الصدمة النفسية| هكذا "يسلّح" الصهاينة مشاهد "الطوفان" لتبرير مجازرهم
الأربعاء - 13 نوفمبر 2024
- "الكيان" يوظف الفعاليات التذكارية والفن والواقع الافتراضي لتحشيد الكراهية ضد الفلسطينيين وتبرير إبادتهم
- «السياحة المظلمة» تزدهر منذ أشهر بزيارات "يهودية" تضامنية من مختلف أنحاء العالم إلى جنوب فلسطين المحتلة
- الصدمة اليهودية تشكل جزءًا لا يتجزأ من مفهوم الكيان للأمن وحولها تُبني الأضرحة وتُشيد الجدران وتُشن الحروب
- حكومة الاحتلال توافق على اقتراح من نتنياهو بإنفاق 86 مليون دولار على مشاريع إحياء الذكرى المستقبلية لـ 7 أكتوبر
إنسان للإعلام- تقرير مترجم:
تحت عنوان "كيف حولت إسرائيل الصدمة النفسية إلى سلاح حرب؟"، كتبت "ناعومي كلاين"، مديرة مركز العدالة المناخية بجامعة كولومبيا البريطانية، تقريرا مطولا في صحيفة "الغارديان" البريطانية، 5 أكتوبر 2024، تحدثت فيه عن كيفية عمل "إسرائيل" ووكلائها في الشرق والغرب على "تسليح مفهوم الصدمة النفسية"، أي استغلال طوفان الأقصى وما تلاه من حروب؛ لجلب أكبر قدرٍ ممكن من التعاطف والتأييد لدولة الاحتلال وإفشال السردية الفلسطينية، عبر المعارض والمتاحف والتكنولوجيا.
قالت: "بعد مرور عام على هجمات السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى)، توظف "إسرائيل" ومن يدعمونها الفعاليات التذكارية والفن والواقع الافتراضي والسياحة المظلمة (Dark Tourism)؛ لتحشيد الدعم للعنف اللامحدود الذي يرتكبه جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين، كرد على "طوفان الأقصى".
أضافت: "لا يوجد مكان فيه هدف نقل الصدمة أكثر وضوحًا مما هو عليه في قطاع «السياحة المظلمة» المزدهر في إسرائيل، فمنذ أشهر، ترعى الكُنُس اليهودية والاتحادات اليهودية من مختلف أنحاء العالم رحلات تأخذ مؤيديها في «مهام تضامنية» إلى جنوب إسرائيل.
تحدثت عن سعي حكومة نتنياهو لاستغلال الصدمة النفسية في الترويج لجرائمها عبر إنتاج تلفزيوني، وكلمات من كبار المسؤولين، وعروض للحزن الجماعي والعزم العسكري، بهدف جلب التعاطف مع دولة الاحتلال.
وقالت: "كانت الحكومة الإسرائيلية تأمل، بهذه الطريقة، أن تحتفل وتؤبن مرور عام على الهجمات المفاجئة التي نفذتها حماس، لكن خرج العديد من عائلات الأشخاص الذين قتلوا أو أخذوا رهائن في ذلك اليوم بقوة ضد الفعاليات التي ترعاها الدولة، قائلين إن الاحتفالات يمكن أن تنتظر حتى توقع الحكومة على صفقة رهائن، وتواجه تحقيقًا مستقلًا حول إخفاقاتها قبل وبعد وفي ذلك اليوم، ومنع بعض الأهالي حكومة بنيامين نتنياهو من استخدام أسماء وصور أبنائهم، كما أعلنت العديد من الكيبوتسات التي عانت من أكبر الخسائر أنها ستقاطع الفعاليات".
أعداؤها كلهم وحوش!
بحسب الكاتبة، تحاول "إسرائيل استغلال الحدث الذي فشلت في منعه لإظهار أنها بريئة براءة لا تشوبها شائبة، وتستحق الدعم غير المشروط من العالم (بالسلاح لتمارس القتل)، بحجة أن أعداءها كلهم وحوش يستحقون القتل غير المقيد بقوانين أو حدود، سواء في قطاع غزة أو جنين أو بيروت أو دمشق أو طهران".
