تناوُل الإعلام الغربي لإغتيال إسماعيل هنية.. قراءة تحليلية

الخميس - 3 أكتوبر 2024

• صحف غربية تروج لروايات غير حقيقية عن  اغتيال "هنية" ولم تدن الحادث

• بعض وسائل الإعلام حمّلت إيران المسئولية ورددت رواية ضعف الحرس الثوري

• لم تتعرض الصحف الغربية للمسئولية الجنائية للكيان الصهيوني عن إغتيال "هنية"

• صحف طالبت بالضغط على إيران لترشيد ردها وأخرى حذرت من "استفزازات إسرائيل"

 

إنسان للإعلام- وحدة الرصد:

مع قصف إيران لأهداف عسكرية "إسرائيلية" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مساء الثلاثاء 1 أكتوبر 2024، برز حديث في الإعلام الإيراني والعربي عن أن هذا الهجوم الإيراني جاء انتقاما لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إسماعيل هنية، في طهران قبل نحو شهرين.

إسماعيل هنية، القائد البطل في الشرق، يراه الغرب بصورة مغايرة، حيث ظهر الوجه القبيح للرؤية الغربية لهذا البطل الشهيد من خلال التغطيات الإعلامية والمواقف السياسية، فلم تدن أي دولة غربية هذه الجريمة الإرهابية المتهمة بها "إسرائيل" بشكل رسمي، بل مارست ضغوطاً على إيران بهدف حماية الكيان الصهيوني من رد فعل عسكري قوي.

وعلى درب السياسات الغربية، جاءت المعالجات الإعلامية الغربية لملف اغتيال "هنية"، حيث اتسقت هذه المعالجات  مع السردية الصهيونية حول الحادث بنسبة ما،  لكنها كانت اليد القوية في الضغط على إيران من أجل عدم الرد بقوة، وهو ما لم يحدث بعد هذا التطور الجديد.

نرصد من خلال السطور التالية نماذج للمعالجات الإعلامية لهذا الملف، ونختم بقراءة تحليلية لهذه المعالجات.

الرواية الصهيونية

حاولت وسائل الإعلام الغربية، أن تتسق مع السردية الصهيونية حول حادث اغتيال "هنية" بنسبة ما، ومن أمثلة  هذا ما نشرته  صحيفة "نيويورك تايمز" حول أسلوب هذه العملية الإرهابية، تحت عنوان "إسماعيل هنية قُتل بقنبلة في غرفته"[1]

نفس الصحيفة نقلت تصريحات بعض قيادات حماس والمحللين السياسيين عن اغتيال هنية، وفي متن الموضوع تحذير خفي من تنامي قوة حماس بعنوان "حماس ستتضرر ولكنها ستخرج أقوى"[2] .

وتوالت التقارير الإعلامية الغربية، حول حادث اغتيال اسماعيل هنية بالوتيرة نفسها،  ومن أمثلة ذلك مايلي:

-    "توقيت اغتيال إسماعيل هنية وما اقترحه رؤساء الخدمة السرية على نتنياهو.. إيهود باراك يعلق لـCNN "، شبكة " CNN " [3].

-    "علامات استفهام تلف مقتل إسماعيل هنية.. إليكم ما لا نعلمه" ، شبكة  CNN [4].

-    "ما الذي كشف عنه مقتل إسماعيل هنية في طهران حول الوضع الأمني والاستخباراتي الإيراني؟" ، موقع " بي بي سي "عربي[5].

-    "وول ستريت جورنال: إيران رفضت دعوات أميركية وعربية لتخفيف ردها على اغتيال اسماعيل هنية في طهران"[6].

-    "واشنطن بوست: إسرائيل أبلغت واشنطن بمسؤوليتها عن اغتيال هنية"[7].

-    "الجارديان" تتنبأ بخطة "بديلة" تدرسها إيران للرد على اغتيال هنية"[8].

-    "الجارديان": اغتيال هنية يكشف استهتار نتنياهو بالعلاقة مع الولايات المتحدة"[9].

-    "فايننشال تايمز " بعد اغتيال هنية .. "نتنياهو مستعد للتصعيد في الشرق الأوسط"[10].

-    "فايننشال تايمز”: تأثير اغتيال هنية على حماس “محدود جدااً"[11].

-    "فايننشال تايمز ": إيران قبلت أن يكون ردها على اغتيال هنية رمزيًا؟"[12].

-    "«ذا تلجراف»: هكذا اغتال «الموساد» إسماعيل هنية بمساعدة عملاء من الحرس الثوري"[13].

