لقاء السيسي وبينت: مكاسب للاحتلال فقط.. وحقوق الفلسطينيين ورقة للمساومة
الأربعاء - 15 سبتمبر 2021
تعكس البيانات والتصريحات الصادرة عن اللقاء الذي جمع أول أمس الإثنين، بين رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينت، في شرم الشيخ، غلبة موقف الاحتلال، الذي ألحّ منذ مرحلة الإعداد للقاء على إعطاء الأولوية المطلقة لسبل تطوير العلاقات الثنائية والمساعدة المصرية المطلوبة في توسيع مجالات التطبيع مع مصر ودول عربية أخرى في الخليج وأفريقيا، على حساب القضية الفلسطينية، لتحقيق مكاسب سياسية له في الداخل، وتطويق غضب المعارضة من أدائه، واتهامها له بالتراخي مع الفلسطينيين.
وكتب المحلل الصهيوني عاموس هرئيل، مقالا اليوم في "هآرتس" ذكر فيه أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس المصري ينظران إلى بعضهما البعض على أنهما شريكان مهمان ، ولكل منهما أسبابه الخاصة".
وقال إن أن الاجتماع بين بينيت و السيسي في شرم الشيخ يوم الاثنين كان ساعة تقريبًا، وفقًا للخطة، لكنه استمر ثلاث ساعات. وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية مطولاً أن المصريين حرصوا على إعطاء الاجتماع أجواءً علنية ورسمية قدر الإمكان.
والمعنى العام من كلام عاموس هرئيل أن السبسب وبينت كانت لهما هموما شخصية في المقام الأول وحاول كل منهما الاستفادة من الآخر الى أقصى درجة.
من جانب آخر، قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن الطرفين استعدا للقاء المعلن الأول من نوعه منذ أكثر من عقد، بأهداف متباينة: فالهدف الأول للسيسي كان توجيه رسالة إلى واشنطن، ابتغاء لنيل الثقة في دوائر أميركية أوسع وأكثر حظوة لدى اللوبي الصهيوني هناك. ويأتي ذلك بالتكامل مع خطوات مصرية أخرى في مجالات مختلفة، أبرزها ادعاء تحقيق تقدم في ملف حقوق الإنسان، بإصدار أول استراتيجية وطنية مصرية لحقوق الإنسان قبل أيام، والاتجاه إلى تصفية قضية التمويل الأجنبي لمنظمات حقوق الإنسان، والمساعدة في تطبيع العلاقات بين دولة الاحتلال والسودان.
أما الهدف الرئيس لبينت، فهو محلي، ويخاطب به نواب الكنيست والناخبين برسالة واضحة المضمون، بأنه قادر على إظهار لقاءاته برئيس أكبر دولة في المنطقة إلى العلن، وانتزاع مكاسب في إطار التطبيع الشعبي والمؤسسي الكامل مع مصر، التي هي أقدم دولة في إقامة علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال. ويعتبر بينت أن هذا الأمر سيؤثر إيجاباً على شعبيته ويحرج معارضيه، كما يوجّه ضربة دعائية لسلفه بنيامين نتنياهو، الذي نقلت عنه وسائل إعلام عبرية أمس الثلاثاء، قوله إنه التقى السيسي ست مرات في سيناء خلال عشر سنوات.
وبحسب المصادر، فقد أدى هذا الاختلاف في الأهداف، إلى عقد اللقاء في ظلّ حفاوة واضحة من الجانب المصري، تعمدت حكومة الاحتلال إظهارها في الصور المنشورة من جانبها، ولكن من دون أن يفضي إلى إحداث تقدم ملموس في القضية المركزية للمنطقة، والتي يتفق الطرفان على أهميتها وحيويتها، وهي القضية الفلسطينية والوضع في قطاع غزة على المدى الطويل.
وأوضحت المصادر أن السيسي، على العكس من رغبته، لم يتمكن من انتزاع تعهدات واضحة من بينت بالمساهمة في إمكانية تحقيق حلّ الدولتين بصورة عاجلة، وبشكل يمكّن الدولة الفلسطينية من الحياة دون عراقيل، وتحقيق مكاسب للفلسطينيين والمصريين أيضاً، أبعد من مجرد تحقيق تهدئة مؤقتة في غزة والضفة، الأمر الذي تبدو سياسة بينت حتى الآن مقتصرة عليه، في ظل عدم بذل واشنطن جهوداً أكبر في هذا الصدد.
