العربية العلمانية، وسعت الدول إلى محاربة مشروع الأسلمة في جميع أشكاله؛ حتى أصبح الأمر بالنسبة إلى أجهزة تلك الدول مهمةً وطنيةً «لإنقاذ» بلدانهم.[10]

وفقاً لذلك، تحولت استراتيجيات التحجيم للحركات المعتدلة، وفي مقدمتها "الإخوان المسلمين" -وخصوصاً في مصر- والتي ترتكز على الحرب الدعائية، إلى تقويض المعين الاجتماعي لهذه الحركات، من خلال مطالبتها بمراجعة أفكارها جذريا، وصولا إلى المطالبة بحلها وإدماج أفرادها في المجتمع "من أجل التغيير والديمقراطية ودمج الحركات الإسلامية السلمية في بنية الدولة الوطنية باعتبارها تشكل جداراً واقياً من التطرف والعنف والإرهاب".[11]

وبعد 11 سبتمبر، وظفت الإمارات العربية فكرة أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي قدمت السردية والإطار المفاهيمي لتنظيم القاعدة والجماعات الأخرى الأكثر عنفًا، وبالتالي كانت المصدر الأساسي لذلك التهديد.

وبدأت الإمارات بعملية تطهير ممنهجة للجماعات الجهادية والإسلامية بشكل عام، وروجت سردية معادية للإسلاميين، وتبنت في الوقت ذاته نموذجا بديلا يقوم على فكرة التسامح والتعايش والانفتاح الاجتماعي، وكل ذلك في إطار مخاوف من زعماء دول عربية وخليجية من أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد استبدال الأنظمة المتسلطة بحكم جديد تكون فيه الحركات الإسلاميين مكونا رئيسا في دول المنطقة.

وعلى عكس جارتها الصغيرة، لم تكترث المملكة العربية السعودية في البداية لهجمات 11 سبتمبر، على اعتبار أنها ليست مشكلة سعودية، على الرغم من أن 15 من المتهمين التسعة عشر كانوا سعوديين، وكان زعيم القاعدة أسامة بن لادن مناهضاً للحكم السعودي، وساد اعتقاد بأن الرياض لا تتحمل المسؤولية الفعلية على الرغم من وجود مكون سعودي كبير مشارك في تلك الهجمات، على اعتبار أن هذا المكون لم يكن حينها في السعودية وإنما في أفغانستان، وتم تنظيمه في هامبورج، وتم التنفيذ في الولايات المتحدة.

بالرغم من ذلك، فإن مزيجًا من الضغط والغضب الأمريكي، وهجمات القاعدة داخل السعودية سنة 2003،[12] فضلاً عن وجود نفس المخاوف من ضغوط أمريكية باستبدال وتنظيم الأنظمة السلطوية غيرت الموقف السعودي بشكل كبير.

وخلال الحرب الإعلامية الأولى، بعد أحداث 11 سبتمبر، تم استخدام وسائل الإعلام والدعاية في التضليل وتضخيم الأحداث بهدف حصار الإسلاميين والإخوان بشكل خاص، من خلال التالي: الانتقاء، الحجب، الإضافة، التكرار، اعادة الصياغة، استخدام الأرشيف.[13] وغيرها من الوسائل الدعائية والإعلامية التي خلقت وعززت ما يمكن تسميته "الإخوانوفوبيا".

وعندما جاءت ثورات الربيع العربي، برهنت جماعة الإخوان المسلمين أثناء وعقب الثورات العربية أنها قوة إصلاحية لا مجال للتغلب عليها عبر صناديق الاقتراع، ولا يمكن تجاهل نفوذها وشعبيتها في المجال العام، وهو ما أدى إلى مخططات دولية وإقليمية وداخلية نجحت في نهاية المطاف في الإطاحة بها عبر الانقلابات، بصيغ وتكتيكات عسكرية صريحة.[14]

وتزاوجت هذه التكتيكات العسكرية، مع الحملات الأمنية القمعية والحرب الثقافية والهجمات الإعلامية التي جعلت الإخوان المسلمين شماعة لكل شر أو فشل أو أزمة، ورغم الانتصار التام للثورة المضادة فإن اسم الجماعة ما زال يتردد إعلامياً في إطار القولبة والتنميط.

