المسلمون فى تايلند.. الواقع والتحديات
الأحد - 5 ديسمبر 2021
- يبقى مسلمو تايلند ضمن الأقليات التي تتعرض للفتنة في دينها ومحاولات مسخ هويتها
- يقدر عدد المسلمين في تايلاند بخمسة ملايين مسلم بما يشكل 10% من مجموع السكان
- محاولات محو الهوية الإسلامية هي أخطر التحديات التي تواجه المسلمين اليوم في تايلند
من بين كل الأقليات في العالم، تظل مشكلة مسلمي جنوب تايلاند، أو مشكلة مسلمي فطاني، واحدةً من أعقد وأصعب مشكلات الأقليات حول العالم، مع كونها الأقلية الوحيدة تقريبًا في العالم الآن التي تتعرض إلى الفتنة في دينها، ومحاولات عديدة لمسخ هويتها، بجانب الاضطهاد والعسف الذي يسومها إياه الجيش وقوات الأمن التايلاندية.
تقع منطقة فطاني بين ماليزيا وتايلاند، وتعود أصول سكانها لمجموعة الملايو المسلمة، التي تعود جذورها إلى العرب من أبناء اليمن، ولذلك فبرغم من أنهم يتكلمون اللغة الملايوية، إلا أنهم يكتبونها حتى الآن بأحرفٍ عربيةٍ.
ويضم الإقليم ١٨% من سكان تايلاند، وتنشط فيه منذ عشرات السنين حركة إسلامية قوية تدعو لإعادة الدولة الإسلامية التي كانت قائمةً فيه حتى مطلع القرن العشرين، وتضم أقاليم يالا وناراثيوات وساتول وبنجار.
وقد نشأت مملكة فطاني الإسلامية في القرن الثامن الهجري، أو القرن الخامس عشر الميلادي، بعد وصول الإسلام إلى هذه البقاع عن طريق قوافل التجارة ؛ حيث وصل التجار المسلمون إلى جنوب شرقي آسيا في القرن الخامس الهجري، أو الثاني عشر الميلادي، وأخذ الإسلام في الامتداد حتى صارت المنطقة كلها تدين بالإسلام وتحت حكم المسلمين في القرن الثامن الهجري وصارت فطاني مملكة إسلامية مستقلة.
خمسة ملايين مسلم
تُحدد التقديرات السكانية عدد المسلمين في تايلاند بخمسة ملايين مسلم، بما يشكل 10% من مجموع السكان، البالغ عددهم (63) مليون نسمة.
ويتركز موطن المسلمين في تايلاند في الولايات الجنوبية المتاخمة لحدود ماليزيا التي هي ولاية ناراتيواس، جالا، فطاني، وستول، وتقدر نسبة السكان المسلمين في هذه الولايات الأربع 85 % وتقدر نسبة المسلمين في هذه الولايات الأربع ب 90 %من عدد المسلمين في تايلاند عموما. وتبلغ نسبة المسلمين في فطاني أكثر من 80 % ويزيد عدد سكانها على 3.5 مليون نسمة.
واتخد الإسلام في طريق وصوله إلى هذه المنطقة محورين:
المحور الأول هو الجنوبي، حيث قدم إلى المنطقة عن طريق التجار العرب وخاصة الحضارمة، وأسس العرب الموانيء على سواحل فطاني في القرن الهجري، واتسع انتشار الإسلام بعد ذلك، وزاد انتشار الإسلام في القسم الجنوبي بتايلاند حتي صارت بأيدي المسلمين، وزاد قدوم العرب واندماجهم بالسكان.
المحور الثاني هو البري، من جنوب الصين من منطقة يونان حيث انتشر الإسلام في منطقة عريضة، وسيطر على مساحات واسعة، وأطلق الصينيون على المسلمين (الهوى) ونشط قدوم الإسلام عن طريق هذا المحور لاسيما في عهد الإمبراطور (قبلاى خان)، وقدم الإسلام مع العناصر المهاجرة، وتقدم مع توغلهم في شمالي تايلاند، وتمركز في بقاع شتي من وسط وشمال تايلاند، وحصيلة هذا المحور الآن 7ملايين مسلم، ويشكل المسلمون خمس جماعات سلالية كبيرة في تايلاند من العرب و الفرس و الهنود و الصينيين و الماليزيين و التايلانديين .
وينقسم مسلمو تايلند بين قوميات ذات أصول ملاوية يعيشون في جنوب تايلند في ولايات فطاني و يالا وساتون ومحافظة سونغكلا وناراتيوات و كرابي، أما من هم من ذوي الأصول البورمية والصينية فيعيشون في المنطقة الشمالية، بينما يعيش من هم من أصول هندية أو باكستانية وإيرانية وعربية في الوسط.
