السيسي يجهز على رغيف الغلابة ويتحدى الشعب : "انتهى زمن الرغيف أبو خمسة صاغ"
الثلاثاء - 3 آغسطس 2021
"عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية" هكذا عبّر المصريون خلال ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 عن مطالبهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل، وكانت كلمة "العيش" حاضرة بقوة في كل الهتافات، كما كانت سببا في غضبة المصريين في احداث انتفاضة الخبز في عام 1977 ، ورغم ذلك خرج السيسي اليوم الثلاثاء، في بدء فعاليات افتتاح المدينة الصناعية "سايلو فود"، بمدينة السادات فى محافظة المنوفية، ليؤكد أنه قد حان الوقت لزيادة سعر رغيف الخبز "أبو خمسة صاغ" وأنه "من غير المتصور الإبقاء على سعره، حيث يعادل 20 رغيفاً ثمن سيجارة واحدة"، بحسب وصفه، ومن خلال سطور هذا التقرير نفتح ملف رغيف العيش في مصر ، والأثار الخطيرة التي ستترتب على قرار السيسي برفع سعره .
وقال السيسي "أنه سيتحمل مسؤولية هذا القرار، وأنه فضّل الإعلان عنه على الملأ بدلاً من تفويض الحكومة بإعلانه "عشان أشيل الشيلة بنفسي"، على حد تعبيره.
واستطرد مخاطباً المصريين: "يستحيل الإبقاء على شيء بنفس الحال والسعر لمدة 30 سنة، أنا مؤتمن على حال البلاد ومصير شعبها".
موضحا أنّ الزيادة في سعر الخبز ستمول جزءاً من قيمة 8 مليارات جنيه ستنفق على دعم الوجبات المدرسية الجديدة للطلاب في المدارس، والتي ستتكلف نحو 7 جنيهات للوجبة الواحدة، وسيدخل فيها مكون بروتيني جديد هو الألبان.
وأضاف خلال افتتاح شركة سايلو فوودز: "الكلام ده لازم يتوقف ونعيد تنظيمه بشكل مناسب ..رغيف العيش بيكلفنا 65 قرش وهذا الامر لازم يتوقف"
محذرا من الزيادة السكانية ، وأنها " تحد كبير بيسمع فى موضوعات كثيرة"
وبحسب الإحصائيات حول استهلاك المصريين للخبز، يظهر أن متوسط نصيب الأسرة من الخبز البلدي المدعم يبلغ 11.4 رغيفا يوميا بمعدل 9.6 أرغفة في الحضر و12.3 في الأرياف
إلغاء دعم الخبز
وقالت مصادر برلمانية في وقت سابق ، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة اتخذت قراراً بإلغاء دعم الخبز (5 أرغفة لكل فرد في اليوم)، واستبداله بقيمة مالية ثابتة بواقع 90 جنيهاً شهرياً لكل فرد، مع رفع سعر رغيف الخبز من 5 قروش إلى 60 قرشاً، على أن يخصم المخبز قيمة الأرغفة المباعة لكل مواطن بشكل لحظي، من دون اللجوء للتسويات بين المخبز ووزارة التموين.
فيما أكد رئيس برلمان العسكر السابق علي عبد العال ، في تصريحات العام الماضي أن "أي تحول من الدعم العيني في منظومة التموين إلى الدعم النقدي سيكون من خلال البرلمان، ومن الممكن التحول للدعم الدعم المادي".
ويستفيد أكثر من 70 مليون مصري من منظومة دعم الخبز، في الوقت الذي خفض فيه السيسي دعم رغيف الخبز بنسبة 31% بطريقة ملتوية، عن طريق تخفيض وزن الرغيف من 130 غراماً إلى 90 غراماً، وكذلك حصة المواطن من الخبز من خلال اعتماد نظام النقاط لإغراء المواطن بالاستغناء عن جزء من حصته في الخبز، مقابل 10 قروش لكل رغيف، وليس 60 قرشاً (تكلفة الرغيف).
وسبق وأن خفضت الحكومة المصرية حصة الكارت الذهبي المخصص للمخابز، والذي يسمح بصرف الخبز لغير حاملي بطاقات التموين الإلكترونية من 4500 رغيف إلى 500 رغيف يومياً، وهو القرار الذي دفع الآلاف من المواطنين المتضررين إلى الشوارع للاحتجاج، وإغلاق الطرق حول المخابز في بعض المحافظات، مما دفع الحكومة إلى التراجع عن القرار بشكل سريع.
التموين المصرية: الموازنة لا تتحمل دعم الخبز
وفي تصريحات سابقة ، قال وزير التموين المصري، علي المصيلحي، إن هناك ضرورة لحذف غير المستحقين من منظومة دعم الخبز، لأن الموازنة العامة للدولة لا تتحمل دعم 71 مليون مستفيد من المنظومة، منوهاً إلى أن الوزارة قلصت عدد المستفيدين من منظومة دعم السلع التموينية إلى 64 مليوناً و400 ألف مستفيد، بعد استبعاد 400 ألف بطاقة تموينية مؤخراً.
