المصالح تغلبت على المبادئ: هكذا تعامل الغرب مع مذبحة رابعة!
السبت - 14 آغسطس 2021
- الساسة تنكروا للمذبحة.. والأصوات الحقوقية تدوي في فراغ.. وبوصلة الإعلام تنحرف أحيانا
- الإدارة الأمريكية متورطة في المذبحة بلقاءات وزير الدفاع "تشاك هيجل" المتكررة مع السيسي
- سارة لي واتسون: مذبحة رابعة ربما تكون أكبر وأبشع جريمة ارتكبتها أيّ حكومة مصرية على الإطلاق
- بايدن لم يختلف موقفه الحالي عنه أيام أوباما وليس مهتما برؤية تغيير مهيب في سياسة أمريكا تجاه مصر
- العفو الدولية: السلطات المصرية عازمة على توفير الحماية لقوات الأمن من أي مساءلة عن المذبحة
- "هيومن رايتس": مذبحة رابعة جريمة ضد الإنسانية و هناك حاجة لتحقيق ومقاضاة دولية للمتورطين
- صحف دولية: هناك نفاق مشترك في دعم القتل لمن يرفعون شعار قبول الآخر والتسليم بنتيجة الصندوق
- أمام جسارة نظام السيسي ولا مبالاته يبدو أن هناك تساهلًا أوروبيًا في التعامل معه والتغطية على مذابحه
- الغرب ينظر لنظام السيسي من زاوية المصالح فقط.. ومرور السنوات يؤكد أنه لن يساعد في تحقيق العدالة بملف رابعة
مقدمة:
ما زال موقف الغرب مما حدث في مصر من مذابح مروعة منذ انقلاب 3 يوليو 2013م ملتبسا، وسلبيا، وغير منصف.
وبرغم أن مذبحة رابعة، الأقوى والأعنف في كل ما جرى من مذابح على أرض مصر، كانت صادمة بكل المقاييس ومخالفة لقواعد القانون الدولي والإنساني، ظل الغرب على موقفه المتخاذل منها، وظهر جليا أن لغة المصالح هي ما يحكم تصرفات حكومات الغرب وساسته، وأن المبادئ التي يتشدقون بها ليل نهار هي كأصنام العجوة، يتم التهامها وقت الحاجة.
في محاولة اقترابنا من موقف الغرب مما جرى في رابعة، تم استقراء ثلاثة مسارات: الأول يتعلق بالمواقف الرسمية للحكومات، والثاني يخص مواقف المنظمات الحقوقية، والثالث يرصد مواقف وسائل الإعلام مما حدث.
بعد ثماني سنوات على المذبحة ظهر جليا أن حكومات الغرب تعاملت مع مذبحة رابعة بلا مبالاة، وقدرت أن الانقلاب العسكري يخدم مصالحها، لذلك لم تتردد في دعم الجنرال المنقلب، باعتباره الرجل القوي الذي يحقق الاستقرار -من وجهة نظرها- ويؤمّن مصالحها الاستراتيجية ومصالح الكيان الصهيوني، وسارع الجنرال بدوره بعقد صفقات سلاح ضخمة تفوق إمكانيات مصر وحاجتها الفعلية، لشراء سكوت هذه الحكومات على جرائمه وغض الطرف عما يرتكبه من انتهاكات بحق الشعب المصري يوميا، وهو ما حدث بالفعل، إذ تكتفي هذه الحكومات، ومن ورائها البرلمانات، ببيانات ركيكة لا تسمن ولا تغني.
أما المنظمات الحقوقية الغربية فكانت الأعلى صوتا والأقوى حجة، وخصوصا ذات الصفة الدولية منها، مثل منظمة العفو الدولية و "مراقبة حقوق الإنسان" ( Human Rights Watch) وغيرها، وبعضها يرصد ويحلل ويصدر بيانات عند حلول ذكرى المذبحة كل عام، ولكن "فقد أسمعت ان ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي"!
