إنقاذ ممكن أو شهادة وفاة.. الصحافة الورقية في مصر تحتضر

الخميس - 17 أبريل 2025

  • الصحف الورقية تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب نمط الملكية الموحدة وغياب الحرية
  • 23 صحيفة يومية و75 صحيفة معتمدة لا يتجاوز توزيعها 350 ألف نسخة يوميا !!
  • تراجع عدد الصحف الحزبية من 23 صحيفة في 2010 إلى صحيفتين فقط في 2024
  • المواقع الإخبارية المستقلة تسحب البساط من الصحافة الورقية الرسمية والحزبية
  • دراسات: لا سبيل لإنقاذ الصحافة الورقية إلا بتطبيق المعايير المهنية والتقنية الحديثة

 

إنسان للإعلام- تقرير:

تعيش الصحافة الورقية في مصر مرحلة فارقة، وسط تحولات رقمية متسارعة فرضت نفسها على المشهد الإعلامي بقوة، فهل باتت هذه الصحافة على وشك الانقراض؟

 هذا السؤال يفرض نفسه بقوة في ظل التراجع المستمر في أرقام توزيع الصحف الورقية، وتصاعد هيمنة الصحافة الرقمية.

وفي حين تواصل المؤسسات الصحفية خسائرها المالية، تتعدد الدراسات التي تبحث عن طوق نجاة لهذه الصناعة العريقة، في محاولة لإعادة الروح إلى مطبوعات لعبت يومًا دورًا رئيسيًا في تشكيل الوعي المصري.

في هذا التقرير الشامل، نستعرض الواقع الراهن للصحافة الورقية في مصر، بالأرقام والتحليلات، ثم ننتقل إلى طبيعة العلاقة بينها وبين الصحافة الإلكترونية، وصولًا إلى أهم المبادرات والرؤى التي تقترح مسارات للإنقاذ قبل فوات الأوان.

واقع منهار وتوزيع متراجع  

على مدار العقد الماضي، عاشت الصحافة الورقية في مصر كبوة غير مسبوقة، حيث تراجع تأثيرها في الرأي العام المصري، مما انعكس سلبًا على أرقام توزيعها.

كما فُرضت عليها العديد من القيود، في ظل امتلاك الجهات السيادية لمعظمها، وهي الجهات التي فرضت رؤية شمولية وصوت واحد على غالبية هذه الصحف، بل وصل الأمر إلى وجود شركة قابضة تملك معظم الصحف، وتقوم بفرض التوجيهات السيادية عليها.

ويبلغ عدد الصحف اليومية في مصر حاليًا 23 صحيفة، منها 9 صحف قومية، و13 صحيفة خاصة، وصحيفة حزبية واحدة هي "الوفد"، كما بلغ عدد الصحف المعتمدة 75 صحيفة، وذلك بحسب إحصاء الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وقد أشار الجهاز في بيان صدر عنه عام 2021 إلى ارتفاع عدد الصحف المصرية المطبوعة من 59 صحيفة في عام 2020 إلى 61 صحيفة في العام التالي، بزيادة قدرها 3.4%، ثم ارتفع العدد لاحقًا إلى 75 صحيفة. إلا أن هذا الارتفاع في عدد الإصدارات لا يعكس بالضرورة زيادة مماثلة في أعداد القرّاء.

 وتجدر الإشارة إلى أن إجمالي عدد الصحف في مصر عام 2010 بلغ 142 صحيفة، لكن منذ انقلاب 2013 انخفض إجمالي التوزيع اليومي للصحف ليصل إلى 539 ألف نسخة بنهاية عام 2019، ثم استمر الانخفاض ليصل إلى أقل من 350 ألف نسخة في عام 2024، بعدما كانت الأرقام تتجاوز مليوني نسخة يوميًا في عام 2010[1].

