عصام العريان..الطبيب والسياسي صاحب المبادرات الجريئة
الاثنين - 16 آغسطس 2021
في يوم الخميس 13 أغسطس 2020م، توفى القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين الدكتور عصام العريان، عن عمر ناهز 66 عاما، داخل محبسه في سجن العقرب بمصر، في ظروف يكتنفها الغموض حتى الآن.
أذاعت السلطة حينها أن الدكتور عصام توفي وفاة "طبيعية إثر أزمة قلبية مفاجئة"، لكن معارضين مصريين، قالوا عبر حساباتهم على "تويتر": إن السلطات تسببت في وفاة الدكتور العريان عمدا جراء الإهمال الصحي المتعمد".
وثمة رواية ثالثة سربتها جهات أمنية عبر إعلام النظام بأن الدكتور عصام تشاجر مع أحد الضباط، وكانت النتيجة إصابته بأزمة قلبية توفي على أثرها، لكن الحقيقة ما زالت غائبة.
وأثارت وفاة العريان المفاجئة، موجة استياء وغضب واسعة وسط كافة التيارات السياسية، ونعاه مئات السياسيين والحقوقيين.
وللمفارقة، تزامنت وفاة العريان مع حلول الذكرى السابعة على مذبحة ميدان رابعة (شرقي القاهرة)، والتي شهدت فض الاعتصام السلمي المؤيد للرئيس الراحل محمد مرسى، ما خلف نحو ألفي قتيل وآلاف الجرحى، وفق تقديرات غير رسمية.
من هو عصام العريان؟
الدكتور عصام محمد حسين العريان طبيب وسياسي مصري، وأحد أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين، عُرف بمنهجه الوسطي وبمبادراته السياسية الجريئة، وهو خطيب مفوّه وطالب علم نَهِم، ومناضل تعرفه ساحات النضال وسجون الاستبداد. اعتقل بعد الانقلاب ووجهت له تهم عديدة، وصدرت في حقه أحكام كثيرة بينها المؤبد
المولد والنشأة
ولد عصام العريان يوم 28 أبريل 1954م بقرية ناهيا مركز إمبابة بمحافظة الجيزة، وهو نفس العام الذي ولد فيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، لكن عصام يكبره بنحو سبعة أشهر حيث ولد السيسي يوم 19 نوفمبر من العام نفسه.
وبينما تحفل سيرة ومسيرة العريان المدنية بالعديد من المعارك السياسية للجماعة التي انتمى إليها، تخلو سيرة السيسي من خوض أي معركة أو حرب عسكرية، فقد تخرج في الكلية الحربية عام 1977م، أي بعد مرور أربعة أعوام على حرب أكتوبر الأول 1973 التي أراد لها السادات أن تكون آخر الحروب، وقد كان.
الدراسة والتكوين
من يعرف العريان عن قرب يشهد له بأنه "رجل لا يعرف الفراغ". وتؤكد هذه الشهادة سيرته العلمية والسياسية والنقابية، ويتعجب من يعرفه عن قرب من كيفية إدارته لوقته، وهذه المهام التي اضطلع بها.
فهو يعمل طبيبا، في تخصص أمراض الدم والتحاليل الطبية، وحصل على ماجستير الباثولوجيا الإكلينيكية، وسجل للدكتوراه في الطب بجامعة القاهرة لكنها أعيقت بسبب اعتقاله المتكرر والمضايقات الأمنية من ناحية أخرى.
لم يكتف العريان بدراسة الطب فحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة بتقدير جيد جدا وليسانس الآداب قسم التاريخ من نفس الجامعة عام 2000م، وبنفس التقدير أيضا، كما درس في الأزهر ونال الإجازة العالية في الشريعة الإسلامية من تلك الجامعة العريقة، وهو مسجل لنيل درجة الدبلوم في القانون العام بجامعة القاهرة.
الوظائف والمسؤوليات
سجل العريان خلال دراسته بكلية الطب -وحتى تخرجه عام 1977 بتقدير جيد جدا- حضورا ودورا لافتيْن فأصبح أميرا للجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة، ثم منسِّقا لـ"مجلس شورى الجامعات بالاتحاد العام للجمعيات والجماعات الإسلامية" في نهاية السبعينيات الذي ترأَّسه المرشد السابق لجماعة الإخوان عمر التلمساني.
وقد أسهم لدى التحاقه بالجماعة عام 1974 في تشكيل أول "أسر" إخوانية بمحافظة الجيزة، وأصبح مسؤولا عن اتحاد طلاب جامعة القاهرة، وانتخب رئيسا للاتحاد العام لطلاب الجامعات المصرية. وتولى أمانة اللجنة الثقافية باتحاد طلاب طب القاهرة خلال الفترة من 1972 وحتى 1977.
نقابيا انتخب عضوا بمجلس إدارة نقابة أطباء مصر عام 1986، وشغل منصب الأمين العام المساعد، وقام بتشكيل مؤسسة شعبية بهدف الوقوف إلى جانب شعب فلسطين، تدعى "ملتقى التجمعات المهنية لمناصرة القضية الفلسطينية".