الإعلام الغربي المستقل عالج فضية المذبحة، على مدى السنوات الماضية، بحيادية وإنصاف، لكن العديد من وسائل الإعلام التي تم التأثير عليها من خلال جماعات الضغط أو شراء الذمم، بتمويل من جبهة الثورات المضادة، كانت منحازة بطبيعة الحال وبدت مواقفها سلبية من المذبحة.
موقف الإدارة الأمريكية:
الإدارة الآمريكية متورطة
الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، كان نائبا للرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، وقت وقوع مذبحة رابعة في أغسطس 2013، ووقتها أعتبر رافضو الانقلاب أن "الإدارة الآمريكية متورطة من خلال عدة نقاط منها وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل ولقاءاته المتكررة مع السيسي قبل وبعد الانقلاب وأعضاءالمجلس العسكري إضافة لسفيرتهم المعتمدة بالقاهرة آن باترسون، التي أعلنت رسميا أنها قابلت السيسي ٣٢ مرة بعد ما نصبه الرئيس محمد مرسي وزير دفاع، وكشف الدكتور البلتاجي على منصة رابعة أنها حضرت تساوم الرئيس الشهيد محمد مرسي بين السمع والطاعة أو الانقلاب العسكري، كما روت هي نفسها قبل نحو عامين في تقييم الإدارة الأمريكية لـ 8 سنوات على الربيع العربي؛ كيف انقلب الجيش على الديمقراطية في مصر، وزعمت إنْ كان ثمة انقلاب فإن الجيش يمكنه أن يقوم بذلك مجددا مع السيسي"([1]).
وحينها اعتبرت صحيفة ''واشنطن بوست الأمريكية'' إدارة أوباما ''شريكًا في الأحداث الدامية الرهيبة، التي قام بها النظام ضد عشرات الآلاف من المتظاهرين المتجمعين في خيام بميدانين في القاهرة''، مشيرةً إلى أن الجيش المصري عاد إلى ''الوضع الراهن قبل ثورة 2011 في مصر''.([2])
بايدن كأوباما..لا فرق!
سارة ليا واتسون خبيرة دولية في حقوق الإنسان ومديرة مؤسسة (DAWN) لحقوق الإنسان كشفت أن "بايدن ليس بعيدا في موقفه من مصر عن موقفه السابق إبان أوباما، وقالت إنه "بعد الإعلان عن الحكم في قضية أحكام الإعدام التي طالت 12 معتقلا من قيادات جماعة الإخوان في يونيو الماضي، بأيام قليلة زار وزير الخارجية الأمريكي بلينكن القاهرة والتقى السيسي، وطمأنه على "الشراكة الاستراتيجية القوية" لأمريكا مع مصر و التزام الرئيس بايدن بهذه العلاقة، على الرغم من وعود الرئيس بايدن السابقة بإعادة تقييم الدعم العسكري الأمريكي للحكومة المصرية".
وأضافت "تم تصنيف لقاء بلينكين مع السيسي على أنه رسالة امتنان لدور مصر المزعوم في المساعدة في التفاوض على وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل خلال الصراع الأخير في إسرائيل/فلسطين".
وتابعت في حوار مع "عربي 21" "بايدن لم يفِ بوعده، لأنه ليس مهتما بإعطاء الأولوية لرؤية تغيير مهيب في سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر، ولأنه من الصعب عليه للغاية محاولة تحدي علاقة الولايات بمصر أو إعادة التفكير فيها دون التعامل مع الإسرائيليين والسعوديين والإمارات إلى جانب شركات الدفاع الأمريكية التي تضغط بشدة على إدارة بايدن وكامل النظام السياسي الأمريكي للحفاظ على دعمهم المستمر والمتواصل"([3]).
صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير قريب قالت إن "بايدن لا يختلف عن أسلافه في عدم الاكتراث بالديكتاتورية في مصر". وأن "الغرب أيد ضمنا الإطاحة العسكرية بجماعة الإخوان المسلمين المنتخبة ديمقراطيا".
وأعتبر الكاتب بالصحيفة " كيفن بانون"، أن "مشاكل الشرق الأوسط تنبع من التدخل الغربي والأمريكي في المنطقة".
وأضاف "لا يختلف بايدن عن أسلافه، كما يتضح من عدم اكتراثه بالحكم الديكتاتوري في مصر، وسجل المملكة العربية السعودية المروع في مجال حقوق الإنسان والعدوان في اليمن، وعدائه تجاه كوبا".
وتابع "أيد الغرب ضمنا الإطاحة العسكرية بجماعة الإخوان المسلمين المنتخبة ديمقراطيا في مصر وحرّض على السقوط الأكثر عنفا للجماهيرية الليبية، التي كافحت لعقود من الزمن مع عقوبات أمريكية قاسية". لقد أدى الغرب إلى إطالة أمد الحرب الأهلية في سوريا، ولم يكن العراقيون هم من دمر بلادهم، بل كانت القوة الجوية الأمريكية بشكل أساسي"([4]).
موقف الحكومات الأوروبية:
في بداية المذبحة، أصدرت حكومات أوروبا بيانات "باهتة" تمسك العصا من المنتصف، وإن كانت تدل على انحياز مبطن للانقلاب.. وبعد ضغوط ووساطات وإغراءات مالية من قبل دول الثورات المضادة، وبخاصة السعودية والإمارات، ثم صفقات السلاح المشبوهة التي عقدها السيسي مع حكومات فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، تحول موقف ساسة الغرب الى دعم النظام الانقلابي صراحة وتناسوا تماما ما جرى من مذابح.
عقب المذبحة مباشرة، عقدت جلسة مغلقة في مجلس الأمن حول الأحداث، طلبت عقدها كل من بريطانيا وفرنسا وأستراليا. ذكرت رئيسة المجلس أن الأعضاء رأوا أنه من المهم إنهاء العنف في مصر وأن تمارس الأطراف أقصى درجات ضبط النفس.
وقتها أدانت فرنسا "أعمال العنف الدامية التي وقعت في مصر"، ودعت إلى وضع حدّ فوري للقمع. جاء ذلك في بيان لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وأضاف فابيوس أن القوة ليست هي الحل، ودعت فرنسا جميع الأطراف من الأحزاب المصرية إلى رفض العنف والبدء في الحوار لجميع القوى السياسية المصرية لغرض إيجاد حل ديمقراطي لهذه "الأزمة الخطيرة".
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية البريطانية في تصريح خاص "للجزيرة نت" إن حكومته تشعر بقلق عميق إزاء التقارير الواردة من القاهرة، وأوضح الناطق الرسمي أن الحكومة تحث على الحوار من أجل التوصل إلى حل سلمي، مشيرا إلى حديث وزير الخارجية في 27 يوليو/تموز 2013، عن أن الوقت مناسب الآن للحوار وليس المواجهة.
وقال وزير الخارجية الألماني وقتها، جيدو فيسترفيله: "نطالب جميع الأطراف بالعودة بشكل شامل إلى عملية سياسية تضم كل القوى السياسية".
واعتبرت وزيرة الخارجية الإيطالية إيما بونينو أن تدخل الشرطة "لا يسهم في إيجاد تسوية" ودعت قوات الأمن إلى المزيد من "التحكم في النفس([5]).
كل هذه الدول تبدلت مواقفها الآن وتناست المذبحة تماما، بعد أن وصلت صفقات السلاح معها حدا غير مسبوق، فنظام ما بعد الثالث من يوليو/تموز 2013 في مصر، لا يتوقف عن شراء الأسلحة الثقيلة، ضمن صفقاتٍ مليارية، ممولة في معظمها بالقروض والديون.