وذكرت المصادر أن السيسي أكد لبينت خلال اللقاء، استعداد مصر لضمان تعهدات الطرفين لبعضهما في مفاوضات بنّاءة ومباشرة، والمساعدة في إرساء الأمن بقطاع غزة مقابل تسهيل جهود إعادة الإعمار، بالإضافة إلى استئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الاحتلال والفلسطينيين بشكل يضمن استفادة الفلسطينيين من مواردهم الاقتصادية.
وأشارت المصادر إلى أن بينت ركّز فقط على ضرورة المساهمة المصرية في حفظ الأمن ومنع التصعيد من جانب المقاومة الفلسطينية، من دون تقديم تنازلات، الأمر الذي وقف حائلاً أيضاً أمام إعادة طرح فكرة عقد قمّة رباعية بين السيسي وبينت والرئيس الفلسطيني محمود عباس والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قريباً.
وعلى النقيض، خرج بينت من اللقاء رابحاً في مجالات عدة. فمقابل إعادة فتح معبر طابا بعد غلقه لأسباب صحية لأكثر من عام، ما يمكن المصريين من الاستفادة من السياحة الإسرائيلية في سيناء، تم انتزاع مكسب استراتيجي كبير على مستوى التطبيع المؤسسي الكامل، وهو البدء في تسيير رحلات جوية من الشركة الوطنية "مصر للطيران"، تحمل علم مصر، بين القاهرة وتل أبيب، أربع مرات أسبوعياً، بدءا من الثالث من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وعلى الرغم من أن شركة طيران سيناء الصغيرة التابعة لمصر للطيران، كانت تسيّر بالفعل رحلات إلى تل أبيب على مدار عقود، بمعدل وصل إلى ثلاث رحلات أسبوعياً في بعض الأوقات، إلا أنها كانت لا تحمل شعار الشركة الوطنية ولا علم مصر. ويحمل التغيير اليوم دلالة رمزية مهمة، إلى جانب توثيق العلاقات السياحية والتجارية وتسهيل الانتقال البيني، ما استحق احتفاء حكومة الاحتلال وسفارتها بالقاهرة به.
وبحسب المصادر المصرية أيضاً، فقد تناولت المباحثات بشكل مكثف، الدور الذي قد يؤديه بينت للوساطة بين مصر وإثيوبيا في سدّ النهضة، والتماس بين هذا المسار ومحاولات المضي قدماً في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان، الأمر الذي أشار إليه السيسي ضمنياً في مقطع فيديو، ولم يذكره بينت، وكانت "العربي الجديد" قد نشرت عنه تقريرين في 22 أغسطس/آب الماضي، والثاني من سبتمبر/أيلول الحالي. وأوضحت المصادر أن المباحثات تطرقت إلى حرص دولة الاحتلال على تطوير علاقاتها مع السودان كجزء من المشهد الجديد المراد للشرق الأوسط، وإجراء اتصالات متقدمة على مستويات عسكرية واستخبارية واقتصادية بين الطرفين، بمباركة من المكون العسكري في السلطة بالخرطوم، على الرغم من التحفظ الحكومي الرسمي من جانب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، على أن يتوازى ذلك مع وساطة منتجة يبذلها بينت للتقريب بين الدول الثلاث.
كما تطرقت المباحثات إلى ضرورة تطوير التعاون بين الجانبين في ملف الطاقة، لمواكبة طموحات الدول الأخرى في المنطقة، والإمارات في سوق الغاز، بالتوسع في ربط الحقول الإسرائيلية بوحدتي الإساءة المصريتين في دمياط وإدكو، والطبيعة الإدارية والفنية لتوسيع شبكة الأنابيب، المملوكة حالياً بين شركتي "نوبل إنرجي" الأميركية و"ديليك" الإسرائيلية وشركة "غاز الشرق" المملوكة حالياً للدولة المصرية، ممثلة في جهاز الاستخبارات العامة وهيئة البترول، والمقترح توسيعها حالياً لتشمل قبرص. وقد تم الاتفاق على لقاء قريب بين وزيري الطاقة في مصر وإسرائيل، محمد شاكر وكارين الحرار، بحضور ممثلين للاستخبارات.
وقال جنرال إسرائيلي إن "لقاء رئيس الحكومة نفتالي بينيت مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يعني أن الأخير يسعى لخلق مناخ إيجابي بين البلدين بعد سنوات من التوترات، بناءً على فهمه بأن البلاد بحاجة لتغيير في السياسة الخارجية، وهي الزيارة التي تأتي بعد آخر زيارة قام بها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو قبل عقد من الزمن، وتظهر الزيارة أن القاهرة ربما تهدف لإحداث تغيير في الرأي العام المصري بشأن إسرائيل".
