قمع وتحريض عنصري| حرب إيران فضحت مزاعم "حرية الصحافة" في الكيان الصهيوني

الخميس - 26 يونيو 2025

إنسان للإعلام- تقرير:

بعدما منع الاحتلالُ الصهيوني تغطية الصحف الأجنبية لحرب غزة؛ لعدم فضح خسائره من جهة، أو كشف الإبادة الجماعية التي يقوم بها من جهة ثانية، تعرّضت حريةُ الصحافة في الكيان الصهيوني للهجوم الشديد تحت ستار الحرب مع إيران، حسبما قالت افتتاحية صحيفة «هآرتس»، 23 يونيو 2025.

تزامن هذا مع قيام الأمن الصهيوني بقمع الصحفيين والمراسلين؛ لمنعهم من بثّ خسائره، وتحوّل الإعلام «الإسرائيلي» إلى التحريض والعنصرية خلال الحرب مع إيران.
«هآرتس» قالت إنّه «تحت غطاء الحرب، تتعرّض حرية الصحافة في إسرائيل للهجوم»، وكشفت أنّ المستشار القانوني للشرطة أصدر توجيهات جديدة للضباط تمنحهم سلطة احتجاز، بل واعتقال، الصحفيين إذا رأوا أنّهم يوثّقون مواقع الضربات الصاروخية «على مواقع دفاعية إستراتيجية أو بالقرب منها"!

وقد أوقفت الشرطة فعليّاً بثّ عدة وكالات أنباء أجنبية كانت تذيع تقارير من مواقع سقوط الصواريخ الإيرانية.

وزعمت مصادر في قيادة الشرطة أنّ لقطات الوكالات التي كشفت عن مواقع حسّاسة، كانت تستخدمها شبكة «الجزيرة» الإخبارية، المحظورة في إسرائيل منذ الصيف الماضي، لنقل محتوى غير مُصرَّح به وغير قانوني.

ويظهر في لقطات من عمل الشرطة نشرتها وزارة الأمن القومي ضابطٌ وهو يأمر مصوّراً بتسليم جهاز التسجيل الخاصّ به، ويظهر المصوّر وهو يقاوم

وقال ناطقٌ بلسان شرطة الاحتلال التي يقودها الوزير المتطرّف «إيتمار بن غفير»: إنّ القرار اتُّخذ، وفقاً لسياسة وزير الأمن القومي «بن غفير»، وبتوجيه من القائد العام للشرطة «داني ليفي"

وكانت الشرطة الإسرائيلية داهمت مكاتب طواقم تلفزيونية أجنبية، بعد أن بثّت صوراً لسقوط صواريخ في منطقة حيفا، حيث استهدف وابلٌ من الصواريخ منشآتٍ حسّاسة. وتعهد الوزير بن غفير باتخاذ إجراءات صارمة ضد وسائل الإعلام الأجنبية التي تبثّ مواقع سقوط الصواريخ.

وقال، في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام من موقع سقوط صاروخ في «بيتاح تكفا»: «إنّ البثّ الذي يُظهر بالضبط مكان سقوط الصواريخ على دولة إسرائيل يشكّل خطراً على أمن الدولة"

لذلك سعت السلطات الإسرائيلية إلى تقييد المعلومات المتعلّقة بمواقع الضربات، زاعمةً أنّه يمكن أن تستخدمها إيران لتحسين دقة صواريخها، وأخضعت المراسلين الأجانب، وخاصة العرب، لتعليمات الرقابة العسكرية.

الصحفيون الأجانب أعداء!

بل وصف وزيرا الاتصالات والأمن القومي الصحفيين والمراسلين الأجانب بأنّهم «جهات معادية»، وقالا: «لن نسمح باستباحة إعلامية أثناء الحرب، ولن نمنح منبراً للجهات المعادية التي تعمل تحت غطاء صحافي، وتشكل خطراً على قواتنا وعلى أمن إسرائيل».
فقد أعلن وزير الاتصالات، شلومو كرعي، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، فرض قيود على مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية، والعربية بالأساس، الذين ينقلون صور الحرب، وإخضاعهم لتعليمات الرقابة العسكرية.

وجاء في بيانٍ مشترك صادرٍ عن الوزيرين أنّ «المراسلين الأجانب الذين يبثّون من إسرائيل أثناء القتال سيُلزمون بالحصول على تصريحٍ مسبقٍ وخطيّ من الرقابة العسكرية، بشأن مجرّد البثّ وكذلك من الموقع الذي يبثّون منه"

أضافا أنّ «بثّ صور من دون تصريحٍ ملائم من مناطق القتال أو سقوط صواريخ سيشكّل مخالفة جنائية وخرقاً لأنظمة الرقابة"

