مصر| انتخابات الصحفيين 2025.. هل تُحرِّر النقابة من قبضة النظام؟

السبت - 1 مارس 2025

إنسان للإعلام- تقرير:

يسمونها في مصر "معركة الجنيه والكارنية" أو "معركة الخدمات" أو معركة البدل"، في إشارة إلى مبلغ مالي تدفعه نقابة الصحفيين، بنمويل من وزارة المالية لكل صحفي، كان في الأصل مجرد مبلغ رمزي يسمي "بدل التكنولوجيا" يستفيد منه الصحفي في شراء صحف أو خدمات.

 ومع الوقت، وفي ظل تنافس المرشحين الموالين للنظام الحاكم مع غيرهم على منصب النقيب، كان مرشحو النظام يراهنون على رفع نسبة هذا البدل كنوع من الرشوة للصحفيين، ونجحوا -في معظم الأحيان- في زيادته، إلى أن أصبح راتبا حقيقيا يعتمد عليه قرابة نصف الصحفيين.

ولأن شهر مارس يشهد انتخاب نقيب جديد للصحفيين، ونصف أعضاء مجلس النقابة (6 من 12) كل عامين، فالصحفيون على موعد مع معركة انتخابية جديدة كانت مقررة هذا الشهر، لكنها تأجلت إلى 2 مايو  نظرا لقدوم شهر رمضان.

المعركة التي من الطبيعي أن  تدور حول حريات الصحفيين وحرية تداول المعلومات والحصول عليها، والخدمات التكنولوجية والتدريب لرفع مستواهم، تحولت بالفعل إلى معركة "البدل" أو "الجنيه"، مقابل "الكارنية"، أي مقايضة الحرية والضوابط المهنية بهذا البدل من قبل مرشحي السلطة.

وبرغم ضعف قيمة البدل (3900 جنيه مصري تعادل تقريبا 80 دولارا أمريكيا)، أصبح الكثير من الصحفيين النقابيين يعتمدون عليه بشكل أساسي؛ للمساعدة على مصاريف المعيشة في ظل تدني الأجور، وهو ما جعل معادلة الحريات الصحفية غائبة، مقابل استمرار الدولة في صرف هذا البدل.

في الدورة الماضية للانتخابات (مارس 2023)، فاز مرشح مستقل بمنصب النقيب، هو خالد البلشي مقابل مرشح السلطة خالد ميري، وهو أمر غير معتاد منذ انقلاب 3 يوليو 2013، في ظل غياب الحريات العامة وهيمنة الدولة على النقابات، ما يجعل الانتخابات الحالية معركة حياة أو موت لنظام السيسي، حيث يسعى من خلالها لإنهاء استقلال النقابة وإعادتها إلى حظيرة السلطة، خاصة بعد أن خرجت معها، في الدورات الانتخابية الأخيرة نقابتا المهندسين والمحامين من تحت عباءة السلطة بفوز مرشحين مستقلين أو قريبين من التيار الناصري، كما دخلت نقابة الأطباء في صدام مع السلطة بسبب قوانين تُعاقب الأطباء على الأخطاء الطبية.

وفي المحصلة، كانت نتائج انتخابات المحامين والصحفيين والمهندسين مؤشرا على مزاج عام يسعى للتغيير ويرفض الحصار المفروض على النقابات منذ عام 2014.

تيار الاستقلال

في ضوء هذا التطور، ومع سيطرة تيار الاستقلال في هذه النقابات الثلاث، ومحاولة تصديها للسلطة ومطالبتها بالحريات، وتحالف نقابتا الصحفيين والمحامين ضد قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي دفعت به السلطة وأقره مجلس النواب، يوم 24 فبراير 2025، رغم فرضه مزيدا من القيود على الحريات، تسعى السلطة بكل قوة لإعادة "هندسة" انتخابات الصحفيين؛ بما يُمكّن الدولة من الهيمنة عليها مرة أخرى، خاصة أنها مع نقابة المحامين تلعبان- تاريخيا- دورا سياسيا معارضا ومطالبا بالحريات.

