محمد الباز يكتب: عوائق مسار التقارب المصري التركي

الاثنين - 16 آغسطس 2021

- محمد الباز
( كاتب مصري )

منذ اختتام جولة المفاوضات الاستكشافية الأولى بين مصر وتركيا فى القاهرة فى الخامس من مايو الماضي، وتوالت التصريحات بالتحضير لجولة مفاوضات جديدة لاستكمال مسار التقارب، منذ ذلك الحين لا يبدو فى الافق أى إشارة لموعد محدد لإستئناف المفاوضات المرتقبة.

كان ومازال الجانب التركي أكثر حرصاً على شق مسار هذه المفاوضات واستكمالها، حيث أبدت تركيا رغبتها الحقيقة لتطبيع العلاقات مع مصر من خلال الكثير من التصريحات الإيجابية تجاه مصر ودورها الهام فى المنطقة، وكذلك قيدت تركيا حرية المنابر الإعلامية المناهضة للنظام المصري وبعض إعلامييها المؤثريين، كما أوفدت تركيا فى السابع من يوليو الماضي وزيرة الأسرة إلى القاهرة للمشاركة فى مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي حول المرأة، كان ذلك بعدما أعلن البرلمان التركي تشكيل لجنة للصداقة مع البرلمان المصري.

أما الجانب المصري فيبدو أقل حماساً تجاه هذا التقارب بالمقارنة بخطواته المتسارعة للتقارب وتطبيع العلاقات مع قطر، حتي تصريحات وزير الخارجية المصري فى منتصف يونيو الماضي -أى بعد شهر تقريبا من الجولة الأولى- عندما سئل فى لقاءه على قناة الجزيرة فى قطر عن التقارب المصري التركي قال "لا أصفها أنها تقارب، أصفها أنها استجابة للجانب التركي الذي ابدي رغبة فى تطوير العلاقات" ما يعكس حالة من تعمد اطلاق تصريحات سلبية تجاة مسار المفاوضات.

ماذا يعوق استكمال المفاوضات الاستكشافية بين الطرفين؟

الأول: الرؤية السياسية.

تعاني مصر من ضبابية فى رؤيتها السياسية وليس لديها أجندة توسعية فى المنطقة بشكل عام، ولا تشجع هذا المسار لأى دولة. وهذا على النقيض تماما من الجانب التركي الذي يخطو خطوات ثابتة بقواه الخشنة والناعمة لتنفيذ أجندته فى المنطقة، وتري مصر خطورة هذه السياسية من منطلقين. الأول: تقييد نفوذها المتناقص أصلاً فى المنطقة، وتهديد لمصالحها الإستراتيجية فى شمال إفريقيا وشرق المتوسط وإمتداد البحر الأحمر حتي القرن الإفريقى. الثاني: يُعد نجاح تركيا فى هذه التوسعات لنفوذها نموذجا للعديد من دول المنطقة يمكن الإقتداء به، ما يزيد من فرص الصراع والنزاع فى المنطقة.

الثاني: الملف الداخلى.

ماتزال مصر تعاني من تردي الوضع الحقوقي والأنساني وكذلك تردي الأوضاع المعيشية بعد تضاعف قيمة الضرائب وتعويم الجنية، ما يؤجج الوضع الداخلي ويجبر الدولة على تسخير أدواتها الإعلامية وحتي السينما والدراما فى الدفاع عن رواية النظام، وهو ما يؤكد إنعدام الثقة بين المجتمع والنظام، ويعكس إسكات النظام لأى صوت ينقُد أو ينصح أو يحمل رواية مغايرة له حالة من قلق النظام من أى تهديد لاستقراره. وخاصة بعد الفشل فى ملف سد النهضة.

وهنا يأتى دور تركيا، التي وإن قيدت حرية المنابر الإعلامية المناهضة للنظام المصري إلا أنها مازالت تعمل وتنقد وتفضح الكثير من الإنتهاكات الحقوقية والإنسانية والكثير من قضايا الفساد المالى والإدارى فى الدولة المصرية.

