الإعلام المصري .. من مواجهة الصهيونية إلى الهرولة نحو التطبيع
الخميس - 22 مايو 2025
- بعد هزيمة 1967 تحول الإعلام الناصري من العداء للصهيونية إلى التهدئة مع دولة الاحتلال
- عهد السادات شهد أخطر تحول في الخطاب الإعلامي نحو التطبيع بعد اتفاقية "كامب ديفيد"
- إعلام مبارك لم ينجح في حلحلة الرفض الشعبي لـ"التطبيع" رغم اشتهار دعاته وانتشارهم
- ثورة "يناير" طهّرت الإعلام من أذناب التطبيع.. وعهد "مرسي" شهد عودة خطاب المقاومة
- انتكاسة خطيرة بعد "انقلاب 3 يوليو.. ودعم علني للهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني
- نظام "السيسي" يدشن حملات للهجوم على المقاومة الفلسطينية وتعزيز العلاقات مع الكيان
- ما بعد طوفان الأقصى: دراسات صهيونية تؤكد فشل الإعلام المصري في الترويج للتطبيع"
إنسان للإعلام- تقرير:
شهد الإعلام المصري، بمختلف وسائله، تحولات جذرية في توجهاته السياسية والمهنية منذ ثورة يوليو 1952، مما أثّر بشكل ملحوظ على طبيعة الخطاب الإعلامي وأهدافه، خاصة ما يتعلق بقضية فلسطين.
في بدايات الحقبة الجمهورية، برز الإعلام المصري كمنبر رئيسي مناهض للسياسات الصهيونية في فلسطين، حيث كان ناقلاً لصوت القضية الفلسطينية، وداعماً لمفهوم المقاومة.
غير أن المشهد الإعلامي شهد تحولات لافتة مع نهاية عهد الرئيس جمال عبد الناصر وبداية فترة حكم الرئيس أنور السادات، مروراً بعهد الرئيس حسني مبارك، وصولاً إلى الواقع الراهن.
هذه التحولات أثارت تساؤلات عديدة حول التغيرات الملموسة في الخطاب الإعلامي المصري، خصوصاً تقارب بعض المؤسسات الإعلامية المصرية مع الخطاب الصهيوني.
يسعى هذا التقرير إلى رصد وتحليل التحولات التي طرأت على علاقة الإعلام المصري بالقضية الفلسطينية والخطاب تجاه "الكيان الصهيوني".
كما يستعرض التقرير نماذج محددة لهذه التحولات، ويختتم بتقييم مدى تأثير الخطاب الإعلامي على مواقف الشارع المصري من قضية التطبيع مع "الكيان".
- التحولات الإعلامية المشبوهة
مرّ الخطاب الإعلامي المصري نحو الكيان الصهيوني بمراحل عديدة في عهود حكام العسكر، ففي بداية عهد عبد الناصر، تبنى الإعلام خطابًا قوميًا وعروبيًا، داعمًا للقضية الفلسطينية، ومُحفّزًا على المواجهة مع السياسات الصهيونية.
تجلّى ذلك في تغطيات الحروب (1956، 1967) والشعارات الوطنية التي قدّمت "إسرائيل" كعدو رئيسي للمنطقة.
لكن في نهاية حكمه، خفت حدة هذا الخطاب، وظهرت تغيرات سياسية جوهرية أثبتها مؤخرا تسريب صوتي له مع القذافي (أغسطس 1970)، أي قبل أسابيع قليلة من وفاة عبد الناصر في 28 من سبتمبر/أيلول من العام نفسه، أظهر فيه انفتاحه على الحل السلمي، محذرًا من "نكبة جديدة" شبيهة بنكبة عام 1948.
ويظهر مضمون التسجيل الصوتي موقفًا "مُغايرًا" للمواقف المعلنة لعبد الناصر حول ضرورة استمرار الحرب مع "إسرائيل" وطردها من الأراضي العربية و"تحرير فلسطين من النهر إلى البحر" كما كان يتردد في تلك الفترة.