وانتعش هذا الدور بقوة حين كان المنتسبون لجماعة الإخوان المسلمين يفوزون في انتخابات النقابات عموما، وحصولهم على نسبة معقولة من مقاعد نقابتي المحامين والصحفيين.

وكان الفوز الكبير لتيار الاستقلال، في انتخابات الصحفيين مارس 2023، الذي اعتبره قطاع من الصحفيين والسياسيين زلزالا حقيقيا ضد النظام، مؤشرا لمرحلة تغيير، ورسالة مهمة للسلطة، التي سجنت واعتقلت عشرات الصحفيين، بمن فيهم النقيب الحالي خالد البلشي، وقيدت حرية الصحافة.

ويقصد بتيار الاستقلال النقابي، أولئك الذين يدافعون عن استقلال مهنة الصحافة والتصدي للتشريعات المقيدة والسالبة للحريات، ويشتهر المنتمون له بالتظاهر على سلالم النقابة، وهو نفس التيار الذي سيكون خصما عنيدا للسلطة في انتخابات مايو 2025، وقد كان مزعجا لها- بعد فوزه في انتخابات 2023-  بمطالبته عدة مرات بإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين ومطالبة السلطات بالحريات.

ومن الواضح أنه في كل مرة يزداد تغول السلطة على الصحافة تتوحد الجماعة الصحفية خلف المرشحين الذين يدافعون عن الحريات، ويعيدون ضبط دفة نقابتهم باتجاهها، لذلك يكرر الصحفيون أحاديث شهدتها انتخابات 2023 عن ضرورة "تحرير صناعة الصحافة المصرية من قبضة القوى الاحتكارية واستعادة استقلال النقابة".

وفي مؤتمرهم العام الأخير (ديسمبر 2024)، أصدر أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، عدة قرارات تضمنت المطالبة بإلغاء الحبس في قضايا النشر، والدعوة لإصدار قانون حرية تداول المعلومات، وجددوا رفضهم التطبيع مع "إسرائيل".

كما طالبوا بـ "إصلاح كل التشريعات الموجودة في البلاد جنائية ومدنية، بما يتناسب مع حريات الصحافة الواردة في الدستور"، و"الحفاظ على المؤسسات الصحفية القومية"، بعدما تردد أن السلطة تنوي غلق بعضها.

عودة "سلامة"

ومع انتعاش الأصوات المنادية بالحريات في النقابة خلال العامين الماضيين، وخشية أن يستمر تيار الاستقلال في الهيمنة على النقابة، رشحت السلطة هذه المرة عبد المحسن سلامة، نقيب الصحفيين الأسبق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق، وبدأت تحشد له بصورة كبير، لكن بمجرد ترشيح "سلامه" نفسه ضد النقيب الحالي خالد البلشي، بدأ الصحفيون يهاجمونه بعنف خاصة من تعرضوا للاعتقال.

ومن بين من هاجموا "سلامة" الصحفي هشام فؤاد، الذي سبق اعتقاله،  حيث قال إن "سلامة" هو "المرشح القريب من دوائر الحكم، والمعين في المجلس الأعلى للإعلام بقرار جمهوري...وتريد الحكومة أن يكون ذراعها في نقابة الصحفيين".

أضاف، في منشور على "فيسبوك"، موجها حديثه لـ"سلامة":"الحكومة التي تعبر عنها، هي التي تحبس 25 صحفيا على الأقل بينهم زملاء أمضوا سنوات طويلة في غياهب الجب، وهي التي حجبت مئات المواقع".

وأكد أن "كل القضايا التي تلفق للصحفيين بسبب تعبيرهم عن رأيهم السياسي، توجه لهم فيها الاتهامات الإكليشية: الانضمام لجماعة إرهابية والتمويل ونشر أخبار كاذبة"، ساخرا من اتهامه بذلك، إذ أنه صحفي ينتمي للتيار الناصري لا الإسلامي.

