ماذا تعرف عن الأقلية المسلمة في أفريقيا الوسطى ؟

الثلاثاء - 26 أكتوبر 2021

إفريقيا الوسطى بلد غير ساحلي في وسط أفريقيا، تحدها تشاد في الشمال و‌السودان في الشمال الشرقي، و‌جنوب السودان في الشرق، والكونغو الديمقراطية و‌جمهورية الكونغو في الجنوب و‌الكاميرون في الغرب.. وعاصمتها مدينة بانغي.

ورغم ما تتمتع به البلاد من موارد اقتصادية غنية جدًا، واحتياطات ثرية من الماس والذهب، إلا أنها تعد من أفقر الدول بسبب نهب ثرواتها.

ويبلغ عدد السكان في أفريقيا الوسطى نحو 4.745 مليون نسمة بحسب إحصاء 2019م.

ويشكل المسلمون حوالي 15% من سكان أفريقيا الوسطى، يتمركزون غالبًا في شمال البلاد بالقرب من الحدود مع تشاد.

واللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية في البلاد إلى جانب عدد من اللغات المحلية كالأوبانغي وسانفو والعربية والسواحلية.

الإسلام في إفريقيا الوسطى:

دخل الإسلام إلى إفريقيا الوسطى في القرن الخامس الهجري، وذلك عن طريق التأثر بالممالك الإسلامية المجاورة لها، مثل ممالك  كانم وبرنو وباجرمى في شمال شرقي بحيرة تشاد، وشمالى غربي بحيرة تشاد.

 ويعود الفضل إلى ملوك الباجرمي في بسط نفوذ الإسلام إلى مناطق الزنج في إفريقيا الوسطى. أما النواحي الشرقية من إفريقيا الوسطى فدخلها الإسلام من جهة دارفور وكردفان السودانيّتين وظل الإسلام يتمدد وينتشر بين الجماعات الوثنية بصورة جعلت منه الديانة الثانية بعد النصرانية.

وفى مطلع القرن العاشر الهجري، وصل الدعاة الرحالة القادمين من شمال أفريقيا، من أشهرهم؛ محمد بن عبد الكريم المغيلي، وعن طريق الدعاة السنوسيين القادمين من ليبيا، فضلًا عن دعاة المهدي من السودان.

وتشير بعض الروايات التاريخية إلى دور الزعيم المسلم ماجد بن سعيد في نشر الإسلام في المنطقة على إثر إرساله من دار السلام بتنزانيا في عام  1857م قوافل دعوية إلى هذه المنطقة.

ويشكل المسلمون حوالي 15٪ من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى مما يجعلها ثاني أكبر دين في البلاد بعد المسيحية (50٪).

الصراع الحالي والحرب الأهلية:

يعد الرئيس بوزيزي الذي كان رئيساً مسيحياً موالياً لفرنسا الذي استشرى الفساد في عهده، حيث كان حريصاً كل الحرص على تأمين نفسه من حمى الانقلابات الإفريقية، واعتمد في ذلك على ما لديه من خبرة عسكرية، ومتعمداً إضعاف جيش بلاده، وسيطرعلى مناجم اليورانيوم والماس ووزع ثروات البلاد على الحلفاء الفرنسيين والغربيين لكسب ودهم لدعمه ضد المعارضة المسلحة المتمثلة في تحالف مقاتلي سيليكا التي بدأت تقوى ويشتد عودها ، وسعى لإفشال اتفاق تقاسم السلطة الذي أُبرم في يناير 2013م حيث كان يقضي بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ودمج عناصر تحالف سيليكا في الجيش الوطني للدولة.

ملشيات السيليكا:

يتكوّن تحالف سيليكا من خمس مجموعات من الفصائل المقاتلة المعارضة للرئيس بوزيزي، يقدرعددها بنحو 25 ألف مقاتل، منحدرين من الديانتين الإسلامية والنصرانية، كما تتوزع جنسياتهم ما بين الإفريقيين الأوسطيين والسودانيين والتشاديين، ولا يعرف عنهم انتماؤهم لجماعات إسلامية جهادية كما تشيع عنهم فرنسا ولكن كان يقود التحالف مايكل دجوتوديا - وهو مسلم ونجح في عام 2013م بالإطاحة ببوزيزي وتوليه سدة الحكم بعدما سيطرت قوات التحالف على القصر الرئاسي وفرار بوزيزي إلى الكاميرون.

حل تحالف سيليكا:

وفي سبتمبر 2013م أعلن دجوتوديا رسمياً حلَّ تحالف "سيليكا"، واتخذ خطوات جادة لدمج مقاتلي التحالف في الجيش، فيما بقيت بعض قوات التحالف محتفظة بقياداتها وبتماسكها.