قالت: "إن دولة الاحتلال تحاول ترويج قصة تندمج فيها هوية إسرائيل كأمة ستعيش إلى الأبد، مع محاربة "الإرهاب" الذي عانت منه في السابع من أكتوبر، وفق رواية نتنياهو حول المحرقة النازية وأن ما يجري هو معركة من أجل روح الحضارة الغربية"!
تابعت: "يتحدثون في ألمانيا عن المصلحة الوطنية (Staatsraison)، وفي العقود الأخيرة، قال قادتها إن "المصلحة الوطنية تقتضي حماية إسرائيل"، ولإسرائيل مصلحة وطنية أيضًا، مرتبطة بالمصلحة الوطنية الألمانية، لكنها تختلف عنها، فهي تعلن رسميًا أن مصلحتها الوطنية أمن اليهود، لكن الصدمة اليهودية تشكل جزءًا لا يتجزأ من مفهوم الدولة للأمن، وتبني الأضرحة لها، وتشيد الجدران حولها، وتشن الحروب باسمها، ونتنياهو يروج للعالم قصته الانتقامية.
وتقارن الكاتبة بين "استغلال صدمة 7 أكتوبر، وما يواكبها من مناقشات عميقة حول توظيف وإساءة توظيف المعاناة اليهودية، والصراعات التي يعود تاريخها إلى ما قبل تأسيس إسرائيل، وبين ما تفعله إسرائيل بنشاط لإنتاج المزيد من الحزن على نطاق لا يمكن تصوره، وهي تفجر كتل سكنية بأكملها في بيروت، وتبتكر أساليب جديدة للتدمير عن بعد، وتدفع أكثر من مليون لبناني إلى الفرار حفاظًا على حياتهم، وفي حين يستمر القصف على قطاع غزة دون هوادة"!
أكدت أنه "مع تزايد احتمالات اندلاع حرب إقليمية شاملة بمرور كل ساعة، فإن التركيز على الآليات التي تستخدمها إسرائيل لتضخيم الصدمات التي يتعرض لها اليهود والتلاعب بها قد يبدو غير ذي صلة، ومع هذا توفر القصص، التي تختارها إسرائيل وترويها عن الضحايا اليهود، الأساس والتبرير للعنف المدمر وضم الأراضي الاستعماري الذي يقع أمامنا الآن مباشرة".
أعمال اعلامية وفنية
وتقول الكاتب: "عادة ما يستغرق الأمر عقودًا من الزمن، بالنسبة للجرائم الجماعية، قبل أن يصبح المجتمع مستعدًا للتعامل مع الماضي بصدق، فعلى سبيل المثال، صدر الفيلم الوثائقي المحرقة (Shoah) للمخرج كلود لانزمان (Claude Lanzmann) عن الهولوكوست بعد أربعين عامًا من نهاية الحرب العالمية الثانية.
لكن في حالة إسرائيل، تم التحرك بسرعة لاستغلال طوفان الأقصى نفسيا لطلب الدعم لحربها وتبرير وحشيتها، وتم التحرك بسرعة وفورا لإعادة تمثيل أحداث السابع من أكتوبر على نحو هدفه الصريح هو الحد من التعاطف مع الفلسطينيين وتوليد الدعم لحروب إسرائيل المتوسعة بسرعة.
وقد أعدوا "مسرحية توثيقية" (Verbatim Play) خارج برودواي، بعنون "7 أكتوبر"، مستمدة من شهادات شهود العيان، كما أقيمت العديد من المعارض الفنية، وعرضان للأزياء على الأقل تحت عنوان "7 أكتوبر"، شهد أحدهما عارضات أزياء نجين من الهجمات أو فقدن بعض أسرهن ويزينَّ أنفسهن بجروح اصطناعية ودماء مزيفة وفساتين مصنوعة من أغلفة القذائف.
على سبيل المثال، ذكرت صحيفة "جويش نيوز" (Jewish News) أن عارضة أزياء قُتل خطيبها في الهجوم، كانت ترتدي فستان زفاف أبيض اللون به «ثقب رصاصة» عند قلبها وظهر عنوان رئيس متناقضٌ آخر «إسرائيل تعودُ إلى الموضة» حول العرض نفسه في صحيفة "جويش كرونيكل" (Jewish Chronicle)
كذلك كان فيلم «شاهد عيان» التابع للجيش الإسرائيلي، والذي جمع اللحظات الأكثر فظاعة ورعبًا التي التُقطت بالفيديو في ذلك اليوم.