وقد دلل هذا التسجيل، الذي اعترفت أسرته بصحته، على أسباب خفوت الهجوم الإعلامي المصري على الكيان الصهيوني في نهاية عهد عبد الناصر[1].
وفي عهد السادات شهد الخطاب الإعلامي المصري التحول الأكبر نحو التطبيع، خاصة بعد زيارته إلى القدس في نوفمبر 1977، والتي مثّلت زلزالاً سياسياً هزّ المنطقة والعالم، ثم أتبعها بعد 16 شهراً بتوقيع اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني في آذار/مارس 1979.
وقد تضمنت تلك الاتفاقية بنوداً خاصة بتطبيع العلاقات بين البلدين، وسعى السادات لتنفيذها في عهده، كما بذل النظام المصري جهوداً جبارة لتسويق التطبيع مع الكيان الصهيوني على المستوى الشعبي من خلال مختلف وسائل الإعلام.
وعليه، ظهر في عهد السادات رؤوس إعلامية وصحفية قامت بالترويج للسلام مع الكيان الصهيوني، رافعين راية التطبيع، ومنهم أنيس منصور الذي تبنى من خلال مقالاته في صحيفة "أخبار اليوم" فكرة طيّ صفحة الماضي مع الصهاينة، وعبّر عن دعمه لعملية السلام والتعاون بين مصر و"إسرائيل" بعد معاهدة كامب ديفيد.
وأيضاً موسى صبري، الذي دشّن حملات مستمرة لدعم السلام مع الكيان، وكذلك صلاح منتصر، وهو من الكتاب الصحفيين الذين دعموا توجه السادات نحو السلام مع إسرائيل وكان معروفاً بمقالاته الداعمة لعملية السلام في صحيفة الأهرام.
ومن الإعلاميين البارزين أيضاً الراحل مفيد فوزي، وهو من أبرز الشخصيات التي دعمت عملية السلام مع دولة الاحتلال، واشتهر بآرائه المؤيدة للسادات وسياسات السلام[2] .
ثم جاء عهد مبارك، الذي شهد أيضاً صعوداً للحملات الإعلامية والصحفية الداعية للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وبالرغم من بذل نظام مبارك وإعلامه كل الجهد لفتح أبواب التطبيع مع الكيان، إلا أن هذه العلاقات ظلت محصورة في المناخ الذي بدأت فيه، في الجانب الرسمي الحكومي المتمثل في تبادل السفراء وافتتاح السفارات لكلا الطرفين وبعض جوانب التبادل التجاري المختلفة، في حين لم تتمكن من اختراق الحاجز الشعبي والمجال غير الرسمي والقيود التي فرضتها الضغوط الشعبية أو تلك التي أدار فيها النظام والدولة علاقات مصر بدولة الاحتلال.
ظهر في عهد مبارك أيضاً بعض الصحفيين والإعلاميين الذين تبنوا مواقف مؤيدة للتطبيع، أو على الأقل دعوا إلى الحوار والانفتاح مع "إسرائيل" تحت شعار "السلام". ومن أبرز هؤلاء د. عبد المنعم سعيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات رئيس مجلس إدارة مؤسسة "الأهرام" الأسبق، والراحل مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام الأسبق، والكاتب والمؤلف علي سالم صاحب الدعوات الصريحة للتطبيع، وحمدي رزق، رئيس تحرير المصور الأسبق، وإن كان ليس من دعاة التطبيع بشكل صريح، لكن مواقفه تطورت لاحقاً، وتعرض لانتقادات حينما كتب بشكل غير سلبي عن التعاون مع "إسرائيل" في قضايا معينة، ود. أسامة الغزالي حرب الذي اعترف فيما بعد بخطيئة دعوته للسلام مع الصهاينة بعد جرائم الاحتلال في قتل المدنيين في معركة "طوفان الأقصى"[3] .