أما برلمانيا فقد انتخب عضوا بمجلس الشعب (البرلمان) بالفصل التشريعي 1987-1990 عن دائرة إمبابة، وكان أصغر عضو برلماني بتلك الدورة التي تم حلها قبل استكمال مدتها الدستورية.
وهو عضو مؤسس للمؤتمر الإسلامي القومي العربي، وعضو مؤسس بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وعضو مشارك بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان، كما شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الثقافية والسياسية على مستوى العالم، في أوروبا وأميركا والعالم العربي والإسلامي.
وكتب العريان لعدة صحف ومجلات ودوريات محلية وعربية ودولية، في موضوعات مختلفة.
وقبل تأسيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان المسلمين حيث تولى العريان منصب الأمين العام ونائب الرئيس، كان عضوا بمكتب الإرشاد للجماعة ومسؤول المكتب السياسي. وتولى عدة مناصب قيادية في الجماعة.
التجربة السياسية
اعتقل العريان بسبب نشاطه السياسي والنقابي أكثر من مرة، ولمدد بلغت في مجموعها سبع سنين، ففي المرة الأولى اعتُقل عاما واحدا قبيل اغتيال الرئيس السادات من بداية سبتمبر/أيلول 1981 حتى نهاية أغسطس/آب 1982، وبعد مرور 13 سنة على تلك التجربة أفضت محاكمة عسكرية استثنائية إلى سجنه خمس سنوات قضاها في الفترة من يناير/كانون الثاني 1995 وحتى الشهر نفسه من عام 2000 بسبب انتمائه للإخوان.
واعتقل مرة أخرى يوم 18 مايو/أيار 2006 ضمن مظاهرات مناصرة القضاة بالقاهرة، وتم تجديد حبسه لفترات متعددة حتى تم الإفراج عنه يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2006. لكنه اعتقل في يوليو/تموز 2007 وأفرج عنه في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، كما اعتقل من دون اتهام قبيل جمعة الغضب يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011 إلى أن خرج من سجن وادي النطرون برفقة مجموعة من قيادات الجماعة بينهم الرئيس المعزول محمد مرسي.
عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، شن العريان هجوما حادا على أركان الانقلاب وقائده عبد الفتاح السيسي مما وضعه تحت طائلة القانون بتهمه "إهانة القوات المسلحة" إلى جانب تهم أخرى تتعلق بالتحريض على قتل المتظاهرين.
غير أن سلطات الانقلاب نجحت في القبض على العريان فجر الأربعاء 30 أكتوبر/تشرين الثاني 2013 في شقة بالتجمع الخامس بالقاهرة، واعتبرته ضربه أمنية موجعة للجماعة التي أصبح أغلب قادتها داخل السجون.
حوكم الدكتور العريان في قضايا عديدة، وصدرت بحقه أحكام كان من بينها المؤبد يوم 30 أغسطس/آب 2014 في القضية المعروفة باسم مسجد الاستقامة.
وأحالت محكمة جنايات القاهرة في 16 مايو/أيار 2015 أوراقه إلى المفتي في قضيتي الهروب من سجن وادي النطرون، والتخابر مع حماس، وقضت في اليوم نفسه بإعدامه في القضية الأولى وبالسجن المؤبد في القضية الثانية. كما حكم على العريان بعدة أحكام بالسجن في قضايا اقتحام الحدود الشرقية، وأحداث قليوب، وأحداث البحر الأعظم.
نفس صوفي
لم يغب الملمح الصوفي في شخصية العريان، فطالما عرف به خصوصا لمن شاركوه محنة السجن حيث كان يختار لهم يوميا حكمة من حكم ابن عطاء الله السكندري، معرجا -مع الشرح- على معانٍ تحلق بهم بعيدا عن كآبة الحبس.
وها هو ينقل -دون شرح- هذه المرة عن ابن عطاء قوله "لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود، وإن تعين زمنه، لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك وإخمادا لنور سريرتك".
واختار العريان هذه العبارة لتكون آخر تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) من خلال هاتفه المحمول الذي لم يكن لديه غيره لحظة القبض عليه، ليتبعها بعبارة "اطمئنوا وإلى لقاء".
الوداع الأخير
أثارت الطريقة التي تعاملت بها السلطات المصرية مع جثمان د عصام العريان المزيد من علامات الاستفهام حول ظروف وقاته، فبعد الغموض الذي أحاط بكيفية الوفاة، أصر الانقلابيون على دفن جثمان الدكتور عصام العريان، بإحدى مقابر شرقي العاصمة القاهرة، وسط تشديدات أمنية مكثفة ، وبحضور 12 شخصا فقط من أسرته ومحاميه.
وتم الدفن في جنح الليل بمقبرة مرشدي جماعة الإخوان في منطقة الوفاء والأمل، شرقي القاهرة، كما فعل تماما بجنازة المرشد الراحل محمد مهدي عاكف والرئيس الشهيد محمد مرسي.
*****
المصادر:
- وكالة أنباء الأناضول https://bit.ly/3si57OU و https://bit.ly/2VRqATa
- الجزيرة نت - https://bit.ly/30QdLIk