قيس سعيّد وراشد الغنوشى: وجها لوجه

الاثنين - 9 آغسطس 2021

مقارنة بين الخلفيات الفكرية والخبرات السياسية للرئيس التونسي و زعيم حركة النهضة

كانت تونس سباقة كعادتها، فقد صاغت أول وثيقة دستورية فى المنطقة العربية بأسرها فى 21يناير سنة 1861م ، عندما أصدر محمد الصادق باي، أول دستور تونسي منبثق عن وثيقة عهد الأمان التي صدرت عام 1857م  في عهد أحمد باي، التي أقرت في فصولها الـ11 "مساواة التونسيين في الحقوق والواجبات مهما كانت دياناتهم وأجناسهم وجنسياتهم، فضلاً عن حرية المعتقد وضمان الأمن في المال والأجساد لكل سكان الإيالة دون اعتبار الدين أو الجنس أو اللون".

كما كانت تونس سباقة فى ضربة البداية لثورات الربيع العربى فى 17 ديسمبر 2010على نظام الطاغية بن على وتضامنا مع الشاب محمد بوعزيزى.

وحافظت تونس على ثورتها وعلى تجربتها الديمقراطية بالرغم من الشد والجذب بين القوى العلمانية الرافضة للإسلاميين، والمدعومة دوليا وإقليميا  .

ومع ذلك بقيت تراوح مكانها دون أى تقدم فى المجال الاقتصادى أو الحقوق والحريات أو تحقيق أهداف ثورة الياسمين.

إلى أن جاء قيس سعيّد وأكل الدستور -حسب تعبيره- كما قال فى لقاء متلفز عبّر فيه عن مخاوفة على الدستور من أن “تأكله أتان جديدة أو حمار من سلالة الحمار الأول”، وفق تعبيره.

فانقلب على الدستور ليلة 25 يوليو وجمد البرلمان وأقال رئيس الحكومة وأقال وزير الدفاع ووزيرة العدل مستندا إلى المادة 80 من الدستور في تأويل أثار لغطا كبيرا بين أهل القانون وأهلب السياسة.

من هو قيس سعيّد؟

قيس بن المنصف بن محمد سعيّد، من بنى خيار (22 فبراير 1958) وأمه تدعى زكية، كان عمه هشام سعيّد أول جراح للأطفال في تونس، والمعروف في جميع أنحاء العالم بفصل التوائم السيامية في السبعينيات.

و قيس هو رئيس الجمهورية التونسية السابع، وهو سياسي وأستاذ جامعي مساعد، مختص في القانون الدستوري. [1]

اشتهر بمداخلاته الأكاديمية المميزة للفصل في الإشكاليات القانونية المتعلقة بكتابة الدستور التونسي بعد الثورة.

ترشح قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية التونسية 2019، وحقق  في الدور الأول تفوقا لفت نظر المراقبين؛ فكان بمثابة الحصان الأسود لسباق الرئاسة التونسية.

فاجأ تقدم قيس سعيّد المراقبين والمحللين، وزلزل الساحة السياسية واقتلع منظومة الحكم الكلاسيكية من قصر قرطاج، وأكد فشل الأحزاب والائتلافات.[2]

انتقل قيس سعيّد على إثرهذا الفوز  ليخوض الدور الثاني للانتخابات إلى جانب نبيل القروي فيما عرف في تونس "بالزلزال الانتخابي".  [3]

الجدير بالذكر أن وصول قيس إلى الدور الثاني يعد إنجازاً استثنائياً لدخوله غمار الانتخابات بتمويل ذاتي بسيط رافضاً المنحة المقدمة من الدولة للقيام بالحملة الانتخابية بحجة أنه مال الشعب، فيما استند في حملته إلى مجموعة من المتطوعين الشباب من حوله. وفاز قيس سعيّد بالأغلبية الساحقة في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي دارت بتاريخ 13 أكتوبر 2019. وبدأت عهدته رسميًّا في 23 أكتوبر 2019.[4]

مؤهلاته العلمية:

حصل الرئيس التونسي قيس سعيّد، على العديد من المؤهلات العلمية وهي:

شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس 1985.

دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري تونس 1986.

دبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني بسان ريمو إيطاليا 2001.

المسيرة المهنية

مدرس بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة 1986-1999

مدرس بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس منذ 1999

مدير قسم القانون العام بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة 1994-1999

عضو فريق خبراء الأمانة العامة لجامعة الدول العربية المكلف بإعداد مشروع لتعديل ميثاق جامعة الدول العربية 1989-1990.[5]

خداع الدعاية الانتخابية:

كان عنوان حملة قيس سعيّد الانتخابية "الشعب يريد"، وقدّم نفسه كمرشّح مستقل رافض أي حزب أو جهة معينة، مؤكّدا أنه "لن يمثّل ويتمثّل إلا بإرادة الشعب التونسي."

رفض قيس سعيّد جميع الأموال والمنح المقدمة من الدولة لدعم حملته الانتخابية مبرراً ذلك بأنها أموال الشعب ولا يستطيع سلبها، فاعتمد في دعم حملته الانتخابية على مكتب صغير وسط العاصمة تونس وعلى تبرعات أنصاره من ملصقات وصور أعدّوها لإيمانهم به دون أي مقابل، مما شكّل صدمة كبيرة للأحزاب التقليدية ومرشّحيها.

لطالما اعتبره طلابه في كلية الحقوق انساناً مستقيماً يُحتذى به، كما اشتهر بصرامته في مهنته التعليمية من جهة، وفي حبه واهتمامه بأحوال أصدقائه المدرّسين وطلابه من جهة أخرى.

قيس سعيّد رافض تماماً لفكرة المساواة في الميراث، ورافض لرفع تجريم المثلية، ومؤيّد لعقوبة الإعدام وعلى ضوء هذه الأفكار صنّفه الكثيرون منذ بداية ترشيحه بالإسلامي المحافظ.[6]

الانتخابات الرئاسية:

في 15 سبتمبر 2019، وفقًا لنتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والتي ترشح لها سعيّد كمرشح مستقل حقق بشكل غير متوقع أفضل نتيجة، وأتى في المركز الأول (18.8 ٪)، يليه مباشرة نبيل القروي بنسبة (15.7 ٪) ممثلا حزب قلب تونس المنشأ حديثا قبيل الانتخابات بفترة قصيرة، لينتقلا معا إلى الجولة الثانية.

 بحلول هذا الوقت، كان سعيّد قد اكتسب شهرة كسياسي غير عادي: فلقد رفض الأموال المخصصة لتمويل حملته من قبل الدولة، على الرغم من أنه كان لديه الحق القانوني لنيلها، وجمع وديعة ضمان قدرها 10000 دينار (حوالي 3000 يورو) للتسجيل في القائمة النهائية للمرشحين وذلك باللجوء للاستدانة من أفراد عائلته.

وظاهريا، يعد قيس سعيّد من العائلة السياسية الثورية في تونس بما أن شعار حملته كان "الشعب يريد"، واستطاع بهذه الحملة البسيطة أن يكسب صوت ما يقرب 700,000 ناخب تونسي. وقد فسر بعض الشراح نجاحه بأنها خيبة أمل المجتمع في الطبقة السياسية التقليدية للبلد وتفضيلها لوجوه جديدة قد تحقق ما لم يستطع من سبقهم أن يحققها.

 و كما كان متوقعاً، فاز قيس سعيّد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي دارت يوم 13 أكتوبر 2019 بعد تحقيقه أغلبية أصوات الناخبين التونسيين وخاصة من فئة الشباب الذي حضر بقوة في مكاتب الاقتراع.[7]

خطاب الخداع:

استطاع قيس سعيّد خداع العالم بأسره فى الداخل التونسى وفى الخارج من خلال خطاب التتويج  حيث أفتتح قيس سعيّد خطابه بالثناء علي الشعب التونسي الذي قام بثورة حقيقية بمفهوم جديد لا ضد الشرعية وإنما بادواتها.