-    "صاندي تايمز": إسرائيل قصدت من اغتيال هنية في قلب طهران جر إيران وحزب الله لحرب مفتوحة"[14].

كما شاركت الصحف الفرنسية في تغطية حدث اغتيال "هنية" ، لكنها كانت اكثر اتزانا ، في التعاطي مع الحدث،  ومن أمثلة معالجاتها مايلي:

-    "لوفيجارو": نقاط الضعف الأمني الإيراني التي كشفها اغتيال هنية موضع انتقاد وسخرية"[15]

-    "لوموند: اغتيال هنية تصعيد خطير ينذر بمزيد من الصراعات"[16].

-    ""لوموند" : الاغتيالات دليل مأزق إسرائيلي"[17].

قراءة تحليلية

نستقرئ مما سبق مجموعة من الحقائق ظهرت بوضوح في تغطية الإعلام الغربي لجريمة اغتيال "هنية"، ومنها:

-    معظم الصحف الغربية لم تدن حادث الاغتيال بشكل مباشر، ولم تتعرض للمسئولية القانونية الدولية التي من المفترض أن يتحملها الكيان الصهيوني عن هذه الجريمة . 

-    تبنت بعض الصحف الغربية روايات كاذبة عن الحادث لتحميل إيران التقصير في حماية هنية، وفي مقدمتها صحيفة "نيويورك تايمز "، التي قدمت روايات غير حقيقية حول أسلوب هذه العملية الإرهابية.  وقد استخدمت الصحيفة تكتيكات خادعة لتقديم روايات تتماشى مع إرادة وسياسة السلطات الأمنية الأمريكية والكيان الصهيوني،  لتؤكد ضعف الأمن الإيراني واختراقه. وتوالت تقارير "نيويورك تايمز " الخاصة بهذا الحادث في الأيام التالية، ومن بينها تقرير  ادعى كاتبه "رونين بيرجمان"، وهو صحفي مقرب من الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية،  أن اغتيال إسماعيل هنية تم عن طريق تهريب القنابل إلى إيران وزرعها في الفندق الذي كان يقيم فيه، قبل شهرين من هذه الرحلة، ورددت هذه الرواية على الفور بعض وسائل الإعلام الأخرى منها "سي إن إن ".

وتعليقا على هذه الرواية، قال خالد القدومي، ممثل حماس في إيران: "إن الهدف من ترديد الإعلام الغربي لهذه الروايات هو تقليص مسؤولية الكيان الصهيوني في هذه العملية الإرهابية وتبعاتها".

- سعت وسائل الإعلام الغربية  إلى خلق حالة من عدم الثقة والخلافات الداخلية في إيران، وإظهار المؤسسات الأمنية الإيرانية على أنها ضعيفة، وتقديم صورة للنفوذ واسع النطاق لجواسيس النظام الصهيوني داخل إيران. وعلى هذا الدرب كتبت قاعدة بيانات "أكسيوس" في تقرير لها: "الواقع يؤكد أن الموساد تمكن من زرع عبوة ناسفة في منشأة تتمتع بحماية أمنية، وأظهر ذلك الاختراق العميق لأجهزة المخابرات الإسرائيلية داخلها" .

- "نيويورك تايمز " نقلت تصريحات قيادات حماس حول الحادث، وأكدت أن الحادث لم يؤثر في الروح المعنوية لهم، وحمل التقرير تحذيرا خفيا من تنامي قوة حماس بعد رحيل هنية. وأكدت الصحيفة أن بعض المحللين أشاروا إلي أن حماس ستصبح أقوى بعد اغتيال هنية، وطالبت الدول الغربية بتسريع وتيرة عقد صفقة تنهي الحرب قبل ان تخرج حماس منتصرة في هذه المعركة .

-    في إطار التشكيك في القدرات الإيرانية، قالت (CNN) في تقرير لها أن هناك علامات استفهام كثيرة حول اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، بما في ذلك كيف قُتل وكيف حدث ذلك على الأراضي الإيرانية. وقد حمل التقرير كثير من محاولات التشكيك في ايران ودورها في عملية الاغتيال.

- بعض الصحف الغربية اختلقت روايات عن رد فعل إيران على مقتل "هنية" مفادها أنها لن تكون قوية، ومن أمثلة ذلك تقرير لـ "فايننشال تايمز" البريطانية مفاده أنّ دبلوماسيًّا غربيًّا أبلغ قبول إيران احتواء الوضع وتنفيذ رد رمزي محدود بعد ضغوط دولية مورست عليها، وهذا ما نفته إيران وكذبته.  وقد كشف تقرير لموقع “مسبار” أنّ صحيفة فايننشال تايمز البريطانية لم تنقل عن دبلوماسي غربي ما تم تداوله.

