قضيت ثلاثا وأربعين سنة من عمري أعمل بالتدريس في الجامعة ، وما بقي من العمر إلا أيام معدودات لا تسعف من يريد أن يتهمني بأن لي مصلحة شخصية بهذا المقال.... بل هذه كلمات من القلب لمصلحة هذا الوطن الذي عشنا نحبه وسنموت على حبه .
ولا خلاف - فيما أظن - بين المثقفين على أهمية الدور الإصلاحي الذى يناط بالجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث العلمى. فهذه المؤسسات أنشئت أساساً لتحقيق التنمية،وترشيدها، ودعمها. غير أن الواقع يشهد بأن هذا الدور التنموى التنويرى لمؤسسات التعليم العالي بعامة وللجامعات بوجه خاص قد تراجع تراجعاً ملحوظاً
وسبب التراجع هو سيادة الفيومي على البلدي ، فأساتذة الجامعات المصرية نوعان : نوع " بلدي" خشن الملمس ، صريح ، جريء ، صادق مع نفسه ومع طلابه ومع مجتمعه ، متسق داخليا مع دينه وأخلاقه ومتطلبات مهنته . ونوع " فيومي " [ مع كل الاحترام لشعب الفيوم لكنه مجرد رمز ] لزج ، متسلق ، ناعم الملمس ، أصفر الابتسامة ، باهت الضحكة ، شديد المكر ، أذكى ما يكون إذا شهد المغانم ، وأنأى ما يكون إذا سمع صوت الحق .
وقد استوى على عرش وزارات المال والاقتصاد والتجارة والتنمية والتخطيط إلخ تلك المسميات في مصر على مدى الخمسين عاما الماضية عشرات الأساتذة والدكاترة الذين قد يخطئهم الحصر، وكلهم متخصصون في المال والاقتصاد [ ولا مؤاخذة : الأعمال وإدارتها] منهم د. عبدالعزيز حجازي .. ود. على لطفي ، ود. سليمان نور الدين ، د. على السلمي . د. سلطان أبو على، ود. عاطف صدقي ود. عاطف عبيد (سلام قولا من رب رحيم) ود. محمد الرزاز ود. بطرس غالي [ الذي انفرد من بينهم جميعا بسب الدين تحت قبة البرلمان!! ].. ود.عثمان محمد عثمان و عصمان على عصمان ... وقد تمثلت الاستراتيجيات المختلفة التي طبقها هؤلاء الجهابذة في آليتين لا ثالث لهما هما:
* زيادة الأعباء الضريبية على المواطنين لمعالجة التضخم الاقتصادي وعجز الميزان التجاري، عاما بعد عام. مما ترتب عليه أن زاد سعر الصحيفة اليومية من قرش ونصف القرش عام 1970 إلى مائة وخمسة وعشرين قرشا أو مائتي قرش للصحف الأسبوعية المستقلة عام 2007 [ في خلال 37 سنة] وهذا مثال فقط ذكرته لأنه ملموس لجميع القراء. وقس عليه أسعار المساكن والمواصلات والمأكولات.
* تزايد السفه في الإنفاق الحكومي مع التشدق بعكسه في الخطابات الرسمية فسمعنا عن مكاتب وزراء أعيد تأثيثها بمئات الآلاف دون حاجة ماسة سوى "الفشخرة" والتفاخر والمواكب وعشرات السيارات المخصصة للزوجات والأبناء وذوي القربي .. وكله على حساب الشعب المحروم من العلاج والطعام والذي يستدان باسمه لترفيه تلك الصفوة .
والقاسم المشترك الأعظم الذي يجمع كل أولئك أنهم جميعا كانوا من النوع ( الفيومي ) فقد تفانوا في خدمة نظم لم تتورع عن إهانتهم وإذلالهم على الملأ وما خفي من إهانتهم وإذلالهم كان أعظم !!
وأكمل مهمتهم فريق أسوأ من النوع ( الفيومي ) كانوا ترزية للقوانين ، مزورين للتشريعات مقننين للفساد والإفساد وأكثرهم من حقوق القاهرة وسياستها واقتصادها !!! مع أن تينك الكليتين أنجبتا آلاف الشرفاء والمناضلين على مدى تاريخ مصر .
ولا يخفى على من ذاق الظلم والإقصاء والتهميش – والتشهير –، أن محاكمة المفسدين ( وإن كانت مطلوبة بإلحاح) لن تحل المشكلات العاجلة في المجتمع ، بل إن الخطوة الأوْلى بالاتخاذ هي : البدء بإصلاح الجامعات بالتخلص من رموز الفساد ، وإبادة بقايا سلالات فصيلة النوع ( الفيومي) من الأساتذة الذين ( يخورون ) حاليا كالعُجُول السامرية فوق مقاعدهم متحدثين عن أهمية ( الاستقرار !!!!) وهو المسمى الذي صدَّعنا به الرئيس البائد ونظامه على مدى ربع قرن .
ولا يخفى على من ذاق الظلم والإقصاء والتهميش – والتشهير –، أن إصلاح الجامعات سيفرز حتما قيادات وطنية متحمسة للعمل العام غير تلك الوجوه اللزجة الرابضة حاليا بقرارات قديمة.