لم ينس شهداء الثورة وجرحاها الذين ضحوا بأنفسهم فداء لهذا الوطن، كما أكد علي أهمية مواجهة الإرهاب والقضاء على كل أسبابه موجهاً التحية للقوات المسلحة العسكرية ولقوات الأمن الداخلي

 وأكد علي إنتصار تونس لكل القضايا العادلة وأولها قضية شعب في فلسطين، والحق الفلسطيني موضحاُ أن هذا الموقف ليس موقفا ضد اليهود على الإطلاق بل هو موقف ضد الإحتلال وضدّ العنصرية.[8]

قيس رئيساً لتونس

في أول تغريدة له بعد انتخابه رئيساً، قال سعيّد: “ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. شكراً من أعماق الأعماق لمن دعمنا ومنحنا الثقة، ثقتكم لن تذهب سدى. ربّ يسّر وأعن”.

وفي اليوم التالي غرد سعيّد على موقع تويتر معبراً عن التزامه بالديمقراطية قائلاً: “انتهى عهد الوصاية، مشروعنا اليوم يقوم على الحرية”.

وفي أول كلمة له عقب إعلان فوزه، خلال مؤتمر صحفي عقده بأحد نزل العاصمة، قال سعيّد: “أعطيتم درساً للعالم كله في إطار الدستور والتمسك بالشرعية الدستورية”.

ورأى في النتيجة التي أحرزها “ثورة لم يعهدها الفلاسفة وعلماء الاجتماع والسياسة”، مضيفاً: “أبهرتم العالم بتنظيمكم التلقائي وبعطائكم”.

وقال: “ليطمئن الجميع بأني سأحمل الرسالة والأمانة بكل صدق وإخلاص بأكملها وبأعبائها وأوزارها”.

وأردف: “ندخل مرحلة جديدة في التاريخ وسنرفع كل التحديات بعزيمتنا”، متعهداً بأن “الدولة ستستمر بقوانينها وتعهداتها الدولية”.[9]

صلاة بقرطاج

لم يكتف قيس سعيّد بخداع العالم من خلال خطاب التتويج الذى خدع به كل المتابعين للشأن التونسى فى العالم بأسره بل أمعن فى خداع التونسيين خاصة أصحاب الثقافة العربية والإسلامية، ففي خطوة أثارت جدلا سياسيا في البلاد ظهر قيس سعيّد  بعد ثلاثة أيام من تنصيبه وهو يؤدي الصلاة في مسجد بمنطقة قرطاج، وسط جموع من المصلين الذي التفوا حوله لالتقاط الصور حيث أشاد البعض باختياره الصلاة مع الشعب وخارج التقاليد الرسمية، فيما انتقد آخرون التغطية الإعلامية للحدث، كونها محاولة للتسويق لصورة الرئيس.[10]

الصعود السياسي

برز الأستاذ الجامعي قيس سعيّد بكثرة منذ حلول الثورة التونسية ليوضّح للشعب التونسي أخطاء الدستور ويبسّط التعديلات التي طرأت عليه بكل احترام ومرجعية أكاديمية، ليبني في هذه الأثناء قاعدة جماهيرية كبيرة لدى الشعب التونسي.[11]

من عام 2013 إلى 2014 ، شارك قيس سعيّد في العديد من النوادي والاجتماعات السياسية التي تجمع الشباب.وفي عام 2016 ، تم إنشاء حركة المواصّون لدعم عمل سعيّد ومشاريعه.[12]

آراؤه:

في يونيو 2019 أثناء لقاء صحفي له، أعلن قيس دعمه لعقوبة الإعدام. كما أصدر تصريحات تحمل المشاعر المعادية للمثلية، حيث صرح لإحدى الصحف بأن "المثلية الجنسية، أو بالأحرى التعبير عنها علنياً، يتم تمويلها وتشجيعها من قبل الدول الأجنبية".

وفي عام 2013 صرح قيس سعيّد لجريدة الصباح، بأن "تصنيف أنصار الشريعة كتنظيم إرهابي اجراء غير قانوني وقرار سياسي بامتياز."