وبالوصول إلى معركة "طوفان الأقصى" وانهيار نظام "البعث" السوري، نشطت الجهود الغربية للتضييق على الإسلاميين، ومن ذلك ما بدأته ألمانيا بعد "الطوفان" بسن قانون يمنع مَن ارتكبوا أفعالاً معادية للسامية من الحصول على الجنسية الألمانية، ومن البديهي أن تمرير قانون كهذا سيسمح بحظر الكثير من المنظمات والجمعيات بتهمة دعم حماس والإخوان، وبالتالي معاداة السامية، وطرد الكثير من المؤيدين لحماس أو المنتمين تنظيميا للإخوان بشكل عام، أو حرمانهم من الجنسية.[15]

القولبة ونزع الشرعية

لم يقتصر الانقلاب على الإخوان المسلمين في مصر على عزلها سياسياً عن الحكم والسلطة، بل تطور إلى حملة منسقة لنزع الشرعية القانونية عن الجماعة أسفرت عن تصنيفها "حركة إرهابية"، ولم تقف عمليات نزع الشرعية عن الجماعة على وجودها في مصر، بل امتدت إلى بلدان عربية وخليجية، وانسحب ذلك على الحملات الإعلامية التي تصف الجماعة بأنها "إرهابية" طوال الوقت.

ومن المفارقة أن الإخوان المسلمين شكلوا خلال الربيع العربي تحدياً أساسياً للحركات الجهادية والأنظمة السلطوية، فقد تمكنوا من الوصول إلى سدة الحكم وفق آليات ديمقراطية تمثل الإرادة الشعبية بانتخابات حرة نزيهة، وأطيح بهم عسكرياً بحجة إنقاذ الثورة والديمقراطية التي استولت عليها ما أطلقوا عليه "الفاشية الإسلامية"، من خلال تبنى استراتيجية "الحرب على الإرهاب" وأدت الثورات المضادة بما تشمله من انقلابات على الديمقراطية إلى إفساح المجال لتقدم الحركات المسلحة العنيفة و"عسكرة الثورات العربية في سوريا وليبيا، وتخريبها في اليمن وتطييفها في العراق".[16]

وحققت الدول العربية التي لها عداء مع الإخوان هدفها بتراجع الاستراتيجيات الدولية والمحلية التي تعتبر الإسلام السياسي حالة اعتدالية سلمية تناهض الراديكالية العنيفة، والتي سادت عقب 11 سبتمبر 2001، فاهتزت رهانات الإدماج، وتبدلت الأطروحات مثل مقاربة «جدار الحماية» ضد التطرف، وتعاظمت مقولات «الحزام الناقل» للعنف.[17] وبالامكان القول إنه كان لدولة الإمارات العربية و"إسرائيل" الدور الأكبر في الدعاية ضد "الإخوان"، من خلال نفوذهما في واشنطن عبر اللوبيات وشركات الدعاية وشبكة العلاقات السياسية والفكرية والعسكرية.

ومع تحول مصر إلى استراتيجية "الإستئصال" أمنياً وفكرياً، أصبحت السعودية أقرب إلى منظور الإمارات في موقفها من الإخوان المسلمين، وانضمت إليها في اعتبار جماعة الإخوان المسلمين تهديداً إقليمياً رئيسياً، وساعدت في دعم انقلاب 2013 في مصر، وصنفت الدولتان، بالإضافة إلى مصر، جماعة الإخوان المسلمين، رسمياً على أنها "منظمة إرهابية" في عام 2014، كما كان الخلاف حول "الإخوان" هو القضية الرئيسية التي أدت إلى انفجار الخلاف مع قطر، ثم مقاطعتها من يونيو 2017 إلى يناير 2021.[18]

وبالانتقال إلى مرحلة الحرب بعد عملية طوفان الأقصى، يذهب اتجاه إلى أن هذه التطورات المصاحبة للحرب على غزة والمقاومة الإسلامية ستؤدي إلى حصار المنظمات الإسلامية في أوروبا التي تتبنى النهج الرسالي للإخوان المسلمين، وستضعف من تواصلها وتأثيرها في الجاليات الإسلامية.