وخلال خلال زيارته لفرنسا، في ديسمبر 2020، التي استمرت ثلاثة أيام، عقد السيسي، من ضمن لقاءاته مع قادة الدولة في باريس، أربعة اجتماعات عسكرية مهمة، كان عنوانها الرئيس: طلب مزيد من الأسلحة في أفرع فنية متنوعة.
من خلال هذه اللقاءات وباستقراء السلوك المصري السابق في شراء الأسلحة من باريس، وبحسب تسريباتٍ صحفية فرنسية منها ما ورد بصحيفة "لا تربيون"، فإن القاهرة تتفاوض مع باريس على شراء ما لا يقل عن سرب جديد من طائرات "رافال" الفرنسية متعددة المهام، إن لم يكن سربين، بالإضافة إلى قمر صناعي عسكري متقدم، لأغراض الاستطلاع والتجسس والرصد الكهرو بصري، وعدد من القطع البحرية المتطورة.
في ذلك التوقيت تقريبًا، جرى التفاوض بين القاهرة وروما، على صفقة مليارية، بعد موافقة الحكومة الإيطالية على منح مصر تمويلات ميسرة لشراء طائرات مقاتلة طراز "يورو فايتر تايفون" وطائرات تدريب متقدم "إيرماكي/ M- 346" وقمر صناعي متقدم لأغراض التصوير الراداري. تستفيد الشركة الإيطالية، حال إتمام الصفقة، بالحفاظ على أسهمها مستقرة في سوق المال، بعد تلقيها ضربةً مؤلمة، إثر نجاح مخترِقين في التسلل لبعض بياناتها الداخلية، أدت إلى انخفاض سعر سهمها السوقي بمقدار الربع تقريبًا.
وتكمل القاهرة، من ضمن ما تسعى إليه، منظومة الأقمار الصناعية التي تطمح إلى امتلاكها في البث التليفزيوني والاتصالات المؤمنة والتصوير والرصد الراداري.
وأتت هذه المفاوضات الجديدة، عقب اتصال تليفوني مطول دار بين السيسي ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، في الـ20 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، جرى خلاله بحث العلاقات الاقتصادية والعسكرية وأمن الطاقة في شرق المتوسط وجهود مكافحة الإرهاب، وبعد أربعة أشهر فقط، على موافقة روما على بيع القاهرة قطعتين بحريتين (فرقاطتين) من شركة "فينكانتيري"، تسلمت إحداهما نهاية 2020 والأخرى في ربيع 2021م.
وكانت القاهرة قد تسلمت من برلين عدد 10 قطع بحرية خفيفة، بين زوارق الدورية وزوارق حماية السواحل، بعد موافقة الحكومة الألمانية ومجلس الأمن الاتحادي، على التسليم، وإعلام البرلمان بذلك، ضمن صفقةٍ تقدر بـ130 مليون دولار أمريكي، جرى إبرامها عام 2018، أي أننا نتحدث عن عقود سلاح ضخمة بين القاهرة والثلاث عواصم الأوروبية الكبرى.
والمحصلة أنه رغم ملاحظات الرئيس الفرنسي على ملف حقوق الإنسان، أبدت الحكومة موافقةً مبدئيةً على طلبات النظام المصري الحصول على أسلحة جديدة، وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية، نصًا، إن "بلادها تتطلع لترسيخ التعاون العسكري والأمني بين البلدين، لأن تلك العلاقات تمثل ركيزةً للاستقرار والأمن في منطقة المتوسط، خاصة في ضوء الدور المهم والحيوي الذي تؤديه مصر في تحقيق التوازن الإقليمي"!