وفي غضون أسابيع من وقوع الهجمات، عُرض الفيلم أمام جماهير مختارة من السياسيين وقادة الأعمال والصحفيين في كل مكان من دافوس إلى "متحف التسامح" (Museum of Tolerance) في لوس أنجلوس.
وقد تبع ذلك سلسلة من الأفلام الوثائقية الأكثر احترافية، بما في ذلك فيلم صرخات قبل الصمت (Screams Before Silence) حول العنف الجنسي المزعوم، الذي قدمته مديرة العمليات السابقة في شركة ميتا "شيريل ساندبرغ (Sheryl Sandberg) "ويزعم أن مقاتلي حماس اغتصبوا اسرائيليات، وهي أكذوبة بشهادة الاعلام الصهيوني.
وفيلم نوڤا (Nova) الذي يستخدم الهاتف ومقاطع الفيديو المثبتة على الجسم لإنشاء رواية «دقيقة بدقيقة» عن «الفظائع المروعة»، وأيضًا فيلم "النجاة من السابع من أكتوبر: سنرقص مرة أخرى" (Surviving October 7: We Will Dance Again) الذي أنتجته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، والذي يفعل الشيء نفسه إلى حد كبير.
أيضا بثت قناة شبكة الثالوث للبث (TBN]، وهي «الشبكة الدينية الأكثر مشاهدة في أميركا»، برنامج خاص مكون من أربعة أجزاء حول الهجمات، استغرق سبع ساعات في المجمل.
الأمر الأكثر غرابة هو القرار الذي اتخذه المخرج الإسرائيلي "ألون دانييل" بصنع فيلم واقعي بالكامل من المُجسمات المُصغَّرة، إذ أمضى فريقه أشهرًا في إعادة إنشاء بيت الدمية المرعب بشق الأنفس: كل شيء من سياج الأسلاك الشائكة الذي اخترقته حماس، إلى السيارات المحترقة والمراحيض المحمولة المليئة بالرصاص في مهرجان نوڤا الموسيقي.وقال أحد أعضاء فريق الإنتاج لصحيفة "هآرتس": «لقد قمنا بطباعة نماذج الحمامات الصغيرة هذه بتقنية ثلاثية الأبعاد ثم لونَّاها"
يبدو أن الهدف الأساسي لهذه الأعمال المتنوعة، باستثناءات قليلة للغاية، هو نقل الصدمة إلى الجمهور، وإعادة خلق الأحداث المرعبة بمثل هذه الحيوية والحميمية بحيث يشعر المشاهد أو الزائر بنوع من اندماج الهوية، كما لو أنه تعرض للانتهاك بنفسه.
وقال أحد سكان نيويورك الذي شاهد «المسرحية التوثيقية» المعنونة "7 أكتوبر" التي انتجها الاحتلال كي يشعر الآخرين بفداحة ما جرى لهم في 7 أكتوبر: «شعرت وكأنني أعيش التجربة بالفعل، لقد شعرت وكأنني هناك وكانت المسرحية قادرة على نقل هذا الشعور إليّ».
وترك عرض الفيلم الذي أنتجته المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عن السابع من أكتوبر الجمهور في حالة من الغضب من حماس.
وقال جوناثان غرينبلات (Jonathan Greenblatt) من رابطة مكافحة التشهير (Anti-Defamation League) لصحيفة نيويورك تايمز: «لقد خرج الناس من الغرفة في حالة صمتٍ، إما باكين أو ببساطة في حالة صدمة»، وكان ذلك أيضًا بمثابة إطراء لمنتجي الفيلم.
وتقول صحيفة الجارديان إن جميع الجهود المبذولة لإحياء ذكرى طوفان الأقصى تهدف إلى تحريك قلوب الأشخاص الذين لم يكونوا حاضرين".