 وفي ديسمبر من العام نفسه نزعت القوات الفرنسية - بالتعاون مع القوات الإفريقية الموجودة في البلاد - أسلحة أكثر من سبعة آلاف من مقاتلي التحالف ووضعتهم في ثكنات مختلفة بالعاصمة، وهو ما أشعل الأجواء من جديد، حيث كان ينظر المسلمون إلى تلك القوات على أنها حماية لهم من اعتداءات الميليشيات النصرانية، فخرج المسلمون في احتجاجات بشوارع العاصمة منددين بالانحياز الفرنسي ضدهم لحساب مناهضي بالاكا، في مظاهر أشبه ما تكون بالثورة الشعبية، وأقاموا الحواجز بالحجارة وإطارات السيارات احتجاجاً على انتشار القوات الفرنسية التي وصفوها بالمحتلة.

وهنا استنجد بوزيزي بالفرنسيين والأمريكان للتصدي لقوات التحالف، إلا أن فرنسا رفضت طلبه، زمن الرئيس فرنسوا هولاند.

بسبب التقارب الاقتصادي الذي أجراه بوزيزي مع الصين وأمريكا على حساب فرنسا، واستبدال حرسه الخاص من التشاديين الموالين لفرنسا بآخرين من جنوب إفريقيا.

خسارة فرنسا وبداية المذابح

مع خروج الأمرمن أيدي فرنسا وسيطرة تحالف سيليكا بزعامة دجوتوديا على البلاد؛ أعاد فرنسا إلى المشهد من جديد فأشعلت نار الفتنة بين المسلمين والنصارى، بتشجيع مناهضي السواطير للتحرك ضد المسلمين وسحب سلاح السيليكا؛ الأمر الذي أضعف من قدرتهم أمام الميليشيا النصرانية، كما دفعت فرنسا بـ 400 جندي فرنسي ليصل عدد جنودها إلى ألفي جندي.

مجازر ضد المسلمين

وبالنظر إلى حجم المجازر اليومية التي لحقت بالمسلمين وقتل الآلاف منهم، وبالنظر إلى دمويتها وبشاعتها، واستهدافها للمساجد ودور العبادة الإسلامية فقط، وفرار عشرات الآلاف من المسلمين إلى دول الجوار هرباً من مجازر الميليشيات النصرانية؛ فإن ذلك يدعو للدهشة والتساؤل: إذا كان الصراع في الأساس على الثروات الطبيعية لإفريقيا الوسطى المتمثلة في الذهب واليورانيوم ومصادر الطاقة والأخشاب، والمطامع الاقتصادية بين فرنسا من جانب والصين والولايات المتحدة من الجانب المقابل؛ فما العلاقة بينه وبين استهداف المسلمين، على وجه الخصوص؟!

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجنّب الصراع الديني عن المشهد؛ لأن المطامع الاقتصادية والمادية التي تحرّك الغرب في كثير من مؤامراته، كانت تصحبها دائما مطامع دينية منذ الحروب الصليبية على الشرق، والصراعان لا يتجزآن، الغرب لم ينس الفتوحات الإسلامية التي طالت قلب أوروبا حتى وصلت  أبواب باريس، بل كانت حاضرة في ذهنه يوماً بعد يوم، بدءاً بطرد المسلمين من الأندلس، مروراً بالحرب على العراق وأفغانستان، وانتهاءً بالوضع في مالي وإفريقيا الوسطى وغيرهما، فقد كان الصليب حاضراً ومهيمناً ومسيطراً.

وذهبت تقارير منظمات حقوقية إلى الحديث عن نزوح أكثر من مليون معظمهم من المسلمين  وحذرت من أن استمرار وتيرة الإبادة بهذا الشكل تنذر بأن تصبح جمهورية أفريقيا الوسطى خالية من المسلمين!

وهذا المشهد الغالب على الأقلية المسلمة المضطهدة في جمهورية أفريقيا الوسطى بين قتل وتشريد وتهجير وأشكال حرب إبادة عرقية تمارس بدعم صليبي واضح بالتزامن مع تجاهل فاضح للمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي. وقد تم تسريب صور وتسجيلات لبعض جرائم الإبادة العرقية في هذه البلاد، فأظهرت استعمال أساليب بشعة في إعدام وإذلال المسلمين، منها استخدام المناجل والسواطير والفؤوس، وبدون تمييز بين رجل أو امرأة أو طفل.

