من "شيرين أبو عاقلة" إلى "أحلام التلولي".. مَسيرةٌ بطولية لشهيدات الصحافة الفلسطينية

الأربعاء - 15 يناير 2025

  • جريمة اغتيال  شيرين أبو عاقلة كانت نقطة تحول فى علاقة الاحتلال بالصحفيين
  • بعد "شيرين".. الاحتلال الصهيوني يستهدف بالقتل 25 صحفية في غزة والضفة
  • كثير من الصحفيات قضين مع أزواجهن وأبنائهن تحت القصف الصهيوني الإجرامي
  • شذى الصباغ مثال صارخ لضحايا التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال
  • قصص شهيدات الصحافة الفلسطينية تُظهر  التحديات الجسيمة لعمل الإعلاميين

 

إنسان للإعلام- حنان عطية:

ضمن عمليات الاستهداف المباشر للصحفيين الفلسطينين من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، التي زادت وتيرتها منذ 7 أكتوبر 2023، دفعت الصحفيات الفلسطينيات أثمانا باهظة لنقل الحقيقة، تخطت حدود المصاعب اليومية الشديدة،  إلى استهدافهن بالقتل المباشر.

وما بين جريمة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة صباح يوم الأربعاء 11 مايو 2022، واغتيال الصحفية أحلام التلولي مساء الاثنين 13 يناير 2025، هناك قصص دامية لصحفيات شهيدات، تُظهر للعالم حجم الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها صحفيات فلسطين، مع زملائهم الصحفيين.

منعطف في تاريخ الصحافه الفلسطينية

بلغ عدد شهداء الصحافة منذ بداية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 وحتى يومنا هذا 204 شهداء، بحسب الإحصاءات الرسمية، منهم 25 صحفية على الأقل. وخلال عام 2024 وحده قضى نحو 200 شهيد من الصحفيين والصحفيات، فضلا عن إصابة عشرات آخرين بجراح، رغم الدعوات الدولية والحقوقية المتواصلة  لحمايتهم.

وقد بدأت المأساة الحقيقية في تاريخ الصحفيات الفلسطينيات يوم 11 مايو 2022، عندما استهدف جندي صهيوني مراسلة قناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة برصاصة مباشرة في رأسها، أثناء تغطيتها لاقتحام العدو مخيم جنين.

ومنذ اندلع طوفان الأقصى، استهدف الجيش الصهيوني بالقتل عددا غير مسبوق من الصحفيات، أحصى مركز إنسان للإعلام منهن 25 شهيدة هن: إيمان العقيلي ، سلمى مخيمر، دعاء شرف ، سلام ميمة، آيات خضورة، أمل زهد، شيماء الجزار، عُلا عطا الله، دعاء الجبور، نرمين قواس، حنان عيّاد، هبة العبادلة، آلاء حسن الهمص، أنغام أحمد عدوان، آمنة محمود حميد، أحلام عزات العجلة، دينا عبد الله البطنيجي، وفاء علي العديني، حنين محمود بارود، نادية عماد السّيد، إيمان الشنطي، أريج شاهين، زهراء أبو سخيل، شذى الصباغ، وأحلام نافذ التلولي.

السؤال الأكثر إيلامًا هو: لماذا يستهدف الاحتلال الصهيوني في فلسطين "الكلمة الناعمة" بقتل الصحفيات اللاتي لا يملكن إلا أقلامهن أو كاميراتهن؟ لا شك أن أسباب هذا الاستهداف العنيف من قوات الاحتلال معروفة للجميع، وأبرزها:

 - إسكات كل صوت يعارض سياساتها

- منع الصحفيين من نقل الصورة الحقيقية لما يحدث على الأرض

-  ترهيب الإعلاميين ومنعهم من أداء دورهم في كشف الحقيقة

- يسعى الاحتلال إلى السيطرة على الرواية الإعلامية الأحادية، ومنع أي صوت معارض من الظهور، في محاولة لتكميم الأفواه وتوجيه الإعلام لخدمة أجنداته.