ويوجد بتايلاند حوالي 2500 مسجد ومصلي، ، منها 104 مساجد في العاصمة (بانكوك) وتتركز أكبر مجموعة من المساجد بما فيها المسجد المركزي في المقاطعات الجنوبية الأربع: وهي باتانى وبالاونا، وأثيغاز وساتول، حيث يبلغ عدد المساجد فيها حوالي النصف من المجموع العام، وأما المسجد المركزي الكبير فهو في مقاطعة باتانى، وتنشر باقي المساجد في أكثر من 32 مقاطعة، وبعض هذه المساجد تعمل على بناء مدارس ملحقة بها لتدريس العلوم الإسلامية لطلاب المدارس، وبعد انتهاء دروسهم النظامية، هذا وتخصص الحكومة ميزانية سنوية لإصلاح المساجد وبنائها.
ويوجد العديد من الجمعيات والهيئات الخيرية والمدارس الأبتدائية الإسلامية وبعض المدارس ملحقة بالمساجد، وهناك مدارس إسلامية صيفية، وتتدخل الحكومة في الإشراف على التعليم الديني، وترغم المدارس الإسلامية على قبول غير المسلمين بها وتفرض عليهم العلوم التايلاندية.
أما اللغات فهي: التاي، الإنجليزية، لهجات قومية.
وفى عام 1950 تم إنشاء كلية إسلامية في بانكوك وهي مؤسسة حديثة يزيد عدد طلابها على ثمانمائة طالب، وتقدم المنح الدراسية الحكومية لاستئناف الدراسة في الجامعات المحلية والمؤسسات الدينية في الخارج.
آمال المسلمين الضائعة
تعلقت آمال المسلمين في جنوب تايلاند بحكومة الانقلاب العسكري التي أزاحت «تاكسين شيناواترا» رئيس الوزراء الملياردير الطاغية في عام 2008م؛ حيث وعدت حكومة الانقلاب بتحسين أحوال المسلمين والنظر في مسألة الحكم الذاتي ووقف الاعتداءات من الأكثرية البوذية، وقد كان لبعض الأعضاء المسلمين في المجلس العسكري الحاكم دور في هذا التحول، واستبشر المسلمون عندما قدَّم رئيس الوزراء الجديد اعتذاراً رسمياً لهم عن بطش الحكومة السابقة بهم، وببدء في محادثات مع قادتهم بخصوص المطالب التي ينادون بها.
لكن ما حدث هو عكس ذلك تماماً، حيث زادت حوادث القتل والاعتداء والبطش بالمسلمين من قِبَل الجيش والأقلية البوذية في الجنوب، فمنذ الانقلاب العسكري قُتِل أكثر من ألفي شخص معظمهم أطفال ونساء وشيوخ، وهو الأمر الذي دفع بعضهم إلى القول بأنه بعد مرور أكثر من ستة أشهر على الانقلاب العسكري الذي تبنَّى قادته توجهاً مَرِناً مع المسلمين، حان الوقت للتخلي عن هذا التوجه والعودة إلى سياسة البطش السابقة، وهو ما دفع ملكة تايلاند للتخلي عن حياديتها وتوجيهها نداءً للحكومة لحثِّهم على توفير الأمن للمدنيين العزل في الجنوب أو تسليحهم وتدريبهم للدفاع عن أنفسهم؛ ولكن هذا التوجه الذي يراه بعض الناس منطقياً وعادلاً ويستهدف وضع حلول عملية تساعد المدنيين العزل، لا يخلو من مخاطر، أهمها: أنه يكرس النزعات الطائفية بين الأغلبية المسلمة التي تسكن الجنوب والأقلية البوذية التي ترى نفسها مستهدَفة أيضاً.
والأمر نفسه حدث بعد انقلاب واضطرابات عام 2010م حينما تعلقت آمال المسلمين ببعض شخصيات الانقلاب من العسكريين المسلمين ولكن خابت آمالهم.
وفى ظل ما يسمى بالحرب على الإرهاب، بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١م؛ شاركت الحكومة التايلاندية في هذه الحرب، وطاردت الكثير من العناصر الإسلامية في جنوب البلاد، واستغلت هذا الموقف، وبزعم مكافحة الإرهاب قامت بممارسة أسوأ ألوان العسف بمسلمي الجنوب، بحيث وصل الأمر إلى هدم المساجد على رؤوس روادها.
