تفاعل الجماهير الغربية مع فلسطين بعد 7 أكتوبر.. ما الذي تغيّر؟

الأربعاء - 31 يوليو 2024

  • مثّل خريف وشتاء 2023 موسماً تفاعلياً غير مسبوق في زخمه مع قضية فلسطين
  • تأييد النضال الفلسطيني شهد تصاعدا في بيئات غربية حتى لو بقي رمزياً أو إيحائياً
  • برزت شعارات وهتافات وتعبيرات بصرية داعمة لقضية فلسطين ونضال شعبها
  • سجّلت جماعات يهودية مناهضة للصهيونية حضوراً غير مسبوق في حجمه ونوعيّته
  • سجّلت الحرب تأثيرات في المجال الثقافي حول الإنسان الفلسطيني وصورة الاحتلال

 

عرض وتلخيص- إنسان للإعلام:

نشر مركز رؤية للتنمية السياسية تقريرا للباحث حسام شاكر، الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية، تناول فيه التغيرات التي طرأت على الجمهور الغربي في تفاعله مع قضية فلسطين عقب معركة "طوفان الأقصى". ونقدم هنا ملخصا لهذا التقرير:

يقول الكاتب: مثّل خريف وشتاء 2023 موسماً تفاعلياً غير مسبوق في زخمه مع قضية فلسطين في البيئات الغربية، بالنظر إلى طبيعة الحدث وتفاعلاته وطول أمده، فعلى مستوى الحدث، تعلّق الأمر ابتداءً بعملية كبرى نفّذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ثمّ بحرب هي الأطول من نوعها شنّها جيش الاحتلال على قطاع غزة، تخلّلتها مشاهد وحشية مرئية، حملت مواصفات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب المركّبة.
تميّز هذا الحدث بمساندة عسكرية وسياسية ودعائية من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية للجانب الإسرائيلي، إلى حدّ الشراكة النسبية متعدِّدة المستويات في تدبير مهام عملياتية وتفعيل جسور جوية وتحريك أساطيل إلى المنطقة، بينما صعدت موجة تنديد جماهيرية بالعدوان على قطاع غزة في العديد من البيئات الغربية.

إنّ الانشغال العامّ، المكثّف والمطوّل هذه المرّة بصفة غير مسبوقة بتطوّرات فلسطين، على النحو الذي جرى في خريف وشتاء 2023، مثّل فرصة استثنائية للتفاعل مع قضية فلسطين.

بعدان للتفاعلات

أخذت هذه التفاعلات بُعديْن رئيسيْن:

الأول: ضد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب عموماً أو بصفة جزئية، لأسباب إنسانية و/أو تضامنية.

والثاني: تأييد قضية فلسطين وحريّة شعبها ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته وممارساته. قد تكتفي بعض المواقف والتعبيرات التضامنية بالبُعد الأوّل، من قبيل ما صدر عن أوساط إنسانية وطبية مثلاً، وقد تشتمل على البُعدَيْن معاً.

لئن بقي من سِمات الحالة التضامنية مع الشعب الفلسطيني في البيئات الغربية تحاشيها في عموم المشهد، التصريح بمساندة المقاومة الفلسطينية، قياساً ببيئات أخرى عربية وإسلامية ولاتينية وإفريقية وآسيوية – لأسباب قانونية وسياسية وإعلامية على الأرجح – إلاّ أنّ تعبيرات تأييد النضال الفلسطيني شهدت منحى تصاعدياً في بيئات غربية، وإن اتّخذت منحى رمزياً أو إيحائياً في معظم الحالات.

في المقابل سعت قيادة الاحتلال الإسرائيلي وأذرعها الدعائية، وكذلك حكومات وسلطات ومسؤولون وسياسيون في بيئات غربية، إلى ذمّ التعبيرات المؤيِّدة للشعب الفلسطيني وفرض قيود عليها والترهيب من عواقبها، والمبالغة في تصنيفها على أنها “عداء للسامية”.