وعلى عكس اتجاه الإحصاءات الرسمية، كشف الكاتب الصحفي ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام سابقًا، في مارس 2018، عن معاناة الصحف الحكومية من مشكلات مادية ومهنية كبيرة، مشيرا إلى أن رقم الخمسين ألف نسخة يوميًا لا يتحقق في أي من المؤسسات الصحفية، باستثناء الأعداد الأسبوعية، وأن أي مجلة أسبوعية تصدرها أي مؤسسة لا يتخطى توزيعها الألف نسخة، بما في ذلك النسخ المجانية، في مجتمع كان يبلغ تعداده آنذاك 100 مليون نسمة[2].

كما كشف التقرير السنوي عن الإحصاءات الثقافية لعام 2021، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التابع لوزارة التخطيط، عن استمرار التراجع في توزيع الصحف الورقية في مصر، موضحا أن عدد النسخ اليومية الموزعة من الصحف الصادرة باللغة العربية بلغ فقط 351 ألف نسخة، مع الأخذ في الاعتبار شمول تلك الأرقام للنسخ المجانية التي تُوزع على الجهات الحكومية.

وقد بلغ المتوسط اليومي لتوزيع صحيفة "الوفد" الحزبية اليومية 1501 نسخة، بينما بلغ عدد النسخ الموزعة من صحيفة "الأهالي" الأسبوعية، الصادرة عن حزب التجمع، نحو 3 آلاف نسخة.

وفي ظل هذا التراجع الكبير، لا تقوم المؤسسات الصحفية القومية التابعة للدولة بنشر أرقام توزيعها أو ميزانياتها، رغم نص المادة (23) من قانون تنظيم الصحافة الصادر عام 1996 على التزام هذه المؤسسات بنشر قوائمها المالية كل ستة أشهر، وبتسليم الحسابات الختامية إلى الجهاز المركزي للمحاسبات خلال ثلاثة أشهر من انتهاء السنة المالية.

وقد أشارت بيانات الهيئة الوطنية للصحافة، المشرفة على تلك المؤسسات منذ أواخر عام 2016، إلى أن آخر قوائم مالية وافقت عليها الجمعيات العمومية لتلك المؤسسات تعود إلى سنوات سابقة، فعلى سبيل المثال: اعتمدت الجمعية العمومية بمؤسسة الأهرام في أبريل 2021 القوائم المالية لعامي 2013/2014 و2014/2015، ما يعني أن هناك سبع سنوات مالية لم يتم اعتماد قوائمها بعد.

 وتكرر الأمر ذاته في باقي المؤسسات، حيث اعتمدت مؤسسة دار الهلال خلال عام 2022 القوائم المالية لعامي 2015/2016 و2016/2017، وبذلك تبقى لديها ست سنوات مالية لم تعتمد قوائمها بعد.

وفي عام 2021 اعتمدت مؤسسة أخبار اليوم  القوائم المالية لثلاثة أعوام مالية (من 2013/2014 حتى 2015/2016)، وفي عام 2022 تم اعتماد القوائم المالية لعامي 2016/2017 و2017/2018، ما يعني أن المؤسسة ما زال لديها أربع سنوات لم تُعتمد قوائمها المالية، وهو نفس عدد السنوات غير المعتمدة في مؤسسة دار التحرير، وذلك بهدف التغطية على الخسائر الكبيرة التي لحقت بهذه المؤسسات.

أما المؤسسات الأخرى، وهي: روزا اليوسف، ودار المعارف، ووكالة أنباء الشرق الأوسط، فما زال لديها أربع سنوات مالية لم يتم اعتماد قوائمها حتى عام 2024.

ويُعزز من دلالة هذه الخسائر قيام الهيئة الوطنية للصحافة بزيادة رؤوس أموال غالبية المؤسسات بقيمة الإعانات التي تحصل عليها من الهيئة، والتي يتم تحويلها أساسًا من وزارة المالية إلى الهيئة، وهو ما يعني أن تلك المؤسسات تعرضت لخسائر أدت إلى تآكل حقوق الملكية لديها، ما استدعى تعويض هذه الخسائر عبر زيادة رؤوس الأموال.

