تديرها الإمارات والكيان الصهيوني.. الآلة الإعلامية لـ"حميدتي" تروّجه كـ"محارب للإسلاميين" في السودان!

الثلاثاء - 25 أبريل 2023

  • الإعلام الخليجي ينشر بكثافة تأكيدات حميدتي بأن البرهان يشن حملة وحشية ضد الأبرياء!
  • "سكاي نيوز عربية" أول من تناول وضع الجنود المصريين المحتجزين لدى حميدتي وحاورتهم
  • خطاب "البرهان" الإعلامي يضع المتمردين و"الإسلاميين" في سلة واحدة ويتهمهم بالطموح للسلطة
  • الكيان الصهيوني يفتح منصاته لحميدتي ومستشاره.. ويسعى للعب دور الوسيط في الصراع الحالي
  • ارتباك الإعلام المصري بعد ظهور جنود أسرى بيد قوات حميدتي وتوسط الإمارت لإطلاق سراحهم

 

إنسان للدراسات الإعلامية- خاص:

من مفارقات الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أن الأخير سعي لإيهام العالم، خصوصا الغرب وإسرائيل، أنه يحارب الإخوان والإسلاميين في الجيش (من فلول نظام البشير السابق كما ادعي) كي يضمن دعمهم له.

لكن بمتابعة "مركز إنسان للدراسات الإعلامية" لمن يروج له ولحربه وينشر تصريحاته وبيانات قواته، تبين أن وسائل إعلام الإمارات والكيان الصهيوني تتوليان ذلك، حيث أن موقع حميدتي الرسمي علي تويتر يتم إدارته من الإمارات!.

وكشف رصد لمركزنا أن الصحف والفضائيات الممولة من الإمارات هي أبواق حميدتي الإعلامية، وأيضا صحف الكيان وفضائياته، التي يلجأ لها ليدلي هو مستشاره الاعلامي بتصريحات تستدر تضامن الغرب، وتساندهم في ذلك الصحافة السعودية.

الرجل يجهل القراءة والكتابة، لذلك كانت مفارقة مثيرة للسخرية أن يعلن قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، خلال قتاله الجيش السوداني أنه يفعل ذلك كي "يساند الديمقراطية ويحارب الإسلام الراديكالي"، ويروج لهذا إعلام الإمارات، حيث تكتب الرسائل الإعلامية له بعناية.

قال: "نحن نحارب الإسلاميين الراديكاليين الذين يأملون في إبقاء السودان معزولا في الظلام، وبعيدا عن الديمقراطية!! (تويتر)

فما هي طبيعة الرسائل الإعلامية التي بدأت تتضح بخطاب حميدتي عن محاربة الإسلاميين ودعم الإعلام الإماراتي والسعودي له والصهيوني؟

أجندة إعلامية إماراتية

عمل الإعلام المحسوب على الإمارات، منذ بداية معارك السودان، على إعادة تأهيل صورة "حميدتي" باعتباره الداعم لعملية التحول للحكم المدني في مواجهة تمسك البرهان ببقاء نفوذ الجيش وتحالفه مع فلول نظام البشير من "الإسلاميين".

توافق مصالح الإمارات مع حميدتي سواء عبر صفقات الذهب أو السعي للسيطرة على موانئ السودان، ظهر في تركيز الإعلام الإماراتي خاصة "سكاي نيوز عربية"، على قوات الدعم السريع، مقارنة بظهور قناة "الجزيرة" وإعلام مصر أقرب للجيش في ظل تقاطع المصالح القطرية والمصرية مع البرهان وهو ما ظهر في معالجات الإعلام.

الغريب أن خطاب "البرهان" الإعلامي يضع المتمردين من الدعم السريع والإسلاميين في سلة واحدة ويعتبرهم طامحين للسلطة!!

ولأن حميدتي ينفذ الأجندة الإماراتية في السودان ويلعب دورا في نهب ثروات السودان خاصة الذهب لصالح الإمارات مقابل دعمها له، فقد كان من الطبيعي أن تروج له الأبواق الإعلامية الإماراتية، وتصبح قناة "سكاي نيوز" التي تنطلق من الامارات هي بوقه الرسمي المعبر عنه وصحفها هي المدافع عنه.