- صبّت المعالجات الإعلامية الغربية في التحذير من أي ردود أفعال إيرانية على مقتل "هنية"، وتبنت الأهداف الغربية بالمطالبة بالتهدئة وعدم الزج بالمنطقة في حرب موسعة، وأبرزت أن هناك ضغوط دولية على إيران للحد من هجومها على إسرائيل، وقد  نشرت فايننشال تايمز، في 31 يوليو 2024، مقالًا بعنوان "الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتسابقان لمنع نشوب حرب في الشرق الأوسط بعد الاغتيالات الإسرائيلية"، وكتبت الصحيفة في افتتاحيتها "دبلوماسيون من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يجرون مناقشات عاجلة حول الشرق الأوسط، في سباق لمحاولة تجنب خطر نشوب حرب إقليمية" وذلك بهدف إثناء إيران عن رد قوي .

- اعترفت بعض الصحف الغربية بأن استفزازات الكيان الصهيوني ستجر منطقة الشرق الأوسط لحرب واسعة، ومن هذه الصحف "نيويورك تايمز"، حيث نشرت، في 31 يوليو 2024، أنّ سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة في لبنان وإيران، أججت الأوضاع في الشرق الأوسط أكثر مما كانت عليه، خصوصًا بعد أن أعلن حزب الله في لبنان والخامنئي في إيران، الانتقام من إسرائيل إثر استهدافها إسماعيل هنية وفؤاد شكر في أقل من أسبوع.

- رأت صحف فرنسية أن اغتيال إسماعيل هنيه سيشكل علامة فارقة جديدة في الحرب بين الكيان الصهيوني وحماس. وقال جورج مالبرونو، الكاتب الصحفي بصحيفة "لوفيجارو" والمتخصص في الشرق الأوسط، إن اغتيال إسماعيل هنية في وسط قوات الحرس الثوري مهم للغاية لأنه يمثل تحديا تشكله إسرائيل لإيران، حيث وقع هذا الهجوم المستهدف في طهران، ومثل هذه المعالجات تصب ايضا في التقليل من قدرات ايران وحرسها الثوري الذي يحيط به الكثير من هالات القوة . 

-    صحيفة  "«ذا تلجراف» في تقريرها بعنوان" هكذا اغتال «الموساد» إسماعيل هنية بمساعدة عملاء من الحرس الثوري"، نقلت روايات حول تجنيد الكيان الصهيوني لعملاء من رجال الحرس الثوري الإيراني ، وأكدت ضعف هذا الكيان الامني وتورطه في مقتل هنية ، في حين ان الخارجية الإيرانية نفت هذه الروايات ، واكدت أن الهدف من ترويج لها زرع الفتنة في الداخل الإيراني.

- في نفس الإطار جاء تقرير صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية  بعنوان "نقاط الضعف الأمني الإيراني التي كشفها اغتيال هنية موضع انتقاد وسخرية"، فأبرز تورط الأمن الإيراني في مقتل "هنية"، ويصب ذلك كله في إلقاء المسئولية على إيران، مع التعامي عن الجاني الحقيقي. 

- بعض الصحف الغربية حذرت من استفزازات الكيان الصهيوني، ومن جر المنطقة إلى حرب إقليمية موسعة، ومنها تقريران لصحيفة "لوموند" الأول بعنوان" اغتيال هنية تصعيد خطير ينذر بمزيد من الصراعات"، والثاني  بعنوان "الاغتيالات دليل مأزق إسرائيلي"، فحواهما أن نتنياهو يجر المنطقة لحرب شاملة ليغطي على فشله السياسي والعسكري في غزة.

 وفي السياق نفسه كشفت "الجارديان" في تقرير لها بعنوان "اغتيال هنية يكشف استهتار نتنياهو بالعلاقة مع الولايات المتحدة"، استياء قيادات أمريكية من التصعيد الصهيوني بالمنطقة، وأن دولة الاحتلال تضع أمريكا في موقف حرج مع حلفائها العرب بسبب انحيازها المستمر للكيان الصهيوني.

