المسلمون فى رواندا

الاثنين - 22 نوفمبر 2021

  لعب المسلمون في رواندا دورا إيجابيا كبيرا خلال الصراع العرقي الدموي بين قبيلتي ( الهوتو والتوتسي ) ( الإبادة الجماعية )  في منتصف التسعينيات من القرن الماضي الميلادي، وذلك بعدم مشاركتهم في تلك المآسي من جهة، وتوفير الأمن والأمان لكل من التجأ إليهم من الأطراف المتصارعة من جهة أخرى، وبذلك أصبح المسلمون - وهم ضمن نسيج المجتمع الرواندي- أكثر قدرة على تفعيل الجهود السلمية وبناء الثقة والتسامح بين أبناء المجتمع من الهوتو والتوتسي.

وإلى تفاصيل أكثر عن الوضع في رواندا ..

تعد رواندا إحدى دول حوض النيل تقع وسط القارة الإفريقية شرق بحيرة فيكتوريا، يحدها شرقًا تنزانيا، وغربًا الكونغو الديمقراطية، وشمالاً أوغندا، وجنوبًا بوروندي. وأشهر مدنها "كيجالي" العاصمة و"جيتاراما" و"جيسيني".

السكان والمساحة:

يقدرعدد السكان بحوالي 12.63 مليون، وعدد المسلمين حوالي   2مليون ومائة ألف نسمة.

وتبلغ مساحة رواندا حوالى 26.338 كم2، وهذه مساحة صغيرة بالنّسبة لعدد سكّانها .

الجماعات العرقية : الهوتو 84%، التوتسي 15%، التوا (الأقزام) 1%.

الأديان : الأغلبية يعتنقون المسيحية، الكاثوليك 56.5 %، البروتستانت 26%، مسيحيون آخرون 4.6%، فيما يشكل المسلمون 11%، معتقدات تقليدية 2.7%.

اللغات : الكنيارواندا والفرنسية والإنجليزية والسواحلية.

كيف وصل الإسلام إلى رواندا :

وصل عن طريق التجار العرب من جنوب الجزيرة العربية (اليمن وعمان) ، والمهاجرين المسلمين إلى القارة الذين توغلوا من الساحل الشرقي للقارة الأفريقية بحثًا عن العاج والجلود والمعادن ، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

 ازداد عدد المسلمين في رواندا بعد موجات الهجرة في بداية القرن العشرين هربًا من المحتلين الأوروبيين في تنزانيا وأوغندا والسودان وكينيا ، وفقًا لما تشير إليه مصادر مكتوبة قليلة عن أصولهم.

وهناك كتب تتحدث أيضا عن دخول أعداد كبيرة إلى الإسلام ، دخلوه من أجل رحمته، وأخلاقه،واحترامه للشرف ، وتواضع التجار العرب الذين دخلوا البلاد لأول مرة في البداية.

كما تعزز الوجود الإسلامي من قبل التجار المسلمين من الهند الذين تزوجوا من نساء روانديات.

المسلمون فى ظل الاستعمار البلجيكي:

كان المسلمون دائمًا أقلية في بلادهم ، وقد مر المجتمع المسلم بمراحل صعبة في رواندا ؛ عانت أيام المستعمرين البلجيكيين من أبشع أساليب التعذيب ، حتى قتالهم بقواتهم ، وحاول المستعمر التفريق بينهم بزرع الفتنة والكراهية. كان المسلمون يؤدون طقوسهم وسط مضايقات ، وقد بذلت الجماعات التبشيرية خلال تاريخها جهودًا كثيرة لعرقلة انتشار الإسلام في رواندا ، واستغلت المشاعر المعادية للعرب وقدمت المسلمين على أنهم أجانب ومتخلفون وبرابرة!

 استمرت الإدارة البلجيكية في تهميش المسلمين وحرمانهم من التعليم والوظائف المهمة في الحكومة ، مثل بقية مواطني البلاد. ونتيجة لذلك ، اقتصرت فرص العمل للمسلمين إلى حد كبير على الانخراط في التجارة الصغيرة والعمل الحر البسيط مثل القيادة وما شابه ذلك.