وبحسب جريدة "Milano Finanza" الإيطالية، فإن شركة "ليوناردو" تتشوق لإنجاح مفاوضاتها الجارية مع مصر.. فكيف يمكن فهم ذلك، في ضوء الالتزامات الأوروبية بحقوق الإنسان وتأثير هذه الأسلحة "النوعية" على موازين القوى في المنطقة؟
الراجح أن النظام المصري الحاليّ، قياسًا على نظام مبارك، حيث يعتبر الأول امتدادًا للثاني بشكل أو بآخر، أكثر "جسارةً"، إن جاز التعبير، في وجه الانتقادات الأوروبية لحقوق الإنسان، ففي لقاء سابق مع ماكرون في القاهرة، تحفظ السيسي على التعريف الغربي لحقوق الإنسان، باعتبارها حقوقًا مدنية وسياسية، ودعا إلى التفكير فيها باعتبارها حقوقا أمنية وكفائية ضمن قيم المنطقة.
وفي زيارته الأخيرة إلى باريس، هاجم السيسي منتقدي أوضاع حقوق الإنسان في مصر، معتبرًا أن القاهرة "ليس لديها ما تخجل منه في هذا الصدد".
ولم تفرج مصر حتى الآن عن الناشط الحقوقي رامي شعث الذي تطالب الحكومة الفرنسية بإخلاء سبيله استرضاءً لزوجته الفرنسية، وترفض تسليم الأربعة المتورطين في مقتل ريجيني، بعد أن انتزعت من روما اعترافًا بأن الاتهامات الإيطالية للضباط لا تتجاوزها إلى اتهام المستوى السياسي المصري، كما ورد في البيان المشترك بين النيابتين أواخر 2020م.
أمام هذه الجسارة، يبدو أن هناك تساهلًا أوروبيًا في التعامل مع النظام في مصر،والتغطية على مذابحه، بما فيها مجزرة رابعة، تجلى في تصريح ماكرون بأن "بلاده لن تربط الدعم العسكري بملف حقوق الإنسان، لأن ذلك قد يؤثر على جهود القاهرة في ملف مكافحة الإرهاب"!
وبحسب كورادو أوغياس، الصحفي الإيطالي المتنازل عن وسامه، فإن الحكومة الفرنسية كان بوسعها استقبال السيسي استقبالًا رسميًا حافلًا يليق برئيس دولة حليفة، دون المبالغة في تكريمه، كما كانت تفعل العواصم الأوروبية مع "الديكتاتور" القذافي، قبل الربيع العربي. لكن الدول الأوروبية، على حد قوله، باتت تولي اهتمامًا كبيرًا بمسائل المال والطاقة وبيع التكنولوجيا، على حساب القيم.
ومن جانب آخر، ركز النظام المصري، منذ استحواذه على السلطة على منح كبرى الشركات الأوروبية حصصًا من الاستثمارات في مصر، لربط مصالحه بمصالحهم، مثل سيمنز وإيني وأورانج وداسو، وظهر أيضًا هذا التساهل في تمرير ألمانيا صفقة الزوارق للنظام المصري، بالتحايل على قرار منع بيع السلاح للدول المشاركة في حرب اليمن، كما أوضح النائب الألماني داغديلين([6]).
موقف المنظمات الحقوقية:
إفلات الجناة من العقاب
في أحدث بياناتها عن المجزرة، استنكرت منظمة العفو الدولية "آمنستي"، عزم مصر إعدام 12 معارضا، "بينما تفلت قوات الأمن من العقاب على مذبحة رابعة".
وفي الذكرى الثامنة لما وصفته العفو الدولية بـ"مذبحة رابعة"، قالت المنظمة إن "السلطات المصرية تقاعست عن محاسبة أي من أفراد قوات الأمن على قتل ما لا يقل عن 900 شخص (أحدث دراسة موثقة أثبتت أنهم 1014)، خلال فضهم العنيف لاعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة".
ولفتت المنظمة إلى أن المئات من الآخرين يقضون أحكاما طويلة بالسجن لمشاركتهم بالاحتجاجات، "مما يدل على الأولويات المشوّهة لما يسمى بنظام العدالة في مصر".