ومع قيام ثورة "يناير" تطهّر الخطاب الإعلامي من خطيئة التطبيع، وأصبح أكثر عداءً تجاه ملف التطبيع مع دولة الاحتلال، وتنامى هذا الخطاب العدائي مع الكيان الصهيوني بعد وصول أول رئيس مدني لسدة الحكم، حيث تبنى الرئيس الراحل د. محمد مرسي نهجاً مغايراً، وعاد خطاب المقاومة إلى الواجهة، وبلغ ذروته خلال عدوان 2012 على غزة، حين صرّح مرسي: "مصر لن تترك غزة وحدها"، في موقف خُلِّد تاريخياً [4].
- الهرولة نحو التطبيع
"السيسي صهيوني أكثر من الصهاينة أنفسهم!".. بهذه العبارة الصادمة وَصَفَ أحد السياسيين البارزين في الكيان الصهيوني طبيعة العلاقة الاستثنائية لنظام الحكم الحالي في مصر مع دولة الاحتلال، مُؤكِّدًا أن التعاون بين الجانبين قد تجاوز كل الحدود التاريخية المعتادة، ليدخل مرحلةً من التماهي لم تُسجَّل سابقًا في سجلات العلاقات المصرية "الإسرائيلية".
في هذا السياق، حرصت أجهزة الإعلام المصرية -الخاضعة لسيطرة مؤسسات الدولة السيادية- على محاكاة الرواية الرسمية التي تتبنَّاها سلطات الانقلاب وقائدها، حيث برزت مظاهر التطبيع الإعلامي المُمنهج عبر مجموعة من الآليات، منها:
- تمجيد التعاون الأمني: تضخيم دور التعاون الاستخباراتي والعسكري مع الكيان الصهيوني، وعرضه باعتباره ركيزةً لـ"استقرار المنطقة".
- تسويق التطبيع تحت غطاء ديني: تبرير التطبيع عبر حُججٍ مُبتَذَلة مثل "تسهيل زيارة الأراضي المقدسة" للمسيحيين، مع تحويل هذه الذريعة إلى بوابةٍ لتمرير الرسائل التطبيعية بصورة غير مباشرة.
- تشويه المقاومة الفلسطينية: تبني خطابٍ إعلامي يُهاجم فصائل المقاومة الفلسطينية، ويُقلِّل من شأن نضالها، ويُروِّج لرواية الاحتلال تحت شعار "مكافحة الإرهاب".
- تلميع صورة الاحتلال: تقديم الكيان الصهيوني كـ"نموذج للتقدم والحداثة" في المنطقة، مع تجاهل مُتعمَّد لجرائمه اليومية ضد الشعب الفلسطيني وانتهاكاته للقانون الدولي.
- مزيج من الأساليب المباشرة وغير المباشرة: الجمع بين خطواتٍ فجّةٍ كالاستقبال الرسمي لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في القاهرة، وحملاتٍ إعلاميةٍ مُموهةٍ تَستهدف تطبيع العلاقات مع الكيان في الوعي الشعبي.
هكذا، تجسَّدت استراتيجية النظام في خلط الأوراق بين التطبيع الخفيّ والمُعلن، مع إفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها النضالي، وتحويلها إلى مجرد ورقة تفاوضية تخدم أجنداتٍ سياسيةً ضيّقة[5].
واشتدَّت حدَّة الخطاب الإعلامي الداعي للتطبيع مع الكيان الصهيوني، لا سيما بعد توحُّد مصالح النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي مع الصهاينة في استهداف كافة تيارات الإسلام السياسي، بما فيها التيارات المُعتدلة، ومحاولة تقويض امتداداتها داخل حركات المقاومة الفلسطينية
وإذا كان الدافع الظاهري لهذا التحالف هو "مكافحة الإرهاب"، فإن جذوره تعود إلى دَيْن سياسي يَسعى السيسي لردِّه لداعميه، فالكيان الصهيوني، عبر شبكة علاقاته الدولية ولوبياته الضاغطة، لعب دورًا محوريًّا في شرعنة النظام الانقلابي دوليًّا، بدءًا من الضغط على إدارة أوباما لقَبول الأمر الواقع، مرورًا بتعزيز التحالف مع إدارة ترامب التي أعلنت دعمها المطلق للسيسي.