وكانت أسوأ هذه الحوادث تلك التي جرت في أبريل من العام ٢٠٠٤م؛ حيث اندلعت مواجهات بين قوات الأمن التايلاندية ومسلمين ينتمون إلى حركة تحرير فطاني المتحدة "بولو"، قتل خلالها ١٠٨ من الشباب المسلم، من بينهم ٣٠ تم قصفهم بالمدفعية بعد احتمائهم بأحد المساجد، فتم هدمه على رؤوسهم.الغزو البوذي للمسلمين
المؤسسات والهيئات الإسلامية
يوجد في كل ولاية من الولايات الإسلامية مجلس إسلامي يتولى الإشراف على الشؤون الدينية، كبناء المساجد وفيما يتعلق بالأحوال الشخصية من نكاح وطلاق، وكما يتولى الإشراف على التعاليم الإسلامية، وما إلى ذلك فيما يتعلق بالشؤون الإسلامية وتوجد تحت إشراف المجلس الإسلامي بولاية ناراستواس مدرسة دينية من مرحلة ابتدائية إلى ثانوية تسمى بمدرسة الشرقية الإسلامية، تدرس فيها العلوم الدينية والعربية، والعلوم العصرية التي تطبقها وزارة المعارف التايلاندية في مدارسها العامة.
وتلقن في هذه المدرسة العلوم بأربع لغات: هي اللغة العربية، والملاوية والإنجليزية واللغة التايلاندية؛ وإلى جانب هذا فإنه يوجد في تايلاند حوالي 25 مدرسة عادية يدبرها أصحابها من المسلمين وقليل من هذه المدارس يعلم الدين الإسلامي، ومعظمها يوجد في العاصمة، كما أن هناك مدارس دينية محضة للعلوم الإسلامية فقط.
إلا أن المسلمين في "تايلاند" يفتقرون بشكل عام إلى التعليم والوعي السياسي، فهم متأخرون في ميدان التعليم الإسلامي والتعليم العام على السواء، وليس هناك أي مؤسسة إسلامية كاملة تضمن مستقبل الأجيال القادمة، ولذلك يقتصر الإسلام على أداء الصلاة والصوم والحج، ولا يتم تطبيقه كمنهج حياة، كما أن من يهتم بالتعليم الديني يتلقى تعليمه من مؤلفات مكتوبة بلغة غير اللغة التايلاندية أو العربية، وضعها علماء في القرن الخامس عشر أو السادس عشر، ولا ترتكز على أساس النظرية الأصلية من القرآن والحديث.
وباستثناء عدد قليل من الرسائل ينعدم وجود أدب إسلامي باللغة التايلاندية، ولذلك ينتشر الجهل بمبادئ الإسلام الصحيح وشعائره، كما أن الحاجة ماسة إلى مجلة إسلامية قوية باللغة المحلية في سبيل نشر المعرفة الصحيحة عن الإسلام ومعالجة قضايا الانقسام والشقاق، أما من يبحث عن تعليم عام فيذهب إلى المدارس العامة المنعزلة عن الإسلام والتي يكون فيها التعليم البوذي إجباريا، وأما المدارس الإسلامية القليلة العدد إجمالا فقد تبنى قسم منها نظام التعليم الحكومي الذي تعترف به وزارة التربية والتعليم، ومن ثم هناك درس للدين البوذي يحضره الطلبة المسلمون وغير المسلمين، وفي تلك الحالة يثقل كاهل الطلبة المسلمين بتعليم الجانب الإسلامي خارج قاعة الدرس مدة ساعة ليست كافية ولا مؤثرة.
اللجنة المركزية للمسلمين
يسمى المسؤول الأول عن المسلمين بشيخ الإسلام، ويصدر قرار بتعيينه من الملك مدى الحياة بعد أن يتم ترشيحه من قبل مشايخ وجمهور المسلمين ويكون مستشارا للحكومة في شؤون المسلمين، ويتبع من الناحية الرسمية لوزارة التربية التي لها إدارة خاصة بالشؤون الدينية، ويجري له راتب شهري محدد، ويرأس لجنة تعرف باللجنة المركزية للمسلمين، أما أعضاء اللجنة فليس لهم راتب، ويتبعون وزارة الداخلية، ولهم الحق في تعويض مالي عندما يدعون لحضور اللجنة، وتتألف من أربعة عشر عضوا يتم انتخابهم في الغالب من أئمة المساجد الرسمية أو بتوصية من شيخ الإسلام.
