المسلمون في جمهورية أبخازيا
الثلاثاء - 5 أكتوبر 2021
عانى مسلمو أبخازيا، التي تمثل حاليا جزء من الاتحاد الروسي، من سياسات التهجير والنفي والتوطين القسري والذي استخدمه ستالين بقوة ووحشية في الثلاثينيات من القرن الماضي بشكل خاص.
وأدت هذه السياسات إلى هدم خريطة أبخازيا الديموجرافية، وأعادت تشكيلها من جديد فقد دفعت الحكومة المركزية الشيوعية بأعداد كبيرة من الروس والأرمن والجورجيين إلى أبخازيا حيث تم غرسهم في أرض ليست أرضهم في الوقت الذي نفت فيه تلك الحكومة عائلات جمّة من الأبخاز إلى خارج أرضهم وديارهم فتقلص تعداد سكان أبخازيا الأصليين من المسلمين وتدنت نسبتهم وصاروا أقلية في بلادهم بعد أن كانوا الكثرة الغالبة.
فقد كان الأبخاز يمثلون 85% من السكان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لكنهم بعد عمليات التهجير لهم مقابل عمليات الإحلال لجنسيات أخرى صاروا يشكّلون 17% فقط.
وإلى تفاصيل هذه البقعة من العالم :
تقع أبخازيا على الساحل الشرقي للبحرالأسود، أعلنت استقلالها عن جورجيا عام 1991 .
وهي جمهورية مستقلة عن جورجيا واقعياً، إلا أنها لا تحظى باعتراف دولي سوى من روسيا ونيكاراغوا وفنزويلا وسوريا.
في عام 1993 أجبرت الجيوش الجورجية على الانسحاب من المنطقة بعد حرب دامت لمدة عام مع الثوار الانفصاليين.
الموقع والمساحة والسكان:
تقع أبخازيا شمال غرب جورجيا على البحر الأسود.
ويقطنها غالبية من المسيحيين الأرثوذكس، وحوالي 10% من المسلمين.
وتبلغ مساحتة إقليم أبخازيا 8432 كم²، والعاصمة سوخومي، ومن مدنها الأخرى المهمة بيتسوندا، غالي، غاغرا.
ويبلغ عدد سكانها قرابة 242 ألف نسمة معظمهم من الروس.
النشاط البشري :
يعتمد اقتصاد أبخازيا على الزراعة وتربية الحيوانات وتشتهر بزراعة التبغ والشاي والحمضيات والكرمة وأنواع أخرى من الأشجار المثمرة والخضر والحبوب. وتنشط فيها تربية الحيوانات والدواجن وصيد السمك في البحر الأسود. وترتكز صناعاتها على المواد الأولية الزراعية والثروات المحلية، كصناعة التبغ وتعليب الفواكه والأسماك وتصنيع الشاي والألبان والجلود والأخشاب.
وفي أبخازية مكامن للزئبق والبيريت، وتولد من مياه أنهارها الطاقة الكهربائية (المحطة الكهرمائية على نهر غوميست). وتعد الصناعة السياحية مصدراً مهماً للدخل، كما تسهم المصحات والمنتجعات الجبلية والبحرية في نمو البلاد اقتصادياً ورفد اقتصاد جمهورية جورجية التي كانت تسيطر على معظم المنشآت في أبخازية، وأهمها في مدن صوخوم وغاغرا وغوداوتا وغيرهـا.
دخول الإسلام إلى أبخازيا :
قبل ظهور الإسلام، كانت النصرانية هي الديانة الرسمية لأهل جورجيا وذلك منذ عام 533م بعد أن غزاها الرومان ثم البيزنطيين، غير أن الإسلام وصل إلى هذه المناطق مبكرًا جدًا، حيث وصلها المسلمون في عام 25 هجريًا بعد فتح أرمينيا وأطلق عليها المسلمون اسم "بلاد الكرج" أو "كرجستان" ويتضح من الاسم قربه الشديد من الاسم الحالي للبلاد وهو "جورجيا".
وفي منتصف القرن التاسع الهجري سار العثماني على أبخازيا والأراضي الساحلية لأبخازيا ، وخاصة سوخومي ، وأصبحت القاعدة العسكرية للحكومة العثمانية.
ومع وصول القوات العثمانية انتشر دين الاسلام بين الأبخاز ، ثم ثار الأبخاز على الحكومة العثمانية في القرن الثاني عشر الهجري وطردوا الجيش التركي من قلعة سوخومي.
