برنامج "سجال".. محاولة سعودية لتشويه الرموز الإسلامية والثورات العربية
الثلاثاء - 27 آغسطس 2024
- التوجه الإسلامي والثوري هما فقط معيار اختيار الشخصيات التي يدور حولها الـ"سجال"!
- البرنامج يأتي في سياق استهداف مفكرين لعبوا دورا جوهريا في الإطاحة بعدة أنظمة عربية
- بضاعة الضيوف هي الهجوم.. وكلهم مؤيدون للأنظمة الحاكمة وبعضهم تبوأ مناصب وزارية
- البرنامج يركز على تشويه صورة التيارات الإسلامية الفاعلة ومهاجمة الأشخاص لا نقد أفكارهم
إنسان للإعلام- خاص:
في مارس/آذار 2024، بدأت قناة "العربية" السعودية في الترويج لبرنامج "سجال"، الذي تعرّفه بأنه "برنامج فكري سياسي يقوم على نقد أفكار معينة، وبعض الشخصيات الفاعلة في الميدان الفكري السياسي، وتفكيك مشاريعهم وأفكارهم المؤثرة على الناس، بطريقة مباشرة تميل إلى السخرية الخفيفة وغير الفجّة".([1])
هذه "الأفكار المعينة" التي تقصدها القناة لا تعدو أن تكون أفكار التيار الإسلامي الذي شارك في ثورات الربيع العربي، فالبرنامج يركز -بشكل شبه حصري- على رموز الإسلاميين الذين لديهم تأثير سواء في داخل الحركات الإسلامية الفاعلة، أو تأثير في عموم الأمة العربية والإسلامية، وسواء كان هؤلاء المؤثرين منضمين للحركات الإسلامية فعليا، أو قريبين منها، أو محسوبين عليها بشكل أو بآخر.
فالبرنامج السعودي لا يلتفت إلى هذه الفروقات، إذ أن هناك عدة صفات إذا توفرت في شخصية ما، خصص البرنامج لها حلقة لنقدها، أو بالأحرى لمزها، ولذلك نجد البرنامج يستعرض في حلقاته شخصيات بينها اختلافات عديدة، كالمفكر الإسلامي سيد قطب، والشيخ محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي، والشيخ عبد المجيد الزنداني، والمفكر الإسلامي محمد أحمد الراشد، وأستاذ العلوم السياسية الكويتي عبد الله النفيسي، والفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن.
ورغم الاختلافات الواضحة في أفكار وتوجهات هذه الشخصيات، ورغم أن منهم من عُرف بالانتماء لتنظيمات إسلامية وغيره ممن لم يُعرف عنه ذلك، فإن هؤلاء الرموز يجمعون بين صفتين هما: التوجه الإسلامي بمفهومه الواسع، وعدم الرضا عن الواقع الحالي للأمة العربية والإسلامية والدعوة إلى تغييره، وهاتان الصفتان هما ما دفع برنامج "سِجال" لتخصيص حلقة لكل واحد منهم.
والأكثر من ذلك، أن العديد من هؤلاء المفكرين خصصوا جزءا كبيرا من كتاباتهم لنقد كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة، ومن هؤلاء طه عبد الرحمن وعبد الله النفيسي، غير أن ذلك لا يهم القائمين على برنامج "سجال"، فإذا كانت الشخصية إسلامية تنتهج منهجا إصلاحيا أو ثوريا، فإنها ستكون على قائمة البرنامج للنقد، بل و"السخرية" كما يقول البرنامج نفسه عن أسلوبه.
النظام السعودي واستهداف الإسلاميين
هذا الهدف الإعلامي المتمثل في نقد الإسلاميين ممن يحملون رسالة ترنو للتغيير هو -بطبيعة الحال- هدف نابع من نظرة النظام السعودي إلى الثورات التي أطاحت، قبل عِقد ونيف، بالأنظمة الحاكمة في تونس ومصر وليبيا واليمن، وكادت أن تطيح بنظام بشار الأسد في سوريا.
فقد كانت الحركات الإسلامية في القلب من الربيع العربي وساهمت مساهمة مباشرة في الضغط على تلك الأنظمة، التي فوجئت من مدى الاحتجاجات وكيفية تنظيمها، علاوة على ذلك، فإن الاستحقاقات الانتخابية المختلفة التي تبعت الثورات العربية فازت فيها الحركات الإسلامية في كل بلدان الربيع العربي تقريبا، الأمر الذي اعتبرته العديد من الدول في الإقليم، ومنها السعودية، نذير خطر.