وإذا كان ذلك هو الوضع في أوروبا، فإن إتجاهاً آخر يرى أن عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس أعادت جماعة الإخوان المسلمين إلى الواجهة مجدداً بعد أفول الحركات الجهادية العنيفة في سوريا والعراق، وفشل الدول العربية في قضيتي التنمية والديمقراطية.

وتقول سرديات ثقافية وبحثية تابعة للدول المحاربة أن عودة أنشطة الإخوان المسلمين سوف تعيد الروح لتجنيد العناصر لتنظيمي داعش، وهذا مردود عليه بأن ما يثير الانقسامات الاجتماعية في الدول وبروز التنظيمات الجهادية ليس الأنشطة الداعمة للمقاومة، بل إحباطات جيل الشباب من عدم وجود أي أفق لهم في بلادهم، بسبب القمع والنمط التنموي الذي يعزز التفاوت الطبقي والفقر.

وإذا كان من المتوقع أن تشكل الحرب "الإسرائيلية" على غزة والتحول الحاصل في سوريا فرصة جديدة للإخوان المسلمين للصعود إلى المشهد السياسي والاجتماعي في العالم العربي، فإن وجودهم في أوروبا قد يتعرض لمزيد من الحصار مع إدراج الأفراد والكيانات التابعة للجماعة على قوائم الإرهاب، تحت شعار التعاون مع الدول العربية في مواجهة الإرهاب.

إن حالة الرعب التي دبت في أوصال النظم الاستبدادية من موجة ثانية لحركات الإسلام السياسي؛ تقوم على الخشية من تشكّل نموذج جديد على شاكلة "حماس"، وهذا مردود عليه أيضاً بأن حماس تختلف عن الحركات الإسلامية الأخرى بخصوصية العمل في نطاق حكم استعماري. وقد تطورت "حماس" من حركة إحيائية دعوية إصلاحية إلى حركة مقاومة إسلامية عسكرية، وهي تجمع بين العمل الديني الإصلاحي الدعوي والاشتغال السياسي والمدني والعسكري.[19]

ومن المتوقع على الصعيد العربي في المدى القصير استمرار حملات القمع ونزع الشرعية القانونية، وخصوصاً في مصر التي تقع تحت حكم عسكري لا يعترف بالسياسة كأداة لحل الخلاف أو الصراع، وبالتالي تستخدم فالجماعة فقط كفزاعة من أجل ابتزاز الداخل والخارج.[20]

أما على المديين المتوسط والبعيد، فتتراوح الخيارات بين فرض الإذعان والاستسلام وبين الدمج النسبي، وفقاً للظرف الدولي والإقليمي والوطني، حيث تقود الدول العربية مبادرات "لبرلة" على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لن تقود لتغيير إيجابي في منطقة لديها موارد هائلة وتعاني من وقوعها تحت ما يسمى خط الكفاف الإنساني، بما قد يضغط على هذه الدول لتغيير مواقفها من الإخوان المسلمين.

مدى تأثر الجمهور

بعد ثورات العربي اتبعت بعض الدول وسائل الاقتلاع الأمني ونزع الشرعية القانونية، إضافة إلى مجموعة من الأساليب الاعلامية والدبلوماسية والاقتصادية والنفسية بهدف تحييد التأييد الداخلي وشيطنة الإسلاميين الذين فازوا بالأمس ووصلوا للسلطة بشرعية شعبية إنتخابية.