بشكل لافت، لاحظ مراقبون دعم وسائل إعلام موالية للإمارات حميدتي في صراعه مع الجيش، إذ تركز تغطيتها على أخبار قواته، وتنقل بشكل منتظم تصريحات خاصة عنه، خاصة شبكة "سكاي نيوز عربية" التي تبدو كأن كاميرتها ترافقه في كل تحركاته.

وسعت التغطية الإعلامية الإماراتية إلى إظهار حميدتي أنه "أضطر لدخول هذه المعركة بعدما لاحظ تحركات الجيش ضده وحصارها له، وقيام إسلاميين داخل الجيش بإشعال الحرب أملا في إعادة نظام عمر البشير السابق.

أما الرسالة الإعلامية التي روج لها إعلام الإمارات عبر تغريدات حميدتي الذي لا يجيد القراءة والكتابة، عبر حسابه الذي يصدر من الإمارات، فهي التأكيد -بالإنجليزية- للمجتمع الدولي أن البرهان إسلامي أصولي ظلامي يقود السودان للتطرف الإسلامي، وقد قرر حميدتي الديمقراطي أن يحمي البلاد والعباد من الانجراف نحو الأصولية الإسلامية" برغم أن كليهما انقلابيان!!.

ومن دلائل الدعم الإماراتي لحميدتي أيضا أن صفحته الرسمية الموثقة على فيسبوك، يديرها نشطاء من الإمارات حسبما كشف خبراء إنترنت وناشطون.

"سكاي نيوز عربية" التي تديرها الإمارات كانت هي الصوت المعبر عن حميدتي ونقلت عنه عدة تصريحات خاصة بها مثل قوله يوم 15 أبريل 2023: "نحقق انتصارات على الأرض"، وأن "الحرب التي نخوضها هي ثمن الديمقراطية"، وغيرها.

وترويجها يوم 23 أبريل أنه يحاول "التوصل لحكم ديمقراطي" في تصريح له للقناة، وحرصها علي بث أول فيديو له يوم 23 أبريل وهو يستعرض قواته في الخرطوم ردا علي شائعات أنه قُتل.

أيضا كانت قناة "سكاي نيوز عربية" هي المعبر عن وضع الجنود المصريين المحتجزين لدي حميدتي، وهي من أجرت معهم حوارا لطمأنة مصر،  ولم يتم السماح لغيرها، حتى سخر مصريون من غياب الإعلام المصري في قضية الجنود المحتجزين مقابل تولي "سكاي نيوز" هذه المسئولية، كمؤشر واضح على الرسائل الإعلامية التي يجري نقلها عبر هذه القناة. (تويتر)

واستنكر ناشطون مصريون ضعف الموقف الرسمي للقاهرة تجاه ما حدث للجنود المصريين، والاتجاه إلى حظر القنوات الإعلامية التي سلطت الضوء على ما تعرضوا له، شاجبين إصرار نظام عبد الفتاح السيسي، على إخفاء المعلومات وحجب الحقيقة.

وبرز اتهام ناشطين للإمارات برئاسة محمد بن زايد، بممارسة دور في الصراع الدائر في السودان والوقوف خلف انفجار الأوضاع، مؤكدين أنها "شر مستطير" في كل البلاد.

الأمر ذاته تكرر مع قناة "العربية" و"الحدث" وصحيفة الشرق الأوسط السعودية،  كلها ظلت تروج لانتصارات حميدتي علي الجيش السوداني وتظهره كبطل ينقذ السودان؛ لأن حميدتي وفر للسعودية مرتزقة من قواته ليحاربوا في اليمن مقابل دعم مالي.

وعبر سلسلة تغريدات له، دونها على حسابه بتويتر في 17 أبريل 2023، باللغة الإنجليزية فقط، ناشد "المجتمع الدولي للتحرك الآن والتدخل في جرائم الجنرال عبد الفتاح البرهان"، ووصفه بأنه "إسلامي متطرف يقوم بقصف المدنيين من الجو"، وروج لهذا إعلام الامارات والسعودية.