ومما زاد من التخوف السعودي هو أنه منذ ثورات عام 2011، نشبت احتجاجات في السعودية والأردن والمغرب والبحرين وعمان والكويت([2])،ما أضفى شعورا عاما لدى تلك الأنظمة بأنها قد يُطاح بها كما أطيح ببعض الأنظمة الحاكمة في الدول العربية.
وعلى هذا، فإن "برنامج سجال" يأتي في سياق استهداف النظام السعودي للإسلاميين، أولئك الذين لعبوا -حسب وجهة نظر الحكومة السعودية- دورا جوهريا في الإطاحة بعدة أنظمة عربية، ولذلك، يردد مقدم البرنامج وضيوفه كثيرا وصف "الثوريين" باعتباره منقصة.([3])
محاولة إضفاء الطابع الفكري على البرنامج
ويحاول البرنامج أن يتمثل الطابع الفكري والثقافي، حيث إن المذيع والضيوف يأتون من خلفيات ثقافية، فجلهم إما كتاب أو باحثون.
فالمذيع مشاري الذايدي -على سبيل المثال- هو كاتب رأي في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، الذي له ماض في النشاط الإسلامي، قبل أن يمر بمرحلة "مراجعات فكرية"، ففي مطلع صباه، ترك الدراسة في السنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية (المتوسطة) لدوافع دينية، وفي عام 1991م، سافر إلى أفغانستان، ولم يتمكن من البقاء فيها، ثم سافر إلى إقليم السند في باكستان لتلقي علوم الحديث على يد الشيخ، بديع الدين السندي.
كما أنه درس على يد عدة شيوخ منهم: عبد الله السعد، وعبد الله بن حمود التويجري، والشيخ محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي، الذي سيخصص له "الذايدي" حلقة فيما بعد لمهاجمته والتهكم عليه([4]).
كما اعتقلته السلطات السعودية عدة مرات، قبل أن يعود ليعمل في إحدى أكبر القنوات الإعلامية السعودية، فقد اعتُقل أربع مرات في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينات، كان أطولها من عام 1412 حتى 1414 هجرية (1992 حتى 1994م) في سجن الحائر.
وتنوعت التهم التي وُجهت إليه بين "الإنكار العلني للمنكر"، و"تكفير الحكومات العربية"، خاصة الحكومة السعودية، وتقديم الدعم اللوجستي للمجموعة التي قامت بإحراق "فيديو البلجون" في الرياض عام 1991.([5])
ولهذا فإن اختيار قناة "العربية" لـ "الذايدي" جاء باعتباره على معرفة بالإسلاميين وأفكارهم وتراثهم ورموزهم، غير أن هذه المعرفة -إن صح وجودها- لم تعكس ثقلا فكريا للبرنامج، كما سنرى فيما بعد عندما نتعرض للأسلوب الذي يتبعه البرنامج.
أما عن الضيوف، فإن هناك ملاحظتين: الأولى أن الضيوف -في مجملهم- مؤيدون للأنظمة الحاكمة في بلدانهم بشكل واضح، بل إن منهم مَن تبوأ مناصب وزارية في بلده، مثل الكاتب المصري حلمي النمنم، الذي شغل منصب وزير الثقافة في إحدى حكومات النظام الانقلابي في مصر، وكذلك وزير الإعلام الموريتاني السابق، محمد ولد أُميّن.
هذا التوجه في اختيار الضيوف يمكن تفهمه إذا ما أخذنا في الاعتبار الهدف الأساسي من هذا البرنامج، المتمثل في الهجوم على العلماء والمفكرين الإسلاميين، الداعمين للتغيير في الدول العربية والإسلامية.
أما الملاحظة الثانية، فهي أن ضيوف البرنامج لا ينتمون إلى تيار واحد، فمنهم القومي ومنهم العلماني، كـ "النمنم"، الذي يرى أن "مصر علمانية بالفطرة"([6])،هذا التنوع كان من شأنه أن يُثري الحوارات التي يقدمها البرنامج، لو كان يهدف إلى العمق في الطرح، أو تقديم تصورات متماسكة منطقيا مضادة لتصورات الإسلاميين الذي يهاجمهم.
لكن متابعة حلقاته توضح أن ما يريده من ضيوفه ليس مقارعة الرأي بالرأي، بقدر ما يريد نقد الرموز الإسلامية وفقط، وبالتالي، في هذه الحالة، لا يهم القائمين على البرنامج إن كان الضيف محافظا أم علمانيا، طالما أن لديه ما يقدمه في سياق مهاجمة الإسلاميين.