وزعم كرعي أنّ «حرية الصحافة لا تتغلّب على أمن مواطنينا وجنودنا، ولن نسمح بنقل معلومات إلى العدو بذريعة تقرير صحفي، ونحن نُخضع المراسلين الأجانب في إسرائيل لتعليمات الرقابة، بشكل مشابه للمراسلين الإسرائيليين، من أجل مصلحة أمن إسرائيل".
وادّعى بن غفير أنّ «الفوضى الإعلامية لوسائل الإعلام الأجنبية انتهت، ولن نسمح للجهات التي تخدم حماس وحزب الله وإيران، بشكل مباشر أو غير مباشر، بنقل تقارير من داخل الأراضي الإسرائيلية، وأيُّ أحدٍ لا يحترم القواعد الأمنية ستُعنى به الشرطةُ الإسرائيلية"
ويُلزم القانون الإسرائيلي مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية بالانصياع لتعليمات الرقابة العسكرية، لكن الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة تشدّد الآن هذه الإجراءات، لمنع تغطية ما يحدث على أرض الواقع في الكيان.

وأصدر مدير مكتب الصحافة الحكومي، نيتسان حين، بياناً جاء فيه أنّه «استمراراً للمرسوم الذي أصدره الرقيبُ العسكري حول تدقيقٍ مسبقٍ لنشر مواقع سقوط صواريخ بالستية وطائراتٍ مسيّرة، يوضح مكتبُ الصحافة الحكومي اليوم أنّ أيَّ بثٍّ مباشر و/أو مُسجَّل من منطقة قتال أو سقوط صواريخ يستوجب تصريحاً خطياً مسبقاً من الرقابة حول موقعه وطبيعةِ وصفه للأحداث قبل نشره"

وأضاف أنّه «بعد تلقّي التصريح الخطيّ من الرقيب، لا مانع من نشر تقارير ببثّ حيّ أو مسجّل، وذلك بموجب التصريح الصادر عن الرقيب».

ملاحقات للصحافيين العرب

وقد كشفت الملاحقات المتواصلة عن قيودٍ مشدَّدة تجاه الصحفيين العرب الذين وُضعوا تحت سيف الرقابة؛ حيث يتعرّض الصحافيون الفلسطينيون في مناطق 48 لملاحقاتٍ مستمرة من السلطات والمجتمع «الإسرائيلي»، وتزداد وتيرةُ وشدّة التضييق خلال فترات التصعيد الأمني.

وشهدت بدايةُ الحرب على قطاع غزة بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، ملاحقاتٍ وقمعاً لعمل الصحافيين العرب الفلسطينيين بشكل غير مسبوق، سواء من السلطات أو المجتمع «الإسرائيلي» الذي يأخذ دوراً رئيساً في رصد ومراقبة الفلسطينيين ونشاطهم الإعلامي، وارتفعت هذه الوتيرة مجدّداً خلال الحرب بين إسرائيل وإيران.

وداهمت الشرطة مقراً مؤقتاً لخمسة صحافيين في أحد فنادق مدينة حيفا، وصادرت معداتهم الصحفية الشخصية والمؤسسية، من بينها حواسيب، أقراص صلبة، كاميرات وهواتف نقالة، وحققت معهم لاحقاً، وأبلغتهم بمنعهم من تغطية الأحداث في حيفا وفي مواقع سقوط الصواريخ الإيرانية في كافة أنحاء البلاد.

وجاء هذا في أعقاب تحريض وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وجهاتٍ يمينية «إسرائيلية» على الصحافيين العرب الذين يعملون مع وسائل إعلام أجنبية، بعد التوثيقات التي انتشرت لسقوط صواريخ إيرانية وانفجارها في حيفا

وقال الصحافيون الموقوفون: «إنّ الحاصل تصعيدٌ خطير، وتسليط الرقابة العسكرية سيفَها فقط على الصحافيين العرب دون الصحافيين اليهود، مع أنّهم يوثّقون كلَّ الأحداث المتعلقة بالحرب. ويأتي اعتقالُنا في سياق رسالة ترهيب لكل الصحافيين العرب ومحاولةٍ لمنع التغطية واستمرار التعتيم الإعلامي، وفي إطار البهلوانات الإعلامية لبن غفير».
وقال المحامي المرافق للصحفيين، الذي قدّم لهم استشارات قانونية، علاءُ محاجنة لموقع «عرب 48»: إنّ «الرقابة العسكرية الإسرائيلية لم تعد تقتصر على منع تسريب معلومات أمنية حساسة، بل باتت تُستخدم، خاصةً منذ اندلاع الحرب الأخيرة، كأداة لقمع حرية التعبير وتقييد المحتوى الإعلامي بناءً على اعتبارات سياسية وأيديولوجية، خصوصاً فيما يتعلق بالإعلام العربي".

وأوضح محاجنة أنّ «استدعاء خمسة صحفيين عرب والتحقيق معهم لا يأتي في إطار مسار قانوني طبيعي، بل يعكس توجّهاً نحو التحكم بالرواية الإعلامية وتقييد الحقيقة ضمن حدود يفرضها النظام".