تأثير "السياحة المظلمة"
وظهر هدف نقل الصدمة أكثر وضوحًا مما هو عليه في قطاع «السياحة المظلمة» المزدهر في إسرائيل، فمنذ أشهر ترعى الكُنُس اليهودية والاتحادات اليهودية من مختلف أنحاء العالم رحلات تأخذ مؤيديها في «مهام تضامنية» إلى جنوب إسرائيل.
وتصطف حافلاتهم السياحية على أطراف موقع مهرجان نوڤا، الذي أصبح الآن مليئًا بالنصب التذكارية لمئات الأشخاص الذين قتلوا واختطفوا هناك.. ويتخطون أيضًا الأنقاض ليتجهوا إلى الكيبوتسات التي ما تزال مدمرة، ما يثير الذعر في نفوس بعض السكان المحليين.
وتتبعت المراسلة مايا روزن (Maya Rosen) ، في فبراير الماضي، العديد من هذه الجولات من أجل إعداد تقرير موسع في صحيفة "جويش كرنتس" ((Jewish Currents حول هذه الظاهرة المخيفة. لقد شاهدَتْ منازل مدمرة أُبقي عليها كما هي مثل أضرحة، بما في ذلك منزل زوجين يبلغان من العمر 23 عامًا قُتلا في الهجوم.
وتتنقل الجولات عبر غرف متحف أعد خصيصا لذكرى 7 أكتوبر، حيث طُبعت «لقطات من محادثات الواتساب المحمومة الأخيرة التي أجرتها سيفان إلكابيتس مع والديها ولصقها على الجدران، إلى جانب الرسائل التي كتبتها والدتها لها بعد وفاتها.
يتجاوز هذا مجرد السعي إلى «لمس الحقيقة»، وهو المصطلح الذي استخدمته الباحثة في جامعة كوينز في بلفاست ديبي ليسل (Debbie Lisle) لوصف الأعداد الكبيرة من السياح الذين توافدوا إلى موقع بؤرة التصادم (Ground Zero) بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وبسبب الحجم الهائل من الاتصالات الشخصية المكثفة المحفوظة الآن من خلال الرسائل الصوتية والنصية (والعديد من سكان هذه المجتمعات كانوا يرسلون الرسائل النصية ويتصلون بشكل متواصل لعدة ساعات، في انتظار المساعدة التي لم تصل أبدًا)، إلى جانب إمكانية الوصول إلى المواقع المادية التي تركت فيها الدماء وعلامات الصراع دون مساس، يشعر المشاركون في هذه الرحلات وكأنهم تعرضوا هم أنفسهم لهجوم مطول.
تقول كاتبة التقرير "ناعومي كلاين": "أخبرتني حاخامة أميركية قادت رحلة لمجتمعها عن سماعها قصة تلو الأخرى عن أشخاص قُتلوا في مستوطنات هاجمتها "حماس" أنهم عاشوا التجربة كأنهم هناك خطوة بخطوة، أماكن قتلهم، وكيفية قتلهم، وعدد الساعات الذي حُبسه الناس في غرفهم الآمنة، والموعد الذي أُطلِق النار فيه على الناس من خلال نوافذهم أو موعد إخراجهم من منازلهم.
مجسم "ساحة الرهائن"
وهناك تجارب تجسيدية أخرى معروضة استغلتها اسرائيل لتشوية هجوم "حماس"، بما في ذلك ما يسمي "ساحة الرهائن" (Hostages Square) في تل أبيب، حيث يتمكن السياح من دخول نفق "حماس" الخرساني المظلم الذي يبلغ طوله 30 مترًا؛ لمحاكاة تجربة الرهائن، وقد جُهز المبنى بصوت الانفجارات المحيطة الناجمة عن القتال في الأعلى.
من الصعب تصديق هذه النصب التذكارية وهذه المشاريع التأبينية، نظرًا لكثرتها، ولكن ما سيجهز قريبًا أكثر بكثير مما جُهِّز بالفعل.
ورغم تفاقم الأزمة الاقتصادية، وافقت الحكومة الإسرائيلية، في شهر سبتمبر الماضي، على اقتراح من نتنياهو بإنفاق 86 مليون دولار على مشاريع إحياء الذكرى المستقبلية المتعلقة بهجمات السابع من أكتوبر والحملات العسكرية متعددة الجبهات التي اندلعت منذ ذلك الحين.