ولعلَّ الأكثر دلالةً هو الوصف الذي حظي به السيسي في وسائل الإعلام الصهيونية، حيثُ تمَّ تصويره كـ"المخلص" و"الكنز الاستراتيجي" و"الصديق الأمين"، بل إن بعض الكتاب الصهاينة تجاوزوا حدود المديح التقليدي بالزعم بأنه "أنفع لإسرائيل من نتنياهو نفسه"، ووصفه بأنه "الأكثر وفاءً بين قادة المنطقة" نظرًا لخدماته الجليلة في تطبيع العلاقات وتهميش القضية الفلسطينية.
- أدوات التطبيع الإعلامي
لم تكن الحملة الإعلامية الداعية للتطبيع مع الكيان الصهيوني عشوائية، بل اعتمدت على تشكيلة من الإعلاميين والكتاب الذين تحوَّلوا إلى منصاتٍ لتمرير الأجندة الرسمية، ومن أبرزهم:
- توفيق عكاشة، الذي استضاف السفير الإسرائيلي في منزله عام 2016 في حدثٍ رمزيٍّ أشعل الجدل، وهو يُروِّج بشكلٍ صريح لخطاب التطبيع تحت شعاراتٍ مثل "مصلحة مصر أولًا.
- حسين سراج (رئيس تحرير مجلة "أكتوبر" سابقًا)، الذي زار تل أبيب أكثر من 25 مرة، وأصبحت لقاءاته مع مسؤولين إسرائيليين طقسًا دوريًّا، وقد حضر حفلات السفارة الإسرائيلية في القاهرة، مُرسِّخًا لثقافة التطبيع الاجتماعي.
- يوسف زيدان (روائي ومفكر) دافع في وسائل الإعلام عن "حق اليهود التاريخي في القدس"، وأنكر وجود أي ارتباط إسلامي بالمسجد الأقصى، في خطابٍ يُكرِّس الرواية الصهيونية.
- إبراهيم عيسى، إعلامي تخصَّص في برامجه التلفزيونية بمهاجمة فصائل المقاومة الفلسطينية، ووصفها بـ"الإرهاب" وروَّج للرواية الصهيونية حول "الشرعية التاريخية" للكيان في فلسطين.
- عزمي مجاهد (رياضي ومذيع راحل)، أعلن أن مصر "مستعدة للعب مباريات كرة القدم في تل أبيب"، في محاولة لتطبيع المشاعر الشعبية.
- أحمد موسى، الذي أقرَّ صراحةً بقبوله للتطبيع، ووصف المعارضين له بأنهم "يعيشون في الماضي"
- عماد أديب (إعلامي) تبنَّى خطابًا ملتبسًا يُلمِّح للتقارب مع الكيان، مع تركيزه على "الفرص الاقتصادية" المزعومة من التطبيع.
- هالة سرحان (إعلامية) جاوزت حدود الدعوة للتطبيع إلى إنكار الحق الفلسطيني، حيث زعمت أن "إسرائيل لها حق الوجود على أرض فلسطين"، ووصفت المقاومة بـ"الإرهاب"
- تحالف المصالح ومسح الذاكرة
لا ينفصل هذا الخطاب الإعلامي عن الاستراتيجية الأوسع لنظام السيسي، التي تهدف إلى:
إعادة تشكيل الوعي الجمعي المصري، عبر طمس تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، واستبداله بسردية "الشراكة الاستراتيجية"
تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية هامشية، من خلال تصويرها كـ"عقبة" أمام التنمية، وربط حلّها بمسارات تفاوضية مُعطَّلة.
