دعوة للحكمة قبل الانفجار: الظلم يدمر الدولة فمن ينقذ مصر؟!
الخميس - 21 آغسطس 2025
د . سليمان صالح
هل تجد صعوبة في أن تدرك حقيقة واضحة ساطعة يشهد التاريخ علي صحتها، وهي أن الظلم هو سبب انهيار الدول، وخراب العمران، وتفكك المجتمعات وانتشار الكراهية؟
إن أدركت هذه الحقيقة يمكنك أن ترصد مقدمات سقوط النظام العالمي كله، فهذا النظام أصبح علي فوهة بركان سينفجر حتما خلال سنوات قليلة بسبب الاستكبار وغرور القوة، وهذا أمر شرحه يطول.
سأركز اليوم علي مصر، لأنني أتوقع أن يتطاير منها الشرر إلي الكثير من الدول، ويومئذ لا يلومن الظالمون إلا أنفسهم، فنحن نحذر من أن نار الغضب تشتعل في نفوس شعب مصر، ومن يظن أن الاستقرار يمكن أن يتحقق بالقسوة والقهر والتخويف، فهو بالتأكيد لم يقرأ التاريخ، ولم ينظر في الحوادث، ولم يطلق لخياله العنان ليكتشف المستقبل.
مصر تشارك في الجريمة!
ولعل أشد صور الظلم قسوة دفع شعب مصر قهرا للمشاركة في جريمة تجويع أهل غزة، فتلك الجريمة تشكل عارا للإنسانية كلها؛ فما بالك بشعب مصر الذي يتحمل مسؤولية الجوار والدين والنسب، وكيف يقبل مصري علي نفسه أن يجوع أخوه في غزة وهو ينظر إليه دون أن ينتفض ويغضب؟!.
يقولون في بلدي إن العار أشد إيلاما للنفس من النار التي تحرق الجسد، فالعار يحرق القلب ويدمر شهامة الرجال، ويقهر النفس، ويلاحق الإنسان حتي في قبره، ولم يشهد التاريخ عارا أشد من أن يترك العرب أهل غزة يموتون جوعا.
لكن حتي لو تقبل الإنسان أن يعيش بعاره مقهورا وخائفا وذليلا، ألم يفكر في أنه سيقف أمام الله، وأهل غزة يختصمونه ويشتكونه لله الذي أراد سبحانه أن يكون المؤمن عزيزا قويا ليكون عبدا له وحده؛ ويحرر البشرية كلها من العبودية لسواه.
لو تخيل كل مصري هذا المشهد لانتفض، وحطم أغلاله، ورفض الخنوع والخضوع، فعزة المؤمن أغلي عليه من حياته، ولا يمكن أن يكون عزيزا إن جاع أخاه أو تعرض للظلم.
ولكن أين العلماء؟!
وفي مصر مئات الآلاف من العلماء وهم بالتأكيد يدركون صحة ما أقول، فكيف يفتقد العالم الشجاعة ولا يبين للناس الحقائق، وكيف يرتضي الدنية؛ فيخاف علي دنياه التي توشك أن تنتهي، ويرتضي لنفسه عار السكوت عن الحق.
ومصر تتعرض لظلم عظيم عندما تخلي علماؤها عن القيادة، وشارك بعضهم في تزييف وعي الجماهير، وفي تبرير الجرائم التي يرتكبها النظام، وتخلوا عن العلماء الذين سجنهم النظام الانقلابي، وتعرضهم أجهزة الأمن للموت البطئ، وتستخدم ضدهم أشكالا من التعذيب أقسي من تلك التي استخدمتها محاكم التفتيش ضد المسلمين بعد انتصار الصليبيين واغتصابهم للأندلس.
وهؤلاء العلماء الشجعان أضربوا عن الطعام احتجاجا علي حرمانهم من أبسط الحقوق؛ مثل تعريض أجسامهم للشمس التي أنعم الله بها علي الناس؛ لتحميهم من الأمراض، فهل عرفت الإنسانية مثل هذا الظلم؟!
وعلماء مصر يعرفون ما يتعرض له العلماء في السجون من تعذيب؛ لكنهم صمتوا خوفا وقهرا، وباع الكثيرون دينهم بدنيا مجموعة من الفاسدين الذين نهبوا ثروات مصر وأغرقوها في الديون.
وشعب مصر كله يعرف أسماء العلماء المسجونين ظلما، فقد انتخبهم بعد الثورة ليعبروا عن حلمه في الحرية والديموقراطية والاستقلال الشامل، وكانوا نجوما مضيئة في سماء مصر، وهم جديرون بالاحترام والتكريم، وسجنهم ظلم لكل شعب مصر، فكيف يرتضي شعب مصر أن يموتوا في سجنهم جوعا ومرضا وقهرا لأن النظام الانقلابي تملكته شهوة الانتقام التي تشبه تلك التي استبدت بأباطرة الرومان.