ولفتت المنظمة إلى أن محكمة النقض، الأعلى في مصر، أيدت أحكام إعدام بحق 12 شخصا، في يونيو، بينهم شخصيات بارزة من جماعة الإخوان المسلمين.
وقالت المنظمة إن المتهمين أدينوا في "محاكمة صورية جماعية" طالت 739 شخصا، عام 2018، فيما عُرف باسم "قضية فض رابعة".
وحذرت المنظمة من أن تنفيذ أحكام الإعدام قد يتم في أي لحظة، دون إشعار مسبق، كون الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، صادق على أحكام الإعدام النهائية فعلا.
وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، لين معلوف: "على مدى السنوات الثماني الماضية، أصبح جليا، وبشكل متزايد، أن السلطات المصرية عازمة على توفير الحماية لقوات الأمن من أي مساءلة عن دورها في مذبحة رابعة. فاختارت بدلا من ذلك الانتقام من الناجين وأسر الضحايا، وأي شخص يجرؤ على انتقاد وضع حقوق الإنسان المزري في مصر اليوم".
وأضافت معلوف أن "الرجال الاثنا عشر الذين يواجهون الإعدام محتجزون في ظروف قاسية وغير إنسانية وهم ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم، بعد محاكمة جماعية بالغة الجور، وذات دوافع سياسية".
وناشدت " السلطات المصرية إلغاء أحكام الإعدام والإدانة الجائرة هذه. كما يجب عليها اتخاذ خطوات، طال انتظارها كثيراً، لتقديم مرتكبي مذبحة رابعة إلى ساحة العدالة".
وحذرت معلوف من إنه "إذا استمرت ظاهرة الإفلات من العقاب هذه، فإن الأحداث المروعة التي وقعت في ذلك اليوم ستظل تلاحق مصر إلى الأبد".
وأردفت أنه "نظرا إلى مناخ الإفلات من العقاب السائد، يجب على المجتمع الدولي أيضا دعم الجهود الرامية إلى إنشاء آلية رصد لوضع حقوق الإنسان في مصر في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"([7]).
تورط مسئولين كبار
بعد عام من وقوع المذبحة، وفي 12 أغسطس 2014م، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرا تتهم فيه مسؤولين مصريين كبار بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" أثناء فض اعتصامات المساندة للرئيس محمد مرسي وأكدت على "الحاجة للقيام بتحقيق ومقاضاة دولية للمتورطين".
وجاء في التقرير الصادر تحت عنوان "حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر" إن "عمليات القتل لم تشكل فقط انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الدولية، لكنها بلغت على الأرجح مستوى جرائم ضد الإنسانية"، مشددا على أن هناك "حاجة لتحقيق ومقاضاة دولية للمتورطين" في حملة القمع هذه([8]).
جيش من اللوبيات
المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن «DAWN»، سارة لي واتسون، قالت إن هناك "جيشا من اللوبيات الذين تدفع لهم الحكومة المصرية أموالا كثيرة مقابل تلميع صورة السيسي بالولايات المتحدة كقائد محافظ على الاستقرار والأمن، ومحبوب من الشعب، وأنه سيحقق تطوّرا اقتصاديا للبلاد، بعضها لوبيات تستفيد من عمليات نقل الأسلحة الأمريكية لمصر".
وأشارت، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، إلى أن "مذبحة رابعة هي مذبحة مروعة ربما تكون أكبر وأبشع جريمة ارتكبتها أيّ حكومة مصرية على الإطلاق، وهي تمثل مصر بأسوأ صورة على الصعيد الدولي، لأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الصين في ما يتعلق بارتكاب المذابح الأبشع بحق المتظاهرين في التاريخ الحديث".