وأضاف إفرايم عنبار في مقال بصحيفة "إسرائيل اليوم"، ترجمته "عربي21" أن "مصر أول دولة عربية كسرت الحظر المفروض على العلاقات مع إسرائيل عندما وقعت اتفاقية السلام في 1979، لكنها على مر السنين لم تطبق جميع بنود التطبيع، وحافظت على "سلام بارد"، وبات صعبا على قادتها أن يقنعوا المصريين بتطوير علاقاتهم مع الإسرائيليين، وبالكاد قاموا بتغيير المناهج في نظام التعليم حول إسرائيل، وتضمنت أفكارًا معادية للسامية، وواصل الحكومي عداءه لإسرائيل".
ولفت الكاتب إلى "المخاوف المصرية والإسرائيلية بشأن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وتخفيف قبضتها على الشرق الأوسط، وسط تهديدات الإسلاميين، وعلى المستوى الإقليمي تتابعان بقلق تعزيز نفوذ إيران في المنطقة، رغم أن تصور مصر للتهديد أقل من إسرائيل، لكنهما لا يختلفان حول معاداة السياسة التركية للرئيس رجب طيب أردوغان في شرق المتوسط، بدعم من قطر، وباتت القاهرة وتل أبيب حليفتين ضد تطلعات تركيا الإسلامية والعثمانية الجديدة".
وأضاف أن "مصر عضو رئيسي في الهيكل الاستراتيجي المتجسد بمنتدى الغاز الشرقي للبحر المتوسط مع اليونان وقبرص، وتم تصميمه، في جملة أمور، لمنع تحقيق الهيمنة التركية، وفي الوقت نفسه تواجه مصر انتفاضة لعناصر إسلامية بقيادة داعش في شبه جزيرة سيناء، وتشارك إسرائيل في جهود استخباراتية وعسكرية لوقفها، فيما يخضع قطاع غزة، الذي يتوسط مصر وإسرائيل، لسيطرة حماس، ابنة الإخوان المسلمين، عدوة النظام المصري الحالي".
وأشار إلى أن "مصر مهتمة بإخماد نيران الصراع بين إسرائيل وحماس، وتلعب دورًا رئيسيًا في التوسط بينهما، ويعطي هذا الدور الدبلوماسي نقاطا للقاهرة في تل أبيب وواشنطن، ويوفر قوة ضغط تجاه حماس في غزة، وفي شمال أفريقيا هناك مصالح مشتركة بين مصر وإسرائيل، حيث تدعمان خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي في طبرق بمساعدة الإمارات العربية المتحدة، الشريك الجديد لإسرائيل، رغم تدخل تركيا لمنع سقوط حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وتضم عناصر إسلامية".
وخلال الأشهر الأخيرة، تعددت لقاءات المسؤولين المصريين مع نظرائهم من دولة الاحتلال، وتحديداً مع مدير الاستخبارات العامة المصرية اللواء عباس كامل ووزيري الخارجية سامح شكري والبترول طارق الملا، على خلفية التنسيق بين الجانبين حول العديد من القضايا، والوساطة المصرية الدائمة لتهدئة الأوضاع بين دولة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية. وفي نهاية مايو/أيار الماضي، قام وزير خارجية الاحتلال (السابق) غابي أشكنازي، بزيارة كانت الأولى من نوعها للقاهرة منذ 13 عاماً، حيث كانت تسيبي ليفني هي آخر وزيرة خارجية إسرائيلية تزور مصر في عام 2008.
وكان اللقاء المعلن الوحيد بين السيسي ونتنياهو قد عقد في نيويورك عام 2017 خلال مشاركتهما في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث زار نتنياهو السيسي في مقر إقامته حيث كان علم مصر فقط وراءهما. وفي أغسطس/آب 2018، نشرت الصحف العبرية أن نتنياهو سافر سرّاً إلى مصر في مايو/أيار من العام ذاته، والتقى السيسي وتشاركا في مأدبة إفطار رمضانية بحضور مستشارين من الجانبين.
وفي يوليو/تموز 2019، تعمد نتنياهو أن يعلن عن سابقة عقد "لقاءات" مع السيسي خلال حفل السفارة المصرية في تل أبيب بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو/تموز 1952، حيث وصفه بـ"الصديق العزيز". وقال نتنياهو: "في لقاءاتي معه، فوجئت بحكمته وذكائه وشجاعته. السلام بين إسرائيل ومصر بمثابة حجر الزاوية للاستقرار".
المصادر العربي الجديد+ عربي 21+ هآرتس