كما أكّد أنّ «هذا النمط يعكس انتقالاً خطيراً من رقابةٍ تستهدف ما يُعدّ “ضارّاً أمنياً” إلى رقابةٍ تستهدف ما يُعدّ غير مرغوب فيه سياسياً"

وقد أصدر المركز العربي للحريات الإعلامية (إعلام) بياناً جاء فيه إنّه «تابع تفاصيل الحادثة منذ لحظاتها الأولى، ويرى أنّ هذه الحادثة ليست معزولة، بل هي جزءٌ من توجّه مؤسَّسي آخذٍ في الترسخ، يسعى إلى إخضاع الصحافة العربية لمنظومة الردع الأمني والإسكات القانوني".

وأكّد البيان أنّ مركز «إعلام» وثّق ثماني حالات انتهاك طاولت 17 صحافياً عربياً، تنوّعت بين استدعاءات، مراقبة رقمية، تهديداتٍ مبطَّنة، وتقييداتٍ على نشر مواد ميدانية.

خطاب تحريض وعنصري

وقال صحفيون فلسطينيون إنّ خطاب التحريض والعنصرية غزا الإعلام «الإسرائيلي»، بالتزامن مع الحرب بين "إسرائيل" وإيران والعدوان «الإسرائيلي» على غزة.
وأجرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) تحليلاً لوسائل الإعلام «الإسرائيلية» في الفترة الممتدة بين 15 و21 يونيو 2025، ووثّقت هذا الخطاب التحريضي والعنصري ضد الفلسطينيين.
ومن أبرز تلك المقالات التحريضية مقالٌ بعنوان «لماذا تنجح إسرائيل في إيران ولبنان وتفشل في غزة؟» نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وجاء فيه: «التعقيد الذي تُظهره إسرائيل في المواجهات مع إيران وحزب الله، بما يشمل ترسيخ موطئ قدم سياسي يكمل الإنجاز العسكري، هو نهج يجب تبنّيه أيضاً في قطاع غزة. الحملة في القطاع تكشف عن درسٍ حيوي إضافي: ضرورة تجنّب الأوهام التي لا تكتفي بتعقيد الوضع، بل تشتّت التركيز عن أهداف الحرب الجوهرية، مثل الانشغال المتزايد بإسقاط النظام الإسلامي، في حين يجب أن تبقى الأنظار مركّزة على المشروع النووي".

ولاحظت (وفا) أنّ المقال يصوّر الفلسطينيين في غزة بوصفهم عقبةً أمنية لا طرفاً سياسياً، ويُحمّلهم مسؤولية فشل إسرائيل في تحقيق «نصرٍ حاسم»، مستخدماً لغةً تحريضيةً تدعو ضمنياً إلى السيطرة الكاملة على القطاع أو حتى تفريغه من سكانه.

عسكرة الإعلام "الإسرائيلي"

وفي مقالٍ آخر للصحيفة نفسها بعنوان «دعونا نوضح ما هو بديهي: وزير الأمن لا يوفر أي أمن»، سخر كاتبه من أداء وزير الأمن بن غفير، وسلّط الضوء على البنية الداخلية المتآكلة للسياسة «الإسرائيلية»، من خلال تتبّع التعيينات غير المهنية، والخطاب الشعبوي، وانفصال القيادة عن الواقع الأمني والاجتماعي.

وفي تقريرٍ نشره موقع «الصوت اليهودي» حول أزمة العمل في الضفة الغربية، اعتبر أنّ وقف تشغيل العمّال الفلسطينيين «أداة ردع فعّالة»، مهاجماً منظماتٍ «إسرائيلية» يسارية دافعت عن حقوقهم، في محاولة لشيطنة الوجود الفلسطيني وشرعنة العقوبات الجماعية المفروضة على الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وفي صحيفة «معاريف»، تجاهل مقالٌ بعنوان «فرصة لإحلال سلام مؤقت» وجودَ الفلسطينيين بشكل كامل، واختزل الصراعَ في بُعدٍ داخلي «إسرائيلي»، داعياً إلى هدنةٍ سياسية داخلية لتمكين حكومة الاحتلال من حسم المواجهة عسكرياً.

تبرز الوقائع المتواترة كيف تحوّلت الرقابة العسكرية في "إسرائيل" من أداةٍ «أمنية» إلى سلاحٍ سياسي يُوظَّف لقمع التغطيات الحرّة، ولا سيما تلك التي يقدّمها الصحفيون الأجانب والعرب.

وبينما كانت المعارك محتدمة مع إيران، وآلة الحرب تُواصل عدوانها على غزة، اتّضح أنّ الحرب على الكلمة لا تقلّ شراسةً عن الحرب على الأرض، وأنّ حرية الصحافة باتت تقف عند مفترقٍ حاسم بين الانحياز للديمقراطية أو الانزلاق نحو استبدادٍ مُقنَّع بالشعارات الأمنية.