يسمعها 40 إلى 70 مليون.. لماذا تراجعت الرسالة الإعلامية لإذاعة القرآن المصرية؟

الاثنين - 17 أبريل 2023

  • نظام السيسي عمد إلى إفساد الرسالة الإعلامية لإذاعة القرآن بالتوجيهات السياسية والإعلانات
  • إنفاق المليارات على إذاعات وقنوات تستهدف تدمير الأخلاق .. وادعاء الفقر مع إذاعة القرآن
  • تسييس إذاعة القرآن وتحويلها إلى بوق للنظام.. واستبعاد أكفأ مذيعيها واعتقال بعضهم بعد الانقلاب

 

إنسان للدراسات الإعلامية- خاص:

حين تم إنشاء إذاعة القرآن الكريم يوم 25 مارس 1964، كان الغرض منها الحفاظ على القرآن وحمايته من نُسخ محرفة انتشرت في ستينات القرن، لتظل منذ ذلك الوقت تحمل رسالة إعلامية ذات قدسية في قلب المصريين، تُنقل لهم عبر سماع أجمل أصوات من مشاهير القراء المصريين والفتاوي.

لكن منذ مجيء نظام عبد الفتاح السيسي للسلطة عقب انقلاب 2013 وسعيه لاستغلال الدين والبيزنس معا لتثبيت دعائم سلطته، لم يكتف بتحويل أعرق إذاعة دينية إلى بوق دعائي للسلطة، بل حولها لإذاعة إعلانات تجارية، حتى ولو كانت تخالف الدين مثل إعلانات البنوك وغيرها، ما أثر على رسالتها الإعلامية.

وبدلا من استمتاع المصريين بالقرآن وأحاديث العلماء والفتاوي، أصبحت إذاعة القرآن الكريم تنافس بقية الإذاعات والفضائيات المصرية في بث اعلانات مستفزة للمصريين الذين لم يعتادوا هذا الأمر.

وتستفز الإعلانات التجارية التي هيمنت على إذاعة القرآن الكريم، المصريين حيث أنها تتعلق كلها بإعلانات عن شركات التأمين على الحياة من الحوادث، رغم أن هناك محاذير دينية على ذلك.

فضلا عن إعلانات تركز فقط على جمع التبرعات لعلاج المرضى، وبناء المستشفيات، وإنشاء محطات مياه للبسطاء، بشكل بات مملا ومحبطا لشريحة كبيرة من المستمعين.

طوفان الإعلانات

في 15 أبريل 2014، بدأت الإذاعة بعرض إعلانات تجارية، لأول مرة في تاريخها، بدعوى عدم توافر موازنة رسمية لها، في ظل التركيز على دعم السلطة شراء صحف وفضائيات وإنشاء إذاعات تابعة للمخابرات على تردد "إف إم".

أثارت هذه الإعلانات، التي تخالف الرسالة الإعلامية للقناة ويخالف بعضها صحيح الدين مثل التأمين على الحياة، استياء مستمعي الإذاعة على مواقع التواصل، وسخروا من تحولها للإعلانات، وخروجها عن أهدافها وطالبوا بعودتها كـ "إذاعة للقرآن الكريم" وتحريرها من احتلال الإعلانات.

ولجلب مزيد من الإعلانات، قررت الإذاعة في 23 نوفمبر 2019، وضع تسعيرة جديدة للإعلانات، وزيادة سعر دقيقة الإعلان لتصبح 7500 جنيه، بدلا من 10 آلاف جنيه، لكن الآن تمت زيادة ساعات بث الإعلانات وتكرارها يوميا عدة مرات.

