"عسكرة" الصحافة رسميا| ماذا يعني تطوير الجيش المصري للمنظومة الإعلامية؟!

الأربعاء - 8 يناير 2025

  • ربط الإعلاميين بـ"الشئون المعنوية" بعد تدريب القضاة والدبلوماسيين والمعلمين والأئمة في الكليات الحربية
  • تغييرات في "آليات إعلام العسكر" تستهدف تطوير أساليب الدفاع التقليدية عن شخص "السيسي" وإخفاقاته

 

إنسان للإعلام- تقرير:

عقب انقلاب 2013، ومع القضاء على الحياة السياسية والحزبية والنقابية في مصر، تسارعت وتيرة عسكرة الإعلام، وقد تعززت هذه الخطة باستحواذ المخابرات الحربية والعامة على منصات إعلامية مؤثرة، بعضها كان يُصنَّف كأصوات مستقلة، ووضعها تحت إدارة "شركة الخدمات الإعلامية المتحدة"، المملوكة لجهاز المخابرات العامة. ويهدف هذا الاستحواذ إلى إحكام السيطرة على الرأي العام، وتوجيهه نحو تبني وجهة نظر الجنرالات فقط.

وبعد تنظيم الجيش المصري، عبر الشؤون المعنوية، المسؤولة عن التثقيف والإعلام، دورات تدريبية عسكرية استهدفت قضاة ودبلوماسيين ومدرسين وأئمة مساجد وممثلي النيابة في الكلية الحربية، وفي إطار ما يُعرف بـ"عسكرة" الدولة، التي طالت مختلف الوظائف والأنشطة الاقتصادية، تم الإعلان عن أن الجيش المصري سيتولى أيضًا "تطوير" منظومة الإعلام.

ومنذ عام 2018، خضع المرشحون للتعيين في القضاء لتحقيقات أمنية ورقابية، بالإضافة إلى دورات ذات طابع عسكري وأمني بإشراف الأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة للمخابرات العامة.

وتشمل هذه الدورات موضوعات مثل: إنجازات السيسي والقوات المسلحة، المخاطر التي تهدد الأمن القومي المصري، المؤامرات التي تستهدف البلاد، كيفية إنقاذ مصر من الربيع العربي، ودور القضاء في مكافحة الإرهاب، وفقًا لتقرير "ميدل إيست مونيتور".

في هذا السياق، وقعت "إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة"، المسئولة عن الدعاية والتي تعاظم دورها منذ انقلاب 2013، بروتوكول تعاون مشترك مع "الهيئة الوطنية للإعلام"، يوم 6 يناير 2025؛ يهدف إلى "دعم وتبادل الخبرات بين القوات المسلحة والجهات الإعلامية بالدولة".

وقع البروتوكول اللواء طارق محمد هلال، مدير إدارة الشئون المعنوية، ممثلًا عن وزارة الدفاع، وأحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام. وأكد المتحدث العسكري المصري أن البروتوكول "يهدف إلى تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين القوات المسلحة والهيئة الوطنية للإعلام، في إطار تطوير منظومة الخدمات الإعلامية"؛ مما يعني، ضمنيًا، مشاركة الجيش في توجيه منظومة الإعلام والإشراف عليها بشكل رسمي، بدلاً من توجيهها بشكل غير معلن.

من جانبه، وصف رئيس الهيئة الوطنية للإعلام البروتوكول بأنه "فرصة لتعميق وتعزيز علاقات التعاون مع القوات المسلحة"، مشيدًا بدور إدارة الشئون المعنوية في "تنمية الوعي الوطني والتحصين المعرفي تجاه التحديات والتهديدات التي تواجه الدولة".

توقيع هذا البروتوكول أثار العديد من التساؤلات حول بنوده وأهدافه، وما المقصود به؟ وكيف يمكن للجيش، من خلال الشؤون المعنوية، أن يقوم بتطوير الإعلام وهو في الأصل جهاز عسكري؟ وما هي طبيعة الخبرات التي ستتبادلها الشؤون المعنوية مع المجلس الأعلى للإعلام؟!