وأضاف سعيّد أنه جرت العادة أن يتم تصنيف الجمعيات والمنظمات كتنظيمات ارهابية من طرف الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية واستدرك قائلا: " لكن تصنيف تنظيم في تونس على أنه ارهابي مغالطة للرأي العام وليس له أي أثر قانوني".

كما اتخذ مواقف متحفظة تجاه قضايا المرأة، حيث خرج ضد المساواة بين الجنسين في قضايا الميراث، وفقًا لتفسير الشريعة الإسلامية.

وعارض قيس سعيّد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قائلاً: "إن إسرائيل في حالة حرب مع العالم الإسلامي ويجب محاكمة أي زعيم مسلم يقوم بتطبيع علاقة بلاده مع الصهاينة بتهمة الخيانة". وقال: "إن بلاده ليس لديها مشكلة مع اليهود وأن التونسيين بمن فيهم والده قاموا بحماية اليهود خلال الحرب العالمية الثانية."

على الرغم من دعمه من قبل حركة النهضة في الانتخابات وشغل مناصب محافظة اجتماعياً، لم يصف سعيّد نفسه بأنه إسلامي، وكان لديه مستشارون من مختلف الأطياف السياسية. كما أنه لا يؤيد إضافة عناصر دينية إلى الدستور، مشيرًا إلى أن هذه كانت معتقداته الشخصية فقط.[13]

الأزمة السياسية 2021

في 22 فبراير 2021، أكد الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي نور الدين الطبوبي، في تصريح للإذاعة الوطنية التونسية، أن رئاسة الجمهورية تطالب برحيل حكومة هشام المشيشي كاملة وليس الوزراء الذين تعلقت بهم شبهات فساد، في تصعيد جديد للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد بين قمتي السلطة: الرئيس قيس سعيّد ورئيس الحكومة هشام مشيشي.

 وتابع الطبوبي قائلاً إن: "أصل أزمة رئيس الجمهورية ليست مع هشام المشيشي وإنما مع رئيس البرلمان راشد الغنوشي .. في قبول السفراء وفي التصرف كرئيس جمهورية..".[14]

وفتح هذا الأمر نقاشاً دستورياً في تونس حول صلاحيات الرئيس بهذا الشأن، وما إذا كان فعلاً بإمكانه إجهاض حكومة المشيشي الجديدة في المهد، والتي أعلن عنها الأخير يوم 16 يناير 2021. ويأتي هذا التوتر والتجاذب السياسي في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الوحدة لمواجهة أزمة اقتصادية وصحية حادة وغير مسبوقة. كما شهدت عدة مدن احتجاجات تطالب بتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.[15]

من جانبه منح مجلس النواب، يوم 27 يناير، الثقة للوزراء الجدد على الرغم من الجدل القائم حول أسماء عدة والانتقادات الحادة التي وجهها رئيس الجمهورية بشأن هذه التشكيلة. ومنذ مصادقة البرلمان على التعديل، لم يرسل سعيّد دعوة رسمية للوزراء لأداء اليمين في قصر قرطاج ولم يصدر المرسوم الرئاسي لتعيينهم في مناصبهم.

ويتعين على كل من البرلمان والرئيس الموافقة على رئيس وزراء يتمتع بمعظم الصلاحيات التنفيذية في حين يشرف الرئيس على الشؤون الخارجية والدفاع. ولم يتم تشكيل محكمة دستورية كان من المفترض أن تفصل في النزاعات بين الأفرع المتنافسة للدولة لأن كل من في السلطة لم يتفقوا على قضاة يثقون في قدرتهم على التزام الحياد. ويريد سعيّد نظاماً رئاسياً مع دور ثانوي للأحزاب السياسية في حين يريد الغنوشي وحلفاؤه نظاما برلمانيا أكثر وضوحا.

في 7 مارس 2021، قال راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي إنه ضد أي مطلب من شأنه أن يحدث فراغاً في السلطة خاصة في ظل ما تعيشه من مشاكل. واعتبر الغنوشي أن أي مطلب من شأنه إحداث هذا الفراغ يزيد من تعميق المشاكل الموجودة أصلا في الواقع السياسي التونسي، مؤكدا أن "تونس في حاجة إلى تماسك السلطة وليس فكها".