وانتقد مصريون ذلك على شبكات التواصل الاجتماعي، وكتب مغردون عنها بطريقة غاضبة منتقدين غياب الدعم الحكومي عن إذاعة القران الكريم مقابل دعم برامج ومسلسلات بمليارات الجنيهات لإفساد أخلاق المصريين.(تويتر)

قالوا، عبر مواقع التواصل: إن "إذاعة القرآن الكريم أنشئت من أجل الدعوة وعلوم الدين وليس محطة إعلانية للجمعيات الأهلية والخيرية واللصوص والحرامية والصيدليات والشركات؟!".(تويتر)

ووفق دراسة صدرت عام 2020 عن المركز المصري لدراسات الإعلام، فإن محطة القرآن الكريم تحتل المرتبة الثانية على مستوى الإذاعات المصرية في معدلات الاستماع، لأن الشريحة الأكبر في المجتمع تربت ونشأت على التعامل معها باعتبارها المنبر الروحي المفضل لهم.

محمد نوار رئيس الإذاعة المصرية، برر الإصرار على بث إذاعة القرآن الكريم، التي يستمع لها قرابة 40 مليون مستمع وفي الموسم الرمضاني تتخطي الـ 70 مليون مستمع، للإعلانات التجارية بـ "الظروف التي تمر بها الإذاعة"، وغياب الدعم المالي الحكومي.

موقع "القاهرة 24"، الموالي للسلطة، أكد في 17 سبتمبر 2023 أن الإذاعة تحصل على قرابة 25 مليون جنيه سنويا من الفواصل الإعلانية، رغم أن هذه الإعلانات التجارية هيمنت على جزء من محتواها ورسالتها التوعوية والتنويرية، وتراجع أدائها.

وسبق أن اعترف "محمد نوار" رئيس الإذاعة، في حوار مع صحيفة أخبار اليوم، مطلع فبراير 2021، بتقليص برامجها ضمن ما سمي "تطوير منهجي" من 60 إلى 40 برنامجا فقط أغلبها عن التفسير والفقه والسنة، بسبب الإعلانات.

وكانت درية شرف الدين، وزيرة الإعلام السابقة، استجابت لحالة السخط والغضب الجماهيري، وأعلن إيقاف بث الإعلانات في المحطة قبل أن يعيد قيادات الهيئة الوطنية للإعلام الإعلانات لها بدعاوي نقص التمويل.

وكان حسين زين، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام،  أكد، 28 فبراير/ شباط 2021ـ، أن هناك 40 مليون جنيه عجزا شهريا في ميزانية ماسبيرو (الإذاعة والتلفزيون) يجري تعويض بعضها من أموال الإعلانات.

وخلال اجتماع لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب، أشار "زين" إلى أن الهيئة تحصل من الحكومة على 2.6 مليار جنيه سنويًا، وتحقق من 700 مليون إلى مليار جنيه عوائد وليس ربحية.

وقد تقدم عدد من نواب البرلمان في مصر، أبريل 2023 ، بطلبات إحاطة عاجلة إلى وزير الأوقاف مختار جمعة ومسؤولي "الهيئة الوطنية للإعلام" باعتبارهم مكلفين بإدارة اتحاد الإذاعة والتلفزيون في مصر، لوقف سيل الإعلانات التي سيطرت بشكل كبير على إذاعة القرآن الكريم، ما تسبب في تراجع تأثيرها كمنبر تنويري معتدل، وبات يثير غضب المصريين المتصاعد، لكنهم لم يشيروا لخطر تغييرها الرسالة الإعلامية للإذاعة التي تلغي هدفها الأصلي.

ويرى متابعون أن أزمة مسؤولي الإعلام في مصر أنهم لا يدركون التغيرات التي حدثت في تركيبة الجمهور، فلم يعد يقبل فرض سياسة تلفزيونية أو إذاعية بأسلوب الأمر الواقع

ويشير هؤلاء إلى أن رفع القدسية الدينية عن إذاعة القرآن الكريم وتمرد الجمهور على تغيير رسالتها الإعلامية، كما ظهر عبر مواقع التواصل، يمثل رسالة شديدة اللهجة إلى صانعي القرار الإعلامي للإبقاء على نفس الوتيرة لأن المحطة انعكاس لصورة الإسلام ورسالته.