ونشرت الآلة الإعلامية الخليجية بكثافة تاكيدات حميدتي، بأن جيش البرهان يشن حملة وحشية ضد الأبرياء، ويقصفهم بمقاتلات "الميغ"، قائلا: "نحن نحارب الإسلاميين الراديكاليين الذين يأملون في إبقاء السودان معزولا في الظلام، وبعيدا عن الديمقراطية، سنستمر في ملاحقة البرهان وتقديمه للعدالة"

ودعا حميدتي المجتمع الدولي للتحرك ضد ما وصفه بـ"جرائم الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان الإسلامي الراديكالي الذي يقصف المدنيين من الجو، حيث يشن حملة وحشية ضد الأبرياء"وقال: "نحن نقاتل ضد الإسلاميين الراديكاليين الذين يأملون في إبقاء السودان معزولا وفي الظلام، وبعيدا عن الديمقراطية، سنواصل مرحقة البرهان وتقديمه للعدالة".(فيسبوك)

دور إعلام الكيان الصهيوني

كان لافتا، ليس فقط دعم تل أبيب لحميدتي ولكن محاولتها وقف الحرب أيضا كي لا تخسر توقيع السودان اتفاق "أبراهام التطبيعي" معها، لكن حميدتي تجاوز كل الحدود في محاولته استمالة الكيان لجانبه عبر تصريحاته للإعلام (الإسرائيلي).

مستشاره يوسف عزت وصف في مقابلة مع قناة "كان" الصهيونية الجماعات التي تقاتل إلى جانب عبد الفتاح البرهان بأنها "إسلامية مثل الجماعات الإرهابية التي تقاتل إسرائيل كحركة حماس"!!

نقلت القناة عن "يوسف عزت" مستشار قائد قوات "الدعم السريع" السودانية قوله: "إن ما نتعرض له تعرضت له إسرائيل آلاف المرات على أيدي الجماعات الإرهابية، مثل حماس وغيرها من الجماعات الإرهابية"!!.

أضاف: "البرهان مجرم، وقرار وقف الحرب ليس بيده بل بيد التنظيم الإسلامي"، في إشارة لجماعة الإخوان ومزاعم دعمها لنظام الرئيس السابق عمر البشير رغم انتقاد أركان الجماعة لحكم البشير في أيامه الأخيرة وتوجيه النصح له وخروج إسلاميين من حزبه (المؤتمر) الحاكم.

قال: "نقول للشعب الإسرائيلي إن ما نتعرض له وتتعرض له الخرطوم وقوات الدعم السريع من هجوم استغله الجيش واستغلته العصابة الإسلامية".

وقال روعي كيس، معلق الشؤون العربية في قناة "كان"، الذي أجرى المقابلة مع عزت، أن الأخير من خلال الموافقة على إجراء المقابلة مع القناة الإسرائيلية يحاول تجنيد الرأي العام الإسرائيلي لصالح حميدتي.

لكن القناة، وبخلاف رهانات حميدتي ومستشاره عزت، أعادت للأذهان خلال تقديمها للضيف السوداني، بأن قوات "الدعم السريع" مسؤولة عن ارتكاب مجازر في إقليم "دارفور" السوداني. (تويتر)

أيضا زعم يوسف عزت، في حديث مع قناة ( "i24NEWS" الإسرائيلية) أن قواته تحارب "إسلاميين متطرفين"، ومن ضمنهم قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان.

كما زعم أن: "الحرب التي نخوضها كبيرة، ومتورطة فيها جهات كثيرة يرعاها التنظيم الإسلامي المتطرف، لقد ألقينا القبض على مقاتلين أجانب لا نعرف هويتهم، عملوا كقناصة يقاتلون إلى جانب البرهان".

وحاول اتهام الحركة الإسلامية بأنها "غررت بعناصرها داخل الجيش بأنها ستخوض حربا ضدنا وضد الخيارات السياسية للشعب السوداني"، مردفا: "نحن كان لدينا المعلومات، وأبلغنا البرهان من شهر مارس الماضي، وأطلعناه على الأمر، لكن للأسف لم نكن نعلم أن البرهان هو المنسق لكل هذه العملية، وأنه هو رأس العملية ويريد الانفراد بالحكم، والتحالف مع الإسلاميين والقضاء على الحل السياسي الذي توافقت عليه القوى السياسية".

وحول إمكانية حل هذه المشكلة، ذكر أنهم "سيتحاورون مع شخصيات بعيدة عن الإسلاميين، فمستقبل السودان ليس مرهونا بالحركة الإسلامية ولا بالمتطرفين"، وفق قوله.

