انتخابات "الصحفيين" .. واللعب مع نظام الانقلاب على المكشوف

الأربعاء - 22 فبراير 2023

- مصري حر
( هموم وطن )

تشهد مصر في مارس القادم إجراء انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين، ولمنصب النقيب الذي شغله ضياء رشوان، على مدى دورتين متتاليتين، وهى النقابة التي يحرص السيسي وحكومته ، على السيطرة عليها ،  لما لها من دور كبير في الحريات العامة ، وتحريك الأحداث السياسية ، بل كانت وقفات سُلّمها من محركات ثورة 25 يناير.

النظام العسكري بمصر، وأجهزته الأمنية قاموا بهندسة هذه الانتخابات على مدى السنوات التسع الماضية، حتى يضمنوا السيطرة الكاملة على النقابة، من خلال مجالس نقابية ذات أغلبية حكومية، أوصلت النقابة لما هى عليه الآن من تردي الأوضاع ، التي أدت إلى تراجع دورها في الشأن العام، وافقدتها التأثير في الرأي العام.

 ولعل "تكفين" مبنى النقابة من الخارج منذ أكثر من 3 سنوات، بدعوى تجديد  "الواجهة" يُظهر أن هناك بعدا سياسيا في الموضوع، لأن اغلاق سلالمها أمام المظاهرات والاحتجاجات هو هدف بحد ذاته لهذه السلطة، كما كان إغلاق نادي الصحفيين، بهدف التضييق على تجمعات الصحفيين،  وهذا خير دليل على الوضع المتردي للنقابة والصحفيين معا.

وعلى مدى عشر سنوات، وقفت النقابة عاجزة عن حماية أبنائها، الذين تم الزج بهم في قضايا نشر، بسبب تعبيرهم عن أرائهم وأفكارهم، إذ يقبع منهم الآن في السجون أكثر من 30 صحفيا،  دون أدنى أفق لانفراجة مستقبلية، بخلاف سياسات تكميم الأفواه التي تخيم على كل المؤسسات الصحفية والإعلامية، والفصل التعسفي لأكثر من ألف صحفي على مدى السنوات الثلاث الماضية.

نجحت هذه السياسات الفاسدة في التلاعب بالكتل التصويتية بالنقابة، حيث كان العدد الإجمالي لأعضاء النقابة فى 2012 لا يزيد على 8 آلاف و500 عضو، و كانت الكتل التصويتية فيها مقسمة لثلاثة كتل كبيرة رئيسية منتمية لأيدولوجيات ورؤى سياسية متنوعة، هى:  اليسار والليبراليين والإسلاميين ، ولكن خلال السنوات العشر الماضية شهدت النقابة تلاعبا كبيرا في العضوية، من خلال لجنة القيد والتي قادها في أوقات كثيرة المرشح الحكومي الحالي لمنصب النقيب خالد ميري، رئيس تحرير الأخبار، و التي فتحت الباب على مصراعيه للموالين للنظام، وضيقت على كل الصحف المحسوبة على المعارضة، ودخل النقابة كثيرون ممن لا علاقة لهم بالمهنة، من العاملين في المجالين الإداري والفني،  مما رفع إجمالي العضوية لقرابة 14 ألف عضو، أي زادت الكتلة التصويتية بحوالي 6 آلاف عضو في غضون عشر سنوات، معظمهم محسوبين على الصحف القومية، مما سيؤثر بالسلب على أي انتخابات قادمة.

وكانت الحكومات  تحرص في العهود السابقة بشدة على ان يتولى  منصب النقيب منتم للنظام، وليس معارضا، وذلك من خلال دعم مرشحها بمبالغ مالية إضافية لبدل التدريب الذي نما من 125 جنيها إلى 3 الاف جنيه.