ويقول معارضون لهذه السياسة ليس مطلوبا من الإعلام الرسمي أن ينفق على نفسه أو يطلب من الجمهور عوائد مالية بالإكراه مقابل الخدمة عبر الإجبار على سماع الإعلانات، لأن الحكومة مسؤولة عن توفير العوائد المالية للخدمة الإعلامية.

البطش بكبار المذيعين

عقب انقلاب 3 يوليه 2013 وضمن محاولات تغيير رسالتها الإعلامية أو ما سمي "تطوير الخطاب الديني"، جري التدخل في الإذاعة سياسيا، بتوجيه مذيعين لتلاوة خطاب ديني يحرض ضد جماعة الإخوان المسلمين ويمجد في عبد الفتاح السيسي.

وجري اعتقال بعض مذيعي القران الكريم، أبرزهم مدير عام برامج علوم القرآن وكبير مذيعي الشبكة "محمود خليل" في أول نوفمبر 2017 بدعاوي الإرهاب و"تحيّزه الشديد لفكر جماعة الإخوان"، وفصله بحجة غيابه عن العمل وهو معتقل!.

كما جري استبعاد مذيعين عقب الإنقلاب وقطع رواتبهم بسبب تغيبهم منهم المذيع عبد المنعم أبو السعود الذي قالت صحيفة "فيتو" المستقلة، 24 فبراير 2017، إنه قبض عليه.

وسبق هذا قتل قوات الأمن بالرصاص لنجل المذيع عبد المنعم أبو السعود، 4 يناير 2014 خلال الإحتجاجات على الإنقلاب بمحافظة المنيا.

بالمقابل، أكد مصدر بمبني الإذاعة والتلفزيون إنه تمت معاقبة ووقف مذيع بإذاعة القرآن في يونية/ حزيران 2018 لأنه قال في صلاة الفجر -بالتزامن مع انتشار هاشتاج #ارحل_يا_سيسي-: "اللهم عليك بالظالمين، اللهم إن كنا أيدنا ظالماً في هذا الدنيا فإنا نتبرأ إليك من هذا".

تم كذلك إبعاد عدد من أكبر كوادر مقدمي البرامج الدينية في الإذاعة عام 2018 إلى شبكات أخرى، ما أثار غضبا عارما.

ففي 3 سبتمبر 2018، أصدرت مديرة الإذاعة المصرية نادية مبروك قراراً يقضي بنقل ستة مذيعين من شبكة القرآن الكريم وتوزيعهم على الإذاعات المختلفة داخل المبنى.

سبق هذا إبلاغ نادية مبروك، حسن سليمان رئيس شبكة القرآن الكريم وعدد من مذيعي الشبكة، أن اجتماعاتهم في الغرف المغلقة يتم متابعتها من جانب الأمن، الذي أبلغها بذلك!.

وحذرت المذيعين بالشبكة من تلك الاجتماعات، وطلبت منهم أن يأخذوا حذرهم في المرات المقبلة، بحسب جريدة الفجر المستقلة، 5 نوفمبر/ تشرين ثان 2017.

 إذاعة بنكهة سياسية

انعكست كل هذه المضايقات والاستبعادات، علي تدهور مستوي المذيعين الباقين، ووقوعهم في العديد من الأخطاء الدينية والنحوية، وتحولهم لمدح عبد الفتاح السيسي وحكومته.(فيسبوك)

وصلت الأخطاء الدينية حد قول مدير إذاعة القرآن الكريم في حوار، إن إذاعته بذلت "جهودا كبيرة لتصحيح الدين"، قاصدا "تصحيح الخطاب الديني"!.(فيسبوك)

كما بلغت الأخطاء، حد إذاعة المذيع وليد الحسيني أذان المغرب، في يوليو ،2020 قبل موعده بـ 5 دقائق، ما أثار ضجة لأنها الإذاعة التي تبثها بعض المساجد عبر ميكروفوناتها، وتعتمد عليها في مواعيد رفع الأذان.(تويتر)

ولم يتم معاقبة هذا المذيع لأنه أول إذاعي من هذه الإذاعة يجري حوارا مع عبد الفتاح السيسي مارس 2015، وقال إنه "بكي خلال إجرائه حوار مع الرئيس"!.

