الخلاف السعودي-الإماراتي يضع البلدين في مواجهة قد تطول

الأحد - 11 يوليو 2021

حرب أسعار في سوق النفط تلوح في الأفق.. نعم ، لكن المصالح العالمية في سوق النفط أكبر من الخلاف السعودي – الإماراتي. لذلك فإن حرب الأسعار، إن وقعت، فإنها لن تستمر طويلا، لسببين، أولهما أن الدول الصناعية بما في ذلك الولايات المتحدة تفضل الاستقرار على التوتر. والثاني هو أن الإمارات، التي فجرت الخلاف لن تستطيع الصمود في حرب أسعار، في مواجهة السعودية وروسيا مجتمعتين، وستضيع على نفسها وعلى الآخرين فرصة الاستفادة من التعافي الاقتصادي، وحرمان المنتجين من جني أرباح عالية في فترة قوة الطلب وتوقعات ارتفاع الأسعار إلى 80 دولارا على الأقل مع نهاية العام الحالي. النفط خسر خلال أيام قليلة حوالي 6 في المئة من قيمته، وذلك على الرغم من مؤشرات قوة الطلب.

 هذا الهبوط لا يعكس حقائق السوق بقدر ما يعكس تأثير الخلاف داخل أوبك. وسيكون استمرار الخلاف محركا للمزيد من عدم الاستقرار وتقلبات الأسعار.

اتفاق تخفيض الإنتاج

وكان اتفاق تخفيض الإنتاج بنسبة 10 في المئة في العام الماضي قد جاء لإنقاذ السوق من الانهيار، بعد أن أدت حرب الأسعار بين روسيا والسعودية، وتداعيات الانكماش الاقتصادي العالمي إلى هبوط أسعار العقود في شهري اذار/مارس ونيسان/أبريل إلى ما دون 10 دولارات للبرميل، وسجلت تسويات عقود خام غرب تكساس في الولايات المتحدة قيمة سلبية لأول مرة في التاريخ. ومع تعافي الاقتصاد في الدول الصناعية، فإن أوبك بقيادة السعودية، وشركاءها بقيادة روسيا، أخذوا في إطلاق مزيد من النفط في السوق، بما قلل كمية التخفيضات السارية من 9.7 مليون برميل يوميا إلى 5.8 مليون برميل يوميا في الوقت الحاضر. ويترافق الخلاف الإماراتي – السعودي مع المراجعة الحالية لاتفاق التخفيضات، وهي المراجعة التي تهدف إلى إطلاق مزيد من النفط في السوق، بواقع 400 ألف برميل يوميا كل شهر، بما يضيف إلى المعروض العالمي 2 مليون برميل يوميا حتى كانون الأول/ديسمبر المقبل. وقد تضمن الاقتراح السعودي الروسي ربط زيادة المعروض في السوق بموافقة الدول المنتجة على تمديد العمل باتفاق ايار/مايو 2020 إلى نهاية العام المقبل، بدلا من نيسان/أبريل.

الرفض الإماراتي

رفضت الإمارات الاقتراح السعودي- الروسي لأربعة أسباب، الأول اتهام السعودية وروسيا بالمبالغة في حصة كل منهما على حساب الدول الأخرى. والثاني هو المطالبة بإعادة احتساب حصة الإمارات عند نقطة أعلى من تلك التي تم على أساسها اتفاق نيسان/ابريل، والتي تبلغ 3.1 مليون برميل يوميا، حسب متوسط إنتاج تشرين الأول/أكتوبر 2018 الذي تم على أساسه احتساب حصص الإنتاج وكمية التخفيضات لجميع الدول المنتجة. وتبلغ الحصة الأساس التي تطالب بها الإمارات 3.85 مليون برميل يوميا. والسبب الثالث هو رفض الربط بين تمديد الإتفاق وبين زيادة الإنتاج في شهر آب/أغسطس، على أن تدعو أوبك فيما بعد إلى اجتماع مستقل لمناقشة موضوع الحصص. أما السبب الرابع فهو رفض تمديد العمل بتخفيضات الإنتاج إلى ما بعد نيسان/أبريل 2022 وذلك على خلاف رغبة السعودية وروسيا في تمديد العمل بالاتفاق إلى نهاية كانون الأول/ديسمبر 2022.