عامان على مقتل شيرين… ماذا بعد؟

هكذا، لم يكد يمر عامان على مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، حتى جاء "الطوفان" محمّلًا بأقصى الحملات الصهيونية الدموية الموجهة للصحافة والإعلام، وهما المعنيان بنقل حقيقة العدوان الصهيوني البربري على غزة والضفة ولبنان بعد 7 أكتوبر 2023.

وعلى ذكر الضفة، وقبل أن يرحل العام 2024، استفاق العالم على فاجعة جديدة، عبر استهداف قوات الأمن الفلسطينية للصحفية شذى الصباغ، ذات العشرين ربيعًا، في مخيم جنين للاجئين، ثم تلاها استهداف الصحفية أحلام نافذ التلولي بقصف طيران الاحتلال عند مفترق الغفري بغزة يوم الاثنين 13 يناير 2025.

ومن شيرين أبو عاقلة وحتى أحلام التلولي، تزداد قائمة الصحفيات الفلسطينيات المستهدفات يومًا بعد يوم. وما بين شيرين وأحلام، كان الاستهداف المحموم يقتل كل من ينقل الحقيقة حول ما يحدث من مجازر في غزة والضفة وجنوب لبنان، حيث قتلت الصحفية فرح عمر في جنوب لبنان يوم 21 نوفمبر 2023،  وقتل بعدها كثيرات من ناشطات منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى مراسلات لمواقع وصحف أجنبية وعربية.

شهادات حية.. وروايات مؤلمة

روايات مؤلمة تتحدث عن جرائم قتل الصحفيات، حيث يتم التعامل معهن بخشونة ، لا تفرق بين من يملك القوة والعضلات التي تمكّنه من الهروب،  وبين نساء ضعيفات، قدرتهن على حماية أنفسهن محدودة للغاية.

وقد نقلت شهادات العيان تفاصيل مروعة عن عمليات اغتيال الصحفيات، حيث يتم استهدافهن بشكل مباشر وهن يؤدين عملهن، ويتم التعامل معهن كأهداف عسكرية، فعلى سبيل المثال:

  • استشهدت الصحفية آيات خضورة مع جدتها وعدد من أشقائها وشقيقاتها بعد قصف منزل عائلتها في مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة في 20 نوفمبر 2023. وكانت آيات مثالًا للشجاعة والتفاني في عملها الصحفي.
  • وفي اليوم ذاته، 20 نوفمبر 2023، استشهدت الصحفية آلاء طاهر الحسنات نتيجة قصف الاحتلال لمنزل عائلتها في مدينة غزة، وكانت آلاء تسعى لنقل الحقيقة وتوثيق معاناة أهلها تحت الحصار.
  • واستشهدت الصحفية أمل زهد برفقة عائلتها جراء قصف استهدف منزلها في مدينة غزة في 24 نوفمبر 2023، وكانت أمل تعمل بجد لنقل معاناة شعبها، واستشهادها يعكس المخاطر التي تواجهها الصحفيات في الميدان.
  • أيضا الصحفية شيماء الجزار، التي استشهدت في 3 ديسمبر 2023 مع طفلتها وعائلتها نتيجة قصف منزلهم في رفح، كانت تعمل في شبكة "ماجدات رفح" الإعلامية. وزوجها كان قد استشهد قبل شهر، مما تركها مسؤولة عن طفلتها. لم تستسلم شيماء للحزن، بل واصلت عملها في توثيق قصص النساء الفلسطينيات تحت الحصار، لتتحول إلى قصة من بين ما كانت توثقه.
  • ومن القصص المؤثرة قصة الشهيدة علا عطا الله، التي عملت على مدار أكثر من عشرين عامًا، في تغطية الأحداث والتوثيق، واستشهدت في 9 ديسمبر 2023 مع عائلتها في قصف على حي الدرج بغزة، ولطالما كتبت عن آلام الفقد ومعاناة الفلسطينيين، لكن شاء الله أن تصبح هي نفسها ضحية للجرائم التي كانت توثقها.
  • واستشهدت الصحفية حنان عياد مع زوجها، في 12 ديسمبر 2023، إثر قصف استهدف منزلهما، وعُرفت حنان بشجاعتها وإصرارها على نقل معاناة الشعب الفلسطيني للعالم.
  • ولم يكتمل حلم الشهيدة نرمين قواس، المتدربة في قناة روسيا اليوم، التي استشهدت في 13 ديسمبر 2023 نتيجة قصف استهدف منزلها. كانت شابة شغوفة بالتعلم وتطوير مهاراتها الإعلامية، لكن يد الاحتلال أوقفت حلمها قبل أن يتحقق.
  • واستشهدت الصحفية هبة العبادلة وابنتها جودي  جراء قصف صهيوني استهدف منزلها في قطاع غزة، يوم 10 يناير 2024،  وبقي جثمانهما تحت الأنقاض لفترة طويلة، مما يعكس حجم المأساة التي تعيشها العائلات الفلسطينية
  • أما الشهيدة الصحفية آلاء حسن الهمص، التي استشهدت في 12 فبراير 2024، فتركت خلفها أرشيفًا زاخرًا بالتقارير والصور التي تفضح ممارسات الاحتلال، حيث عملت آلاء في وكالة سند للأنباء، وسعت لتوثيق جرائم الاحتلال ضد المدنيين، واستشهدت أثناء محاولتها نقل الحقيقة من قلب الميدان.
  • ومن الصحفيات الشهيدات، أنغام أحمد عدوان، التي استشهدت في 12 فبراير 2024 أيضا، أثناء تغطيتها للأحداث في غزة، حيث كانت تعمل في قناة فبراير الليبية، وعُرفت بشجاعتها وجرأتها في تغطية أخطر المناطق الساخنة، لكن الاحتلال استهدفها خلال أداء واجبها.
  • وهناك نموذج نادية عماد يوسف السيد، التي عملت في إعداد وتقديم البرامج الإذاعية، واستشهدت في 27 أكتوبر 2024 نتيجة قصف استهدف مدرسة لجأ إليها المدنيون في مخيم الشاطئ، وكانت تسعى لنقل قصص اللاجئين الفلسطينيين وآلامهم، لتصبح واحدة من ضحايا هذه المأساة.
  • واستشهدت الصحفية إيمان الشنطي، المذيعة في إذاعة الأقصى المحلية، مع زوجها وأطفالها الثلاثة في 11 ديسمبر 2024 نتيجة قصف صهيوني استهدف منزلها في حي الشيخ رضوان بغزة. وكانت إيمان (38 عامًا) صوتًا نسويًا بارزًا، دعمت من خلال برامجها النساء الفلسطينيات وساندت قضاياهن في مواجهة الاحتلال، وجاء استشهادها كفصل مأساوي يعكس القهر الذي يواجه العائلات الفلسطينية.

رسالة الشهيدات: الحقيقة لا تموت

تُظهر قصص شهيدات الصحافة الفلسطينية التحديات الجسيمة التي يواجهها الإعلاميون الفلسطينيون تحت الاحتلال.

كل واحدة منهن كانت تحمل رسالة نبيلة لنقل الحقيقة وتوثيق الانتهاكات، ومع ذلك، لم تكن بمنأى عن القصف والاستهداف المباشر.

استشهاد هؤلاء الصحفيات لا يطفئ نور الحقيقة التي سعوا لإيصالها، بل يجعل من تضحياتهن شهادة خالدة على الجرائم التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني وحق الصحفيين في ممارسة عملهم بحرية وأمان.

ختامًا، يظل الإعلام الفلسطيني سلاحًا لا غنى عنه في مواجهة الاحتلال، وكشف حقيقته للعالم أجمع، رغم التضحيات التي يدفعها الصحفيون والصحفيات يوميًا في سبيل أداء رسالتهم النبيلة.