تحوّلات المضامين

يتابع الكاتب: برزت شعارات وهتافات وتعبيرات بصرية داعمة لقضية فلسطين ونضال شعبها، من قبيل شعار “فلسطين حُرّة من النهر إلى البحر” ضمن الهتافات الجماهيرية المعولمة خلال هذا الموسم، وظهر هذا الشعار في بعض الميادين الغربية خلال عدوان مايو/ أيار 2021 على قطاع غزة (معركة “سيف القدس” في تسمية المقاومة الفلسطينية/ عملية “حارس الأسوار” في تسمية جيش الاحتلال)، لكنّه حقّق رواجاً واسعاً بدءاً من خريف 2023.

كما طوّرت جماعات يهودية ناشطة مضامين خطاب موجّهة ضدّ محاولات استغلال ذكرى فظائع النازية في تبرير حرب الإبادة التي تستهدف الشعب الفلسطيني؛ فعلى منوال شعار “ليس مرّة أخرى” أو NEVER AGAIN الذي برز منذ أواسط القرن العشرين لنبذ أيّة فرصة لعودة النازية والفاشية وأعمال الإبادة، نحتت تجمّعات يهودية مناهضة للاحتلال في الولايات المتحدة ودول غربية شعاراً جديداً هو “ليس مرّة أخرى لأيّ كان” أو NEVER AGAIN FOR ANYONE  في رسالة مضادّة لاستعمال ذاكرة ضحايا الماضي النازي والفاشي.

دشّن هذا التطوّر في الخطاب ناشطون يهود مع شركائهم إذ رفعوا أصواتهم منذ بدء العدوان بشعارات: “ليس باسمنا” Not in our names! “لا إبادة باسمنا” أوNO GENOCIDE IN OUR NAMES!.

ومن التحوّلات اللافتة للانتباه في المواقف والخطابات، تبنِّي الحركة البيئية الشبابية الأبرز في العالم موقفاً داعماً للشعب الفلسطيني ومناهضاً للاحتلال والإبادة، حيث أدمجت حركة “جُمَع لأجل المستقبل” Fridays for Future مطالب وشعارات داعمة للشعب الفلسطيني ضمن تحرّكاتها، ودعت جماهيرها الشابّة إلى التظاهر لأجل غزة وحرية فلسطين، ونحتت الحركة شعاراً جديداً هو “لا عدالة مناخية فوق أرض محتلّة” أو بالإنجليزية No Climate Justice on Occupied Land  وهو ما يُعدّ تطوّراً نوعياً في الخطاب وخروجاً على التقاليد الانعزالية ضمن مجال الاشتغال الذي يغلب على تشكيلات المجتمع المدني والحركات الجماهيرية في البيئات الغربية.

كما برزت في غضون ذلك رمزيّات بصرية جديدة، منها رمزية شريحة البطيخ، تعبيراً عن تقدير الهوية الفلسطينية بالنظر إلى ألوانه الموافقة لألوان العلم الفلسطيني الذي جرت محاولات للتضييق على رفعه، ورمزية أكفان الطفولة التي تُعبِّر عن ضحايا الإبادة، مع ملاحظة أنّ الكفن تعبير بصري مستجدّ بالنسبة للتقاليد الأوروبية والغربية قياساً بالتوابيت.

تطوّر أشكال التعبير

يقول الباحث: أنه على صعيد أشكال التعبير الجماهيري فقد تواصلت المظاهرات والتجمّعات والنشاطات في العديد من البلدان الغربية واتّخذت منحى مستمرّاً و/أو تصاعدياً. كما تطوّرت تحرّكات ذات طابع نوعي في أشكالها ومواقعها ومضامينها، منها نشاطات كبرى أو نموذجية في بعض المدن والمواقع ذات القيمة الرمزية، مثل: تمثال الحرية بنيويورك، ومرافق الكونغرس، ومقارّ الاتحاد الأوروبي، ومدينة غرنيكا الإسبانية التي ترمز إلى ويلات الحرب والدمار.