تضليل الرأي العام، عبر خلط الأوراق بين "التطبيع السياسي" و"التعايش السلمي"، وإبراز إسرائيل كـ"نموذج حضاري" بينما تُغفل جرائم الحرب ضد الفلسطينيين.
هكذا، تحوَّل الإعلام من أداةٍ لنقل الواقع إلى آلةٍ لصناعة واقعٍ موازٍ، حيثُ يصبح التطبيع مع الاحتلال "ضرورة تاريخية"، بينما يُختزَل شعب فلسطين إلى مجرد "عقبة" في طريق المصالح الضيقة![6] .
- نماذج من المعالجات الإعلامية
شهدت الآلة الإعلامية المصرية، خلال العقد الماضي، تحوُّلًا جذريًّا في تعاملها مع قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيثُ تبنَّت خطابًا فجًّا داعمًا لهذا المسار، بالتزامن مع حملات تشويه مُمنهجة ضد فصائل المقاومة الفلسطينية، في إطار استراتيجيةٍ تهدف إلى تطويع الوعي الشعبي لقبول التعاون مع الاحتلال.
ولم تكن صحيفة "الأهرام" – بوصفها أحد أبرز المنصات الإعلامية الخاضعة لسيطرة النظام – بعيدةً عن هذه الحملة، بل شاركت فيها عبر موادَّ صحفيةٍ ومقالاتٍ افتتاحيةٍ تُكرِّس سردية التطبيع، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
- "دبلوماسي مصري : السلام بين مصر وإسرائيل مفتاح الأمن في المنطقة"[7] .
- "مذكرة تفاهم بين مصر وإسرائيل لزيادة إمدادات الغاز لإعادة التصدير"[8] .
- "وزراء خارجية مصر وإسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب يجتمعون بمأدبة عشاء"[9].
ولم تختلف كثيرا معالجات "اليوم السابع" عن "الأهرام"، ومن أمثلة هذه المعالجات:
- "أنور قرقاش: التطبيع مع إسرائيل يشجع السلطة الفلسطينية على العودة للمفاوضات"[10] .
- "إسرائيل والإمارات توقعان على السلام بالبيت الأبيض اليوم.. وتجميد ضم المستوطنات بالضفة الغربية أبرز إنجازات الاتفاق.. ووزير الخارجية الإماراتي يؤكد: التطبيع مع إسرائيل لن ينال من إقامة دولة فلسطينية"[11].
- "أحمد أبوالغيط عن التطبيع مع إسرائيل: علينا الدفع نحو تسوية القضية الفلسطينية"[12].
صحيفة الدستور سارت على نفس الدرب، ومن أمثلة معالجاتها:
- "الباز: الواقع يفرض الكيان الإسرائيلي.. والتطبيع أصبح "موضة قديمة""[13] .
- "مراد وهبة: لا يمكن منع التطبيع الثقافي مع إسرائيل" [14] .
- "السعودية: التطبيع مع إسرائيل سيعود بـ«فائدة هائلة» على المنطقة "[15] .
وكذلك فعلت "صدى البلد" التي تبنت الدعوى للتطبيع بفجاجة ومن أمثلة معالجاتها:
- " توفيق عكاشة: "أوافق وبشدة علي التطبيع مع إسرائيل"[16] .
- "السودان يوافق على التطبيع مع إسرائيل.. بشروط"[17] .
- "دول عربية جديدة تنضم إلى اتفاق التطبيع مع إسرائيل"[18] .
لم تكن الفضائيات المصرية، أو التي تبث من مصر، بعيدة عن هذا الطرح، حيثُ عملت على تمهيد الرأي العام لقبول التطبيع مع الكيان الصهيوني عبر خطابٍ مُمنهجٍ روج لـ"الشراكة الاستراتيجية" مع الاحتلال. إلا أن عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، كشفت تناقضًا صارخًا في هذا الخطاب، إذ تحوَّلت فجأةً من تسويق التطبيع إلى تبني الرواية "الإسرائيلية" بشكلٍ فجّ، مع هجومٍ غير مسبوق على فصائل المقاومة.