دلالات وصول التقشف الحكومي لخبز الفقراء
وبتصريحات السيسي ، أصبح المصريون على موعد جديد مع ضائقة اقتصادية قد تكون مؤشراتها هي الأشد على مدار 7 سنوات من حكم رئيس الانقلاب ، حسب خبراء ومحللين.
تلك التوقعات تأتي في ظل قرارات حكومية برفع سعر الدقيق، ولن ينسي المصريين ان رغيف العيش كان حوالي 123 غراما في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي على يد وزير "الغلابة" المعتقل الآن باسم عودة.
وتاريخيا تسببت قرارات رفع أسعار الخبز في عهود سابقة بأزمات سياسية وانتفاضات شعبية بينها ما يعرف بـ"انتفاضة الخبز" في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1977
وأثار توقيت القرار غضب ملايين المصريين وخاصة الفقراء؛ الذي يمثل لهم رغيف الخبز المصدر الأول للطعام خاصة مع تفاقم أزمة الاقتصاد المصري، وتراجع دخل المصريين وفقدان الكثيرين أعمالهم، وتواصل ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
وحول خطورة وتأثير القرار، قال الخبير الاقتصادي د.إبراهيم نوار إن "سياسة (ترشيق الرغيف) تضر مباشرة بالفقراء وأصحاب الدخول الثابتة".
وفي حديثه لـ"عربي21" أوضح أن ذلك القرار يؤكد "اتجاه الحكومة إلى الإلغاء التدريجي للدعم عن العيش".
وأشار إلى أن الأمر يأتي "في الوقت الذي تزداد فيه حدة الضائقة الاقتصادية بين الفقراء نظرا لاضطراب النشاط الاقتصادي بسبب وباء كورونا"
وفي تعليقه تعجب الخبير الاقتصادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية الدكتور مصطفى شاهين، من "هذه السياسات التي يقومون بها بهدف الضغط على المصريين بكل السبل من الناحية الاقتصادية وإذلالهم برفع الأسعار".
مضيفا لـ"عربي21" أن "نظام السيسي لا يعبأ بالمصريين؛ وكل المستهدف ألا يترك على الإطلاق أي بنود للدعم، بحيث يدفع المصري تكلفة كل شيء"
ولفت إلى أن "دعم السلع التموينية بالموازنة الجديدة 2020/ 2021، يبلغ نحو 84.4 مليار جنيه حسب وزارة المالية، وفي المقابل تصل المدفوعات والفوائد والأقساط إلى تريليون جنيه، بعدما أغرق مصر في الديون التي أوصلتها لهذا الوضع"
رغيف "العيش" في حياة المصريين.. من التقديس إلى سبب للاحتجاج السياسي
ويعد رغيف الخبز وثيق الصلة بحياة المصريين لدرجة أنهم يسمونه بلهجتهم المحلية "العيش".. إنه الخبز الذي يعد القاسم الرئيسي في طعام المصريين، وامتدت أهميته وتأثيره لدرجة أن يكون سببا في ثورات وهبّات شعبية، ويصبح هتافا رئيسيا في أبرز ثورة بالتاريخ المصري.
فها هي ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي خرجت لتجعل من أهدافها "العيش" (الخبز) والحرية والعدالة الاجتماعية، وقبلها انتفاضة الخبز عام 1977 التي وقعت إبان حكم الرئيس الراحل أنور السادات بعد رفع سعر عدة سلع أساسية تقدّمها الخبز.
ومنذ القدم حرص المصريون القدماء على توثيق علاقتهم العميقة بالخبز، فها هو يظهر في أسطورة إيزيس وأوزوريس، إذ كانت إيزيس تصنع الخبز لزوجها للدلالة على الحب والوفاء، وها هي بردية هاريس -إحدى أكبر وأطول البرديات المصرية القديمة والمحفوظة بالمتحف البريطاني حاليا- تؤكد تقديم المصريين القدماء نحو 30 صنفا من أصناف الخبز كقرابين لمعبودهم آمون خلال عهد رمسيس الثالث.
"تبرز النقوش المصرية القديمة صناعة المصري القديم للخبز منذ 7000 عام حتى وصلت الأنواع التي يعرفها إلى نحو 100 نوع حسب المصادر التاريخية. كما أن المصري القديم يُعرف بأنه أول من عرف الخميرة منذ 4000 عام قبل الميلاد"، بحسب ما ذكره الخبير السياحي نبيل محمد للجزيرة نت.
ولذلك الاقتراب من رغيف يعد الدخول مع المصريين في حرب على لقمة العيش .