برزت في غضون ذلك تحركات ميدانية جريئة من قبيل فعاليات الجلوس أرضاً SIT-IN أو التمدُّد أرضاً في وضعية موات DIE-IN في الميادين ومرافق عامّة مثل محطات القطار والأسواق، واحتلال فروع لسلاسل متاجر ومطاعم ومقاهٍ أمريكية متهمة بالانحياز للاحتلال الإسرائيلي، والاعتصام مقابل مصانع أسلحة وذخائر متعاقدة مع الاحتلال، وتوجيه أنظار الجمهور في “عيد الميلاد” إلى خطورة العدوان على قطاع غزة عبر فعاليات في مراكز تسوّق ومرافق حيوية.

شملت بعض الاعتراضات الجماهيرية والفردية على السياسات الداعمة للاحتلال والعدوان مطاردة مسؤولين بارزين في الأماكن العامّة، بحضور التصوير الشبكي.

تطورات التفاعل

ذكر الباحث أنه "للمبالغة في إظهار الاحتلال في موقع الضحية، ومحاولة أنسنة جيشه ومستوطنيه، بمقتضى سردية السابع من أكتوبر/ تشرين أول المحبوكة، تأثيرات عكسية محتملة لدى بعض الأوساط والجماهير".

وعرض لبعض تطورات التفاعل مع القضية ومنها:

 – كشفت التطوّرات عن فجوة واضحة بين تحرّكات الجماهير وتفاعلات المنصّات الشبكية وبعض التجمّعات في المجتمع المدني من جانب، ومواقف النخب السياسية والإعلامية في الوسط المجتمعي (Mainstream) من جانب آخر. من شأن هذا أن يعزِّز الاستنتاج بوجود انفصام بين النخبة والشارع.

 – سجّلت جماعات يهودية مناهضة للصهيونية والاحتلال الإسرائيلي حضوراً غير مسبوق في حجمه وزخمه ونوعيّته خلال حرب خريف وشتاء 2023، حيث برزت أدوار هذه الجماعات من خلال نشاطات ميدانية جريئة تواصلت بلا هوادة، بدءاً من احتلال مبنى يتبع الكونغرس الأمريكي يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول، وصولاً إلى فرض إغلاق جماهيري على جسور حيوية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال عيد الأنوار “حانوكا” في النصف الأول من ديسمبر/ كانون الأول.

– برزت لدى المنحازين إلى الاحتلال والعدوان خشية واضحة من تأثير قادة رأي بارزين على اتجاهات الجمهور، خاصّة عندما يتعلّق الأمر بتحوّل شخصيات بارزة تحظى بتقدير واسع إلى تأييد الحقوق الفلسطينية، من قبيل الناشطة البيئية الأبرز عالمياً غريتا تورنبرغ، التي تُعدّ رمزاً ملهماً لجيل الشباب في البلدان الغربية وحول العالم في سنّ المدرسة والجامعة.

– كان من تفاعلات حرب خريف وشتاء 2023 تنامي اتجاهات التقييد والحظر على خلفية مناهضة الاحتلال الإسرائيلي، وشهدت بيئات أوروبية توسُّعاً في مساعي التضييق على حريّة التعبير والتظاهر من جانب السلطات خاصّة خلال أسابيع الحرب الأولى، وحُظرت مظاهرات في ألمانيا والنمسا وفرنسا مثلاً، وأفضت محاولات التقييد والحظر في البيئة البريطانية إلى الإطاحة بوزيرة الداخلية المقرّبة من الاحتلال الإسرائيلي.

– تميّزت حرب خريف وشتاء 2023 بكثافة غير مسبوقة في دعاية التضليل الداعمة للاحتلال وعدوانه، وتولّت منصّات وجهات إعلامية وحسابات شبكية وتعليقات إعلامية تفنيد هذه المزاعم المحبوكة. على أنّ الجانب الأعرض في التفاعل النقدي مع مضامين دعاية الاحتلال جاء من جانب الجمهور الذي مال إلى التهكّم على سذاجة الادعاءات التي دفع بها قادة الاحتلال والمعبِّرون عن دبلوماسيّته في الهيئات الدولية والمتحدِّثون باسم جيشه.