هذا الدعم الصهيوني لجنرالي الحرب، وإن كان يبدو إعلاميا أكثر اهتماما بفوز حميدتي، دفع حكومة العدو لدعوة الجنرالان اللذان يتزعمان القوات التي تقاتل بعضها البعض في السودان يوم 24 أبريل 2023 لحضور قمة مصالحة في تل ابيب، يناقشان خلالها وقف إطلاق النار بوساطة "إسرائيلية"!!.

هذا ما قاله مسؤولون كبار في وزارة خارجية العدو لموقع "والا" الاسرائيلي، وأوضحوا أن الطرفين ينظران للدعوة بشكل إيجابي، وفقا لما قاله مسؤولون في وزارة خارجية العدو لموقع والا.

وقبل اندلاع القتال، تابع كبار مسؤولي كيان العدو عن كثب المفاوضات التي كانت تجري في السودان في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول تشكيل حكومة مدنية.

وعندما زار وزير خارجية العدو إيلي كوهين الخرطوم في فبراير 2023، أكد أنه بدون إقامة لحكومة مدنية في السودان سيكون من الأصعب دفع اتفاقية سلام بين بين الكيان الصهيوني والسودان.

ونسَّق كيان العدو تحركاته الدبلوماسية في السودان مع إدارة بايدن ومع دول أخرى في المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة وأبلغتهم مسبقًا باقتراح عقد قمة مصالحة بين البرهان وحميدتي، خاصة بعدما لاحظت أبو ظبي وتل أبيب تقدما نسبيا للجيش وخشيتا خسارة حميدتي.

ويقول محللون فلسطينيون إن دافع الكيان لمصالحة الجنرالين يتعلق جزئياً بالخوف من أن تدهور السودان إلى حرب أهلية متجددة سيدمر البلاد ويمنع إقامة حكومة مدنية ويزيل من جدول الأعمال إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين الكيان والسودان.

هل تحالف البرهان مع "الاسلاميين"؟

كان ارتكاز الأجندة الإعلامية الإماراتية على أن البرهان يقيم تحالف مع "الإسلاميين" أمرا مستغربا ، كونها تنطلق أساسا من منافع اقتصادية يوفرها حميدتي للإمارات  في السودان خارج أي سياق سياسي سابقا، حيث تقف الدولة الخليجية وراء رجلها حميدتي في هذه الحرب، لتحقيق "مصالح " تتعلق بمناجم الذهب، فضلا عن خططها بشأن موانئ البلاد الحيوية المطلة على البحر الأحمر، لا سيما بورتسودان.

بهذا تبقى فكرة دعم البرهان للإسلاميين مستغربة، خاصة أن الرجل أعلن أكثر من مرة أنه ضد من أسماهم "المتطرفين" الذين يريدون الاستيلاء على السلطة وعودة النظام السابق، فهل ما تزعمه الآلة الإعلامية الإماراتية من دعمهم يدخل في إطار الحقائق؟

واقع الأمر أن هذا محض أكاذيب، فالبرهان هو الذي انقلب على حكم البشير وسجن الإسلاميين وأكد في أكثر من مناسبة أن الادعاء بوجود أنصار النظام السابق من الإسلاميين في الجيش هو ادعاء كاذب.

ففي مقابلتين منفصلتين مع صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أبريل 2023، تبادل قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وحليفه السابق الذي يقود قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، الاتهامات وصور كلاهما الآخر بأنه "مجرم"

ومن بين الاتهامات التي ساقها حميدتي للبرهان تلك المتعلقة بانحيازه للإخوان المسلمين الساعين لاستعادة السلطة وتشكيل ديكتاتورية على غرار فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير.

في المقابل نفي البرهان، الذي تحالف مع حميدتي في 2019 للإطاحة بالبشير، هذه الاتهامات وأكد في أكثر من مناسبة، آخرها في فبراير 2023 أن الادعاء بوجود "اسلاميين" من أنصار النظام السابق من الإسلاميين، في الجيش هو "ادعاء كاذب".

وقالت "فايننشال تايمز": "على الرغم من أن البرهان وحميدتي ترقيا في عهد البشير، إلا أن الإسلاميين الذين كانوا أحد أعمدة حكم البشير لثلاثة عقود ربما يرغبون في هزيمة حميدتي وانتصار جيش البرهان النظامي وإعادة حلفائهم العسكريين إلى الحكم.

وبحسب الصحيفة البريطانية: "بالنسبة للإخوان المسلمين، يعتبر حميدتي العدو الأول" ولكن "البرهان ليس متشددا أو منتميا للإخوان".