ما سبق يلخص مواقف المنظمات الحقوقية الدولية من المجزرة وهناك الكثير من المنظمات التي تعمل في الغرب، تطالب بتقديم الجناة للمحاكمة وتوفير محاكمات عادلة للمجني عليهم، ولكن أرباب السياسة والتنفيذيين في العالم ما زالو "أذن من طين وأخرى من عجين"!
الإعلام الغربي والمذبحة:
نفاق مشترك
قبل نحو 8 سنوات، تعاطفت صحيفة "الجارديان" البريطانية و"نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" الأمريكية مع ضحايا مذبحة رابعة واعتبرت أن ما حدث في 30 يونيو و3 يوليو 2013 انقلابا على الديمقراطية خططت له أجهزة مخابرات ونفذه وزير الدفاع الخائن عبدالفتاح السيسي بشكل دموي غير مسبوق خلال القرن الفائت على الأقل، وكان موقف هذه الصحف ودوريات أخرى معدودة على الأصابع يمثلون قطرات وسط غثاء من التضليل والتزوير لما حدث تحديدا في رابعة العدوية.
اليوم، يعيد بعض الصحفيين والباحثين، الكرة، فيكشفون نفاقا مشتركا لمن يرفعون شعار قبول الآخر والتسليم بنتيجة الصندوق، ويمارسون ممارسات مزدوجة في دعم الانقلاب والقتل رفضا للآخر وتأخيرا لتقدمه.
الصحفي الكندي جوين داير، كتب مقالا بعنوان "الاستبداد والديمقراطية: للجنس البشري تراث مزدوج"، نشرته جريدة "بريد قبرص" (Cyprus Mail)، مطلع أغسطس الجاري، وأبدى فيه تعجبه من التناقضات الحاصلة في العالم وفي الدول العربية بشأن التعاطي مع الديمقراطية".
وترجم موقع "إنسان" كيف ضرب "داير" مثلا بفشل الثورة المصرية التي جاءت بنظام ديمقراطي، سرعان ما أيد طيف من الثوار الانقلاب عليه بتأييد الانقلاب العسكري في 2013، موضحا أن "كثيرا من الناس ما زالوا يُعجبون بالزعيم "القوي"، حتى لو كان قاتلا".
وقال: "لا توجد ديمقراطية واحدة فاعلة في العالم العربي. ربما يكون الانقلاب الرئاسي في تونس هذا الأسبوع قد أنهى الديمقراطية في البلد الوحيد الذي حققها بالفعل خلال "الربيع العربي" في 2010-2011م".
وأضاف "لبعض الوقت أصبحت مصر ديمقراطية، لكن نفس الأشخاص الذين قاموا بالثورة اللاعنفية في القاهرة عام 2011 رحبوا بانقلاب الجنرال السيسي عام 2013 لأن مرشح الإخوان المسلمين فاز بالرئاسة. كما أنهم لم يعترضوا عندما قامت قوات السيسي بذبح ما يقدر بنحو 4000 من المؤيدين السلميين للرئيس مرسي في الشوارع"([9]).
أسوأ نزيف للدم
في حين كان الإعلام المصري غارقا في التحريض قبل وأثناء وبعد المذبحة، اختلف تناول الإعلام الغربي إزاء فض اعتصامي رابعة العدوية، سواء قبل الفض بأيام قليلة، أو عقب انتهاءه.
أشارت صحيفة ''الجارديان'' البريطانية إلى أن فض الاعتصام بالقوة زاد من تماسك نظام الإخوان المسلمين، على الرغم من الضحايا، وأضافت الجريدة حينها أن عدد من النشطاء والمنظمات الحقوقية أكدت وجود أسلحة في كلا الاعتصامين، رابعة والنهضة.