وتم مأسسة الحرب الإعلامية من خلال تنويع المنابر التلفازية والصحافية والبحثية، وفي هذا الإطار أنشئت مواقع مستقلة كل محتواها يركز على الإسلام السياسي على غرار "أمان" الذي يتبع مؤسسة وصحيفة الدستور، و"المرجع" التابع لصحيفة البوابة نيوز، وبوابة الحركات الإسلامية المنبثقة عن نفس الصحيفة، إضافة لمنصات تابعة لمواقع مثل "المراقب" الذي يتبع مؤسسة "ذات مصر".[21]

وفي الإمارات، برزت مواقع ومراكز لهذا الغرض، مثل "حفريات" و "مركز تريندز للبحوث"

وتقدم الصحافة المتخصصة في شؤون "الحركات المتطرفة" نوعاً من الإعلام يستهدف نشر دراسات وتحليلات[22] تستند لآراء منشقين متحيزين أو باحثين علمانيين من خصوم الإسلاميين. ورغم أن شعبية هذه المواقع لا تزال مترنحة، إلا أنها أصبحت مصدر الكثير من وسائل الإعلام التقليدية، وتتم قراءة أجزاء منها في برامج كبرى، وإعادة نشرها في صحف يومية.

كذلك، بالرغم من أن النظام المصري اعتبر أن جماعة الإخوان ميتة إلا أنها ما زالت حاضرة باستمرار في الخطاب الإعلامي للدولة المصرية، وحاضرة كذلك في الخطاب السياسي إذ لا يتوقف "السيسي" عن مخاطبة المصريين بخصوص فترة حكم الإخوان وما تلاها، ما يطرح تساؤلاً حول دقة توصيف جماعة الإخوان بكونها ميتة، فضلا عن ماهيّة مراحل ضرب أجهزة الدولة للجماعة منذ تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك.

حرب على الدين أم الإسلاميين؟!

تشكل عودة الإسلام إلى مسرح الأحداث العالمية والإقليمية،  من خلال الحركات الإسلامية وفي مقدمتها "الإخوان المسلمون"، نقطة البداية لتأجيج خطاب يخيف من الإسلام، يقوم بإنتاجه خبراء في الغرب، وتتولى وسائل الإعلام الترويج له وتقديمه وفق نموذج نمطي، تتكثف فيه وحدات ذهنية ضاربة في القدم، تشكلت مع الخطاب الكنسي حول الإسلام في القرون الوسطى، وهكذا أصبح الإسلام والحركات التي تنتسب إليه وعاء لكل ما لا يُرغب فيه، ولكل ما يخاف منه الغرب.

ونتيجة لهذا الواقع أصبح الوعي الغربي -وفق آخر استطلاعات الرأي- يربط بشكل مباشر بين الإسلام والمسلمين من جهة وبين العنف والإرهاب من جهة أخرى، ولا يملك إلا صورة نمطية سوداء عن العرب والمسلمين، تم ترويجها بواسطة أحدث تقنيات الإعلام والاتصال، من فضائيات وصحف ومجلات وإنترنت ووسائط متعددة. [23]

ورغم أن الحركات الإسلامية هي أحد تمثيلات الدين الإسلامي، وربما يعتبرها البعض امتداداً للدين نفسه في التاريخ الحديث إلا أن هناك فضائين مختلفين للحروب على الدين أو على الإخوان المسلمين، الأول يعتمد على الهجوم والتشويه، ويأخذ مسلكين: الأول هو تشويه الإسلام عقيدة وشريعة وفكراً وتراثاً وتاريخاً، وينهض بهذا النشاط أعمال المستشرقين والمبشرين ومراكز الدراسات المتخصصة، أما المسلك الثاني فيقوم على الترويج للمبادئ المناوئة للإسلام والتعاون مع منظمات هذه المبادئ.[24]