وانتشر الإسلام في أبخازيا خلال الفترة التي شهدت هيمنة الدولة العثمانية على المنطقة من الفترة الممتدة بين القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر، وطوال القرن التاسع عشر الذي شهد الحرب الروسية التركية تم تقسيم أبخازيا على أساس ديني كون المسيحيين عموما موالين لروسيا والمسلمين يقفون إلى جانب العثمانيين ضد روسيا, وقد انتصرت روسيا في نهاية المنطقة في الفترة بين عام 1860 وعام 1870, ونظرا لاندلاع اثنتين من الثورات في ابخازيا فقد أجبر معظم مسلم أبخازيا على الهجرة إلى الدولة العثمانية كما حصل في تهجير الشركس في 1870.
واضطر المسلمون إلى الهجرة خارج أراضيها، وانتشروا في مصر (وإلى الأبخاز تنتسب عائلة أباظة الشهيرة) والأردن وتركيا وسوريا.
الآلاف من الأبخاز والمعروفين باسم الشركس فروا من أبخازيا إلى الإمبراطورية العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر بعد مقاومة الغزو الروسي في القوقاز, واليوم تعتبر تركيا هي موطن لأكبر ومجتمع الشتات الأبخازي في العالم، وقد تختلف في تقديرات حجم الشتات الابخازي فيقول زعماء الشتات أنهم بلغوا مليون شخص، وتتراوح التقديرات الأبخازية أنهم من 150,000 إلى 500,000.
والآلاف من الأبخاز ، المعروفين باسم حرب العصابات ، فروا من أبخازيا إلى الإمبراطورية العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر بعد مقاومة الغزو الروسي للقوقاز.
وتعد تركيا موطنا لأكبر مجتمع من المهاجرين الأبخاز في العالم.
في عام 2009 ، حصل المسلمون في أبخازيا لأول مرة على إذن من ملك المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج في مكة. وفي 19 ديسمبر 2011 ، عقد المجلس الروحي للمسلمين في أبخازيا مؤتمره الإسلامي الرابع منذ وفاة أول رئيس له.
أبخازيا فى ظل الشيوعية:
مع صعود روسيا كقوة إقليمية في عهد القياصرة، بدأ المسلمون يتمركزون في مناطق معينة في جورجيا، كانت أهم هذه المناطق، منطقة "أبخازيا"، و"أجاريا"، وأوسيتيا الشمالية، فضلا عن وجودهم في المناطق الأخرى.ظلت أبخازيا دولة مستقلة حتى عام 1911م، وفي أعقاب انتصار الثورة البلشفية في روسيا، سمح لينين للمسلمين الأبخاز عام 1921م بإقامة دولة مستقلة لهم سميت وقتها (بلاد الأباظة المسلمة)، واستمرت هذه الجمهورية المستقلة تحكم نفسها بنفسها بواسطة دستورها الخاص لمدة عشر سنوات حتى عام 1931م عندما أمر جوزيف ستالين بضم أبخازيا (المسلمة) لجورجيا (المسيحية) كجمهورية ذات حكم ذاتي تابعة لجورجيا.
وقد عانى المسلمون من سياسات التهجير والنفي والتوطين القسري والذي استخدمه ستالين بقوة ووحشية في الثلاثينيات ضد المسلمين بشكل خاص.
وأدت هذه السياسات إلى هدم خريطة أبخازيا الديموجرافية، وأعادت تشكيلها من جديد فقد دفعت الحكومة المركزية الشيوعية بأعداد كبيرة من الروس والأرمن والجورجيين إلى أبخازيا حيث تم غرسهم في أرض ليست أرضهم في الوقت الذي نفت فيه تلك الحكومة عائلات جمّة من الأبخاز إلى خارج أرضهم وديارهم فتقلص تعداد سكان أبخازيا الأصليين من المسلمين وتدنت نسبتهم وصاروا أقلية في بلادهم بعد أن كانوا الكثرة الغالبة.
فقد كان الأبخاز يمثلون 85% من السكان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لكنهم بعد عمليات التهجير لهم مقابل عمليات الإحلال لجنسيات أخرى صاروا يشكّلون 17% فقط.
استقلال أبخازيا:
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، ألغت سلطات جورجيا برئاسة "إدوارد شيفرنادزة" الدستور الجورجي الذي كان يحمي حقوق الأقليات ويسمح بجمهوريات ذات حكم ذاتي، وكان من الطبيعي أن ترد سلطات أبخازيا بإعلان استقلالها وعودتها لدستور عام 1925م، وبالتالي سيادة المسلمين على إقليمهم الذي يُعَدّ أحد الطرق الإستراتيجية الهامة التي يطل منها الاتحاد السوفيتي القديم على موانئ البحر الأسود والمياه الدافئة.