ميليشيات أنتي بالاكا

أو ما يعرف بـِ “مناهضو بالاكا”، أو الميليشيات النصرانية للدفاع الذاتي. و”بالاكا” تعني السواطير بلغة السانغو، وهي ميليشيات مسلحة محلية متعصبة، أنشأها الرئيس النصراني فرانسوا بوزيزي، في صفوفها عناصر من الجيش الحكومي.

ومقابل عجزها عن مواجهة قوات سيليكا، أفرغت هذه الميليشيات جل حقدها على المدنيين العزّل، فاستهدفتهم بدم بارد ومثّلت بأجسادهم وحرقت جثثهم وبترت الأعضاء ودمرت المساجد وشرّدت الآلاف من المسلمين.

فرنسا سبب البلاء

لم يقف العدوان الفرنسي عند الحرب على الإسلام في حدود فرنسا أو التصريحات المستفزة، بل تأكد أن حملة الإبادة العرقية التي تستهدف الأقلية المسلمة في أفريقيا الوسطى إنما هي نتيجة هندسة وتحريض ودعم من القوات الفرنسية.

فقد عاش المسلمون والنصارى عقودًا طويلة لم تشهد خلالها البلاد الاشتباكات بينهم، لذلك ذهبت الكثير من التقارير الميدانية إلى اتهام الغرب وخاصة فرنسا، بتأجيج الحرب على المسلمين في أفريقيا الوسطى؛ بهدف إبادة الإسلام فيها، وهو ما أكده أحد الجنرالات العسكرية النصرانية اللواء “يايا إسكوت” أحد كوادر الجيش الحكومي خلال حكم الرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزى، بحسب التقارير الصحفية، حيث اتهم الجنرال يايا إسكوت القوات الفرنسية بأنها “مسؤولة عن التحريض على العنف الطائفي بين المسلمين والمسيحيين في أفريقيا الوسطى”.

وكشف الجنرال عن حقيقة أن بعض الساسة المحليين -الذين يتم تمويلهم من جانب فرنسا- يعملون على تحريض المسيحيين ضد المسلمين”.

صراع روسي فرنسي

تعيش جمهورية أفريقيا الوسطى صراعًا محتدمًا بين فرنسا وروسيا، فرغم الاستقلال الشكلي المعلن للبلاد عام 1389هـ (1969م) بقيت دولة الاحتلال “فرنسا” تتحكم بمصير شعب جمهورية أفريقيا الوسطى لكن هذه المرة يبدو واضحًا أن الرئيس الحالي تواديرا لم يعد يعتمد فقط على فرنسا بل وسع دائرة اعتماده على المجتمع الدولي بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، وحين لم يحصل تغيير كبير في طبيعة الهيمنة الفرنسية على بلاده، لجأ إلى روسيا، والتي لم تتأخر بدورها في تقديم الخدمات للرئيس، فأرسلت قواتها وعددًا من قادتها والمتعاقدين الأمنيين للجمهورية.

واستلمت ملف الأمن والأسلحة والعتاد، كما وظّفت مرتزقتها المعروفين باسم “فاغنر” لبسط الهيمنة الروسية على العاصمة ومناجم الذهب واليورانيوم والبلاتين، وأصبح الرئيس تواديرا في خدمة الروس بشكل كامل.

أما فرنسا فكسبت ولاء مليشيات الأنتي بالاكا التابعة لها والتي تقود حملة الإبادة العرقية بحق المسلمين وفق أوامرها، وهكذا انقسمت جمهورية أفريقيا الوسطى بين الموالين لفرنسا والموالين لروسيا.

المليشيات المسيحية تحول المساجد إلى حانات للخمر

بعد المذابح التي تعرض لها المسلمون في "إفريقيا الوسطى" والاضطهادات التي دفعتهم إلى الهروب، وإجبارهم على ترْك منازلهم ومساجدهم قامت الميليشيات المسيحية بتحويل هذه المساجد إلى حانات لشرب الخمر.

ففي العاصمة "بانغي" التي اختفى المسلمون منها تقريبًا، قامت الميليشيات باستخدام المساجد كحانات بسبب كراهيتهم للمسلمين، فليس عند هؤلاء احترام للأديان ولا لبيوت الله؛

ولدى المسلمين في أفريقيا الوسطى مساجد متواضعة البناء وأغلبها بحاجة لترميم وإصلاح أو إعادة بناء من جديد، وهي منتشرة في معظم المدن والبلدات بينما تحتضن العاصمة أكبر عدد منها، ويلحق بكل مسجد مدارس قرآنية لتعليم القرآن. لكنها لم تسلم هي الأخرى من الهدم والنهب والهجمات.