دورات عسكرية للإعلاميين!

منذ انقلاب 3 يوليو 2013، سعى عبد الفتاح السيسي للسيطرة على الإعلام وتطويعه، حيث عمد إلى تعيين خلية استخباراتية من المخابرات الحربية لتوجيه الصحف والقنوات المختلفة، فيما عُرف لاحقًا باسم "جهاز سامسونج" لنقل التعليمات للصحفيين والمذيعين.

كما شكّل خلايا ولجانا إلكترونية لمحاولة التحكم في توجهات وسائل التواصل الاجتماعي، ثم انتقل إلى شراء والاستيلاء على الصحف والفضائيات الخاصة عبر "الشركة المتحدة" التابعة للأجهزة الاستخباراتية، بهدف اصطفاف جميع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية مع الموقف الرسمي.

ومع ذلك، فإن استمرار المعارضة لسياسته القمعية وتصاعد الأصوات المناهضة له دفعه إلى الانتقال لمرحلة جديدة، وهي "التدريب العسكري" للمهن المؤثرة، حيث فُرضت برامج عسكرية على القضاة، والإعلاميين، والمدرسين، والدبلوماسيين، وأئمة المساجد، وغيرهم.

ويكشف البيان الصادر بشأن بروتوكول التعاون بين الشؤون المعنوية للجيش والمجلس الأعلى للإعلام عن خطوة إضافية في اتجاه إشراف العسكر الكامل على وسائل الإعلام المصرية، لتتجاوز ما هو قائم حاليًا، إذ يتضمن البروتوكول إرسال المذيعين، والمعدين، والتقنيين للحصول على دورات تدريبية في الأكاديمية العسكرية، رغم أن المنطق يقتضي أن يكون الإعلاميون هم من ينقلون خبرتهم الإعلامية إلى الشؤون المعنوية، وليس العكس.

يُعتقد أن الهدف من تلك الدورات ليس إكساب الصحفيين والإعلاميين مهارات حرفة الإعلام، بل "التلقين العسكري" لهم، لترسيخ القواعد الأمنية الخاصة بالجيش وحماية النظام تحت مظلة "الأمن القومي".

ولم يسلم الصحفيون من هذه العملية؛ إذ نظمت أكاديمية ناصر العسكرية دورات تدريبية لمئات الصحفيين تحت عنوان "أساليب التفكير ودراسات المستقبل". تضمنت هذه الدورات موضوعات مثل حرب المعلومات وتأثيرها على المجتمع، تحديات الأمن القومي، ودور الإنترنت في اختراق العقول وتوجيه الرأي العام.

وتُوصف هذه الدورات التدريبية بأنها مشابهة لبرنامج التلقين الاشتراكي الذي أطلقه جمال عبد الناصر، حيث تُفرض على جميع المتقدمين كشرط أساسي لتولي المناصب.

تغييرات في إدارة ملف الإعلام

سياسة العسكرة الجديدة للإعلام، المتمثلة في بروتوكول التعاون بين الشؤون المعنوية والمجلس الأعلى للإعلام، يبدو أنها مرتبطة بالتغييرات التي حدثت مؤخرًا في إدارة ملف الإعلام. بدأت هذه التغييرات منذ 29 أكتوبر 2024، حين أقال عبد الفتاح السيسي اللواء عباس كامل من رئاسة المخابرات العامة، وعيّنه مستشارًا رئاسيًا ومنسقًا عامًا للأجهزة الأمنية لمدة عام.

ووفقًا لمصادر إعلامية، تم اختيار مجموعة من العاملين في الرئاسة، خصوصًا من المخابرات الحربية والشؤون المعنوية، لإدارة ملف الإعلام بدلاً من المخابرات العامة. كما أشارت المصادر إلى مراجعات مالية وتنظيمية لضبط العمل في "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، المملوكة لجهاز المخابرات العامة، والتي تسيطر على غالبية الصحف والفضائيات.