وانتقد "فؤاد" موقف النقابة حين كان عبد المحسن نقيبا سابقا، قائلا له: "ماذا فعلت مع الزملاء الذين تم حبسهم في عهدك، ومنهم زميلين تم اختطافهما من على سلم النقابة اثناء حضورهما فاعلية نظمتها النقابة، وهما الزميل الراحل أحمد عبد العزيز، والزميل حسام السويفي؟ وكم فاعلية نظمتها في النقابة لتسليط الضوء على معاناتهم وللمطالبة بتحرير الزملاء اثناء فترة ولايتك؟" مؤكدا أنه "لا مجال للمقارنة بين سلامة، وخالد البلشي"[1].

من جانب آخر، طالب الصحفي هشام جعفر، الذي كان معتقلا أيضا، عبد المحسن سلامة بأن "يقوم بإثبات حسن نيته وجدارته بالترشح بمطالبة السلطة التي يمثلها بأن تطلق سراح الصحفيين المعتقلين، ولا يكتفي بالوعود".

وقال، في منشور على "فيسبوك": "المعيار عندي في انتخابات نقيب الصحفيين ليس في إطلاق الوعود فيما يخص قضية الحريات وإنما يطلق المحبوسين من زملائنا ويزيلهم من على قوائم الإرهاب، طالما أنه قريب من الدولة أو أحد رجالها"[2].

مجلس مستقل

في انتخابات مارس 2023، فاز 3 من المعارضين (تيار الاستقلال) وهم: جمال عبد الرحيم ومحمود كامل وهشام يونس، وفاز معهم الصحفي محمد الجارحي المحسوب علي التيار المعارض، ما يعني وجود أربعة فائزين معارضين من ستة فازوا.

أيضا في تلك الدورة فاز مرشح حكومي واحد هو محمد يحيى يوسف، وخسر محمد شبانه السكرتير العام السابق للنقابة، الذي تواطأ مع أجهزة الأمن ليحول النقابة إلى مكان طارد للصحفيين، وقام بإغلاق مبني النقابة بحجة ترميمه.

وفي انتخابات مايو 2025 سوف يجري التنافس على مقاعد ستة أعضاء أتموا 4 سنوات في عضوية مجلس النقابة، هم: أيمن عبد المجيد، وحسين الزناتي، وإبراهيم أبو كيلة، ودعاء النجار، ومحمد سعد عبد الحفيظ، ومحمد خراجة.

ويستعد صحفيو "تيار الاستقلال النقابي"، وهم جبهة نقابية متنوعة الانتماءات السياسية والفكرية، لخوض المعركة على هذه المقاعد الستة، ولو تمكنوا من الفوز مع النقيب المستقل خالد البلشي ستخسر السلطة معظم – أو كل- مقاعد مجلس النقابة وينطلق قطار الاستقلال بصورة أكبر.

في المقابل بدأ "مرشحو السلطة"، تكثيف الاتصالات والمشاورات، مستخدمين اسم "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" و"الحكومة" لصالحهم، في محاولة لتعويض العدد الذي خرج منهم من المجلس الحالي.

ورغم اعتياد السلطات المصرية نفي أي تدخل في الانتخابات أو وجود مرشحين لها، إلا أن تسمية "مرشحي الحكومة/الدولة" شائعة بين الصحفيين لأنها أمر حقيقي ويظهر في إسناد وسائل الاعلام الحكومية لهم.

ويرى مراقبون أن انتخابات مايو 2025 ستكون "معركة تكسير العظام"، ويتوقع أن تشهد تحركات شرسة بين مرشحي تيار الاستقلال النقابي والمقربين منهم والمرشحين المحسوبين على الحكومة.


[1]  هشام فؤاد، منشور على "فيسبك، بدون عنوان، 21 فبراير 2025، https://2u.pw/2kU2OL6L

[2]  هشام جعفر، منشور على "فيسبوك" بدون عنوان، 21 فبراير 2025، https://2u.pw/lpFm349N