وستُنفقُ الأموال للحفاظ على «البنية التحتية التراثية» (أي المباني المتضررة)، وإنشاء موقع تذكاري جديد، وإقامة عطلة وطنية سنوية، وغير ذلك من الأمور.
وحتى أولئك الذين لا يستطيعون القيام بالرحلة إلى "إسرائيل"، سعت حكومة الاحتلال لنقل التجربة لهم بافتتاح تجارب الواقع الافتراضي (VR)، بما في ذلك جولة الواقع الافتراضي في غلاف غزة (Gaza Envelope 360 tour)، وهو مقطع فيديو مدته 35 دقيقة، يُعرض باللغتين الإنجليزية والعبرية، ويوجه المشاهدين حول المجتمعات الإسرائيلية التي تعرضت للهجوم في 7 أكتوبر.
وفي جزء من الجولة المنشورة على الإنترنت، يقوم شقيق إحدى الضحايا بجولة بالكاميرا حول المنزل الذي وقع فيه الهجوم، ويشير إلى الدماء التي ما تزال على الأرض.
ومن أبرز هذه المعارض (وأكثرها إثارة للجدل) معرض نوڤا (مهرجان رقص هاجمته حماس) وصُمم هذا المعرض الضخم ذو الإضاءة الخافتة لإعادة خلق شكل مهرجان الموسيقى حتى الرمال وخيام التخييم والسيارات المحروقة، ونقل الشعور الجسدي بتجربة غامرةٍ توقفت فجأة بسبب "العنف المروع".
وقد استقطب المعرض، الذي ما يزال متجولًا، والذي يتضمن عناصر حقيقية جُمعت من الموقع، أكثر من 100 ألف زائر في نيويورك وحدها، بما في ذلك العديد من السياسيين.
وتساءلت الناقدة الفنية "إيميلي كولوتشي" (Emily Colucci): "هل نحتاج حقًا إلى الوقوف على ما جرى للضحايا لنشعر بأهوال القتل التي تعرض لها الناس في مهرجان موسيقي؟ هل الجلوس على كرسي مقلوب أثناء التحديق في الجثث المشوشة هو حقًا أفضل طريقة لتذكر الموتى؟ ولماذا المكان مظلم جدًا هنا؟! لقد فهمت أن السابع من أكتوبر كان يومًا سيئًا دون أن أفعل هذا"، لكن الكاتبة توضح ضمنا أن الهدف الصهيوني هو صدم المشاهدين واستغلال ما جري كسلاح حربي إعلاميا لتشوية المقاومة وتبرير الابادة الصهيونية في غزة ولبنان.
قالت: "عندما يحاول السُيّاح اليهود القادمون من نيويورك أو مونتريال الاندماج مع الصدمة في موقع مهرجان نوڤا، أو في أحد الكيبوتسات المدمرة، فإنهم يكونون قريبين بما يكفي من قطاع غزة لسماع انفجارات القنابل الإسرائيلية في جباليا وخان يونس، ورغم ما يجري من جرائم اسرائيلية أمامهم تنجح الصدمة النفسية الاسرائيلية الناتجة عن غوصهم في مشاهدة ما يعرضه الصهاينة عليهم في تغييب أي وعي لهم بما يجري من ابادة في غزة لأن "الصدمة تطغى على المعاناة التي تسببها الحرب"
الانتقام من المسلمين
ورغم أن السرعة (والابتذال) التي حولت بها إسرائيل معاناة السابع من أكتوبر إلى منتجات إعلامية وسياحية مثيرة للإعجاب، فإنها ليست سابقة حيث حُوِّلت صور موقع هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك على الفور إلى معارض فنية، ولم تكن أفلام الكوارث بعيدة عن اللحاق بالركب وبدأ النقاش حول كيفية إحياء ذكرى موقع الحادث على الفور تقريبًا، كما بدأت الرحلات السياحية إليه مباشرةً بعد حدوثه.