في هذا الحوار، الأول من نوعه في إذاعة القرآن الكريم، قال السيسي: "الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُبعث للقتل وسفك الدماء، والجماعات الإرهابية شوهت صورة الإسلام أمام العالم".

وتسابق بعض مذيعيها، في تقديم وصلات مدح وإشادة بالمسئولين، واعتبار دعم الجيش والشرطة ضد "الإرهابيين" و"المتطرفين" من الإيمان بالله، بعدما وصلتهم تعليمات جهاز سامسونج.

وجري تخصيص برامج دينية لبعض مسئولي الأوقاف للحديث عن مخاطر الجماعات الدينية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، وكيف أن هذه الجماعات تخالف صحيح الدين، مع استعراض لبعض أنشطة الإخوان السابقة وتشويه قادتهم التاريخيين مثل حسن البنا.

وفي أبريل 2016، قال مذيع بإذاعة القران الكريم، وهو يزف للمصريين حلول شهر رجب: "الدين لله والوطن للجميع"!.

وقد أغضب بعض مذيعيها المستمعين لتحولهم لمذيعي برامج سياسية، مثل قول مذيع كان ينقل الصلاة من جنوب سيناء عام 2017 : "ربنا أنعم علينا بنعمة الأمن والأمان والسلام وعلينا أن نتعظ مما حدث لدول غيرنا مثل سوريا وليبيا".

قصة إذاعة القرآن

يوم 25 مارس/آذار 1964 تم تدشين أول إذاعة للقرآن الكريم في العالم العربي بمصر، لتحتفل في مارس/ آذار 2023 بمرور 59 عاما على إنشائها.

ظهرت فكرة إنشاء الإذاعة أوائل الستينيات من القرن الماضي، عندما انتشرت طبعة مذهبة من المصحف، بورق فاخر وتنسيق وإخراج متميز، ولكن اكُتشف أن بها تحريفات مقصودة.

من هنا جاءت فكرة الإذاعة، ضمن آليات جرى إقتراحها لتوثيق القرآن الكريم، من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الاجتماعية، آنذاك.

كانت البداية بتسجيل المصحف المرتل بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، الذي يعد أول جمع صوتي للقرآن الكريم بعد أول جمع كتابي له في عهد خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أبي بكر الصديق.(يوتيوب)

وفي عام 1966 أضيفت إليها برامج دينية بنسبة 5% من نسبة الإرسال، ثم في عام 1967 سُجلت ختمة مرتلة أخرى بصوت الشيخ محمود علي البنا.

عام النكسة 1967، وتهوينا من أثرها السلبي وتحجيم المد الاشتراكي في الإذاعة، تم إدخال القرآن المجود بأصوات كبار القراء المصريين، بحسب قناة الجزيرة، 26 أكتوبر 2020.

لاحقا بدأت الإذاعة تبث برامج لتفسير القرآن، ثم إذاعة صلاة الجمعة عام 1977 ثم الإذاعات الخارجية على الهواء من مساجد مصر والعالم العربي لأمسيات دينية.

وفي عام 1973 وبعد حرب أكتوبر تم مد إرسال الإذاعة ليصل إلى 19 ساعة، ثم مده الرئيس الراحل حسني مبارك ليشمل اليوم بأكمله في الاحتفال بعيد الإعلاميين عام 1994.

وفي منتصف الثمانينيات، سجلت الإذاعة المصرية مصاحف مرتلة لعددٍ من القراء ومنهم أحمد نعينع والشحات محمد أنور ومحمود صديق المنشاوي، وتقرر في مايو 1994 استمرار إرسال شبكة القرآن الكريم على مدار 24 ساعة.