واعتبر البعض تصريحات الغنوشي، رداً على ما تم تناقله عن الرئيس التونسي قيس سعيّد، من أنه يريد استقالة هشام المشيشي أولاً وحكومته من أجل بدء حوار حول الأزمة التونسية.[16]

محاولة اغتياله

في 27 يناير 2021، تعرض الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى محاولة تسميم عبر طرد بريدي يحتوي على مادة الريسين السامة التي تسبب الموت الفوري، وذلك وفقاً لما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام التونسية، ومنها قناة التاسعة التليفزيونية التونسية. لاحقاً نقلت القناة التاسعة عن مصدر مطلع بقصر قرطاج تأكيده أن طرداً مشتبها به وصل فعلاً إلى القصر الرئاسي ولكن لم يتسلمه الرئيس قيس سعيّد، بل استلمه شخص آخر موظف في القصر وهو في حالة جيدة.[17]

إقالة المشيشي وتجميد البرلمان

في 25 يوليو 2021 لجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى قرارات توصف بأنها جريئة عندما قرر إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه وكذلك تجميد أعمال البرلمان نتيجة التصادم السياسي بينه وبين حزب حركة النهضة التونسية (اخوان تونس) بسبب إصرارها وتعنتها في التمسك بحكومة المشيشي، رغم معارضة الأخير لتوجيهات قيس سعيّد بتغيير أسماء في الحكومة متهمة بالفساد.

وتمسكت النهضة بمواقفها في دعم المشيشي نكاية في قيس سعيّد، الذي أعلن انه الرئيس الأعلي للسلطات الأمنية ما أغضب النهضة ورئيس الحكومة، الذي تمسك بموقفه في تعيين وإقالة القيادات الأمنية، ودار خلاف بين السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية في تأويل الدستور، خاصةً فيما يتعلق بحل البرلمان من عدمه رغم عدم وجود المحكمة الدستورية للفصل في تآويلات الدستور، وهو ما دفع قيس لتجميد البرلمان وليس حله.

في 26 يوليو 2021، أصدر قيس سعيّد أمراً رئاسياً بإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي ووزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان. كما قرر، بمقتضى ذات الأمر، أن يتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها.

نخلص مما سبق بأن قيس سعيّد لم يكن مناضلا أو سياسيا ولامعارضا لنظام بن علي ولم يتول أى مناصب إدارية فى الدولة من قبل ولكنه استخدم شماعة محاربة الفساد لخداع الشعب ودغدغة مشاعره،  كما استخدم شماعة محاربة الإرهاب وغالبا مايكون القصد منها بالأساس توجيه رسائل للخارج.

وفى النهاية نفذ انقلابا على الدستور وإرادة الشعب، بدعم وتمويل خارجي، مستغلا موجة العداء للإسلام السياسى التى تقودها فرنسا حليفة قيس سعيّد.[18]

الشيخ راشد الغنوشي

ولد الشيخ راشد الغنوشي عام 1941م بقرية الحامة بالجنوب التونسي. تلقى الغنوشي تعليمه الابتدائي بالقرية، ثم انتقل إلى مدينة قابس, ثم إلى تونس العاصمة، حيث أتم تعليمه في الزيتونة.[19]

 انتقل بعد ذلك إلى مصر لمواصلة دراسته، خصوصا وأنه كان من المعجبين بتجربة عبد الناصر القومية، لكنه لم يستقر بها طويلا، وانتقل إلى دمشق في سوريا، حيث درس بالجامعة، وحصل على الإجازة في الفلسفة، وهناك بدأت تتبلور المعالم الأولى لفكره الإسلامي.