جريدة ''نيويورك تايمز'' الأمريكية تحدثت عن كواليس ما قبل الفض، موضحة أن هناك ضغوط حدثت من الإدارة الأمريكية لوقف الفض، عقب لقاء حدث مع عضوي من مجلس الشيوخ الامريكي ''جون ماكين'' و''ليندسي جراهام''، بعد أن أصابهم الإحباط لفشل المفاوضات، واستنفاذ الجهود الدبلوماسية أمام سيل الدماء، وقتل ما يزيد عن ألف متظاهر، لتصف الجريدة عملية الفض بأنها ''أسوأ نزيف للدم في التاريخ المصري الحديث''.
كما أدانت ''نيويورك تايمز'' قتل الصحفي ''مايك دين'' مصور شبكة ''سكاي نيوز'' البريطانية، أثناء تغطيته لفض الاعتصام، موضحة أنه أول صحفي غربي يموت في مصر منذ تسجيل لجنة حماية الصحفيين لمثل هذه الحوادث في مطلع التسعينات من القرن الماضي.
شراسة النظام
ومن جهة أخرى، جرت مجلة ''كومنتاري'' الأمريكية مجرى الإعلام المصري، فزعمت هجوم أنصار جماعة ''الإخوان'' على كنائس بمحافظات المنيا وسوهاج والسويس، على خلفية فض الاعتصام، متسائلة عن الأسباب وراء إقحام ''الجماعة'' للكنائس في صراعها مع النظام الجديد، مفسرة الأسباب بأن الأقلية المسيحية بعكس الجيش، يُمكن مهاجمتها، كما أنه جزء من تصور الجماعة بأنه "لا مكان للمسيحيين والعلمانيين في الدولة الإسلامية التي كانوا يطمحون لها"، بحسب الجريدة، واسترسلت أن العدد الكبير من القتلى في عملية الفض يوضح شراسة النظام الذي أطاح بالإخوان.
الربيع العربي يخبو
وأوضحت صحيفة ''ميرور'' البريطانية أن العنف الذي شهدته مصر في الفض دليل واضح على أن الربيع العربي يخبو، وعلقت صحيفة ''ذا تايمز'' البريطانية على تطورات الأوضاع في مصر عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، مطالبة الغرب باتخاذ رد فعل حاسم، قائلة: ''لقد كانت مذبحة، حتى لو كان الإخوان المسلمون يتحملون جزء من المسؤولية فإن عملية الفض لم تكن متناسبة مع الاستفزازات الإخوانية"، حسب قولها[10].
وما زال هذا التباين يحكم نظرة الإعلام الغربي لمذبحة رابعة إلى يومنا هذا، حيث نشر مئات المقالات والتحليلات والمقابلات بشأن المذبحة، وإن بدا أنه – في معظمه- بات أكثر انحيازا من ذي قبل للحريات، وأشد مطالبة بحقوق الإنسان وبمحاسبة المتورطين في المذبحة.
المحصلة أن الغرب ينظر لنظام السيسي من زاوية المصالح فقط، ومرور السنوات يؤكد أن الحكومات الغربية لن تساعد في تحقيق العدالة في ملف رابعة، ومن ثم لا يمكن التعويل عليها.. والحل سيبقى بيد المصريين وحدهم.
المصادر:
([1]) الحرية والعدالة، 11 أغسطس 2021، https://bit.ly/3xKjkoP
([2]) مصراوي، 14 أغسطس 2014، https://bit.ly/3m4eAbC
([3]) عربي 21، 8 أغسطس 2021، https://bit.ly/2Xjfs1s
([4]) الحرية والعدالة، مصدر سابق.
([5]) ويكيبيديا- الموسوعة الحرة، 10 يوليو 2021 ، https://bit.ly/3sfK3sh
([6]) نون بوست، 20 ديسمبر 2020، https://bit.ly/3xMLfVl
([7]) الحرة، 14 أغسطس 2021، https://arbne.ws/2VTp6Yp
([8]) فرنسا 24، 12 أغسطس 2014، https://bit.ly/3m8EgUx
([9]) الحرية والعدالة، مصدر سابق.
([10]) مصراوي، 14 أغسطس 2014، https://bit.ly/3m4eAbC