  وضع المسلمين بعد استقلال رواندا

بعد استقلال البلاد عام 1962 م ، استمرت هذه المعاناة، واستمرت هذه الصعوبات حتى سقوط الحكومة التي ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية بحق شعب التوتسي عام 1994 م ، والتي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص، قتلوا في مائة يوم فقط ، وسقطت هذه الحكومة على يد الجبهة الرواندية الوطنية التي كانت تعارض هذه الحكومة، وهذه الجبهة هي التي أوقفت الإبادة الجماعية وتولت مقاليد الحكم منذ عام 1994 وحتى الآن ، هو الحزب الحاكم في الدولة ، ونجح في تأمين كل مناطق البلاد والتوفيق بين المواطنين ، فتحول الروانديون إلى تعايش سلمي.

وقبل الإبادة الجماعية عام 1994 كان ينظر إلى المسلمين بنظرة دونية لأنهم في رواندا كانوا يرون أنهم تجار بينما يحظى المزارعين بتقدير كبير.

كان عدد المسلمين قبل الإبادة الجماعية 4٪ التي كانت تعتبر منخفضة بشكل غير عادي مقارنة مع البلدان المجاورة.

 

 

الإبادة الجماعية :

لعب المسلمون في رواندا دورا إيجابيا كبيرا خلال الصراع العرقي الدموي بين قبيلتي ( الهوتو والتوتسي ) في منتصف التسعينيات من القرن الماضي الميلادي، وذلك بعدم مشاركتهم في تلك المآسي من جهة، وتوفير الأمن والأمان لكل من التجأ إليهم من الأطراف المتصارعة من جهة أخرى، وبذلك أصبح المسلمون - وهم ضمن نسيج المجتمع الرواندي- أكثر قدرة على تفعيل الجهود السلمية وبناء الثقة والتسامح بين أبناء المجتمع من الهوتو والتوتسي.

وقال مفتي رواندا صالح هبيامانا، إن السكان والحكومة الرواندية أدركوا الدور الإيجابي الذي يمكن أن يضطلع به المسلمون الروانديون في نشر روح التعاون والاحترام بين أبناء المجتمع الرواندي، فالكل رأى كيف يفتح بيت المسلم لكل من يلتجأ إليه، وكيف قدمت المساجد الأمان لكل من احتمى بها.

وأن الحكومة الرواندية العلمانية تحترم كل العقائد ولا تمنع أصحاب هذه العقائد من البحث عن الحلول المنسجمة مع خصوصياتهم الدينية والثقافية، فالمسلمون لهم محاكمهم الشرعية، وبعد تأسيس مجلس العلماء أصبح لهم قاض ينظر في عدد من القضايا خاصة في مسائل الطلاق والميراث.

ولم يكن الإسلام خلال الإبادة الجماعية في رواندا كدين الهدف الرئيسي لعمليات الإبادة الجماعية.

 وفقا لمارك لاسي من صحيفة نيويورك تايمز فإن "أأمن مكان أثناء الإبادة الجماعية كانت مناطق المسلمين" .

وكانت العاصمة  كيغالي مزدحمة بالكثير من المسلمين خاصة في حي بيريوغو. عندما حاصرت ميليشيات الهوتو المكان لم يتعاون الهوتو المسلمين مع الهوتو القتلة.

الهوتو المسلمين كان يقولون أنهم يشعرون بالارتباط أكثر من خلال الدين وليس من خلال العرق مما قلل من قتلى مسلمي التوتسي.

 في حين أن الهوتو المسلمين حفظوا أرواح معظم مسلمي التوتسي فإنهم أيضا حفظوا أرواح الآلاف من التوتسي المسيحية كذلك.

 

 

 

 

ما بعد الإبادة

ازداد عدد المسلمين في رواندا بعد الإبادة الجماعية عام 1994 بشكل كبير .

 أحد الأسباب المحتملة هو حماية المسلمين للعديد من اللاجئين سواء من الهوتو أو التوتسي. يفسر البعض أنهم تحولوا إلى الإسلام بسبب الدور الذي لعبه بعض الزعماء الكاثوليك والبروتستانت في الإبادة الجماعية.

وقد وثقت جماعات حقوق الإنسان العديد من الحوادث التي يسمح فيها رجال الدين المسيحيين من التوتسي باللجوء إلى الكنائس ثم التبليغ عنهم لدى ميليشيات الهوتو. كما تم توثيق تشجيع الكهنة ووزراء الهوتو لأتباعهم على قتل التوتسي.