ويبرر وزير النفط الإماراتي سهيل المزروعي طلب زيادة حصة الإنتاج بأن دولته أنفقت استثمارات ضخمة لتطوير القطاع النفطي، خلال الفترة منذ العام 2018 حتى الآن، وأن طاقة الإنتاج الجديدة يجب أخذها في الاعتبار. وفي حال احتساب حصة الإمارات الأساسية عند 3.85 مليون برميل يوميا، سيعني عمليا زيادة حصتها الإنتاجية أكثر من 2.7 مليون برميل الممنوحة لها، على أن ينتهي العمل باتفاقية تخفيضات الإنتاج بعد ذلك طبقا للمقترح الإماراتي. أي أن إعادة تقدير حصة الإمارات سيمنحها زيادة مشروعة، طبقا للاتفاق بكمية تصل إلى 1.15 مليون برميل يوميا، في حين ستكون على الدول الأخرى، بما فيها السعودية وروسيا، تخفيض إنتاجها بكميات أكبر للوفاء بشروط الاتفاق.

الرد السعودي

ارتكز الرد السعودي على حجتين عرضهما وزير النفط السعودي عبد العزيز بن سلمان، الأولى أن الدول المنتجة ما تزال في حاجة للعمل باتفاق التخفيضات، نظرا لظروف هشاشة السوق، وضعف احتمالات التعافي الاقتصادي، ومن ثم ضرورة ربط زيادة الإنتاج بتمديد العمل بالاتفاق حتى نهاية العام المقبل، لتجنب حدوث انهيار جديد في الأسعار. والحجة الثانية تتعلق مباشرة بحصة الإمارات، إذ قال أن الإمارات قبلت بالحصة المعمول بها طبقا للاتفاق منذ تم اقراره والعمل به، وتساءل لماذا لم تعترض على الحصة وتطالب بتعديلها من قبل؟ وأكد وزير النفط السعودي، بناء على دراسة فنية أعدتها أوبك، أن أوضاع السوق لم تتحسن بالقدر الكافي بعد، وأنها ما تزال تعاني من حالة من عدم اليقين وضعف الاستقرار. وحذر في منتدى النفط الروسي في أوائل الشهر الماضي من الإغراق في التفاؤل، كما حذر بيوت المعاملات النفطية المتخصصة في شراء وبيع العقود، من المضاربة على النفط. وقال إنه يتعين أولا أن تتحقق زيادة مستقرة في الطلب، قبل أن تستجيب أوبك لذلك بزيادة الإنتاج.

حرب اقتصادية

وبينما واصلت الإمارات رفضها، فإن السعودية ردت بمجموعة من الإجراءات في مجالات واسعة وممتدة الأثر لا علاقة لها بأوبك، وهو ما يشير إلى أن الخلاف بين الدولتين الخليجيتين هو أكبر من مجرد خلاف داخل أوبك، حول سقف الإنتاج وتوزيع الحصص. وأن الخلاف كشف عن تصادم المصالح بين الدولتين طبقا لرؤية كل منهما لمجتمع ما بعد النفط.

الخلاف بين السعودية والإمارات، بعيدا عن مظاهر «تبويس اللحى» ليس وليد اليوم أو الأمس القريب، ولكنه يعود إلى مرحلة الشيخ زايد بن نهيان الذي استعان بالعلاقات مع مصر لخلق توازن مع السعودية، ثم مرحلة صعود محمد بن زايد في الإمارات، واخضاع الشيخ خليفة بن زايد لحجر سياسي وصحي، التي يعمل فيها بن زايد على مسايرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

 ويلعب بن زايد الورقة الاقتصادية باعتبارها «حصان طروادة» لغزو الحصن السعودي من الداخل، فالسعودية هي السوق الأكثر ربحا للإمارات في الخليج والعالم العربي، أو الدجاجة التي تبيض ذهبا، التي يحاول بن زايد النفاذ إليها من كل جانب، متخفيا أو ظاهرا، لكنه يتوقف عن مسايرة بن سلمان عندما تفترق المصالح. وهو ما ظهر جليا في حرب اليمن، إذ دخل معه حليفا بالسلاح والمال، حتى جاءت اللحظة التي ظهر فيها الخلاف الحاد في المصالح، فانشق بن زايد على التحالف رسميا، وأن كان ما يزال يحتفظ بعلاقات قوية مع جماعات موالية له في اليمن، ولم يتوقف عن تقديم الدعم لها.