 في ظل هذه السياسة، نجحت المعارضة أكثر من مرة في كسب معركة النقيب كما حدث مع جلال عارف وممدوح الولي ويحي قلاش، وكان التوازن في العضوية هو سيد الموقف بين القوى الثلاثة الرئيسية بالنقابة على مدار عقود مضت، ولكن في ظل التركيبة الجديدة للجمعية العمومية في العهد الحالي، أصبح للحكومة نصيب الأسد في العضوية والنقيب؛ مما ترتب عليه عدم قدرة النقابة، على العودة لدورها المجتمعي والتنويري وفي الدفاع عن الحريات العامة، بل و اصبحت مثقلة بسياسات إجبارية اغتالت الكثير من الأعراف النقابية.

وبترشح خالد ميري على منصب النقيب، أري ان الحكومة أصبحت تلعب مع الصحفيين على المكشوف،  فهذه الشخصية، الضعيفة نقابيا ومهنيا، ستكون النقابة في ولايته راضخة بشكل كامل لمخططات النظام، وسيتم نتأميمها بشكل فعلى ، فلن يكون لها دور في المرحلة المقبلة، فضياء رشوان رغم أنه نقيبا حكوميا، لكن كان يحرص بنسبة ما على التوزان بين الأعراف النقابية والاهداف الحكومية ، لكن هذا "الميري" سيكون سامعا مطيعا لكل ما تطلبه الأجهزة الأمنية، وبالطبع كلنا يعلم ان ولايته ستشهد حدث تعد له الحكومة من الآن، وهو الانتخابات الرئاسية المزعومة في 2024، ويخشى النظام ان تلعب هذه النقابة أي دور يخالف ما تستهدفه.

على الصحفيين في هذه الانتخابات، التي حدد موعدها في 3 مارس المقبل،  أن يثبتوا ولائهم لمهنتهم من خلال إسقاط هذا "الميري" وعدم السماح للحكومة بتمرير نجاحه، مهما كانت المغريات المادية أو المعنوية ، كما أرى ان نزول خالد البلشي  على منصب النقيب  فرصة جيدة؛  لإيجاد رمز معارض على رأس النقابة في هذه الفترة الحساسة من تاريخ مصر.

 أتطلع لأن يغلب على العضوية داخل المجلس القادم أعضاء مهنيون غير خاضعين للحكومة واهدافها الخبيثة، يستطيعون فرض كلمتهم، ويسيرون بسفينة النقابة بعيدا عن بحر الحكومة المظلم  ويحيون دورها في نهضة هذا الوطن، وهناك أسماء ذات تاريخ نقابي مضيء مرشحة للعضوية  وأن كانت قليلة،  لكنها قادرة ان تحدث التغيير الذي يتطلع له الصحفيون جميعا .

ولكى نكون واقعيين، فإن هذه التطلعات ليس من السهل تحقيقها، في ظل التركيبة المشينة للجمعية العمومية الحالية، بعد دخول النقابة  دخلاء على المهنة، همهم الأول تنفيذ رغبات من اتى بهم لعضوية هذه النقابة العريقة، ولكنى اتطلع لضمائر الصحفيين المهنيين "وهم ليسوا بالقليل"، أن يكون لهم دور في تحريك المياه الراكدة بنقابتنا، من أجل إنقاذ ما تبقى منها، بعدما تعرضت له من تجريف على مدار عقد مضى .

وعلى الصحفيين أن يعوا أن الانتخابات النقابية المقبلة، سيترتب عليها  مرحلة فاصلة في تاريخ المهنة؛، فمن خلالها إما أن تعود الصحافة لمكانتها كسلطة رابعة تستطيع أن تحاسب وتكشف الحقائق، وتحيي دور النقابة التاريخي في الشأن العام، ويشعر الصحفيون بعودة الروح للعمل المهني، وإما ستكون النقابة جثة هامدة يلتهم النظام ما تبقى منها، ويجعلها تابعا أمينا، ووقتها لن ينفع الندم وسيدفع الصحفيون فاتورة غالية من شرف مهنتهم  وحريتهم .