تقول كاتبة التقرير: "شكلت الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الأكثر تعصبًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي صورت العرب والمسلمين في كل الأحوال تقريبًا على أنهم إرهابيون متعطشون للدماء، جبهة ثقافية فيما يسمى بالحرب على الإرهاب، ولعبت دورًا حاسمًا في تبرير أسوأ الانتهاكات التي ارتكبتها الولايات المتحدة، من ساحات المعارك في الفلوجة إلى زنزانات خليج غوانتانامو.
وقد أثارت هذه المشاهد المروعة الرغبة في الانتقام، مما أدى إلى بناء دعم حيوي للقمع وتصعيد إسرائيل لتهديداتها بالإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين الذين وصفتهم بـ«الحيوانات البشرية.
وقد سعى الاحتلال لدمج السابع من أكتوبر والهولوكوست النازي، وصوّر الفلسطينيين، الذين لا يحظون حتى بدولة مستقلة والذين يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي المطول والاحتلال غير القانوني والفصل العنصري، على أنهم نازيون، فيما صور إسرائيل، التي تمتلك أحد أقوى الجيوش في العالم، وبدعم من القوة العظمى الأميركية، وسياسة واضحة لتوسيع كتلتها الأرضية ومحو الوجود الفلسطيني بطريقة استعمارية صارخة، على أنها "ضحية وعاجزة"
وهذه قصة مثيرة للجدل إلى حد كبير، ففي أذهان العديد من الإسرائيليين وأنصارهم فإن عودة التهديد على مستوى الهولوكوست يبرر أي رد فعل تقريبًا والانتقام من الفلسطينيين وتصويرهم مثل "العماليق" في الفكر التوراتي الذين يجب قتلهم.
وتؤدّي سلسلة الأعمال الفنية والنصب التذكارية لذكرى السابع من أكتوبر دورًا كبيرًا في ترسيخ هذه القصة المقلوبة، وهي تتبع الأساليب والطرق التقليدية التي صُقلت في تعليم الهولوكوست وتخليد ذكراه على مدى عقود عديدة، وهذا الأمر موجود في الاختيار المستمر للغة لوصف العمل التذكاري («لن ننسى أبدًا»، «لن تتكرر أبدًا»، «الشهادة»).
وقد شاركت بعض المؤسسات المكلفة بحماية ذكرى "الهولوكوست" للأجيال القادمة طواعية في هذا الخلط، حيث أضافت مؤسسة المحرقة (Shoah Foundation) النفيسة، والتي تضم أرشيفًا ضخمًا من شهادات الفيديو من الناجين من الهولوكوست، مقابلات مع الناجين من السابع من أكتوبر!!
وقد وجد هذا الاضطراب الخطير ما قد يكون تعبيره الأكثر وضوحًا في ديسمبر 2023، عندما تحدث "ديفيد أزولاي" رئيس مجلس المطلة في شمال إسرائيل، إلى برنامج إذاعي إسرائيلي عن فكرته لما ينبغي أن يحدث في غزة ولـ 2.2 مليون فلسطيني يعيشون هناك.
في نظر هذا السياسي الصهيوني، ينبغي للبحرية الإسرائيلية أن تنقل كل الفلسطينيين المتبقين «إلى شواطئ لبنان، حيث توجد بالفعل مخيمات كافية للاجئين» حتى قال: يجب تحويل قطاع غزة لمعسكر اعتقال "أوشفيتز" (الذي سجن فيه اليهود علي يد هتلر) وينبغي إفراغ قطاع غزة بالكامل وتسويته بالأرض، تمامًا كما حدث في أوشفيتز!! وأضاف: «لتكن غزة متحفًا لكل العالم ليرى ما يمكن أن تفعله إسرائيل، لأن السابع من أكتوبر كان بمثابة هولوكوست ثان لليهودي"!
وتقول كتابة الغارديان: إن فكرة استحضار أوشفيتز من أجل الدعوة إلى إبادة جماعية جديدة، بما في ذلك إنشاء معسكرات اعتقال جديدة في الحاضر، وفي حين تُمرّرُ بطريقة أو بأخرى على أنها دعوة لإحياء الذكرى، إلا أنها كانت أكثر مما يمكن احتماله لِمن يديرون النصب التذكاري في أوشفيتز.
لقراءة التقرير من المصدر اضغط هنا