وكان إبراهيم عيسى، مقدم برنامج "حديث القاهرة" على قناة "القاهرة والناس"، أحد أبرز الأصوات الهجومية، حيثُ شنَّ في حلقة 24 أكتوبر 2023 هجومًا لاذعًا على حركة "حماس"، واصفًا إياها بـ"أكبر خائن للقضية الفلسطينية"، ومتهمًا إياها بـ"اختطاف الشعب الفلسطيني" و"إدخاله في حروب عبثية دون بناء ملاجئ"، في تجاهلٍ تامٍّ للحصار المُشترك الذي تفرضه إسرائيل ومصر على قطاع غزة.
كما اتهم قيادة الحركة بـ"فقدان العقلانية والرشد"، في خطابٍ يُحاكي مصطلحات الدعاية الصهيونية ويُهوِّن من شرعية النضال الفلسطيني.
يكشف هذا التحوُّل المفاجئ في الخطاب الإعلامي عن محاولةٍ لتحويل مسار الغضب الشعبي من جرائم الاحتلال إلى "أخطاء" المقاومة، في سياقٍ يُرجِّح ارتباطه بضغوطٍ سياسيةٍ لاسترضاء الداعمين الدوليين للنظام، وإخفاء إخفاقاته في كسر الحصار عن غزة. وهكذا، يتحول الإعلام من أداةٍ لإيصال الحقيقة إلى سلاحٍ لتبرير التطبيع وتشويه أي صوتٍ يُذكر بشرعية المقاومة[19] .
الإعلامي المحسوب على الجهات الأمنية، أحمد موسى، بناء على توجيهات سيادية، شن، في أكثر من مناسبة، هجوما شرسا على حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي الشهيد إسماعيل هنية، في وقت سابق.
وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع التدوينات القصيرة (إكس): "كلمة إلى إسماعيل هنية.. لا تتحدث عن مصر إلا بالخير "، وأضاف أن حماس "هى من ضيعت القضية الفلسطينية"![20] .
الإعلامية ريهام السعيد، هاجمت المقاومة أيضا، وطالبت مصر بمراعاة مصالحها مع الكيان الصهيوني، وقالت في بث مباشر ومقطع فيديو على حسابها في فيسبوك: "مصر من المفترض ألا تنجر للحرب في غزة .. والمقاومة الفلسطينية أخطأت الحسابات"[21]
في السياق نفسه، شنت الإعلامية هالة سرحان، المعروفة بمواقفها الدعائية للتطبيع، هجوما حادا على حركة "حماس" والمقاومة الفلسطينية.
ونشرت -عبر حسابها بموقع "إكس" (تويتر سابقا)- مقطع فيديو، قالت فيه: "إن حماس فصيل أغرق غزة في حروب خاسرة، وان الكيان المحتل يضطر للرد على هجوم حماس كما حدث في "طوفان الأقصى"، وأضافت: "إن لحماس أجندة خفية لا يمكن أن تخطئها العين تصب في أفكارها الإيديولوجية "[22] .
يتضح مما سبق أن الصحف المصرية، وإعلاميي نظام السيسي، لم يخفوا عداءهم لفصائل المقاومة، ولم يستحوا من الدعوة العلنية للتطبيع، وانصبت معالجاتهم في صالح الكيان الإرهابي قاتل الأطفال والنساء.
وهذه المعالجات تُظهر بوضوح التوجيهات السيادية لمختلف وسائل الإعلام، التي أعطت ضوءً أخضراً للهجوم على المقاومة بمختلف فصائلها وفي القلب منها "حماس"، وبدا الإعلام في حالة انحياز تام لموقف النظام من ملف التطبيع.