المجاعة ستضرب مصر
صدقوني إن الذين ارتضوا أن يجوع شعب غزة وعلماء مصر المسجونون ظلما سيعضهم الفقر بأنيابه في بطونهم، وسيفقدون الأمن الذي ضحوا من أجله بالحرية والإرادة والعزة.
ومن المؤكد أن نسبة الفقراء في مصر تزايدت خلال السنوات العشر الماضية، وانكسرت الطبقة الوسطي التي تضم العلماء والمهنيين الذين فقدوا القدرة علي مواجهة الغلاء وانخفاض قيمة الجنيه مع ثبات المرتبات، التي لم تعد تكفي حد الكفاف.
لكن الأوضاع لن تثبت علي هذه الحال البائسة، بل ستزداد سوء وقسوة؛ فالديون تتزايد وتلتهم فوائدها الناتج القومي كله، والطبقة المترفة التي صنعها السيسي لتحميه يتزايد فسادها وتغرق في الترف وتدمر القيم والأخلاق.
ولا يمكن أن تعيش دولة علي الديون والضرائب والنهب والفساد؛ لذلك يمكن أن يري المستقبل كل ذي لب وبصيرة، فشعب مصر سيتعرض للمجاعة كأهل غزة، إن لم ينتفض ويفرض إرادته ويدافع عن حقه في الحياة.
ويدرك شعب مصر أن سلطة الانقلاب سوف تستخدم قوتها الغاشمة ضد المتظاهرين كما استخدمتها في فض اعتصام رابعة والنهضة، والتي أرادت تلك السلطة أن توجه رسالة إلي الشعب: أن الموت هو مصير من يرفع رأسه ويتحدي قسوة الانقلاب الذي تدعمه "إسرائيل" وأمريكا وأوروبا والدول الاقليمية، ولذلك ستموت بعد أن يتم تصويرك بأنك إرهابي، أو ستتعرض للتعذيب والسجن دون أن يعرف عنك أحد.
وحتي الآن قهرت رسالة السلطة نفوس المصريين، لكن كل مصري يجب أن يواجه نفسه بالحقيقة؛ فإن كنت ستموت حتما؛ فمن العار أن تموت جبانا ذليلا خاضعا مقهورا؛ والله سبحانه وتعالي كرمك، وأراد لك أن تعيش حرا تعمر الأرض وتبني الحضارة وتكون عبدا لله وحده.
وعلماء مصر يجب أن يقوموا بوظيفتهم في الجهر بكلمة الحق، وبيان حكم الله، وأن يقودوا الجماهير لكسر أغلال الذل والوهن؛ فهذا هو الدور الذي يليق بهم، وبذلك يصونون كرامة العلم الذي أكرمهم الله به؛ فلا علم بدون شجاعة وأخلاق وقوة وقيادة.
المشاركة في إنقاذ مصر
نحن الآن في أخطر مرحلة في التاريخ، ولا يمكن أن تستمر دولة يتعرض شعبها لحالة ظلم عامة، فكل إنسان يتعرض للقهر ويخضع خوفا من سياط الجلادين؛ وكل من يحب مصر يجب أن يشارك في إنقاذها من الانهيار، فللقوة الغاشمة حدود؛ فإن كانت دولة الاحتلال الصهيوني فشلت في كسر إرادة إخواننا في غزة، فلن تستطيع سلطة الانقلاب أن تقهر إرادة شعب يدافع عن حقه في الحياة والحرية، لكن هذا الشعب يحتاج إلي العلماء الذين يجب أن يتقدموا لقيادته، ولإنقاذ مصر قبل أن تنهار.
ونحن يجب الآن أن نتجاوز خلافاتنا، ونبحث عن الثوابت التي يمكن أن توحدنا، ونعبر عن حلم شعبنا، ونمتلك الشجاعة لنعلن الحقائق بوضوح، وننتج أفكارا جديدة للكفاح، وأول تلك الحقائق التي يجب أن يعرفها العالم كله أن الإخوان المسلمين يعبرون عن إرادة الشعب في الحرية والديموقراطية والاستقلال، ولذلك كانوا أول من تعرض للظلم، وأنهم يدافعون عن حق الشعب في الحياة، وأن العلماء الذين يضربون عن الطعام في السجون هم الذين رفضوا الظلم بإباء وعزة وشجاعة.
ولقد قتلت سلطة الانقلاب الغاشمة الرئيس الشهيد محمد مرسي لأنه يعبر عن إرادة شعبه وحلمه بالاستقلال الشامل، وأن كل ما تتعرض له مصر اليوم من ظلم وفقر وقهر نتيجة حتمية للانقلاب الظالم الغاشم، وعلي كل من يريد أن ينقذ مصر أن يرفع صوته ويجهر بالحق ويرفض الظلم الذي بدأ بالانقلاب ولن ينتهي إلا بانتفاضة شعبية عامة يقودها العلماء، وأول ما تفعله هذه الانتفاضة كسر الحصار عن أهل غزة وفتح المعابر عنوة ، وإدخال الطعام .