من السحابة إلى ساحة المعركة| هكذا دعمت "مايكروسوفت" العدوان الصهيوني على غزة

السبت - 8 فبراير 2025

  • أصبح خبراء "مايكروسوفت" جزءًا لا يتجزأ من فرق العمل العسكرية بجيش الاحتلال
  • الشركة قدمت خدمات تجسس إلكتروني ورصد بالذكاء الاصطناعي وبنك أهداف للقتل
  • شركات التقنية الكبرى متورطة بدعم العمليات العسكرية بوسائل التتبع وتحليل البيانات

 

إنسان للإعلام- قسم الترجمة

كشفت وثائق مسربة، نُشرت ضمن تحقيق مشترك أجرته مجلة "الجارديان" ومجلة "+972" في الكيان الصهيوني ومنص"Local Call، وبالاستناد جزئيا إلى وثائق حصلت عليها منصة "Drop Site News، عن توطيد شركة "مايكروسوفت "علاقاتها مع جيش الاحتلال خلال العدوان الذي شنه على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر عام 2023.

تشير الوثائق إلى أن الشركة قدمت خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والاستشارات التقنية لدعم العمليات العسكرية والإستخباراتية للكيان، ما أثار ردود فعل وانتقادات دولية حول مسؤولية الشركات التكنولوجية في النزاعات المسلحة.

دعم تقني شامل

أظهرت الوثائق أن "مايكروسوفت" أبرمت عقودًا بقيمة 10 ملايين دولار مع جيش الاحتلال، تضمنت تقديم الدعم الفني والاستشارات التقنية، إضافة إلى تقديم خصومات وحوافز إضافية بهدف تعزيز الشراكة مع الجيش، متفوقة بذلك على منافسين آخرين مثل جوجل وأمازون.

وكشف التقرير أن جيش الاحتلال استهلك حوالي 19,000 ساعة استشارية من خدمات "مايكروسوفت" خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر 2023 ويونيو 2024، وذلك بهدف تحسين كفاءة عملياته العسكرية والاستخباراتية.

ويُبرز الباحث "الإسرائيلي" يوفال ابراهام دور الشركة في البنى التحتية العسكرية الرئيسية في الكيان، حيث ارتفعت مبيعات خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي المقدمة للجيش بشكل ملحوظ منذ بداية هجومه على غزة. واستندت هذه المعلومات إلى سجلات تجارية مسربة من وزارة الحرب الصهيونية، وملفات من الفرع "الإسرائيلي" لشركة "مايكروسوفت".

منصة "Azure" السحابية

اعتمد جيش الاحتلال على منصة "Azure" السحابية في دعم وحداته المختلفة، فقد استخدمت وحدات متخصصة مثل الوحدة 8200، المتخصصة في التجسس الإلكتروني، والوحدة 9900 المكلفة بتحليل الصور والخرائط الجغرافية، والوحدة 81 التي تركز على تطوير تقنيات المراقبة المتقدمة، ووحدة "أوفك" التابعة لسلاح الجو من خدمات Azure لإدارة قاعدة بيانات "بنك الأهداف" التي تحتوي على معلومات دقيقة حول الأهداف الفلسطينية خلال العمليات العسكرية.

وقدمت "مايكروسوفت" تقنيات متطورة تشمل أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة، والترجمة الفورية، وتحويل الصوت إلى نصوص، بالإضافة إلى أنظمة مغلقة (Air-Gapped Systems) تضمن السرية التامة للعمليات العسكرية الحساسة.

كما تم الاعتماد على نظام "رولينج ستون"، الذي يدير سجلات السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أثار مخاوف من إمكانية استخدام هذه التقنيات لتقييد تحركات الفلسطينيين وتعزيز الرقابة العسكرية.

دعم ميداني مباشر

لم يقتصر الدعم الذي قدمته "مايكروسوفت" على توفير الأدوات والتقنيات فحسب، بل شمل أيضًا تقديم دعم ميداني مباشر، حيث قام موظفو الشركة ومهندسوها بزيارة مواقع ميدانية لتقديم استشارات تقنية للوحدات العسكرية، بالإضافة إلى تقديم الدعم عن بُعد.

