وثائق صادمة من زمن السادات.. هكذا تُدار الصحافة تحت الحكم العسكرى
الاثنين - 26 مايو 2025
حازم غراب
لطالما قُدّمت الصحافة القومية في مصر على أنها الواجهة المهنية للدولة الوطنية، أو على الأقل الناطق الرسمي باسم توجهات السلطة السياسية، غير أن الوقائع التي نكشفها في هذا المقال- لأول مرة -توضح واقعاً أكثر قتامة.
كانت الصحافة تدار من خلف الستار، بتوجيهات مباشرة من أجهزة الدولة، حيث تُكتب العناوين كما يُملى، وتُنشر الأخبار والصور أو تُمنع وفقاً لمصالح النظام، لا وفقاً لمعايير مهنية.
إليكم مقتطفات موجزة جدا من كتاب توثيقي عن "إعلام المطايا زمن السادات"، لم يُنشر بعد، يُوثق لحظات حقيقية من التدخلات السلطوية في الأداء الإعلامي خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وتحديداً في أكتوبر من عام 1978.
ما ستقرؤه ليس تحليلاً سياسياً أو استنتاجاً مبنياً على الشك، بل نصوص حرفية توضح كيف كانت الأوامر تأتي من المكاتب الخلفية لتحدد ما يجب وما لا يجب أن يُقال أو يُنشر.
السبت 14 أكتوبر 1978 – إعلان مرفوض بأمر رئاسة الوزراء
اتصلت السيدة تماضر توفيق، رئيسة التلفزيون، للإبلاغ بأن جريدة "الأهالي" قدمت إعلاناً لإذاعته. سألت ما إذا كان من المسموح بث الإعلان؟ وبعد الرجوع إلى اللواء فتح الله سلامة، مدير مكتب رئيس الوزراء، الذي عرض الأمر بدوره على السيد رئيس الوزراء، تقرر رفض إذاعة الإعلان، وتم إبلاغ تماضر بالقرار.
الأربعاء 18 أكتوبر – وزير الداخلية يمنع أخبار اتحادات الطلبة
الساعة العاشرة مساءً، أصدر وزير الداخلية النبوي إسماعيل أوامر صريحة بعدم نشر أي أخبار تتعلق باتحادات الطلبة، أو انتخاباتهم، أو بياناتهم، وتم إبلاغ التعليمات للمحررين في الصحف القومية:
الأهرام: محمد عبد التواب، فاروق كمال، إحسان بكر
الجمهورية: محمد أبو الحديد، محسن محمد
المساء: زيد شريف
الخميس 19 أكتوبر – محاولات نشر تُقابل بالمنع
في الثامنة مساءً، اتصل عدلي برسوم من صحيفة الجمهورية، وأبلغ بأن الجريدة تنوي نشر أسماء الفائزين في انتخابات اتحاد الطلبة، بموافقة رئيس التحرير محسن محمد، غير أن جريدتي الأهرام والأخبار قررتا الامتناع عن النشر "تفادياً للبلبلة".
جرى الاتصال بمحسن محمد لإبلاغه بأن "المصلحة العامة" تقتضي تأجيل النشر حتى تُسوى الخلافات داخل الاتحاد، وطُلب منه الرجوع إلى وزير الداخلية إن رغب، وتم إبلاغ عدلي برسوم بقرار التأجيل أيضاً.
الاثنين 23 أكتوبر – المتحدث باسم الرئيس يُملي التعليمات
في الساعة السادسة وخمس دقائق مساءً، اتصل سعد زغلول نصار، المتحدث الصحفي باسم الرئيس السادات، وطلب الالتزام بالتوجيهات التالية:
صورة الصفحة الأولى تكون للرئيس مع عيدي أمين في لقاء قصر الطاهرة، وليس من مشهد استقباله في المطار.
يُمنع نشر صورة استقبال الرئيس لشخصية أمريكية (يُسمح بالخبر فقط).
تُنشر صورة مقابلة الرئيس مع الدكتور مصطفى خليل.
تم إبلاغ التوجيهات إلى محرري الصحف التالية:
الأهرام: محمد عبد التواب
جازيت: علي فهيم
بروجريه: أحمد لطفي
الأخبار: أحمد زين
الجمهورية: محمد الحيوان، محسن محمد
الأربعاء 25 أكتوبر – خبر أكاديمي لأسباب دعائية
الساعة الثامنة وخمسين دقيقة صباحاً، أملى مكتب الرئيس خبراً يتعلق بتسجيل السيدة جيهان السادات لرسالة ماجستير حول أثر الشاعر الإنجليزي شيلي على الشعر العربي الحديث في مصر.
التعليمات: ينشر الخبر فقط في الأهرام والأخبار، وتم إبلاغ:
الأهرام: محمد عبد المنعم
الأخبار: أحمد زين
الخميس 26 أكتوبر – إبراز حضور جيهان السادات في الإعلام
في السادسة وأربعين دقيقة مساءً، اتصل إبراهيم شعراوي من مكتب رئيس الوزراء، وطلب إبراز خبر اجتماع المجلس المحلي لمحافظة المنوفية الذي حضرته جيهان السادات.
تم إبلاغ:
الإذاعة: لبيب النجار
الجمهورية: عدلي برسوم
التلفزيون: محمد معوض
الجازيت: علي فهيم
الأهرام: مرسي عطا الله
البروجريه: محب
الأخبار: أحمد زين
دي جيت: رشاد
من زمن السادات إلى إعلام الأذرع
ما سبق ليس سرداً لمجرد وقائع تاريخية، بل مرآة لذهنية سياسية لا تزال حية في طريقة إدارة الإعلام الرسمي حتى يومنا هذا.
ما يسمى بـ"الصحافة القومية" كان منذ نشأته خاضعاً لتوجيه السلطة، وكان الهاتف هو رئيس التحرير الفعلي.
وإذا كان ذلك يتم خلف الستار في الماضي، فإن المشهد الإعلامي الراهن، في ظل إعلام الأذرع الانقلابية، لم يعد حتى يحاول التستر، بل يملي ما يريد علانية.
إن هذا النمط من السيطرة والتحكم في المعلومة لا يصنع إعلاماً، بل يُنتج ماكينة دعاية... لم تتوقف عن العمل منذ أكثر من نصف قرن.