كان لافتا أيضا نقل صحف سودانية، 23 أبريل 2023، تصريح لعلي كرتي رئيس "التيار الإسلامي العريض"، وهو تحالف تشكل من قرابة 10 قوي إسلامية مختلفة، بينها جماعة الإخوان، للتصدي لتغيير الدستور من قبل اليساريين وتحويله لدستور علماني.قال كرتي: "إن واجب حماية الأرض والعرض هو حق أصيل قدّمت فيه الحركة الاسلامية آلاف الشهداء ولن تتوانى في تلبية النداء لواجب الوطن متى ما طلبت قيادة الجيش منها ذلك"، ما يعني أنه حسم الموقف بالوقوف ضد حميدتي، وهو أمر هاجمه إعلاميو الإمارات بشدة.

وقد أكد الوزير السابق والكاتب الإسلامي عبد الماجد عبد الحميد أن الإسلاميين يساندون الجيش رغم سلوك قيادته تجاههم، وتحالفها مع قوى الحرية والتغيير ضدهم بعد الثورة، ويقول "للجزيرة نت" إن موقفهم مع الجيش كمؤسسة هو حرص على وحدة السودان واستقراره، معتبرا ذلك موقفًا مبدئيًا وليس طارئًا.

وقد صدر عن إخوان السودان بيان مؤيد للجيش صراحة يوم 15 أبريل 2023، وعلى هذه الخلفية، أوضح عبد الحميد لموقع "الجزيرة. نت"، 19 أبريل 2023، أن الإسلاميين سيربحون من انتصار الجيش في معركته، في حال أقدمت المؤسسة العسكرية على تغيير قيادتها واختارت قيادة جديدة تستفيد من الظروف السياسية وتقود البلاد إلى مرحلة جديدة، تهيئ الظروف لانتخابات حتى تأتي حكومة منتخبة تتصدى للتحديات.

وفي حال لم يحدث ذلك، فإن القوى الإقليمية والدولية ستتدخل وتفرض على البرهان الجلوس إلى طاولة مفاوضات، وتقديم تنازلات لن تكون في صالح الجيش والقوى الوطنية والإسلامية، بحسب عبد الحميد.

لجان السيسي تدعم البرهان

لجان السيسي الإعلامية الإلكترونية تحركت ايضا في خط دعم البرهان، الذي اشتهر بتقديم التحية العسكري للسيسي في أول لقاء لهما عقب انقلاب البرهان علي البشير.(تويتر)

فقد روج الصحفي لوئ الخطيب، المحسوب علي اللجان الإلكترونية للسيسي، عدة مرات لانتصار جيش البرهان، وكتب يقول في إحدى تغريداته: "آخر 24 ساعة نقدر نقول إن الكفة بتميل بشدة للجيش السوداني حتى الآن ".

وزعم استعادة الجيش السيطرة على التليفزيون رغم ظهور قوات حميدتي أمامه وقال إنها رسالة تطمين داخلية إن الأمور تحت السيطرة.( تويتر)

أسباب دعم مصر للبرهان أشارت لها دراسة لموقع "أسباب"، أبريل 2023، حيث أوضحت أن مصر استشعرت خطر تنامي نفوذ قائد ميليشياوي مثل حميدتي على الأمن القومي المصري.

قالت: إن السيسي يرى أن الجيش السوداني هو صمام الأمان بالنسبة لمصر وهو المعبر عن "تقاليد الدولة"، وليس قائد الميليشيات التي تتورط وتوظف في صراعات في عدة دول.

ولهذا دعمت القاهرة واستضافت المجموعة المدنية الرافضة للاتفاق الإطاري لعرقلة تنفيذه، بالتوازي مع تعميق العلاقة المستمر مع قيادة الجيش.

وأوضحت الدراسة أن كان الدور المصري وحده ليس حاسماً في ترجيح موازين القوى في السودان في ظل قدرة أطراف أخرى على الضغط على الجيش اقتصادياً مثل السعودية والإمارات، أو سياسياً مثل الولايات المتحدة، التي ربما لا تنوي ممارسة ضغوط فورية على البرهان؛ باعتبار أن إضعاف حميدتي المقرب من روسيا يمثل مصلحة أمريكية.

