بعد قانون "نهب الوقف الخيري": تريليون و370 مليار جنيه في "بطن الحكومة" المصرية

الأحد - 12 سبتمبر 2021

من جديد عادت قضية "الوقف الخيري" في مصر لتتصدر مواقع التواصل الاجتماعي ، بسبب قلق المصريين علي هذه الثروة الهائلة ، وذلك بعد  تصديق السيسي ،  مؤخرا   على القانون رقم 145 لسنة 2021 بإنشاء صندوق الوقف الخيري، والذي أقره مجلس نواب العسكر في 28 يونيو 2021م، والذي يقنن إجراءات النظام للسطو على أموال الوقف الخيري بهدف توفير التمويل اللازم لمشروعات السيسي في العاصمة الإدارية، بدعوى معاونة الدولة في ملف التطوير والمشروعات القومية العملاقة، ومن خلال سطور هذا التقرير نفتح هذا الملف ونتعرض للمخاوف من تبديد ثرواته في مشروعات السيسي التي يحيط بها الفشل.

الصندوق بحسب القانون يتمتع بالشخصية الاعتبارية ويتبع رئيس الوزراء بهدف دعم الأجهزة الحكومية في إقامة وتطوير المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية للدولة وغيرها من المشروعات الاجتماعية والاقتصادية التي تُساهم في دعم الموقف الاجتماعي والاقتصادي للدولة.

سطو كامل

وبموجب القانون، تتكون موارد الصندوق من فوائض حسابات اللجنة العليا للخدمات الإسلامية والاجتماعية، وصناديق النذور، وصناديق إعمار المساجد القائمة في نهاية السنة المالية، وفوائض ريع الوقف، وسائر التبرعات والهبات والمنح النقدية أو العينية التي يتلقاها من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، ويقبلها مجلس إدارة الصندوق، بما لا يتعارض مع أغراضه. وأي موارد أخرى يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية، بشرط ألا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وهو ما يمثل برهانا ساطعا على إصرار النظام العسكري على السطو الكامل على أموال الوقف لغير ما خصص الواقفون. وينص القانون أنه لوزير الأوقاف سلطة التصرف في أموال صندوق الوقف، بما يتضمنه من أموال صناديق النذور، وإعمار المساجد، وتوجيهها لصالح مشروعات التطوير في الدولة.

وتعفى أموال وعوائد الصندوق من جميع الضرائب والرسوم، فضلاً عن ضريبة القيمة المضافة، وأحكام قانون ضريبة الدمغة، ورسم تنمية موارد الدولة على الصندوق. كما لا تخضع لأي نوع من الرسوم والضرائب المباشرة المفروضة حالياً، أو التي ستُفرض مستقبلاً، وتخصم التبرعات وغيرها من الموارد الموجهة للصندوق من الوعاء الضريبي للمتبرعين، طبقاً للقواعد المحددة قانوناً.

قوننة نهب الوقف

التصديق على قانون صندوق الوقف الخيري يمثل الخطوة الثانية على طريق قوننة نهب أموال الوقف الإسلامي، فقد صادق رئيس الانقلاب في ديسمبر 2020م على قانون رقم 209 الخاص بإعادة تنظيم هيئة الأوقاف، والذي هدف إلى قوننة إجراءات بيع الوقف بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، تحت ذريعة تشجيع نظام الوقف، وضمان استقلاله، وإدارته على نحو يعظم الاستفادة منه. ويحظى استثمار عوائد أموال الوقف باهتمام بالغ من السيسي، لا سيما أنه يعول عليها كثيراً في خفض نسبة العجز في الموازنة العامة، وتمويل مشروعات كبرى يتبناها، ويرى خبراء أنها غير ذات جدوى اقتصادية

ويجمع علماء المسلمين على أنه إذا وقف الإنسان شيئاً لزم الوقف، وانقطع حق الواقف في التصرف في العين الموقوفة، فلا يُباع، ولا يوهب، ولا يورث، وليس للواقف الرجوع في وقفه، حتى وإن احتاج إليه. ومن استولى على الوقف وباعه، فهو غاصب لهذا الوقف، حتى وإن كان هو مالكه الأصلي قبل أن يصير وقفاً، والواجب عليه أن يرده.

تريليون و300 مليار

المهندس علاء عبد العزيز، مدير عام هيئة الأوقاف المصرية،  قال إن حجم الثروة العقارية التابعة لهيئة الأوقاف فى مصر والتى تقدر بأكثر من 37 ألف وقف، تضم 106 ألف فدان و 4.7 مليون متر مربع أرض فضاء وعدد كبير من العقارات والمباني المنتشرة فى كافة ربوع جمهورية مصر العربية.