- تحولات ما بعد "طوفان الأقصى"
مع بداية معركة "طوفان الأقصى"، تبنّى الإعلام خطابًا منحازًا للفلسطينيين، في محاولة لاستيعاب الغضب الشعبي، لكن مع صمود المقاومة، عاد الخطاب إلى مهاجمة الفصائل، خاصة حماس، وتحميلها مسؤولية المجازر، في انحياز فاضح للكيان الصهيوني.
ورغم ذلك، فشلت هذه الجهود أمام صخرة الوعي الشعبي، وهذا ليس بجدديد، فقد نُشرت سابقا-قبل طوفان الأقصى- دراسة لمعهد الأمن القومي "الإسرائيلي" بعنوان "هل تشكل النقابات المهنية المصرية عقبة أمام توثيق العلاقات مع إسرائيل؟"، أكدت أن النقابات المهنية، وفي مقدمتها نقابة الصحفيين، لا تزال ترفض التطبيع، وتمنع أعضاءها من التورط فيه.
قالت "الدراسة "أيضا: إن وسائل الإعلام المصرية -بالرغم مما قامت به من جهد لتغيير قناعات المصريين نحو التطبيع- فشلت، وكثير منها باتت تتناول العلاقات الاقتصادية مع تل أبيب بشكل متواضع خشية ردود فعل الرأي العام.
ولفتت "الدراسة" إلى أن رفض التطبيع على المستوى الشعبي ظل حاجزا يتمسك به المصريون حتى لا تختلط الأمور، وحتى لا يتم نسيان عدو تاريخي خاض المصريون عدة حروب في مواجهته.
وخلصت "الدراسة" الي أن النقابات المصرية التي تضم ملايين العاملين ترفض تطوير علاقات مدنية مع "إسرائيل" منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن، رغم المصالح الاقتصادية الضخمة بين القاهرة وتل أبيب، والتي توسعت في السنوات الأخيرة في مجالات الطاقة والسياحة، وأن معظم الشعب المصري يري أن دولة الاحتلال هي العدو الأول للعرب والمسلمين [23] .
في النهاية، من المؤكد أن ثقافة الشعب المصري الرافضة للتطبيع لم تنبع من فراغ، بل نتيجة حروب ودماء وأشلاء وحقوق سليبة، وحصاد مر لخمسة حروب خاضتها مصر ضد الصهاينة، بداية من حرب 1948، ومروا بعدوان 1956، و نكسة 1967، ثم حرب استنزاف بعثت الأمل في المصريين في الخلاص من هذا الكيان، وبعدها حرب أكتوبر 1973، التي ردت الكرامة للمصريين.
ويظل إرث الدماء الطاهرة التي سفكتها آلة الحرب الصهيونية، وجرائم الحرب التي يرتكبها هذا الكيان في غزة منذ إنطلاق معركة "الطوفان"، سببا كافيا لجعل كل مصري يناصبهم كل العداء ولا تؤثر فيه أي رسالة إعلامية تطبيعية مشبوهة.