وأشارت إلى أن حميدتي يستند على الدعم الإماراتي والعلاقات المعقدة مع روسيا، وحين تفاقمت حدة الأزمة بينه وبين البرهان في فبراير 2023 زار الإمارات لمدة أسبوع لبحث تطورات الوضع ومآلاته.

سبب آخر لدعم مصر الجيش السوداني ضد حميدتي يرجع لتحالف ضمني غير معلن بين تيار المدنيين اليساريين السودانيين الذين تحالفوا مع الجيش وحميدتي للانقلاب ضد البشير، والآن يدعمون حميدتي لأنه وعدهم بالديمقراطية!

بحسب الدكتور حمدي عبد الرحمن أستاذ الدراسات الافريقية بجامعة القاهرة أنشأت "قحت"، التي يقصد بها تحالف الحرية والتغيير اليساري، تحالفاً سياسياً وثيقاً مع قوات الدعم السريع، التي يراها الإسلاميون عدوهم الرئيسي.

وقد تمت تهيئة هذا التحالف من قبل سماسرة سياسيين من المناطق المهمشة داخل قوى الحرية والتغيير، الذين لا يرون سيادة نظام المليشيات السياسية إشكالية طالما أنها تخدم مصالحهم السياسية.

وخلال الفترة الانتقالية المجهضة، تبادل هؤلاء السماسرة الامتيازات والخدمات السياسية مع قوات الدعم السريع، مما عزز علاقاتهم، وفق الدكتور حمدي في دراسة بمركز "المستقبل للدراسات" 16 أبريل 2023.

وقد أصبح تحالف "قحت" والدعم السريع الذي نما بسرعة، أكثر وضوحاً مع دعم حميدتي التلقائي لجميع الخطوات التي اتخذتها "قحت"، مثل دعمه العام لمشروع دستور نقابة المحامين السودانيين (حتى قبل مراجعته)، وتصريحاته المتكررة حول التزامه بالاتفاق الإطاري كخيار وحيد للتسوية السياسية، بل وإعلانه الندم علناً على مشاركته في انقلاب البرهان.

ومع ذلك فإن منطق "قحت" وقوات الدعم السريع من أجل منع الإسلاميين من العودة إلى السلطة له ثغرات كبيرة، بل وكارثية كما يقول د. حمدي.

أولاً، أتاحت الفترة التي تلت انقلاب البرهان/ حميدتي وقتاً كافياً للإسلاميين للعودة إلى أجهزة الدولة والمراكز المالية التي سيطروا عليها خلال 30 عاماً من حكمهم.

ثانياً، اعتماد "اليساريين" على التحالف مع قوات الدعم السريع لمواجهة الإسلاميين كان عديم الفائدة خلال الفترة السابقة، لأنه يفترض أن ثورة ديسمبر 2019 واقالة البشير سحقت البشير وداعميه من بقايا الإسلاميين.

لهذا يقول الدكتور عبد الرحمن "إن اعتماد (اليساريين) على حميدتي في قتال شبح الإسلاميين المهزومين هو خطأ استراتيجي على حساب مستقبل الاستقرار في السودان، حيث عمل حميدتي عوضاً عن ذلك قبل وبعد الاتفاق الإطاري بلا كلل لتعزيز سلطته السياسية والاقتصادية والإقليمية والدبلوماسية، من التدخلات في تشاد والنيجر ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى إلى العلاقات التجارية والعسكرية العامة والسرية مع مجموعة فاغنر الروسية.

هذه التطورات انعكست على التناول الإعلامي المصري للشأن السوداني منذ ما قبل الحرب، لكن قبل بدء الاقتتال بيومين زار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد القاهرة للقاء عبد الفتاح السيسي، ما قد يشير إلى محاولة الإمارات الضغط على الجيش السوداني عبر حليفه المصري للتفاهم مع حميدتي والتخلي عن إجراءات تهميشه، أو  طلب من السيسي أن يغض الطرف عما يحدث في السودان ويسلم بالأمر الواقع حتى لاينقطع عنه الدعم الخليجي.

وبدا أن الإمارات لعبت فعلا بورقة الجنود المصريين الذين وقعوا أسرى بيد قوات الدعم السريع في قاعدة "مروى" الجوية السودانيةـ، وظهرت الدبلوماسية المصرية و النظام كله عاجزا إزاء هذه الأزمة، الذي كان مفتاح حلها بيد الإمارات، وحاول الإعلام المصري أن يصنع منها بطولة مزيفة للسيسي ونظامه!.