– سجّلت تطوّرات حرب خريف وشتاء 2023 تأثيرات في المجال الثقافي والقيمي، من خلال صورة الإنسان الفلسطيني وهويّته الثقافية والأبعاد القيمية للحدث من جانب، وصورة الاحتلال ومجتمعه الاستيطاني العسكري ودلالات السياسات التقليدية الداعمة له.

تصنيف المواقف

وبين: أن تمايزت الخطابات والمواقف في البلدان الغربية من تطوّرات حرب خريف وشتاء 2023 على النحو التالي:

الخط الأوّل: إدانة شديدة اللهجة للهجوم الذي شنّته المقاومة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول على أهداف الاحتلال، وتبرير متواصل للعدوان على الشعب الفلسطيني، إلى حدّ التحريض ضد المتضامنين مع الشعب الفلسطيني أحياناً.

الخط الثاني: إدانة هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (عملية “طوفان الأقصى”)، وتبرير العدوان على قطاع غزة، مع بعض التحفّظات أو الاستدراكات أحياناً.

الخط الثالث: إدانة هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وإظهار دعم عام للمبرِّرات المزعومة للعدوان على غزة، لكن مع إظهار قلق متزايد وانزعاج مما يقترفه الجيش الإسرائيلي، علاوة على استنكار “عنف المستوطنين” في الضفة الغربية.

الخط الرابع: إدانة هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ومعارضة العدوان على قطاع غزة، أو الوقوف الواضح ضدّه بدرجة أو بأخرى، حيث عبّرت عن هذا الخط حكومات وشخصيات رسمية في إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا ومالطا واسكتلندا، علاوة على شخصيات وأوساط تُعدّ تقليدياً مناهضة للاحتلال الإسرائيلي ومتضامنة مع الشعب الفلسطيني لكنّها تتحاشى إظهار أي تضامن مع المقاومة الفلسطينية، قد تُحسَب تأييداً لحركة “حماس” المصنّفة في الدول الغربية “منظمة إرهابية”، ويمكن اعتبار موقف النائب في الكونغرس إلهان عمر تعبيراً عن هذا الخط.

الخط الخامس: تجنُّب إدانة هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من جانب، وتقديم توضيحات تحمِّل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية ذلك بالنظر إلى أسبقية الاحتلال والعدوان والحصار على الشعب الفلسطيني، ثمّ الوقوف الواضح ضدّ الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه على غزة. وقد عبّرت عن هذا الخط معظم التجمّعات والأوساط والشخصيات التي انخرطت في فعاليات جماهيرية ضد العدوان منذ أيّامه الأولى، مثل المعارضة الإيرلندية (حزب “شين فين” وجمهوره) وشخصيات من أمثلتها المفكِّر الأمريكي اليهودي نورمن فنلكستين.

خلاصة واستنتاجات

خلصت التقرير إلى: أنه تشهد العديد من البيئات الغربية صعوداً ملحوظاً أو جارفاً، في تعبيرات تأييد حقوق الشعب الفلسطيني ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي وحملة الإبادة والتطهير العرقي وجرائم الحرب في قطاع غزة خلال الربع الأخير من عام 2023، ويبدو هذا المنحى مرشّحاً لمزيد من التصاعد والزخم والتكتُّل مع استمرار العدوان.

بالرغم من التأثيرات المتعدِّدة التي تحرزها هذه التحرّكات الجماهيرية والقطاعية والتعبيرات الشبكية والثقافية الناقدة، إلاّ أنها لا تتأهّل وحدها لإحداث تغييرات جوهرية في الأمد القريب في السياسات الخارجية المعتمدة أو في مواقف الدول الغربية من قضية فلسطين ومن دعم كيان الاحتلال تحديداً، لكن من شأنها، مع عوامل ومُتغيِّرات أخرى، أن تُحَفِّز تغييرات نسبية في المواقف والتعبيرات السياسية.

     ** رابط التقرير