- المصادر:
[1] "تسجيل صوتي لعبد الناصر يثير جدلاً حول مواقفه من الصراع العربي الإسرائيلي"، "بي بي سي" نيوز عربي، 28 أبريل 2025 ، https://goo.su/FIbnxA6
[2] قطب العربي، "رفض التطبيع ثقافة مصرية" ، عربي 21 ، 29 نوفمبر 2020 ، https://goo.su/1uuQfQR
[3] "العلاقات المصرية الإسرائيلية في عهد مبارك" ، الجزيرة نت ، 8 أغسطس 2011 ، https://goo.su/nhWY0fo
[4] "التطبيع الإعلامي مع الكيان الصهيوني" ، مجلة البيان العدد 355 ربيـع الأول 1438هـ، ديـسـمـبـر 2016 ، https://goo.su/1IXZY
[5] "التطبيع بين الأمس واليوم.. من تحت الطاولة إلى الفجاجة" ، (TRT Arabi) ، 12 فبراير 2020 ، https://2u.pw/uJRKP
[6] "السيسي أداة الصهاينة للتخلص من الإسلام السياسي" ، الشرق، 12 يناير 2019 ، https://goo.su/UyzWB9
[7] "دبلوماسي أسبق: السلام بين مصر وإسرائيل مفتاح الأمن في المنطقة " ،الاهرام ، 14 نوفمبر 2021 ، https://2u.pw/Bp00g
[8] "مذكرة تفاهم بين مصر وإسرائيل لزيادة إمدادات الغاز لإعادة التصدير" ، الاهرام ، 25 نوفمبر 2021 ، https://2u.pw/WWP7T
[9] "وزراء خارجية مصر وإسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب يجتمعون بمأدبة عشاء" ، الاهرام ، 27 مارس 2022 ، https://2u.pw/o9Ghi
[10] "أنور قرقاش: التطبيع مع إسرائيل يشجع السلطة الفلسطينية على العودة للمفاوضات" ، اليوم السابع ، 15 أغسطس 2020 ، https://2u.pw/E442P
[11] "إسرائيل والإمارات توقعان على السلام بالبيت الأبيض اليوم.. وتجميد ضم المستوطنات بالضفة الغربية أبرز إنجازات الاتفاق.. ووزير الخارجية الإماراتي يؤكد: التطبيع مع إسرائيل لن ينال من إقامة دولة فلسطينية"، اليوم السابع ، 15 سبتمبر 2020 ، https://2u.pw/rlBFL
[12] "أحمد أبوالغيط عن التطبيع مع إسرائيل: علينا الدفع نحو تسوية القضية الفلسطينية"، اليوم السابع ، 07 ديسمبر 2020 ، https://2u.pw/Ft5sq
[13] "الباز: الواقع يفرض الكيان الإسرائيلي.. والتطبيع أصبح "موضة قديمة"" ، الدستور ، 27 أكتوبر 2018 ، https://www.dostor.org/2375472
[14] "مراد وهبة: لا يمكن منع التطبيع الثقافي مع إسرائيل"، الدستور، 5نوفمبر/2019 ، https://www.dostor.org/2897971
[15] "السعودية: التطبيع مع إسرائيل سيعود بـ«فائدة هائلة» على المنطقة " ، الدستور ، 2 أبريل 2021 ، https://www.dostor.org/3414503
[16] "فيديو.. توفيق عكاشة: "أوافق وبشدة علي التطبيع مع إسرائيل"، صدى البلد ، 20 أكتوبر 2015 ، https://www.elbalad.news/1754461
[17] "السودان يوافق على التطبيع مع إسرائيل.. بشروط" ، صدى البلد ، 24 سبتمبر 2020 ، https://www.elbalad.news/4505737
[18] "دول عربية جديدة تنضم إلى اتفاق التطبيع مع إسرائيل"، صدى البلد ، 6يناير 2021 ، https://www.elbalad.news/4645517
[19] "إبراهيم عيسى يتجاوز نتنياهو في صهيونيته ويصف حماس بأكبر خائن للقضية الفلسطينية "، موقع وطن، 24 أكتوبر 2023، https://cutt.us/W9VxY
[20] "أحمد موسى يهاجم إسماعيل هنية: لا تثير الرأي العام علي مصر .. كفاكم فتنة" ، موقع بصراحة ، 04 نوفمبر 2023، https://besraha.com/105584
[21] "ريهام السعيد : مصر لن تنجر للحرب في غزة" موقع يوتيوب ، 27 اكتوبر 2023 ، https://cutt.us/l05Mm
[22] الا "هالة سرحان تهاجم المقاومة وتدافع عن أطفال غزة.. ماذا قالت؟" ، الخليج الجديد ، 5 نوفمبر 2023 ، https://cutt.us/QLct1
[23] "دراسة إسرائيلية: نقابات مصر عقبة أمام التطبيع.. ومراقبون يرصدون الآليات النقابية للمقاومة" ، الجزيرة نت ، 12 نوفمبر 2021 ، https://goo.su/nNo35bR