ورغم عدم وضوح هوية المسؤولين الفعليين عن "هندسة ملف الإعلام"، إلا أن تعيين طارق نور، رجل الدعاية المعروف، رئيسًا للشركة المتحدة يعكس محاولة لتعويض الخسائر المالية من خلال زيادة الإعلانات. إلى جانب ذلك، برز اسم اللواء محسن عبدالنبي، الذي يشغل منصب مستشار السيسي لشؤون الإعلام، كأحد الوجوه المؤثرة في إدارة الملف.

عبد النبي، الذي تولى إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة بين يناير 2014 ويوليو 2018، عُيّن مديرًا لمكتب السيسي خلفًا لعباس كامل، ثم مستشارًا للإعلام منذ عام 2018. في الآونة الأخيرة، دعا عبد النبي عددًا من الإعلاميين الذين غُيبوا عن المشهد الإعلامي بسبب خلافات مع الجهاز السيادي، مثل لميس الحديدي وقصواء الخلالي، لعقد لقاءات بهدف ترتيب عودتهم إلى الشاشة.

آليات التوجيه المباشر للإعلام

في عام 2019، كشفت شبكة "الجزيرة.نت" عن وثائق حصرية تلقي الضوء على كيفية صناعة الجيش المصري لدعايته الإعلامية، وتعاطيه مع وسائل الإعلام المحلية والدولية. الوثائق التي حصلت عليها "الجزيرة نت" تضمنت تقارير إعلامية صادرة عن المركز الإعلامي العسكري التابع لإدارة الشؤون المعنوية بوزارة الدفاع المصرية، كشفت عن آليات التوجيه المباشر التي يمارسها الجيش المصري على القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المحلية، إلى جانب الرقابة الصارمة عليها.

كما تضمنت تقارير تحليلية لأداء أبرز المواقع الإلكترونية الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك القنوات التلفزيونية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

تعود هذه التقارير إلى الفترة بين عامي 2016 و2017، وتُظهر استخدام الجيش وسائل الإعلام لمتابعة اتجاهات الرأي العام، وتحليل أداء القنوات المؤيدة والمعارضة.

 ورغم القيود الصارمة، أقر الجيش -في بعض القضايا- بتمكن الإعلام المعارض من التأثير على الرأي العام، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع تقديم توصيات لمواجهة هذا التفوق.

أيضا تضمنت الوثائق ملخصات يومية لرصد الصحافة العالمية والإقليمية، مع التركيز على تغطيات الإعلام البريطاني، الأميركي، والإسرائيلي المتعلقة بمصر والشرق الأوسط.

وأظهرت التقارير حساسية شديدة لدى إدارة الشؤون المعنوية تجاه الأفكار المتداولة عبر الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث حذرت مرارًا من انتشار دعوات مناهضة للنظام.

إلى جانب الرصد، قدمت التقارير مؤشرات بيانية تفصيلية للتغطيات الإعلامية، تتضمن:

  • القناة والبرنامج.
  • المذيع والمدة الزمنية للنقاش.
  • تقييم التغطية (إيجابية، سلبية، محايدة) تجاه السيسي والقوات المسلحة والحكومة المصرية.

واعترفت التقارير بوجود توجيه مسبق للإعلام بشأن النقاط الإيجابية التي يجب التركيز عليها خلال التغطيات الإعلامية، بهدف تحسين صورة النظام والقوات المسلحة.

كما رُصد أداء الإعلام المعارض، حيث أقر الجيش بقدرة بعض هذه القنوات والمواقع، رغم القيود والحظر، على التأثير على الرأي العام المصري.

وركزت التقارير بشكل كبير على الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، نظرًا لانتشار دعوات مناهضة للنظام عبر هذه المنصات. أبدت إدارة الشؤون المعنوية قلقًا من تأثير هذه الدعوات على الشارع المصري، وأوصت باتخاذ تدابير لمواجهتها، بما في ذلك تكثيف الجهود لتوجيه الرأي العام من خلال الدعاية المضادة.

هذه الوثائق تكشف عن استراتيجية شاملة لإدارة الجيش للإعلام، تعتمد على المراقبة والتوجيه المستمرين، بهدف إحكام السيطرة على الرواية الرسمية والتأثير على الرأي العام المحلي والدولي.