قرر عدد كبير من التوتسي اعتناق الدين الإسلامي لمعرفتهم بأن المسلمين سيحمونهم من المتطرفين الهوتو. العديد من الهوتو أيضا قاموا بتغيير ديانتهم إلى الإسلام بعدما قرروا ترك ماضيهم العنيف وراءهم أملا في الاختفاء داخل المجتمع المسلم وبالتالي الهروب من الاعتقال.

وتزايد عدد معتنقين للإسلام بأضغاف ما كان قبل 1997. وفقا لمفتي رواندا فإن المجتمع الإسلامي شهد زيادة كبيرة في معتنقيه في 2002 و2003.

دور العبادة

يوجد مسجد كيميرونكو في كيجالي، في 15 مارس 2018، منعت السلطات في رواندا المساجد، في بعض مناطق العاصمة كيگالي، من استخدام مكبرات الصوت في الأذان، وذلك بعد أسابيع من إغلاق السلطات مئات الكنائس في العاصمة. وينطبق ذلك الحظر على المساجد في منطقة نياروگينگ، التي يوجد بها بعض أكبر مساجد العاصمة. وحسب السلطات الحكومية فقد جاء القرار بهدف كبح التلوث السمعي، ولم يلق القرار مقاومة تذكر من أئمة المساجد.

وكان رجال الدين الإسلامي ينبِّهون أتباعهم في خطب الجمعة والمواعظ في جميع مساجد رواندا، وكذلك في وسائل الإعلام ومن خلال منشورات خاصة، إلى عدم الوقوع في الاستقطاب، وضرورة مساعدة جميع الضحايا، وعدم الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو إتباع أية أيديولوجيا لا تتَّفق مع القرآن الكريم.

أصبح المسلمون فى رواندا أكثر قدرةً على تفعيل الجهود السلميَّة ونشر التسامح بين القبائل، وقد فتح المسلم بيته لكل من لجأ إليه، وكانت المساجد هي الأمان لكل مَن نزل بها.

 وقد ساعد ذلك على نشر تعاليم الإسلام بين القبائل، وكان من ثمرته إنشاء العديد من الجمعيات والاتحادات.

ومن هذه المؤسسات -مثلاً- (جمعية مسلمي رواندا) التي تتولى حاليًا نشاط العمل الإسلامي والتنسيق بين الاتحادات والجمعيات المسلمة، وتوجِّه جهود العلماء والتنسيق بينهم والاستفادة منها.

وتم تشكيل هيئة تضم خريجي الجامعات الإسلامية والعربية لتشرف على شئون الدعوة ومتابعة القضايا التي تهم المسلمين، وأيضًا يوجد للمسلمين محاكمهم الشرعية؛ وذلك بعد أن تم تأسيس مجلس العلماء الذي خرج منه القضاة الذين ينظرون في القضايا الخاصة بالطلاق والميراث.

مشكلات المسلمين في رواندا:

من أهم المشكلات التي تواجه مسلمو رواندا "التعليم"؛ فالجهود في نشر التعليم - خاصةً تعليم الدين - لا تزال في بدايتها وتحتاج إلى الجهد والمال.

وأيضًا المجال الصحي فليس هناك أي نشاط في هذا المجال "إلا القليل"، برغم أن المؤسسات التنصيرية تعتمد على المؤسسات الصحية والتعليمية.

وهناك أيضًا حاجة إلى الدعاة المتخصصين الذين يفهمون اللغة المحلية ويتقنونها حتى يجوبوا البلاد كلها، لأن المناطق الريفية في رواندا متعطشة إلى فهم الإسلام.

والاعتناء بالتعليم وإعطائه الأولوية بالإضافة إلى الخدمات الصحية، حيث أن الجهود في المجال التعليمي لا زالت في بدايتها، أما المجال الصحي فليس هناك أي نشاط في حين تعتمد المؤسسات التنصيرية كثيرا على المؤسسات الصحية والتعليمية.

والاهتمام بالدور الإعلامي لأن النشاط الإسلامي ينطلق من خلال وسائل الإعلام، مثل الإذاعة التي توجه برامج توضح فيها حقيقة الإسلام والتعريف بقيمه الإنسانية وجوهر دعوته وكذلك التعريف بوظيفة المسلم ودوره في المجتمع.