غليان "التواصل الاجتماعي".. شرارة ثورة في وجه المشروع الصهيوني

الاثنين - 14 أبريل 2025

- حنان عطية
( كاتبة صحفية )

حنان عطية

في لحظة تاريخية مفصلية، تجد المنطقة العربية نفسها على أعتاب تحول جذري قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية للشرق الأوسط.

المشهد اليوم يشبه برميل بارود ينتظر شرارة الاشتعال، وفي قلب هذه المعادلة تقف وسائل التواصل الاجتماعي كعامل حاسم في تحديد مسار الأحداث، فبينما تعمل الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب الجديدة على فرض أجندتها الاستعمارية بكل عنفوان، ويواصل الكيان الصهيوني جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، تبرز منصات التواصل كساحة معركة جديدة، حيث تتصاعد وتيرة الغضب الشعبي إلى مستويات غير مسبوقة.

فلم تكن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجرد تغيير سياسي روتيني، بل حملت معها تصعيدًا خطيرًا في الخطاب العدائي تجاه المنطقة العربية.

فور فوزه، أطلق ترامب سلسلة من التصريحات الاستفزازية التي كشفت عن النوايا الحقيقية للإدارة الأمريكية، بدءًا من التهديد بتحويل غزة إلى "منتجعات سياحية" للأثرياء، ووصولًا إلى الحديث الصريح عن مصادرة حقول الغاز قبالة السواحل الفلسطينية.

هذه التصريحات لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل تعكس استراتيجية ممنهجة تستهدف:

  • تهجير الفلسطينيين نهائيًا من أرضهم 
  • تصفية القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني 
  • تحويل المنطقة إلى ساحة للنهب الاقتصادي تحت مظلة "صفقة القرن"

حرب الإبادة.. من غزة إلى المحيط الإقليمي

المشهد في غزة اليوم يتجاوز كل تصورات الحرب التقليدية، إذ عادت الحرب من جديد بعد توقف بسيط، ظن خلاله الأبرياء في غزة أنهم قد نجوا، وأن ثمة فرصة للسلام على أرضهم من جديد. 

لكن سرعان ما عادت المذابح، وعاد التهجير والقصف والقتل الممنهج بوتيرة صادمة للشعوب العربية وحتى لشعوب العالم، فقد شعر الجميع أنه تم ذبح خروف القانون الدولي، قبل أن يقوم متطرفو الصهيونية بذبح "جديهم" في المسجد الأقصى كما يتوعدوننا!

فما يحدث هو عملية إبادة ممنهجة تتخذ أشكالًا متعددة:

  • التدمير الشامل للبنية التحتية 
  • القتل الممنهج للمدنيين 
  • التجويع الجماعي كسلاح حرب 
  • التهجير القسري عبر صناعة ظروف غير ملائمة للحياة 

لكن دائرة الإجرام الصهيوني لم تقتصر على غزة، بل امتدت لتشمل:

  • القصف المتكرر لدمشق وضواحيها 
  • التصعيد اليومي على الحدود اللبنانية 
  • الضربات الأمريكية المتواصلة في اليمن 
  • التهديدات المباشرة ضد إيران 

لقد وجدت المنطقة نفسها في أتون حرب تتسع دائرتها يومًا بعد يوم، ففي الوقت الذي تُباد فيه غزة، تُقصف دمشق، وتتم توغلات عدة يوميًا في بقاع شتى من سوريا، التي لم تلملم جراحها بعد من طغيان الأسد.

وعلى التوازي، يُقصف لبنان صباح مساء، وتُنفذ عمليات قتل واغتيال يومية، وتهبط وفود دولية على لبنان من كل حدب وصوب، لا ترى ما يفعله الصهاينة، بل ترى فقط ضرورة أن تعمل الدولة على نزع سلاح حزب الله، سعيًا لقطع الأيادي المحدودة التي تمد يد المساعدة إلى غزة.

وها هي أمريكا تنقل إلى قواعدها في المنطقة مزيدًا من حاملات الطائرات والصواريخ ذات الرؤوس النووية، لتضرب اليمن، وتهدد بضرب إيران ومفاعلها النووي.

 كل ذلك بينما لا تنسى الأنظمة العربية الموالية للمشروع الصهيوني، طوعًا أو كرهًا، سرًا أو جهرًا، تصريحًا أو تسريبًا، أن تراود المقاومة الفلسطينية عن سلاحها وعن قضيتها، وكأن المقاومة والدفاع عن الأرض عمل غير مشروع، بينما سلب الأوطان والأرواح أمر مبرر في هذا العالم الذي طفح فيه كأس الظلم حتى فاض.

ثورة الكاميرات الصغيرة

في الأمس، قبل ثورة الإنترنت ووسائل التواصل، كانت الأنظمة العميلة قادرة على تغييب الحقائق عن شعوبها، وربما تعمل على تزييف الصور والأخبار لتحييدهم وصرفهم عن متابعة ما يدور حولهم.