وإذا كانت أرقام الخسائر غير مُعلنة، فإن أرقام الديون المتراكمة على هذه المؤسسات قد بلغت 13.9 مليار جنيه حتى أغسطس 2020، بحسب تصريح الهيئة الوطنية للإعلام، التي أصدرت بيانًا في يناير 2021 تنفي فيه تصريح وزير الإعلام آنذاك، الذي ذكر خلال تصريحات صحفية أن ديون تلك المؤسسات بلغت 22 مليار جنيه أو تزيد. ويتوقع الكثير من المختصين أن إجمالي ديون هذه المؤسسات قد تجاوز 25 مليار جنيه في عام 2024[3].

الورقية والإلكترونية.. صراع أم تكامل؟

هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه بقوة على الساحة الصحفية في الوقت الراهن، لكن يبدو أن الواقع قد تولّى مهمة الإجابة عليه، حيث تمددت مساحات الصحافة الإلكترونية على حساب الصحافة الورقية بشكل كبير، وأصبحت أكثر جذبًا للقراء لما تتمتع به من مميزات، يأتي على رأسها انخفاض التكلفة.

وفي هذا السياق، تشير الدكتورة "بسنت عبد المحسن العقباوي"، في كتابها «الصحافة الإلكترونية وبنيتها على شبكة الإنترنت»، إلى أن الصحافة المصرية بدأت تعرف الإنترنت في أواخر التسعينيات، وكان أول موقع صحفي إخباري في مصر هو موقع "مؤسسة دار التحرير"، الذي بدأ تدشينه في عام 1997، وبدأ العمل به في العام التالي. وقد ضم نسخًا إلكترونية من صحف الجمهورية، والمساء، والجازيت، ومصر اليوم، وعقيدتي، ثم دشنت صحيفتا الشعب والوفد مواقع لهما، وبمرور الوقت، توالت الإصدارات الإلكترونية التي اجتاحت السوق الصحفي وجذبت ملايين القراء.

وفي السياق ذاته، تؤكد الدكتورة "ليلى عبد المجيد"، العميدة السابقة لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن المؤسسات الصحفية الورقية تعاني من أزمات اقتصادية منذ فترة طويلة، نتيجة تراجع التوزيع وانصراف القراء عنها بعد تخليها عن كثير من المعايير المهنية، في حين ظهرت صحف إلكترونية أثبتت حضورها واستطاعت الحفاظ على قدرٍ أكبر من المهنية.

أما الكاتب الصحفي "أنور الهواري"، رئيس تحرير الأهرام الاقتصادي والمصري اليوم والوفد سابقًا، فيرى أن أزمة الصحافة في مصر تعود إلى فترة طويلة، وتحديدًا منذ النصف الثاني من عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.

 وأشار إلى أن "الأهرام" كانت تبيع مليون نسخة من عدد الجمعة في وقت كان عدد سكان مصر يبلغ 60 مليون نسمة، لكن انعزال الصحف عن مشاكل المواطن دفعه للعزوف عنها والبحث عن بدائل توفر له المعلومات بتكلفة أقل وجودة مهنية أعلى.

ومع استمرار الضغوط من قبل نظام عبد الفتاح السيسي على الصحافة الورقية، شهدت الصحف الحزبية المطبوعة تراجعًا كبيرًا، فعلى الرغم من ارتفاع عدد الأحزاب السياسية من 24 حزبًا قبل ثورة يناير إلى أكثر من 100 حزب في عام 2021، فإن عدد الصحف الحزبية تراجع بنسبة تزيد على 91%، حيث انخفضت من 23 صحيفة في عام 2010، كانت تصدر عن 11 حزبًا، إلى صحيفتين فقط في عام 2021، في حين لجأت معظم الأحزاب إلى إنشاء صفحات إلكترونية بلا فاعلية حقيقية بالنسبة للمواطن.