التركيز على الأشخاص وليس الأفكار
أول ما يعرّف به "برنامج سجال" نفسه هو أنه "برنامج فكري"، بل إن الفيديو التشويقي الذي نشرته قناة العربية، في مارس/آذار 2024، حول البرنامج، جاء في عنوانه: "نغوص في عمق الأفكار"([7])،وعلى هذا، فمن المفترض أن ينتظر المُشاهد وجبة فكرية دسمة في كل حلقة من حلقات البرنامج.
غير أن المشاهد غالبا ما سيُحبَط من مستوى النقاش الذي يقدمه البرنامج إذا تعامل معه باعتباره برنامجا فكريا، فرغم أن قلة من الضيوف تحاول إضفاء شيء من العمق في طرحها، إلا أن معظمهم ليسوا كذلك، بل إن العديد منهم يفضّلون وصم الشخصية محل البحث على أن يناقشوا أفكارها.
بجانب ذلك، يحرص مقدم البرنامج دائما على أن يوجه الضيوف لموضوعات بعينها، ربما لا تكون هي لب ما يُنَظّر له المفكر الإسلامي محل النقاش، في حين يتجاهل أفكارا كبرى يطرحها هذا المفكر، ولا يعطيها حقها من النقاش، وهذا بدوره، يجعل الشخصية مقدَّمة في صورة مجتزأة ومشوهة غالبا.
على سبيل المثال: في الحلقة التي تحدثت عن الفيلسوف طه عبد الرحمن([8])،كان كلما حاول الضيف الاسترسال في شرح أفكار طه، كان مقدم البرنامج يحاول حرفه عن مساره عبر سؤاله عن موقف طه من "حزب الله" اللبناني، بالرغم من أن هذا الموضوع يعد على هامش مشروع طه، وما قدمه للفكر والفلسفة الإسلامية.
ومن المفهوم -بطبيعة الحال- أن السبب الذي يدفع "الذايدي" للتأكيد مرارا على مسألة "حزب الله" وتكرار طرحها في ذات الحلقة أكثر من مرة، هو أن هذا أحد الملفات التي تهم النظام السعودي، باعتبار أن الحزب هو أبرز حلفاء إيران، الخصم الأول للسعودية.
ومع ذلك، فحتى مع استيعابنا لهذا الدافع، إلا أن طبيعة النقاش نفسها تأتي منافية تماما لما يدعيه البرنامج السعودي من أنه "يغوص في عمق الأفكار"، ذلك أن المشاهد يمكنه أن يُلاحظ بسهولة أن ما يهم المقدم هو استخلاص نعت سلبي من الضيف في حق الشخصية محل الحديث، ثم تكرار هذا النعت دونما الغوص في أبعاد الفكرة ذاتها، وبعبارة أبسط، فإن البرنامج يركز على مهاجمة الشخص، لا نقد الفكرة.
وهنا نضرب عدة أمثلة للتدليل على أن البرنامج يبتعد عن الموضوعية، وعن وصفه لنفسه بأنه "برنامج فكري":
(1) ولنأخذ المثال السابق مرة أخرى هنا، فالحديث الموضوعي عن موقف طه من "حزب الله"، يستلزم الإجابة على عدة أسئلة: ماذا قال طه عن حزب الله؟ وما مسوغاته؟ وهل القضية التي أيد فيها طه الحزب هي قضية عادلة أم لا؟ وهل يختلف طه مع الحزب في قضايا أخرى؟ وما موقف طه من انخراط الحزب في سوريا وغيرها من الساحات؟
هذه الأسئلة ضرورية لجعل المشاهد يكوّن صورة حقيقية وشاملة -نوعا ما- عن أبعاد موقف المفكر محل النقاش من هذه القضية، وبدون هذه الأسئلة لا يمكن وصف الحوار بـ "العمق"، لكن ما فعله "الذايدي" هو مقاطعة الضيف، ليحيل هو موقف طه على أنه مدفوع بـ "أهواء السياسة وانفعالاتها"، هكذا دونما استعراض الأسئلة أعلاه.
(2) في الحلقة التي تتحدث عن المفكر الإسلامي محمد أحمد الراشد، سأل مقدم البرنامج الضيف عن موقف "الراشد" من غزو الرئيس العراقي، صدام حسين، للكويت في أغسطس/ آب 1990م.