ومنذ أحداث 11 سبتمبر وحتى الآن أصبحت عولمة "الإسلاموفوبيا" صناعة إمبريالية غربية رائجة، وبعد الانقلاب على ثورات الربيع الغربي أعيد تشكيل النظام العربي باستبعاد أي شكل من عملية "تسييس الإسلام"، والانتقال إلى إدماج الكيان الصهيوني في المنطقة، حيث استثمر الكيان في حالة الرهاب المصطنع من الإسلام وكراهية المسلمين وربطهم بالعنف والبربرية والإرهاب؛ في تشبيه عملية "حماس" في السابع من أكتوبر بهجمات "القاعدة" في الحادي عشر من سبتمبر، وتمت مقارنة حركة "حماس" بتنظيم "داعش"، باعتباره التجلي المطلق للإرهاب الإسلامي.[25]

أما الفضاء الآخر الذي تجري فيه الحروب على الإخوان المسلمين، فهو سياسي بامتياز ويتعلق بالصراع على السلطة ورغبة النظم الحاكمة في التأبيد فيها، ولذلك تسمح للعلمانيين المتطرفين بتحويلها إلى معركة أيدولوجية ضد الدين الإسلامي نفسه.

ومن المتوقع أن تتحول الحرب السياسية إلى المجال الفكري بعد عملية "طوفان الأقصى" والتحولات في سوريا، التي ولدت في لحظة تاريخية شهدت تراجع الحركات الإسلامية منذ الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي"، وفي حقبة تاريخية تماهى فيها الخطاب السلطوي الرسمي العربي مع المقاربة الصهيونية والإمبريالية الغربية، وتناسى أسباب العنف "الإسرائيلي" في غزة،[26] والمعاناة الإنسانية الرهيبة في سوريا.

خاتمة

لتأسيس إعلام مضاد يتصدى للتضليل والتزييف الإعلامي بشقّيه الخارجي والداخلي، تحتاج جماعة الإخوان المسلمين إلى أربعة أنواع من الرسائل الإعلامية: رسائل موجهة إلى الداخل، ورسائل موجهة إلى الخارج، ورسائل موجهة إلى أطراف أخرى محددة، ورسائل موجهة للخصوم، ولكل نوع من هذه الرسائل مهامها ووظائفها، وموضوعاتها، وأساليب وطرق معالجتها وسبل وأشكال وصولها وتأثيرها، وبالتالي "يجب على الادارة الإعلامية إدراك هذه الحقائق أثناء التخطيط لمواجهة الحرب وأثناء ممارسة الإعلام لمهامه في المراحل المختلفة لتطورها".[27]

وهناك مصطلح فقهي يتلخص في كلمتين: “التخلية ثم التحلية”، ويعني فقهياً أنه لابدّ من تخلية الإناء قبل ملئه مرّة ثانية، لأنه بإعادة ملئه قبل تطهيره ستكون الخسارة مضاعفة، خسارة الإناء، والشراب المتلوّث به.[28]

التخلية أوّلاً، بفضح أساليب التضليل الإعلامي، وتوعية الناس بالوسائل المستخدَمة للتأثير عليهم، والتحلية ثانياً، بتأسيس إعلام حديث، وبزخم قوي يعيد اللحمة للأوطان، ويروج لكل ما من شأنه توحيد الأمة.[29]

وتوصي هذه الورقة بأن يتحلى الخطاب الإعلامي بالموضوعية، أي أن يكون الرأي مصحوباً بتحليل سياسي نزيه، الأمر الذي يستشعر معه المتلقي احتراماً لعقله ووقته، كون الموضوع طرق من كل أبعاده، وما عليه إلاّ أن يختار ما يراه صواباً وحقاً عملاً بقوله تعالى: " ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى".[30]

كما توصي بأن تستقطب القنوات الإعلامية والمواقع والصحف التابعة للجماعة رموزاً إعلامية تعطي صدقية وحيادية مع الابتعاد عن مشاهير "السوشيال ميديا" الذين يلعبون على وتر العاطفة والغرائزية السياسية.[31]


المصادر:

[1] . د. نادين كحيل: دور وسائل الإعلام في إدارة الأزمات الدولية: حرب غزة نموذجاً، مركز المتوسط للدراسات الإستراتيجية، https://short-link.me/OOGg

[2] . جوزيف ناي: القوة الناعمة، الرياض - كتبة العبيكان 2007 ص ص 12 - 20. 