وفي المقابل، برزت صحف إلكترونية مستقلة ومعارضة نجحت في جذب القارئ المصري من خلال معالجتها لقضايا الرأي العام. ومن أبرز هذه الصحف: "مدى مصر"، "المنصة"، "مصر 360"، "الاستقلال"، "ذات مصر"، "فكر تاني"، وجميعها تعمل من داخل مصر تحت ضغوط أمنية شديدة.

 كما تمكنت مواقع وصحف إلكترونية تعمل من الخارج وتهتم بالشأن المصري من تحقيق حضور قوي، مثل: "العربي الجديد"، "عربي 21"، "الخليج الجديد"، "نون بوست"، "عرب بوست"، وغيرهم كثير، بينما تراجع تأثير الصحف الورقية في تشكيل الرأي العام داخل مصر.

وتوضح الدكتورة "لمياء محمد عبد العزيز"، أستاذ الإعلام بجامعة المنصورة، في دراسة لها بعنوان «الصحافة الرقمية وتأثيرها على إدارة المؤسسات الصحفية واقتصادياتها»، والتي أُجريت على عدد من الصحف الخاصة مثل "اليوم السابع"، "الوطن"، "المصري اليوم"، أن 88% من المبحوثين أكدوا أن الصحافة الرقمية أثّرت بشكل واضح على معدل شراء الصحف الورقية.

 كما أشارت الدراسة إلى أن اقتصاديات المؤسسات تأثرت سلبًا، نتيجة عزوف المعلنين عن نشر إعلاناتهم في الصحف الورقية وتوجههم نحو الإصدارات الإلكترونية[4].

وأكد تقرير لـ "BBC  عربي" بعنوان "لماذا قد لا تصمد الصحف الورقية في مصر في ظل التحول نحو الصحافة الرقمية؟"، أن الصحف الورقية، رغم كونها جزءًا من التراث المصري ومرتبطة بممارسات الحياة اليومية، فإنها تواجه قرارات إغلاق متتالية، وتم تحويل عدد منها إلى منصات إلكترونية، مثل "الأهرام المسائي" التابعة لمؤسسة الأهرام، و"الأخبار المسائي" التابعة لدار أخبار اليوم، و"المساء" التابعة لدار التحرير.

وأوضح التقرير أن من أبرز أسباب تراجع الصحف الورقية: ارتفاع التكلفة، وضعف الالتزام بالمعايير المهنية، وعدم تفاعلها مع مشكلات المواطنين، مما أفقد الجمهور الثقة في هذه المطبوعات، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستعتمد بشكل أساسي على الإصدارات الرقمية[5].

أما الدكتور "سليمان صالح"، فقد كتب مقالا على منصة الجزيرة بعنوان "هل فقدت الصحافة المطبوعة أهميتها بتخليها عن الدفاع عن الحريات؟"، مؤكدًا أن الصحافة المطبوعة تواجه تحديات وجودية حقيقية نتيجة تراجعها المهني، وغياب الحريات الصحفية التي تتيح المعالجة الجادة للقضايا.

 وأضاف أن الاتحاد الدولي للصحفيين قد حذر من خطورة تقييد حرية الصحافة، ما يهدد قدرتها على حراسة مصالح المجتمع، وكشف الفساد، وخدمة المصلحة العامة بدلًا من مصالح الشركات الكبرى التي تهيمن عليها.

وأشار صالح إلى أن دراسة واقع الصحافة المصرية تُظهر بوضوح أن القيود المفروضة من قبل السلطة أفقدت الصحافة قدرتها على أداء وظائفها الأساسية، وفي مقدمتها تمكين الجمهور من المعرفة، وإدارة النقاش العام، وكشف الانحرافات والفساد، وهو ما أفسح المجال أمام مواقع إلكترونية أكثر مهنية ومصداقية لاحتلال موقع الصدارة في المشهد الصحفي[6].