ويلي اللجنة الإسلامية المركزية في الأهمية والتسلسل الإداري اللجان الإقليمية التي يبلغ عددها 24 لجنة، وهي تشكل في المناطق التي تعيش فيها اللجان عادة أمام أحد المساجد الإقليمية، وتتبع اللجنة المركزية بصفة مباشرة، ولا يتقاضى أعضاء هذه اللجان مرتبات ولا مكافآت، وهم يشغلون وظائفهم مدى الحياة، وشيخ الإسلام الحالي هو الحاج إسماعيل، وهو يحتل مركزا رئيسيا في جميع الأمور التي تتعلق بالإسلام وهو ممثل الملك فيما يخص حماية الحرية الدينية للمسلمين.
الوضع الاقتصادى للمسلمين
يعيش المسلمون في الجنوب كمزارعين يزرعون المطاط أو يشتغلون في مزارع المطاط ومناجم الذهب كعمال، كثير منهم أصحاب أعمال، وقليل منهم يمتلك المزارع، وليس لدى المسلمين في الجنوب شركات مهنية كبيرة ودائمة ولكنهم يمتلكون محلات تجارية صغيرة يديرونها بأنفسهم، ويعيش في بانكوك حوالي 250 ألف من المسلمين (20 %) منهم مثقفون و5 % وصلوا إلى المرحلة الجامعية، وقد كان معظم المسلمين في العاصمة مزارعين وبعضهم موظفون في الشركات المهنية ومكاتب الحكومة، إلا أن القاعدة العامة هي أن المسلمين في تايلاند فقراء ويعمل كثير منهم في الصيد، وأما الذين يتمتعون بأوضاع اقتصادية حسنة فهم قلة وهم في تناقص وانخفاض.
محنة المسلمين فى تايلند
بعد الاحتلال عملت حكومة تايلند على محو الإسلام في فطاني بالحروب الطويلة التي كان يُساق فيها الأسرى المسلمون إلى بانكوك عاصمة تايلند، كما أكرهت الفطانيين المسلمين على دراسة الثقافة البوذية، وتعلم اللغة التاهية (لغة تايلند)، وأمرتهم بالركوع لتماثيل بوذا التي أُقيمت في المعابد والساحات العامة.
وتمثلت أبرز مظاهر الاضطهاد التي عاشها المسلمون هناك إلى جانب الفقر، فيما يلي:
- السعى إلى محو الطابع الإسلامي من البلاد، بإرغام الشعب المسلم فيها على اتخاذ الأسماء والألبسة والتقاليد البوذية، واستعمال اللغة التايلندية.
- إلغاء المحاكم الشرعية، ثم سمحت بعد غضب الشعب وهياجه للقضاة المسلمين بالجلوس في المحاكم المدنية لسماع القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين.
- توطين البوذيين في المناطق الإسلامية..
- محاربة المدارس الإسلامية و الملايوية، وتطبيق قانون الإصلاح التعليمي للمدارس الإسلامية في فطاني لإضعاف مستوى التعليم الإسلامي.
- تصفية العلماء والدعاة جسدياً أو تهديدهم وإهانتهم وتشريدهم مما اضطر فريقاً منهم إلى الهجرة واللجوء إلى ماليزيا.
- نشر التأويلات والتفسيرات المنحرفة في الكتب المقررة في المدارس الحكومية وفي الترجمة التايلندية للقرآن الكريم، معتمدة في ذلك على بعض شيوخ القاديانية.
- حرمان المسلمين من ثروات بلادهم، كما حرمتهم المراكز الهامة والوظائف الحكومية، وكافة الحقوق التي يتمتع بها مواطنو تايلند.
أخطر التحديات
تبرز تحديات عديدة ضد المسلمين في قطاني خاصة؛ حيث تحاول السلطات البوذية التايلاندية إضعاف شوكة المسلمين وإذابتهم في الكيان التايلاندي ومن هذه التحديات:
- تغيير أسماء المسلمين وتغير أسماء القرى والولايات وإلغاء حجاب المرأة.
- الهجرة إلى قطاني: حيث تهجِّر السلطات التايلانديين البوذيين إلى قطاني للحد من الأغلبية المسلمة.
- إضعاف اقتصاديات المناطق المسلمة، وذلك بتمليك أخصب الأراضي للبوذيين.
- محاربة التعليم الإسلامي: من خلال محاولة فرض اللغة التايلاندية في الدواوين الحكومية.
- الدس الرخيص في تزييف الكتب الإسلامية.
- تشجيع البعثات التنصيرية للعمل في البلاد.