بين الطوباويّة والميكافيليّة.. "حماس والشيعة"

الثلاثاء - 25 مايو 2021

- محمد الباز
( كاتب مصري )

 

يمثل التوازن بين التمسك بالقيم والأخلاق والمثالية من جهة وتحقيق المصالح والأهداف من جهة أخري إشكالية مفصلية، ليس بين المفكرين والمنظرين فقط بل بين العاملين فى المجال العام أيضا،  وحتي بين الناس فى الحياة العامة اليومية.

والأهم هو تحقيق هذا التوازن خلال الممارسة العملية، لا فى ميدان التنظير فقط، ورحم الله أبو العلاء المعري حين قال:

فإن كنتَ تبغي العزَّ فابغِ توسّط  ***   فعند التناهي يقصرُ المتطاولُ

نعم عند التعاظم والتناهي يقصر المتطاول، بل ربما يتضاءل وينكمش ويتلاشي، ولا يحفظ الإنسان والأمم من هذا المنزلق الخطير سوي التوسط والتوازن، وإعادة ضبط الميزان بين القيم والمصالح.

ولكن كيف نضع القيم والمبادئ الثابتة فى ميزان واحد مع المصالح والمنافع المتغيرة؟!

إن الواقع والأحداث والمتغيرات المتسارعة دائما ما تضعنا مجبرين أمام هذه الخيارات الصعبة، تحت وطأة متلازمة العمل العام التي لا مناص منها، فنحن أمام واقع لا يمكننا الهرب منه مهما تنكرّنا له، ولا يمكننا المطالبة بتغييره جذرياً ودفعة واحدة مهما حلُمنا بذلك.

ما يمكن أن أعرف به السياسة خلال هذه المرحلة هو أنّ: "السياسة ممارسة الحكمة".. نعم ممارسة الحكمة فى الاختيار بين ما هو سيئ وما هو أسوأ وبين الشر وما هو أشر منه.

معلوم أن الشيعة في إيران والعراق وسوريا ولبنان وفى كل مكان أعداء لكل سني، بل لكل إنسان عاقل، وما ارتكبوه من جرائم يفوق ما ارتكبه الصهاينة منذ احتلالهم فلسطين، ولكن تُرى لو أن جماعة يهودية عارضت الكيان الصهيوني وعارضت دولته السرطانية علي أرض فلسطين، وقدمت الدعم من أجل ذلك، ألا يحق لنا أن نشكرهم؟

يقول ابن عباس: "لو أن فرعون صنع معى معروفا لشكرته على ذلك"، هذا حبر الأمة يتحدث عن فرعون الذي قال: "أنا ربكم الأعلى".

لم يكن أحد من قادة حماس مانعاً سقوط بشار، ولم يشارك أحد منهم فى تدمير العراق، ولم يعمق أحدهم إنشقاق لبنان وتمزقه، لماذا يُحملون تبعات كل هذا بمجرد تصريح سياسي؟!.

على إخواننا وأهلنا من النخب فى سوريا والعراق ولبنان واليمن ومصر أن ينشغلوا بحل مشاكلهم بأنفسهم، وعدم إلقاء اللوم على الآخرين.

إن واقع المناخ العام للممارسة السياسية الآن، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، يصدُق عليه توصيف  كلينتون "السياسة الخارجية في هذا العالم المتغير بسرعة أصبحت نسخة من موسيقي الجاز"؛  فالذي لا يستطيع العمل فى هذا المناخ، والكف عن الصراخ، ولا يملك إلاّ التنفيس عن آلامه بردود أفعال خارج نطاق عمله السياسي، هو الخاسر الأكبر.

علينا أن نتمرس العمل العام، ليس وسط الصخب السياسي فقط، بل وسط ما هو أكثر من ذلك، فما هو قادم ليس كما مضى، بل هو الصعبُ والحزم والجد.

إِذا المَرءُ لَم يَحتَل وَقَد جَدَّ جَدُّهُ   ***   أَضاعَ وَقاسى أَمرُهُ وَهوَ مُدبِرُ

وَلكِن أَخو الحَزمِ الَّذي لَيسَ نازِلاً   ***   بِهِ الأَمرُ إِلّا وَهوَ لِلأَمرِ مُبصِرُ