الانتساب إلى الحركة الإسلامية

انتقل الشيخ راشد الغنوشي إلى فرنسا لمواصلة الدراسة بجامعة السوربون, وبموازاة الدراسة بدأ نشاطه الإسلامي وسط الطلبة العرب والمسلمين، كما تعرف على جماعة الدعوة والتبليغ, ونشط معها في أوساط العمال المغاربة.

في أعقاب ذلك ، نأى الغنوشي بنفسه عن أي توجه سياسي حتى عودته إلى تونس في أواخر الستينيات. كان بورقيبة يعمل في ذلك الوقت لدعم التيار الإسلامي لمواجهة المد اليساري والماركسي.[20]

في عام 1970 ، انضم الغنوشي إلى جمعية حفظ القرآن ، إلى جانب عبد الفتاح مورو وعدد من الشخصيات التي أصبحت فيما بعد رموزًا سياسية في حركة النهضة، وعملت هذه المجموعة على تقديم دروس في المدارس والجامعات والمساجد.

ملاحقة السلطات للغنوشي

بدأ الغنوشي يثير قلق السلطات في عهد الحبيب بورقيبة الذي اتهمه بالتسبب في اضطرابات، وفي نهاية عام 1981 حكم عليه بالسجن 11 عاما وقضى ثلاث سنوات وأفرج عنه.أعيد اعتقاله لاحقًا في أوائل عام 1987 وحُكم عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة.

ومن المفارقات أن بن علي، الذي تولى السلطة عام 1987، أصدر عفوا عنه في مايو 1988، في جو من الانفراج السياسي المحدود الذي أعقب التغيير.

مع ذلك، لم يدم شهر العسل طويلاً، فبعد أن حصلت حركة النهضة على حوالي 17٪ من الأصوات في الانتخابات العامة عام 1989، غير النظام وجهته وبدأ الصراع مع النهضة.

فى نهاية عام 1989م، سافر راشد الغنوشي من تونس إلى الجزائر، ثم إلى لندن عام 1991.

حاول الغنوشي طوال سنوات المنفى مواصلة نشاطه السياسي. ظل رئيسًا لحركة النهضة، وحضر بانتظام المؤتمرات والندوات الدولية حول الإسلام السياسي والإسلام والحداثة.

في 30 يناير 2011م، بعد الثورة وهروب بن علي إلى السعودية، عاد الغنوشي إلى تونس.[21]

تأسيس حركة "النهضة"

في نهاية الستينيات، عاد الشيخ الغنوشي لتونس وبدأ نشاطه الدعوي وسط الطلاب وتلاميذ المعاهد الثانوية، الذين تشكلت منهم حركة الاتجاه الإسلامي المعروفة بالنهضة.

وفي 27 ديسمبر 1974م، تم إجراء تعديل في الدستور التونسي، وأسندت رئاسة الدولة للحبيب بورقيبه مدى الحياة، ونظرا للتوترات التي شهدتها البلاد في السنوات الأولى، اضطر الحزب الدستوري الحاكم في تونس لإقرار مشروع التعددية السياسية سنة 1981، وقد بادر أعضاء الجماعة الإسلامية التي كان يتزعمها راشد الغنوشي إلى عقد مؤتمر عام، أعلنوا في ختامه عن حل الجماعة الإسلامية، وتأسيس حركة جديدة باسم حركة الاتجاه الإسلامي، وانتخب راشد الغنوشي رئيساً لها وعبد الفتاح مورو أميناً عاما، وتم الإعلان رسميا عن هذه الحركة في 06-06-1981، وتقدمت هذه الحركة الجديدة بطلب إلى وزارة الداخلية للحصول على اعتماد رسمي، ولكنها لم تتلق أي جواب من وزارة الداخلية، وقد صدرت وثيقتها التأسيسية في التاريخ نفسه، ولا زالت تعد المرجع الفكري لحركة النهضة .

وأعيد انتخابه عام 2007 كرئيس لحركة النهضة.[22]

المحن والابتلاءات

في عام 1981 حكم على الغنوشي بالسجن 11 عاما.

في عام 1987 حكم عليه بالسجن مدى الحياة.

حوكم غيابيا عام 1991 مرة أخرى وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

حوكم غيابيا عام 1998 بنفس الحكم السابق.