[3] . د. احمد نوفل.: الحرب النفسية، القاهرة - دار الفرقان، ط 1، 1989، ص 34.

[4] . حسن إبيش: توابع "زلزال" 11 سبتمبر تواصل تشكيل العلاقات الخليجية-الأمريكية، معهد دول الخليج العربية في واشنطن، https://short-link.me/OV0R

[5] . لماذا انفجر الخلاف بعنف بين "الإخوان" وبعض دول الخليج؟، موقع سويس إنفو، https://short-link.me/OV3t

[6] . أشرف الشريف: الإخوان المسلمون ومستقبل الإسلام السياسي في مصر، وقفية كارنيجي للسلام الدولي، https://short-link.me/OV1E

[7] . بسام ناصر: "ما بعد الإسلام السياسي" بين مآلات الربيع العربي وتداعيات طوفان الأقصى؟، موقع عربي 21، https://short-link.me/OV3a

[8] . بسام ناصر: "ما بعد الإسلام السياسي" بين مآلات الربيع العربي وتداعيات طوفان الأقصى؟، مرجع سابق.

[9].  صوت الإخوان يرتفع في الدول العربية ويخفت في أوروبا، المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية، https://tinylink.info/LXd4

[10] . طارق عثمان: مأساة الإسلام السياسي: قرن من التجارب مع الحداثة، تقرير القاهرة للشؤون العالمية، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، https://short-link.me/OPJK

[11]. المرجع نفسه.

[13].  م. د كامل القيم: حرب الرموز وتسويق مثيرات العنف والإرهاب "رؤية في تسويق الدعاية والحرب النفسية لتنظيم داعش"، مجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية، المجلد 5، العدد 2، ص 260.

[14]. المرجع السابق.

[15]. المرجع السابق.

[16]. المرجع نفسه.

[17]. المرجع نفسه.

[18]. حسين إبيش: توابع "زلزال" 11 سبتمبر تواصل تشكيل العلاقات الخليجية-الأمريكية، مرجع سابق.

[19] . حسن أبو هنية: تحدي حركات الإسلام السياسي بعد "طوفان الأقصى"، موقع عربي 21،  https://short-link.me/Mrru

[20] . مصر: حرب النظام العقيمة ضد الإخوان المسلمين، https://short-link.me/Msvu

[21] .  أحمد حافظ: التغيرات الدولية تنشط الحرب الإعلامية ضد التيارات المتطرفة في مصر، صحيفة العرب 8 مارس 2021.

[22]. المرجع السابق.

[23]. قراءة في كتاب "الإسلام والإعلاموفوبيا-الإعلام الغربي والإسلام: تشويه وتخويف، https://tinylink.info/OfdC

[24] . الحملات الإعلامية ضد الإسلام وطرق التصدي لها، مجلة دعوة الحق، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- المغرب، https://short-link.me/Mrs9

[25]. حسن أبو هنية: تحدي حركات الإسلام السياسي بعد "طوفان الأقصى"، موقع عربي 21،  https://short-link.me/Mrru

[26]. المرجع السابق.  

[27] .   د. نادين كحيل: دور وسائل الإعلام في إدارة الأزمات الدولية: حرب غزة نموذجاً، مرجع سابق.

[28] . الإعلام والسياسة ودورهما في تعميق الخلافات بين المسلمين، موقع جمعية التجديد الثقافية، https://short-link.me/OOEb

[29] . المرجع السابق.

[30].  محمود عبد السلام: الإعلام الإسلامي بين الواقع والطموح، https://tinylink.info/LU7K

[31].  المرجع السابق.