وبغض النظر عن أن هذا السؤال هدفه تصنيف "الراشد" وفق المعايير الحالية للنظام السعودي، إلا أن ما يهمنا هنا هو غرابة رد الضيف، وتمرير مقدم البرنامج لهذا الرد، دون تمحيص، فقد جاء رد الضيف السعودي، خالد العضاض، بأن موقف "الراشد" كان هو ذاته موقف جماعة الإخوان المسلمين، المتمثل في تأييد غزو صدام للبلد الخليجي.
لكن هذا -في الحقيقة- مخالف للبيانات الرسمية للإخوان حينها، وتصريحات قادتها، التي رفضت غزو صدام للكويت، من ذلك أن "الغزو العراقي زلزل المؤمنين زلزالا لم يعهدوه. فقد تم احتلال إحدى الدول العربية -الكويت- من دولة تشترك معها في اللغة والدين والجوار والآلام والآمال وهي -العراق- التي تغزو أرضها وتستبيح دماءها وأموالها وتهتك أعراضها".
كما قال المتحدث الرسمي باسم الجماعة في حديث لإحدى الشبكات التليفزيونية: "إن موقفنا من أزمة الخليج تحدد في البيان الصادر صباح يوم الغزو، والذي عارضنا من خلاله الغزو العراقي وقلنا إنه عدوان لا مبرر له من الدين أو العقل أو المصلحة، وحذرنا من النتائج السيئة التي ستترتب عليه كعمل عدواني ظالم، وطالبنا بانسحاب العراق من الكويت وترك الكويت لأهلها يتصرفون في شؤونهم كأي شعب حر يتصرف في بلده، كما طالبنا الدول العربية ورؤساءها أن يتصرفوا لمنع هذا العدوان ومنع التدخل الأجنبي".
وربما هذه النقطة الأخيرة الخاصة بالتدخل الأجنبي، هي ما جعلت النوافذ الإعلامية السعودية -ومنها برنامج "سجال"- تروج بأن موقف الإخوان كان تأييد غزو صدام للكويت، فقد رفضت الجماعة التدخل العسكري الأمريكي في الأزمة، معتبرة أن هذا التواجد "مرفوض بكل المقاييس وعلى جميع المستويات"، وأن "من شأنه أن يعيد عصور الحماية والاحتلال السافرين للمنطقة، بل لدول الشرق الأوسط والدول النامية، الأمر الذي يعود بالعالم إلى قرن الاستعمار الذي تآمرت فيه الدول الأوربية على اقتسام شعوب أفريقيا وآسيا وجميع الدول المستضعفة".
وحيث إن البرنامج يدعي الموضوعية، فقد كان حري به أن يفرق بين موقف الجماعة من غزو صدام للكويت، وبين التدخل العسكري الأمريكي فيها، لكن هذا ما لم يفعله الضيف ولا مقدم البرنامج.
والأكثر من ذلك هو اعتراف "العضاض" بأن ما يقوله هو خلاف ما كان يظهر من "الراشد"، الذي "كان ينظّر ضد صدام"، وفق تعبير "العضاض"، أي أن الضيف يقر بأن الموقف العلني للراشد كان ضد الغزو، لكنه يدعي أن موقفه الحقيقي كان مؤيدا للغزو.
ويؤكد "العضاض" أن ما يقوله في حق الراشد "لا تجد له مرجعا، ولكن نُقل لنا في فترة من الفترات"، وحيث إن القاعدة تقول: "إن كنت ناقلا فالصحة، أو مدعيا فالدليل"، فقد كان على العضاض أن يثبت صحة نقله، خاصة وأنه يخالف الظاهر المعروف، كما كان من واجب مقدم البرنامج أن يسأل عن صحة هذا النقل.
لكن لم يحدث لا هذا ولا ذاك، ومرر الكاتبان السعوديان المسألة وكأنها مسلّم بها، وهو ما يطعن في مصداقية ما يُطرح في البرنامج.
وبالطبع، فإن الخطأ وارد على أي حال، لكن ما نسعى للتدليل عليه هنا هو أن "برنامج سجال" ينتهج تمرير الادعاءات، دون تمحيص، طالما أنها تطعن في فكر أو مواقف الحركات الإسلامية ورموزها، وبالتالي، لا يحق للبرنامج أن يدعي الموضوعية أو العمق في طرح الأفكار، إذ أن الشواهد لا تصدق هذا الزعم.
(3) ونختم بمثال أخير يوضح كيف أن البرنامج ينتهج "الحجب والتمرير" في سبيل هدفه المتمثل في مهاجمة الإسلاميين الفاعلين.
ففي معرض الحديث عن الشيخ الزنداني([9])،حاولت إدارة البرنامج وضع مشاركة الزنداني في الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان في إطار خاص بها، لربطه بتنظيم القاعدة وبزعيمه الأسبق، أسامة بن لادن، شخصيا.