بعد خروجه من السجن لجأ إلى الجزائر وبقي فيها هو وأنصاره إلى أن دخلت مرحلة الاضطراب، ولذلك انتقل إلى ليبيا وبقي فيها شهرا، وبعدها ذهب للسودان ومكث فيها بضعة أيام. وبعد ذلك طلب اللجوء للمملكة المتحدة وذهب إليها. كما أنه مُنع من دخول الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا والسعودية وإيران.[23]

من مؤلفاته

كتاب: طريقنا إلى الحضارة

كتاب: نحن والغرب

كتاب: حق الاختلاف وواجب وحدة الصف

كتاب: القضية الفلسطينية في مفترق الطرق

كتاب: المرأة بين القرآن وواقع المسلمين

كتاب: حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية

كتاب: من الفكر الإسلامي بتونس

كتاب: الحريات العامة في الدولة الإسلامية (جزآن)

كتاب: القدر عند ابن تيمية

كتاب: مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني

كتاب: الحركة الإسلامية ومسألة التغيير

كتاب: من تجربة الحركة الإسلامية في تونس

كتاب: تمرد على الصمت

وقد ترجمت بعض من كتبه إلى لغات أجنبية، كالإنجليزية، والفرنسية، والتركية، والإسبانية والفارسية.[24]

دوره في القضية الفلسطينية

كان الغنوشي يحلم أن يساهم في تعبئة الطاقات وتنويرها نحو بيت المقدس، وله العديد من المقالات تأييدا للجهاد والمقاومة في فلسطين، وتأييدا لحركة المقاومة الإسلامية حماس، "وقد أشاد بأداء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وبانجازاتها على الأرض.

وأكد أن مسارها في المقاومة حمى القضية الفلسطينية من مصير الضياع، الذي قال بأن منظمة التحرير الفلسطينية قد دشنته بدخولها نفق المفاوضات.

وأشار الغنوشي إلى أن "حماس" مثلما أنقذت المشروع الوطني الفلسطيني من الضياع الذي قادته إليه منظمة التحرير الفلسطينية شرعت كذلك للحركة الإسلامية.

وقال: "حركة حماس أعطت شرعية للحركة الإسلامية، صحيح أنها بنت للحركة الإسلامية ولكنها بنت مباركة، وهي إضافة نوعية لها، وجعلت من الحركة الإسلامية تؤوي أهم قضية وتحمل أشرف وأنبل راية راية تحرير المسجد الأقصى وفلسطين، وهذا شرف للحركة الإسلامية كلها، لأنه منذ ولدت القضية الفلسطينية كل من حمل رايتها قاد الأمة.[25]

مشاركته في أسطول الحرية

كان راشد الغنوشي من بين المشاركين في أسطول الحرية لدعم الشعب والمقاومة الفلسطينية في غزة، وكان مما قال حينها (29 مايو 2010): "ولم يكن صدفة أن يؤقّت الصهاينة هجومهم على أسطول الحرية بصلاة الفجر رغم وجود غير مسلمين، ولكن من الواضح أن الإسلام هو العمود الفقري الذي يقود معارك الأمة الكبرى اليوم وفيما يستقبل، فهذا زمن الإسلام وحلفائه، وكأنّ مؤذّن الكون يؤذّن، فيشقّ صوته عنان السماء وينداح في الأرجاء، يؤذّن مع النبي نوح عليه السلام وسط الطوفان، مناديًا ابنه إلى سفينة النجاة {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِم} (هود: 41، 42)- منقول للإفادة.

عضوية المؤسسات الإسلامية

يعتبر الشيخ راشد الغنوشي من مؤسسي الندوة العالمية للشباب الإسلامي عام 1971.

أحد مؤسسي المؤتمر القومي الإسلامي، الذي يجمع بين التيار القومي العربي والتيار الإسلامي.

