د. عز الدين الكومي يكتب : الاحتلال الداخلي
الثلاثاء - 5 أكتوبر 2021
أسس “محمد علي باشا” _ الذى يوصف بأنه باني دولة مصر الحديثة _ لنظام الاحتلال الداخلي من خلال تأسيس مؤسسة عسكرية تهيمن على كل مقدرات البلاد ، وتستولي على السلطة والثروة فى آن واحد ، ويظل الشعب يقوم بأعمال السخرة تحت إشراف مجموعة من المرتزقة والمنتفعين الذين يدورون في فلك السلطة الحاكمة ويربطون مصيرهم بمصيرها.
وهذه السلطة العسكرية يتم اختيار عناصرها بعناية ، بحيث يكون ولاؤها أولًا وأخيرًا للحاكم السيد الذي ينظرون إليه على أنه ولي نعمتهم .
ومن هنا جاء المثل العامي المصرى “إن فاتك الميري – العسكرى – تمرغ في ترابه” .
ولذلك يمكننا القول بأن “محمد علي” هو صاحب نظرية (جيش له دولة) لأنه لم يؤسس دولة لها جيش يحميها ويدافع عنها ، بل أسس جيشًا لحمايته وحماية مصالحه وأطماعه .
فبنى الكثير من المؤسسات التى تقوم على خدمة الجيش وإمداده بما يحتاجه من التخصصات المختلفة ، ولم يكن يسعى لتقدُّم الدولة كما يتوهم البعض!!
ولم يكن الباشا يخضع لأي نوع من الرقابة لأنه ركَّز كل السلطات فى يده ، ولم يكن للشعب دور فيما يقوم به الباشا ، لأنه لم يضع الشعب يومًا في حسبانه إلا لاستعماله كمصدرٍ لدفع الضرائب والإتاوات والرشاوي ، والقيام بأعمال السخرة التى يحددها له الباشا !! .
وهذا النوع من السلطة لايهتم بأي نوع من أنواع الإصلاح ولايسعى إلى صيانة الحقوق والحريات على الرغم من انفتاحه على أوروبا ، لأنها فضلًا عن فساد عناصرها فإن فلسفتها تقوم على القمع والقهر لتحقيق مصالح السلطة العسكرية الحاكمة دون النظر لمصالح الشعب ، لأنها تنظر للشعب على أنه خادم لهذه السلطة وأن دوره -أى الشعب- ينحصر فى أعمال السخرة فقط ليس إلا !! .
لذلك تنهار المؤسسات فى دولة العسكر لأنها لاتحترم الدستور والقانون ، ولاتحترم الكفاءات وتُنال فيها المناصب عبر الرشوة والمحسوبية بعيدًا عن أي معيار آخر .
لذلك تستعين بجيش من المرتزقة في الإعلام والقضاء والشرطة والجهاز الإداري للدولة لتنفيذ سياسات السلطة الحاكمة عن طريق وضع أحد جنرلاتها فى كل مؤسسة !! .
وبالتالي يحدث احتكار العسكر للسلطة الحاكمة ، فلا تتخلى الجيوش عن الحكم .. إما بصورة مباشرة أو من وراء ستار .
وفي حالة الحكم من وراء ستار فإنه يمكن أن يحدث انقلاب عسكري من الجيش إذا شعر بأن مصالح أفراده باتت مهددة ، فهنا تتدخل المؤسسة العسكرية لتقويض النظام الحاكم .. لا لأن النظام الحاكم قصر فى أداء مهامه أوماشابه .. لكن فقط لأن العسكر شعروا بالمساس بمصالحهم .
وإذا كان المحتل الأوربي خرج من بلادنا فقد زرع فيها أسوء أنواع الاحتلال وهو احتلال الأنظمة العسكرية لشعوبها !! فعملت هذه الأنظمة على نهب الأوطان من أجل السلطة وإرضاء الغرب ! ، وسلّمت مقدرات الأوطان للغرب .
وفي الوقت الذي يبني فيه المحتل الأوروبي السابق الجامعات والمستشفيات والمدارس ومراكز البحوث والمصانع في بلاده .. نجد الأنظمة العسكرية المحتلة لبلادنا تبني السجون والمعتقلات ! وإذا احتاج أحدهم للعلاج سافر للعلاج في مستشفيات الغرب ومصحاته التي بُنيت بأموال شعوبنا المنكوبة !!
لذلك أصبحت مهمة العسكر الأولى في بلادنا العربية والإسلامية هي حماية النظام ومصالحه وليس الحفاظ على حدود البلاد وثغورها .
وبالتالي فإنها تقدم مصالحها المرتبطة بالنظام الحاكم على مصالح الشعوب والأوطان .
وكما قال شهيد الظلال –رحمه الله- “إن هذه الجيوش العربية التي ترونها ليست للدفاع عن الإسلام والمسلمين ، وإنما هى لقتلكم ولن تطلق طلقة واحدة على اليهود .
وإلا .. فإنه لولا وجود جيوش وعسكر الدكتاتوريات في بلادنا _التي كرست جيوشها وأجهزتها الأمنية لإبقاء حدودها مع الكيان الصهيوني آمنة وخالية من أي تهديد _ ما كان الصهاينة لينعموا يومًا بالحياة على أرض فلسطين الحبيبة .
وكما قال الشيخ الغزالي – رحمه الله – ” إن زوال إسرائيل قد يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها ، ودمار مجتمعات عربية فرضت على نفسها الوهم والوهن”
هذه الجيوش التى لم تنتصر في معركة أمام أعدائها والتي تشتري أسلحة بمليارات الدولارات _ يتم تكديسها حتى يعلوها الصدأ .
هذه الاسلحة هي بالأساس لحماية هذه الدكتاتوريات التي يرضى عنها الغرب لأنها تقوم بالدور المرسوم لها وهو قمع الشعوب التى تطالب بالحرية والكرامة الإنسانية !!
حتى لوفكرت الشعوب بالثورة على هذه النظم العسكرية البالية يتقدم العسكر لسرقة الثورات مع نشر الدعايات الكاذبة مثل (الجيش والشعب يد واحدة) و ( الجيش الوطني هو الذى حمى الثورة) إلى ماهنالك من الشعارات والدعايات الكاذبة التى تبثها الشؤون المعنوية لدولة العسكر فضلًا عن الأذرع الإعلامية التي تربت على عين العسكر .
وماذا جنت بلادنا من وراء هؤلاء إلا الهزائم المتكررة ونشر الفساد والتخلف والقمع وانتشار الأمراض والأوبئة والبطالة والفقر والتفريط في ثروات ومقدرات البلاد؟؟ !!
نسأل الله تعالى أن يعجل بتحرير بلادنا منهم .