نخلص مما سبق إلى أن بعض الصحف الغربية واصلت -من خلال تغطيتها لملف إغتيال "هنية "- سقوطها في هاوية مخالفة القيم المهنية للعمل الصحفي، والتي انزلقت إليها منذ بداية معركة "طوفان الأقصى"، فبعضها اتسق مع السردية الصهيونية حول حادث "الاغتيال"، وقليل منها حذر من الاستفزازات الصهيونية ودفع المنطقة لحرب إقليمية، ولكن سقط الجميع في بئر عدم إدانة هذه الجريمة، كما لم تتعرض للمسئولية الجنائية الدولية للكيان الصهيوني عن اغتيال قائد شهد العالم بنضاله من أجل قضية بلاده العادلة.


المصادر:

[1] "إسماعيل هنية قُتل بقنبلة في غرفته".. نيويورك تايمز تورد تفاصيل حصرية حول عملية الاغتيال في طهران"، موقع "بي_بي_سي"، 2 أغسطس  2024، https://goo.su/TnWoxhn

[2] "نيويورك تايمز" عن اغتيال هنية: حماس ستتضرر ولكنها ستخرج أقوى" ، العربي الجديد، 04 اغسطس 2024 ، https://linksshortcut.com/rRaSe

[3] " توقيت اغتيال إسماعيل هنية وما اقترحه رؤساء الخدمة السرية على نتنياهو.. إيهود باراك يعلق لـCNN"، سى ان ان عربي، 6 أغسطس 2024، https://2u.pw/lOjqjQ46

[4] "توقيت اغتيال إسماعيل هنية وما اقترحه رؤساء الخدمة السرية على نتنياهو.. إيهود باراك يعلق لـCNN " ، CNN ،06 اغسطس  2024 ، https://goo.su/Yh17yx

[5] "علامات استفهام تلف مقتل إسماعيل هنية.. إليكم ما لا نعلمه" ، CNN ، 31 يوليو 2024 ، https://linksshortcut.com/ZvZOS

[6] أحمد الخطيب ، "ما الذي كشف عنه مقتل إسماعيل هنية في طهران حول الوضع الأمني والاستخباراتي الإيراني؟" ، بي بي سي عربي، 6 أغسطس 2024 ، https://2h.ae/mSmw

[7] "وول ستريت جورنال: إيران رفضت دعوات أميركية وعربية لتخفيف ردها على اغتيال اسماعيل هنية في طهران" ، وكالة اخبار اليوم ، 04 أغسطس 2024 ، https://linksshortcut.com/vciSU

[8]"اشنطن بوست: إسرائيل أبلغت واشنطن بمسؤوليتها عن اغتيال هنية" ، الجزيرة نت، 7 أغسطس 2024، https://linksshortcut.com/jJolY

[9]"الجارديان" تتنبأ بخطة "بديلة" تدرسها إيران للرد على اغتيال هنية" ، إيلاف ، 09 أغسطس 2024 ، https://linksshortcut.com/bPdEM

[10]"الجارديان: اغتيال هنية يكشف استهتار نتنياهو بالعلاقة مع الولايات المتحدة" ، الجزيرة نت،3أغسطس 2024، https://linksshortcut.com/bdilG

[11] "فايننشال تايمز  بعد اغتيال هنية .. "نتنياهو مستعد للتصعيد في الشرق الأوسط" " ، موقع "بي بي سي" ، 6 أغسطس 2024 ، https://linksshortcut.com/Ancvu

[12] "فايننشال تايمز”: تأثير اغتيال هنية على حماس “محدود جداً”" ، رأي اليوم، 2 اغسطس 2024، https://linksshortcut.com/klgmX

[13] "فايننشال تايمز ": يران قبلت أن يكون ردها على اغتيال هنية رمزيًا؟"، موقع مسار، 1 أغسطس 2024، https://linksshortcut.com/VXLvr

[14] "«ذا تلجراف»: هكذا اغتال «الموساد» إسماعيل هنية بمساعدة عملاء من الحرس الثوري" ، بوابة الوسط الليبية ،  03 أغسطس 2024، https://linksshortcut.com/hUxJY

[15] "صاندي تايمز": إسرائيل قصدت من اغتيال هنية في قلب طهران جر إيران وحزب الله لحرب مفتوحة" ، القدس العربي، 4 أغسطس 2024، https://linksshortcut.com/BtNrV

[16] "لوفيجارو": نقاط الضعف الأمني الإيراني التي كشفها اغتيال هنية موضع انتقاد وسخرية"، "لوفيجارو " ،12 اغسطس  2024 ، https://linksshortcut.com/XECcg

[17] "لوموند: اغتيال هنية تصعيد خطير ينذر بمزيد من الصراعات" ، موقع أرم، 31 يوليو 2024، https://www.eremnews.com/arab-world/dzs647r