على الجانب التركي، خرجت تركيا من محاولة الإنقلاب الفاشلة أكثر جرأة على إستخدام قواها الخشنة فى تحقيق مصالحها فى الداخل والخارج، وحققت عدد من النجاحات فى سوريا وليبيا وأذربيخان ما جعل الدولة والمجتمع يكتسب المزيد من القوة والثقة والطموح تجاه المزيد من الأنتصارات، ونجحت تركيا أن تزيد من مساحة سطح مواجهتها مع خصومها التقليدين إلى خارج تركيا. كما يزيد من ثقة المجتمع التركي فى القيادة السياسية.

وهنا يأتي دور مصر التي تصطف مع أعداء تركيا التقليدين، وتأوي عدداً من المعارضة التي تحاول شيطنة النظام التركي حتي هذه اللحظة.

الثالث: معضلة القيادة والتبعية.

مصر وتركيا متنافسان قويان، تميل الكفة لصالح الجانب التركي فى الكثير من الملفات، لكن للجغرافيا رأى آخر فى الملف الليبي، الحدود الجيوسياسية بين مصر وليبيا تجعل مصر تتخطي تركيا فى كافة الملفات على أرض ليبيا، ترغب تركيا فى الحفاظ على دور القائد فى الملف الليبي والذي حققت فيه إنتصاراً كبيراً على معسكر الشرق المدعوم من مصر والإمارات.

 ولكن سرعان ما أدركت مصر خسارة هذا المعسكر، وعدلت المسار وحصلت على موقع أفضل وأصبحت على وفاق مع الشرق والغرب معاً، وتعمل كوسيط بين الشرق والغرب الليبي، والآن تتجهز لإعادة الإعمار بإدخال العمالة المصرية، وتتبني دعوة حكومة الدبيبة فى إخراج كافة المرتزقة وإجراء الإنتخابات، لن تستطيع مصر إقصاء تركيا من المشهد الليبي، لكنها لن تقبل بأى قدر من التبعية لتركيا على أرض ليبيا.

الرابع: شرق المتوسط بين سياسة فرض الأمر الواقع والتماهي مع النظام العالمي.

تحاول تركيا بكل قوة فرض سياسة الأمر الواقع فى ملف شرق المتوسط وجزيرة قبرص التركية، فى محاولة لإستعادة حقوقها التاريخية وفق الرواية التركية، وقعت تركيا إتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، وأعلنت فتح مناطق فى مرعش المغلقة منذ 46 عاماً على جزيرة قبرص، لم تجد هذه الخطوات أى دعم دولى لتركيا وإنما لاقت إستهجان وشجب وتنديد.

لن تستطيع مصر إثناء تركيا عن إستعادة حقوقها، ولا تعير هذه الخطوات إهتماماً بالغاً، كما قدمت بادرة حسن النية فى عدم رغبتها الصراع مع تركيا عند ترسيمها الحدود البحرية مع قبرص واليونان، ما قدره الجانب التركي وأثني عليه كثيراً، لن تعارض مصر خطوات تركيا ما لم تتعارض مع مصالحها، كما أنها لن تدعمها، وسوف تستمر فى سياسة التماهي مع النظام العالمي عبر تصريح أو تنديد لا يغني ولا يسمن من جوع.

الخلاصة.

ربما أثرت بعض المشكلات فى الداخل التركي على سرعة إستئناف مسار المفاوضات، حيث تأثرت تركيا بموجة من الحرائق والفيضانات، كما أثرت حملة من زعيم مافيا تركي تأويه الإمارات على بعض رموز الدولة التركية ما استدعي رد من وزير الداخلية التركي.

سوف تعود تركيا لدفع هذه المفاوضات، وربما تضطر لتقديم بعض الحوافز للجانب المصري، سوف تساعد ديناميكية السياسة المصرية البطيئة جداً مقارنة بالديناميكية التركية على تقديم هذه الحوافز.

وسواء كانت مصر صادقة تجاه هذه الخطوات الرامية للتقارب مع تركيا أم لا، فإنها سوف تستمر فى المراوغة بهذه الورقة وخاصة بعدما أثبتت نجاعتها فى تحفيز الحلفاء الخليجين ودفعهم نحو المزيد من دعم الإقتصاد المصري.