حصان طروادة

وشملت الإجراءات التي أعلنتها السعودية، وقف الرحلات الجوية مع الإمارات، بحجة التحوط من مخاطر انتشار فيروس كورونا. وتسيطر الإمارات على خطوط النقل الجوي للركاب والبضائع بين البلدين، عن طريق شركتيها الرئيسيتين للطيران، « الإمارات» و»الاتحاد» كما تمثل الرحلات الجوية من وإلى السعودية من أكثر الخدمات الجوية ربحية. وتستحوذ طائرات «الإمارات» و «الاتحاد» على 68.5 في المئة من الرحلات الجوية بين البلدين، في حين يبلغ نصيب «الخطوط السعودية» 31.5 في المئة فقط. ولا شك أن قرار وقف الرحلات الجوية سيترك أثرا ماليا سيئا على الشركتين الإماراتيتين.

 وعندما تستأنف حركة الطيران، ستكون السعودية قد أعدت نفسها، بإنشاء ناقل جوي وطني جديد، بجانب الخطوط السعودية، وتطلب إعادة التفاوض على حصص شركات الطيران العاملة بين البلدين. ومن المرجح أن تصر السعودية على زيادة حصة شركاتها في رحلات الطيران إلى 50 في المئة على الأقل، وإعادة توزيع امتيازات السفر على الخطوط الداخلية، بما يمنح الشركات الوطنية الأفضلية على الشركات الأجنبية ومنها الإماراتية.

كذلك وجهت السعودية ضربة تجارية مؤلمة إلى الإمارات بتعديل قواعد الاستيراد، وشروط المنشأ الوطني للسلع المستوردة من الدول الخليجية، بما يوقف سريان أحكام اتفاقية الجمارك الموحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي، ويحرم منها السلع التي لا تستوفي الشروط الجديدة. وتتضمن هذه الشروط استبعاد كافة السلع المنتجة في المناطق الحرة، والسلع المنتجة في منشآت تستخدم عمالة وطنية بنسبة تقل عن 25 في المئة، وتلك التي تحتوي على مدخلات محلية بنسبة تقل عن 40 في المئة، ومنع دخول السلع المنتجة في إسرائيل، طبقا لأحكام قانون المقاطعة العربية لإسرائيل.

وبصرف النظر عن الدلالات الجيوسياسية لهذه التعديلات، فإنها تمثل خسارة فادحة للإمارات، التي تعتمد على السوق السعودية في تصريف أكبر نسبة من صادراتها غير النفطية في كل أسواق العالم. السعودية بالنسبة للإمارات هي الشريك التجاري الأول عربيا، والثالث عالميا، لكنها الشريك الأول عالميا فيما يتعلق بتجارة التصدير وإعادة التصدير «العبور» للسلع غير النفطية. وقد بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما عام 2019 حوالي 31 مليار دولار.

السياسة التجارية السعودية الجديدة ستؤثر سلبا على الشركات في الإمارات، وسيمتد أثرها إلى الشركات الإماراتية العاملة داخل السعودية، خصوصا في مجالات التجارة والاستثمار. وتعمل في السعودية حوالي 65 شركة إماراتية كبرى في 122 مشروعا في مجالات مختلفة، بلغت قيمة استثماراتها عام 2019 حوالي 9.2 مليار دولار، مقارنة باستثمارات سعودية في الإمارات بقيمة 4.3 مليار دولار، أي أقل من نصف قيمة الاستثمارات الإماراتية.

وإذا كنا لم نشهد حتى الآن ردا إماراتيا، فإن الأسابيع المقبلة ستبين إلى أي حد تستطيع الإمارات أن تتوافق مع الإجراءات الانتقامية التي أعلنتها السعودية. ولن يكون بوسع الإمارات تجاهل هذه الإجراءات، كما أنه ليس من المتوقع أن تعلن السعودية التراجع عنها، حتى في حال موافقة الإمارات على الاقتراح السعودي بخصوص تمديد العمل باتفاقية تخفيض المعروض النفطي في السوق. الخلاف السعودي- الإماراتي داخل أوبك مجرد فقاعة صغيرة لخلاف أعمق، وهو ما قد يترك البلدين أمام أزمة مفتوحة تستمر، حتى تصبح إسرائيل هي الحل.

المصدر:       "القدس العربي"