وهنا تجاهلت إدارة البرنامج أن الجهاد في أفغانستان إنما أتى بدعم سعودي مباشر، بل وكان الملك الحالي، سلمان بن عبد العزيز، يجمع -آنذاك- الأموال بنفسه لإرسالها للمجاهدين، ورغم تجاهل مقدم البرنامج لهذه النقطة، إلا أن الضيف ذكر عَرَضا أن القتال في أفغانستان "كان مشروع دُوَل"، وأن "خطاب عبد المجيد الزنداني كانت تقوله تلفزيونات رسمية".
لكن بعد هذه الحلقة، نشرت قناة العربية مقطع فيديو ركز على ربط الزنداني بأفغانستان، واقتطعت القناة هذا الجزء من حديث الضيف الذي تحدث فيه عن جهود الزنداني في الجهاد ضد السوفييت لتضعه في فيديو يروَّج بشكل منفصل، غير أن اللافت أن إدارة البرنامج حذفت العبارة التي أشار فيها الضيف إلى أن دولا دعمت القتال في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي([10]).
وفي هذا الفيديو القصير، وصف البرنامج الزنداني بأنه "الأفغاني اليمني"، وأنه "ينتمي إلى التيار السلفي المتشدد، الذي دعا إلى الجهاد في أفغانستان عام 1979م"، في الوقت ذاته الذي تجاهل فيه البرنامج أن السعودية، بإيعاز أمريكي، وضعت ثقلها خلف دعوات الجهاد في أفغانستان.
ومن هنا، يمكن القول إجمالا، إن "برنامج سجال" الذي بدأت قناة العربية في بثه قبل أشهر معدودة يهدف بشكل رئيسي إلى تشويه صورة التيارات الإسلامية الفاعلة، التي تسعى للإصلاح والتغيير وتدعو له، سواء عبر منهج إصلاحي أم ثوري، لكنه في الحقيقة لا يصدق عليه وصف "برنامج فكري"، فهو يفتقر في جزء كبير منه إلى الموضوعية والعمق اللازمين لأي برنامج يتصف بهذا الوصف.
وأقصى ما يقدمه البرنامج هو التعريف المجتزأ والموجَّه ببعض رموز الإسلاميين، هذا مع التشغيب على شخوصهم ومواقفهم - وأفكارهم في أحيان قليلة.
_____________________
المصادر:
[1] برامج العربية - سجال، موقع قناة العربية السعودية، تاريخ الوصول 15 أغسطس/آب 2024 - الرابط
[2] Yasmina Abouzzohour, Heavy lies the crown: The survival of Arab monarchies, 10 years after the Arab Spring, Brookings Institution, March 8, 2021 - Link
[3] مشاري الذايدي يستضيف الباحث السعودي علي العميم لتحليل ونقد أفكار الدكتورعبدالله النفيسي، قناة العربية، 20 أبريل/نيسان 2024 - الرابط
[4] الوزير والكاتب الموريتاني محمد أميّن يناقش أفكار وتأثير الداعية محمد حسن ولد الددو في برنامج "سجال"، قناة العربية، 26 يوليو/تموز 2024 - الرابط
[5] مشاري الذايدي ... ورحلة التحولات الفكرية (حوار مع جسد الثقافة)، جسد الثقافة، 8 أغسطس/آب 2003 - الرابط
[6] خالد دسوقي، معركة جديدة بشأن هوية مصر: إسلامية أم علمانية؟، آر تي عربي، 6 أكتوبر/تشرين الأول 2015 - الرابط
[7] مع مشاري الذايدي، نغوص في عمق الأفكار الرائدة لنكشف الوجه الآخر في برنامج سجال تتباعونه على العربية، قناة العربية، 2 مارس/آذار 2024 - الرابط
[8] يناقش مقدم برنامج سجال مشاري الذايدي مع الكاتب خالد العضاض أفكار وتاريخ محمد أحمد الراشد، قناة العربية، 3 أغسطس/آب 2024 - الرابط
[9] مشاري الذايدي والباحث عادل الأحمدي يناقشان أفكار عبد المجيد الزنداني بإقامة الخلافة الإسلامية، قناة العربية، 8 يونيو/حزيران 2024 - الرابط
[10] الباحث عادل الأحمدي يكشف عن أسباب انخراط عبد المجيد الزنداني في الحرب ضد السوفييت في أفغانستان، قناة العربية، 12 يونيو/حزيران 2024 - الرابط