د. ياسين أقطاى يكتب: الرفاهية والرغبة في الزواج.. قراءة للمجتمع التركي بواسطة الاستطلاعات المجتمعية

الاثنين - 14 فبراير 2022

- د. ياسين أقطاى
( أكاديمي وسياسي وكاتب تركي )

تتأثر تصوراتنا حول المجتمع بما عشناه من تجارب، وهذا يعني أنها غالبا ما تكون شخصية وتفتقر إلى الموضوعية، وحتى إن تغيرت هذه التصورات فإنها تظل على المستوى الشخصي. ولهذا السبب، وُجد علم الاجتماع من أجل تقديم فهم أفضل ورؤية أكثر موضوعية للواقع الاجتماعي. ولطالما كانت هناك رغبة دائمة في معرفة كل شيء عن المجتمع وقوانينه وكيفية نشأته وتطوره وحتى أسباب تقهقره.

ألّف المفكر الإسلامي السوري جودت سعيد -الذي توفي عن عمر 91 عامًا في إسطنبول- كتاب "قوانين التغيير الفردي والاجتماعي"، الذي تُرجم إلى اللغة التركية في عام 1985. وقد كان مصدر إلهامه الآية 11 من سورة الرعد: "إن الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم".

في غضون 10 سنوات، زاد عدد المطلقين من 4% إلى 7%، وتراجعت نسبة المتزوجين أو المخطوبين من 76% إلى 64%. وتعكس هذه النسب التغير السريع في بنية الأسرة التركية. وما شهدته بنية الأسرة من تغييرات له تأثير على المجتمع، وهذا بدوره يؤثر على كيفية فهم المعتقدات الدينية والمواقف السياسية والظروف الاقتصادية.

وعندما يتعلق الأمر بالتغيير الاجتماعي، تُمثل إرادة الفرد وإصراره على التطور قاعدة أساسية. وتشير العديد من آيات القرآن إلى أن هلاك أي أمة يكون دائما بسبب فساد قادتها واستهتارهم وعدم اعترافهم بالحقوق والقوانين. وانطلاقًا من هذه الآيات، توصل ابن خلدون إلى أسباب تطور المجتمعات وانهيارها، التي أثبت صحتها لاحقًا علماء الاجتماع. ومع أن مصطلح علم الاجتماع لم يرد في مقدمة ابن خلدون، إلا أن البعض يعتبره أول عالم اجتماع عرفه التاريخ.

وتحليل المجتمع من خلال الدراسات الميدانية هي الطريقة الوحيدة لفهمه وتصحيح التصورات الذاتية. وتظهر بعض الأبحاث التي تحدثنا عنها سابقًا مدى ديناميكية المجتمع وقابليته للتغيير. ولتحقيق فهم أفضل للمجتمع، لا بد كل فترة من مقارنة دراسة اجتماعية مع دراسة أخرى أحدث منها.

وبالنظر إلى بحث أجرته شركة الأبحاث واستطلاع الرأي العام "كوندا" (TR100_2022)، فإن التغيرات التي شهدها المجتمع التركي مثيرة للاهتمام، فقد ارتفع عدد العُزّاب في تركيا من 20% في عام 2011 إلى 29% في غضون 10 سنوات فقط. كما تراجع معدل الولادات، وتقدّم سن الزواج.

في غضون 10 سنوات، زاد عدد المطلقين من 4% إلى 7%، وتراجعت نسبة المتزوجين أو المخطوبين من 76% إلى 64%، وتعكس هذه النسب التغير السريع في بنية الأسرة التركية. وما شهدته بنية الأسرة من تغييرات له تأثير على المجتمع، وهذا بدوره يؤثر على كيفية فهم المعتقدات الدينية والمواقف السياسية والظروف الاقتصادية.

ومن بين الأسباب المباشرة لهذه التغييرات: زيادة معدل الالتحاق بالجامعة، وبالتالي تأخر سن الزواج. كما تضاعف عدد طلاب الجامعات في تركيا خلال 10 سنوات، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم. وتوجد جامعة واحدة على الأقل في كل مقاطعة. وعلى الرغم من أن هذه الجامعات علامة على مدى تطور تركيا، فإن لذلك تأثيرًا حقيقيًا على نمط الحياة أيضًا.

قبل 10 سنوات، كان 39 شخصًا لديهم عمل من بين كل 100 شخص، بينما زادت النسبة الآن إلى 44%. وارتفع معدل تشريك النساء في سوق الشغل إلى 24%، وانخفض عدد السيدات اللواتي يعرّفن أنفسهم على أنهن ربات بيوت من 68% قبل 10 سنوات إلى 56%.

وينضاف إلى التغييرات الاجتماعية، الزيادة في ملكية الناس للمنازل والسيارات. فوفقا للتقارير، زاد عدد الذين يملكون منزلا وسيارة من 29% في 2012 إلى 43%، وارتفعت نسبة من يمتلكون سيارة فقط من 8% إلى 13%. في المقابل، تراجعت نسبة الذين لا يملكون منزلاً ولا سيارة من 28% إلى 18%. وإجمالا، زاد عدد الذين يمتلكون منزلا وسيارة بنسبة 50% خلال 9 سنوات تقريبًا.

مهما كان المنظور الذي تُرى منه هذه التغييرات، فإن أغلب هذه النسب من المؤشرات الدالة على مدى تحسن مستوى الرفاهية. والمؤكد أن المجتمع التركي -مثل سائر المجتمعات- في حالة تغير مستمر. ومن أجل وضع سياسة تضمن الحفاظ على السلام الاجتماعي، ينبغي على صانعي السياسات متابعة هذه التغييرات عن كثب، لأنها تؤثر كثيرا في التفاعلات بين أفراد المجتمع، كما أنها تؤثر أيضا في شكل العلاقة بين المجتمع بشرائحه المتنوعة والساسة، ولأنها بشكلٍ ما تعكس النتائج الاجتماعية للتطور الاقتصادي الذي عمل عليه بالأساس حزب العدالة والتنمية خلال فترة إدارته للبلاد. مع زيادة مستوى الرفاهية، يصبح المجتمع أكثر تحضرًا ويكون لذلك تأثير واضح على نمط الحياة وبنية الأسرة والعادات الاستهلاكية والقيم المنتشرة وحتى المعتقدات الدينية.

المصدر الجزيرة