حلول لإنقاذ الصحافة الورقية

توالت على مدار العقد الماضي العديد من الدراسات التي سعت لإيجاد حلول واقعية لإنقاذ الصحافة الورقية من الانقراض، وقد اتفقت مجمل هذه الدراسات على أن السبيل الوحيد لبقاء هذا النوع من الصحافة هو التحرر من "صحافة البيانات"، والالتزام الصارم بالمعايير المهنية، والاشتباك الجاد مع مشكلات المواطنين، إلى جانب إيجاد ظهير إلكتروني داعم للصحف الورقية.

وفي هذا السياق، تؤكد دراسة للدكتورة "رانيا علي محمود سالم"، بعنوان «العوامل المؤثرة على مستقبل الصحف الورقية في العصر الرقمي»، أن الالتزام بالمعايير المهنية في المعالجات الصحفية يمثل الركيزة الأساسية لاستمرارية الصحف الورقية.

و شددت على أهمية التطوير المستمر في قوالب المعالجة وتنوعها، لما لذلك من دور في استعادة اهتمام القراء بالصحف والمجلات المطبوعة[7].

ومن جانب آخر، طرحت رسالة دكتوراه بعنوان «الآفاق المستقبلية للصحافة الورقية والإلكترونية في مصر»، بتاريخ 22 أغسطس 2023، مجموعة من الخطوات العملية لإنقاذ الصحافة الورقية، جاء أبرزها على النحو التالي:

 - حل الأزمة التمويلية: اعتبرت الرسالة أن التمويل هو العائق الأكبر أمام استمرار الصحف، لا سيما في ظل الركود الاقتصادي.

ودعت إلى تنويع الملكية من أجل إحياء التنافسية، والتخلي عن نموذج الملكية الموحدة للصحف، فضلًا عن الابتعاد عن التبعية لشركات إعلانية بعينها، والاتجاه نحو تأسيس شركات إعلانية مستقلة تساهم في تمويل المؤسسات الصحفية.

- تقليل التكلفة التشغيلية: طالبت الرسالة ملاك الصحف اليومية باتخاذ إجراءات اقتصادية رشيدة، مثل تقليص عدد الصفحات وتقليل استخدام الألوان، دون اللجوء إلى تسريح العاملين أو رفع أسعار الصحف.

وقد بدأت بعض الصحف بالفعل في تنفيذ هذه التوصيات، مثل *الوطن، الشروق، المصري اليوم"، وحتى بعض الصحف القومية.

- الاستثمار طويل الأمد: دعت الرسالة رجال الأعمال الوطنيين إلى الاستثمار في الصحافة الورقية ليس بدافع الربح المباشر، وإنما بهدف إعادة هيكلة القطاع وتأهيله، كما حدث في تجربتي "اليوم السابع" و"المصري اليوم".

- تطوير المحتوى الصحفي: شددت على ضرورة التحول من الخبر المجرد إلى صحافة التحقيقات، والتقارير، والحوار، والصحافة التحليلية، وصحافة الحلول، والابتعاد عن ظاهرة المانشيتات الموحدة، على أن يتسم المحتوى بالجرأة والعمق.

- إثارة القضايا الشعبية بحرية: قالت الرسالة إن على الصحف الورقية أن تنحاز إلى الشارع لا إلى السلطة، وذلك من خلال الاشتباك مع القضايا التي تهم الجمهور وتقديم معالجات جادة تتمتع بقدر كبير من الحرية.

- التدريب المستمر للكوادر الصحفية: أكدت الرسالة أهمية تسليح الصحفيين بالمهارات الحديثة والتقنيات المتطورة، وهو ما ساعد على زيادة توزيع مجلات عريقة مثل "The Economist" و"The Spectator" بنسبة 5% و11.3% على التوالي، نتيجة جدّيتهما في مواكبة العصر.

- تبني نموذج الظهير الإلكتروني: أشارت الرسالة إلى إمكانية تطبيق نظام "الدفع مقابل المحتوى" (Paywall) ، الذي تتبعه صحف غربية مرموقة مثل "Financial Times" و"The Times" و"The Telegraph"، أو تعزيز العائد الإعلاني الرقمي مع تقديم خدمات حصرية للمشتركين مثل تحديثات فورية على الهواتف المحمولة.