فرد شيفرنادزة الرئيس الجورجي فى ذلك الوقت على إعلان المسلمين الاستقلال بإرسال عشرات الآلاف من الجيش الجورجي لاحتلال أبخازيا وعاصمتها سوخومي، واحتج وقتها بحماية الأقليات الجورجية والروسية، واستطاعت القوات الجورجية احتلال العاصمة الأبخازية سوخومي عاصمة الإقليم وبعض المراكز الساحلية الهامة وفرت القوات الأبخازية إلى الشمال على الحدود الروسية.
ولكن نجحت القوات الأبخازية في إعادة تجميع نفسها وتشكيل جيش قوي نجح في خوض غمار حرب طويلة مع الجيش الجورجي، وانضم إلى القوات الأبخازية متطوعو شمال القوقاز وجلهم من الشيشان، ونجحت القوات الأبخارية في حصار وطرد القوات الجورجية، واستعادة سيطرة المسلمين على أراضيهم وبلادهم في سبتمبر 1992م.
وبعد هزيمة جورجيا عسكرياً و الخروج الجماعي والتطهير العرقي للسكان الجرجان من أبخازيا.
وبالرغم من اتفاقية وقف إطلاق النار عام 1994 وعملية حفظ السلام المستمرة للآن لقوات كومنويلث الدول المستقلة والذي تشرف عليها الأمم المتحدة وتسيطر عليها روسيا، فالنزاع على السيادة لم يحسم بعد والمنطقة تبقى مقسمة بين إدارتين متنافستين، حيث أكثر من 83% من الأراضي تسيطرعليها الحكومة الانفصالية المتمركزة في سخومي والمدعومة من روسيا، ونحو 17% تحكمها حكومة جمهورية أبخازيا المستقلة ذاتياً, والتي تعترف بها جورجيا كالسلطة القانونية لأبخازيا, وتتمركز في وادي كودوري, الذي هو جزء من أبخازيا العليا التي تسيطرعليها جورجيا.
وفي 26 نوفمبر صادق المجلس الأعلى لجمهورية أبخازيا على الدستور الذي صاغ قانونيا قيام جمهورية ابخازيا بصفتها دولة مستقلة .
و بموجب الاستفتاء الشعبي الذي أجرى في عام 1999 فان جمهورية ابخازيا أعلنت دولة ديموقراطية ذات سيادة، وتم انتخاب رئيس لها.
ولا تعترف جورجيا باستقلال ابخازيا معتبرة الانتخاب والاستفتاء غير شرعيين.
وترابط قوات حفظ السلام الروسية على نهر انغوري.
اما في الجمهورية نفسها فيتواجد مراقبون من منظمة الأمم المتحدة وممثلون من الصليب الأحمر الدولي.
فيما تستمر المباحثات مع جورجيا تحت رعاية الأمم المتحدة وبوساطة روسيا ومشاركة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وتم تحديد منطقة 12 كيلومترا للأمن على طول نهر انغوري. وقد قامت جورجيا بمحاولات استفزازية عديدة ضد قوات حفظ السلام الروسية وذلك باطلاق النار على تلك القوات.
واتخذت رابطة الدول المستقلة في عام 1996 قرارا بفرض عقوبات تجارية واقتصادية ومالية وفي مجال النقل والمواصلات وغيرها ضد أبخازيا بغية إجبارها على اتخاذ موقف أكثر مرونة، وخصوصا فيما يتعلق بعودة اللاجئين والمهجرين.
وأعلنت روسيا في مارس عام 2008 إلغاء تلك العقوبات لأن أغلب اللاجئين الذين يحملون الجنسية الجورجية والذين كانوا يسكنون في منطقة غالسكي الابخازية عادوا إليها.
وتمارس ابخازيا سياستها الخارجية الرامية إلى إقامة علاقات تحالف مع روسيا.
وكانت تتقدم بطلب الاعتراف باستقلال الجمهورية إلى روسيا ومنظمة الأمم المتحدة وبلدان رابطة الدول المستقلة .
وتقدمت بهذا الطلب أخيرا بعد إعلان استقلال إقليم كوسوفو من جانب واحد في مارس عام 2008 .
اعترفت روسيا باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في 26 أغسطس عام 2008 بعد انتهاء حرب القوقاز التي بدأتها جورجيا بهجومها على أوسيتيا الجنوبية.
وقد وقعت روسيا في مطلع مايو عام 2009 مع كل من هاتين الجمهوريتين اتفاقية الحراسة المشتركة لحدود الدولة.