أحد مؤسسي حلقة الأصالة والتقدم، التي تعنى بالحوار الإسلامي المسيحي، والتي تضم عددا من كبار المفكرين الإسلاميين والأوروبيين والأميركيين.[26]

ما بعد الثورة التونسية

عاد راشد الغنوشي إلى تونس في 30 يناير 2011 بعد الثورة التونسية التي أدت إلى سقوط الرئيس زين العابدين بن علي، بعد أكثر من 21 سنة من النفي واللجوء السياسي في بريطانيا.

بقي راشد الغنوشي رئيسا لحركة النهضة بعد الثورة التونسية، وبعد فوز الحركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي بقي فاعلا في المجال السياسي الخاص بالحركة.

فاز راشد الغنوشي مع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بجائزة شاثام هاوس الملكية البريطانية لحرية الفكر والتعبير في 2012.[27]

براجماتية حركة النهضة

ميّز الشيخ الغنوشي حركته في تونس عن الحركات الإسلامية الأخرى في العالم العربي لأنها تربط أيديولوجيتها الإسلامية بالمدرسة المالكية التونسية التقليدية للفقه الإسلامي، والأيديولوجية الإصلاحية الشرقية، والثقافة العقلانية الحديثة.

ومن المعروف أن الغنوشي متشدد في محاولته تحديث تونس، وكان يؤمن أنّ الحكومة التونسية، بطبيعتها، تبحث دوماً عن التحديث. وخلافاً لحكومة بورقيبة، التي كانت ترى أنّ التحديث يعني “تطبيق الثقافة الغربية” في تونس، حصرت الحركة الإسلامية للغنوشي نفسها بتحديث المجتمع التونسي ضمن الحدود الإسلامية.[28]

الهوامش:

[1] - موقع محتويات - أين وُلد قيس سعيد

[2] - موقع بى بى سى - الانتخابات الرئاسية التونسية: الدروس المستفادة من تقدم قيس سعيد وشعاره "الشعب يريد"

[3] - موقع مصراوى الرئيس التونسي قيس سعيد: أبرز المحطات في ولايته الرئاسية وعلاقته مع حركة النهضة

12:44 مالإثنين 26 يوليه 2021

[4] - الجزيرة نت - قيس سعيد.. أمل الربيع في زمن خريف الثورات

[5] - صحيفة الدستور 10 معلومات عن قيس سعيد "الأوفر حظًا برئاسة تونس"

[6] - موقع بايو – من هو قيس سعيد.

[7] - بوابة الأهرام قيس سعيد .. حبيب التونسيين الذي أنقذ البلاد من عصابة الإخوان الإرهابية

[8] - ويكيبديا الموسوعة الحرة.

[9] - قيس سعيّد: سنعمل من أجل القضايا العادلة وأولها قضية فلسطين. وكالة الأناضول

[10] - بى بى سى صلاة الرئيس التونسي قيس سعيد "تثير سجالا سياسيا" على مواقع التواصل.

[11] -موقع بايو – من هو قيس سعيد.

[12] -قيس سعيد موقع المعرفة.

[13] - المعرفة – قيس سعيد.

[14] - المصدر السابق.

[15] - المصدر السابق

[16] - المصدر السابق

[17] - القدس العربى -تونس تؤكد تعرض الرئيس قيس سعيد لمحاولة اغتيال.. وتبون يجري اتصالا للاطمئنان على صحته

[18] - المعرفة الأزمة السياسية التونسية 2021

[19] - الجزيرة نت راشد الغنوشى.

[20] - وكالة ستيب من هو راشد الغنوشى

[21] - المصدر السابق

- مركز المسبار راشد الغنوشي سيرة شخصية وقراءة فكرية.

[23] - نشوان نيوز راشد الغنوشى والنهضة فى سطور

[24] - الجزيرة نت راشد الغنوشى.

[25] - المغرب العربى راشد الغنوشى المدرس الذى تحول إلى رئيس برلمان

[26] - الجزيرة نت راشد الغنوشى

[27] - عربى 21 راشد الغنوشي.. الخروج من عنق الزجاجة (بورتريه)

[28] - موقع فناك رشيد الغنوشي: إسلامي يؤمن بالشمولية والحلول الوسط.