أما اليوم، فالوضع مختلف رغم كثرة الأبواق الإعلامية المملوكة للأنظمة العربية الموالية للمشروع الصهيوني، ورغم الطوابير المحترفة التي تُجنَّد لصناعة الزخرف الإعلامي وتبديد المليارات من أموال النفط في التغطية على القضايا المصيرية، فقد برزت وسائل التواصل كقوة حقيقية تتحدى محاولات التزييف.

في مواجهة آلة الإعلام الموجه، برزت ظاهرة "الصحافة الشعبية" كقوة مضادة لا يُستهان بها. لم تعد الحقيقة حكرًا على وكالات الأنباء الكبرى أو القنوات الرسمية، بل أصبح كل مواطن يحمل هاتفًا ذكيًا صحفيًا محتملاً.

ومع ثورة الإنترنت، أصبح الناس يعرفون تفاصيل ما يحدث في غزة وركامها وخيمها، وحتى في قبورها.. لقد أصبحت الحقيقة حاضرة، ولا مجال لتزييفها.

من تحت القبر، تكلمت الحقيقة عبر كاميرا هاتف أحد شهداء طواقم الإسعاف الأربعة عشر الذين أعدمهم جيش الاحتلال الصهيوني أثناء قيامهم بواجبهم الإنساني.

هذه الحادثة أثارت ردود فعل واسعة، وأجبرت جيش الاحتلال على تعديل روايته أكثر من ثلاث مرات، وأضافت ورقة جديدة إلى ملف جرائم الحرب الصهيونية، وأثبتت أن صحافة المحمول و"السوشيال ميديا" قادرة على أن تصنع وحدها، ومن دون جيوش، ثورةً عابرةً للحدود والسدود.

تحطيم جدار الصمت

لعبت وسائل التواصل دورًا حاسمًا في:

  • كسر احتكار المعلومات الذي مارسته الأنظمة لعقود 
  • تعرية ازدواجية المعايير في التعامل مع القضية الفلسطينية 
  • إجبار الإعلام العالمي على تغطية أحداث كانت تُتجاهل 
  • خلق رأي عام عالمي ضاغط 

دروس من الربيع العربي

ليس ببعيد الدور الذي لعبته وسائل التواصل في ثورة 25 يناير 2011 بمصر، حين استطاع الشباب عبرها أن يثوروا وينظموا تحركاتهم على الأرض.

 في ذلك الوقت، كان "السوشيال ميديا" خارج نطاق سيطرة الأنظمة، ما جعله أحد محركات الثورة المفاجئة.

الدور المؤثر لوسائل التواصل في يناير دفع الجماهير إلى الإقبال عليها، لتتحول إلى جزء لا يتجزأ من حياتهم، من أعلى الثقافات إلى أدناها، ومن شرق الأرض إلى غربها.

وبعد ثورة "السوشيال"، جاءت ثورة صحافة المحمول، التي تطورت بشكل مذهل، وجعلت الناس ينقلون الحدث فور وقوعه، دون الحاجة إلى سيارات بث وإرسال.

هذه الثورة الإعلامية هي التي جعلت غزة مكشوفة بالكامل، وأتاحت للعالم متابعة المذابح في وقت حدوثها، لا بعد انتهائها.

ثورة هادرة من آلاف الرسائل

نعيش اليوم ثورة هادرة من آلاف الرسائل والمعلومات والصور والنقاشات، تصدر من تحت ركام غزة المحترقة، لتقول إن غزة ليست نهاية المطاف، وأن جوهر الصراع ليس إيران أو حزبًا هنا أو هناك، بل مشروع استعماري جديد يريد ابتلاع المنطقة.

يظن الحكام أنهم بمنع المظاهرات قادرون على إخماد صوت الشارع، لكن من السخف الظن أن هذا السيل من الصور والمعلومات المروعة لن يؤدي إلى انفجار شعبي!

حجم المعلومات المتداولة عبر "السوشيال ميديا" كوّن كرة من لهب في العقل الجمعي للجماهير العربية، تكبر يومًا بعد يوم، حتى صارت خزانًا من النار يقترب من نقطة الانفجار!

خياران لا ثالث لهما

ختامًا، يمكننا التأكيد على أننا، اليوم، على مفترق طرق تاريخي، فالشعوب العربية تقف أمام خيارين وجوديين:

  • إما الاستمرار في قبول واقع الذل والتبعية 
  • أو إشعال ثورة التغيير التي طال انتظارها 

لقد أعطت وسائل التواصل صوتًا للمهمشين، لكن التغيير الحقيقي يحتاج إلى أكثر من صوت؛ يحتاج إلى إرادة حقيقية.

فهل تتحول موجات الغضب الشعبي على السوشيال إلى ثورة عربية كبرى، تكسر القيود، وتفك الحصار عن غزة، وتتصدى للمشروع الاستعماري الصهيوني الذي يظن أنه لا أحد سيقف في وجهه؟!