- بناء علاقة ثقة مع القارئ: الصحيفة التي تحافظ على المصداقية وتتيح التنوع في الآراء، تبني قاعدة ولاء مع قرائها، وهو أمر يتطلب سنوات من الالتزام المهني والمحتوى الجاد.

- إعادة ابتكار المحتوى: أكدت الرسالة أنه يجب على الصحف الورقية أن تصنع الخبر لا أن تنقله فقط، فالمحتوى الحصري والانفرادات الصحفية تعزز من قيمة الجريدة وتمنحها الأفضلية، كما فعلت *The New York Times* التي أعادت هيكلة أقسامها لتمنح الأولوية للمحتوى الجذاب في مجالات مثل الأعمال والترفيه والرياضة.

- جذب فئات جديدة من القراء: من الضروري أن تستهدف الصحف الورقية فئات الشباب، من خلال تقديم محتوى متخصص يتعلق بالأعمال أو الهوايات، واستخدام وسائط حديثة مثل الفيديوهات التعريفية على المنصات الرقمية.

- تبني صحافة الحلول: يجب أن تتجاوز الصحف دور التغطية السطحية للمشكلات، وتسعى لطرح حلول عملية لها من خلال تحليلات حرة يقدمها خبراء متخصصون.

- فهم المزاج العام للجمهور: ينبغي للصحف دراسة أولويات القارئ والاشتباك مع اهتماماته بجدية، كما يجب إعادة تفعيل آليات التفاعل مع الجمهور، مثل صفحات بريد القراء، وحلول ومشكلات، والأبواب التي تُخصص لأقلام القراء[8].

يتضح مما سبق أن مستقبل الصحافة الورقية في مصر بات على المحك، وأن منافستها للصحافة الرقمية غير متكافئة، ولا سبيل لبقائها إلا من خلال تحريرها من الأساليب التقليدية، والانفكاك عن نمط الملكية الموحدة، واستعادة روح التنافسية، والإفراج عن مساحات الحرية الصحفية، مع اشتباك حقيقي مع الواقع المجتمعي في مختلف جوانبه، وإلا، فإن الصحافة الورقية في مصر ستواجه نهايتها الحتمية.


المصادر:

[1] إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لأعوام 2019 و2020 و2021

[2] "ممدوح الولي: الصحف القومية تنهار وتوزيع بعضها لا يتعدى ألف نسخة!" ،  عربي 21  ، 3 مارس  2018 ، https://cutt.us/5N23U

[3]  ممدوح الولي ، "الصحف المصرية.. أرقام صادمة" ، الجزيرة مباشر، 9 فبراير 2023 ،  https://cutt.us/VbKn3

[4]  "الإعلام الإلكتروني   يطوي صفحات الجرائد الورقية" ، مصر 360 ، 4  ديسمبر 2024، https://linksshortcut.com/JHAmM

[5]  "لماذا "قد لا تصمد" الصحف الورقية في مصر في ظل التحول نحو الصحافة الرقمية؟" ،  بي بي سي  ،  13يوليو 2021 ، https://linksshortcut.com/QnNgV

[6] د. سليمان صالح، "هل فقدت الصحافة المطبوعة أهميتها بتخليها عن الدفاع عن الحريات؟" ، الجزيرة نت ، 19 مايو 2022 ، https://linksshortcut.com/GYddW

[7]  رانيا على محمود سالم ، "العوامل المؤثرة على مستقبل الصحف الورقية فى العصر الرقمى" ، المجلة المصرية لبحوث الاعلام ، 21 اكتوبر 2021، https://ejsc.journals.ekb.eg/article_226297.html

[8]  الأفق المستقبلية للصحافة الورقية والإلكترونية بمصر "، رسالة دكتوراه  ،  صدرت بتاريخ  22 أغسطس 2023