وبعد هذا التصديق أصبح أكثر من تريليون و300 مليار جنية ، داخل مغارة النظام المصري ، حيث  تعد  الأوقاف أغنى الوزارات في مصر، وذلك وفقا لحجم أملاكها؛حيث تبلغ المحفظة المالية للوزارة نحو تريليون و37 مليارا و370 مليونا و78 ألف جنيه، وفق ما أعلنه رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية سيد محروس سنة 2018م.

 وتتوزع هذه الأصول بين أملاك زراعية تقدر بـ759 مليارا و181 مليون جنيه وعقارات بقيمة تقديرية تبلغ نحو 137 مليار جنيه وأرض فضاء تقدر قيمتها بأكثر من 141 مليار جنيه.

 وعلى الرغم من ضخامة تلك الأموال فإن رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية الشيخ سلامة عبد القوي إبان فترة حكم الرئيس محمد مرسي (2012- 2013) شكك في صحتها، مؤكدا أنها تفوق ذلك بكثير.

الكشف عن حجم أموال الأوقاف  هو ترجمة لأوامر وتوجيهات رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي في ديسمبر 2017، وذلك ضمن مساع حكومية لضم أملاك هيئة الأوقاف من الأراضي والمباني إلى الصندوق السيادي الذي أنشأته الحكومة في أبريل 2018 برأس مال يبلغ مائتي مليار جنيه بحجة دعم الاقتصاد.

وفي في 25 ديسمبر 2017، دعا الجنرال عبدالفتاح السيسي إلى استثمار أموال الأوقاف ومساهمتها فيما أسماها بالمشروعات القومية، حيث وجّه السيسي، خلال اجتماع مع وزير الأوقاف، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة الأوقاف المصرية.

وكانت هيئة كبار العلماء التابعة بالأزهر الشريف قد تصدت لعبث النظام بأموال الوقف الإسلامي.

 وفي اجتماعها برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في 28 مارس 2018، اعتمدت الهيئة القرار الصادر عن مجلس مجمع البحوث الإسلامية، في جلسته المنعقدة 24 جمادى الآخرة 1439هـ الموافق 12 من مارس 2018، برفض نص المادة الأولى من مشروع قانون "هيئة الأوقاف" وأكدت أنه (لا يجوز شرعًا تغيير شرط الواقف، فشرط الواقف كنص الشارع، وعلى ذلك اتفقت كلمة الفقهاء قديمًا وحديثًا، ومن ثم لا يجوز بأي ذريعة مخالفة شرط الواقف، أو التصرف في الوقف على غير ما شرطه، وبناء على ذلك لا يوافق مجمع البحوث الإسلامية على مشروع النص المقترح على خلاف هذه القواعد الشرعية المتفق عليها)، وهو ما أيدته هيئة كبار العلماء في اجتماعها. لكن السيسي ضرب بفتوى الأزهر عرض الحائط وصاديق على القانون في ديسمبر 2020، ثم تلاه بقانون صندوق الوقف الخيري في إصرار على الجريمة وتبديد أموال الوقف الإسلامي. بينما تبقى أموال الوقف المسيحي التابع للكنيسة محميا لا يمس ولا يستطيع النظام الاقتراب منه لأسباب خاصة معلومة للجميع.

نهب أموال النذور والمساجد

وقد وافق برلمان العسكر في مايو الماضي ،  على مجموع مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن "إنشاء صندوق الوقف الخيري"، وإحالته إلى مجلس الدولة (جهة قضائية) لمراجعته، وتم التصويت النهائي عليه في جلسة لاحقة.

من جهته، قال وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، إن "إجمالي عائدات الوقف في مصر بلغ نحو 400 مليون جنيه (نحو 25.5 مليون دولار) العام الماضي، لتصل عائدات أرباحها إلى نحو مليار و540 مليون جنيه"، مضيفاً "نتوقع زيادة في عائدات الوقف لا تقل عن 200 مليون جنيه هذا العام، ليصل الفائض المرحل إلى نحو مليار و800 مليون جنيه مع بداية العام الجديد".

وهناك تخوفات من تمويل السيسي لمشروعات العاصمة الادارية الجديدة ، ومشروع حياة كريمة ، ومعونات كرامة وتكافل ، من صندوق الوقف الخيري الذي استولت عليه الحكومة بهذا القانون