وقد شهد استهلاك جيش الاحتلال للتكنولوجيا السحابية والذكاء الاصطناعي ارتفاعًا ملحوظًا؛ إذ ارتفع استهلاك خدمات Azure بنسبة 60% خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب مقارنة بالفترة التي سبقتها، في حين قفز استهلاك الذكاء الاصطناعي بمقدار 64 ضعفًا بين شهري سبتمبر 2023 ومارس 2024، واستخدمت أدوات الترجمة وتحليل النصوص بشكل مكثف لأغراض استخباراتية وقتالية.

تشمل الوحدات الإضافية التي تم الكشف عن استخدامها للخدمات التي تقدمها Azure، وحدة "ماتسبن" المسؤولة عن تطوير أنظمة الدعم العملياتي والقتالي، ووحدة "سابير" التي تحافظ على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مديرية الاستخبارات العسكرية، إضافة إلى هيئة المدعي العام العسكري المكلفة بملاحقة الفلسطينيين والجنود المخالفين للقانون في الأراضي المحتلة.

كما يتلقى النظام التكنولوجي الذي تديره الوحدة 81، الذراع الخاص بالعمليات الخاصة لمديرية الاستخبارات العسكرية، خدمات سحابية متطورة من  Azure

تشير الوثائق أيضًا إلى أن نظام "رولينج ستون"، الذي يُستخدم في إدارة سجلات السكان وحركة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، يتم صيانته بواسطة تقنيات مايكروسوفت، كما يُستخدم Azure في وحدة سرية للغاية داخل مكتب رئيس الوزراء بكيان الاحتلال، حيث يقوم موظفو "مايكروسوفت" الحاصلون على تصاريح أمنية بالتوقيع والإشراف على توفير الخدمات السحابية.

دور شركة OpenAI

كان لشراكة مايكروسوفت مع شركة OpenAI دور كبير في دعم العمليات العسكرية، حيث وفرت الشركة أدوات مثل GPT-4 التي استُخدمت في الترجمة وتحليل البيانات الضخمة. وفي يناير 2024، قامت OpenAI  بإزالة القيود المفروضة على استخدام منتجاتها للأغراض العسكرية، مما أدى إلى زيادة استهلاك الجيش لهذه الأدوات بشكل ملحوظ، حيث شكلت خدمات OpenAI حوالي 25% من إجمالي استهلاك جيش الاحتلال لخدمات الذكاء الاصطناعي المقدمة من مايكروسوفت بحلول منتصف عام 2024.

وتشير الوثائق إلى أن موظفي "مايكروسوفت" يعملون عن كثب مع وحدات الجيش الإسرائيلي لتطوير المنتجات والأنظمة، إذ قامت عشرات الوحدات بشراء "خدمات هندسية موسعة" من الشركة، حيث أصبح خبراء "مايكروسوفت" جزءًا لا يتجزأ من فرق العمل العسكرية.

وذكرت الوثائق أن مديرية الاستخبارات العسكرية اشترت في السنوات الأخيرة اجتماعات تطوير خاصة وورش عمل مهنية قدمها خبراء الشركة للجنود بتكلفة تصل إلى ملايين الدولارات.

تداعيات قانونية

ومن اللافت أن مراكز بيانات "مايكروسوفت" التي تدعم جيش الاحتلال ليست مقتصرة على فلسطين المحتلة، بل تشمل دولًا أوروبية تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وهذا يفتح الباب لاحتمالية مواجهة "مايكروسوفت" لتداعيات قانونية إذا تم تصنيف العدوان الصهيوني على غزة كجريمة حرب أو إبادة جماعية، نظرًا لتورط بنيتها التقنية في دعم العمليات العسكرية.

كما أثار هذا الدعم احتجاجات بين موظفي "مايكروسوفت"، الذين أعربوا عن استيائهم من استخدام منتجات الشركة في النزاعات المسلحة، خاصة بعد الكشف عن مشاركتها في دعم مؤتمرات عسكرية مثل

 "I Love Mamram"، التي تحتفي بوحدة مامرام "الإسرائيلية" المسؤولة عن البنية التحتية الحاسوبية للجيش. وقد تعرضت الشركة لانتقادات بسبب مطابقة التبرعات التي يقدمها موظفوها لمنظمات تدعم جيش الاحتلال، بينما رفضت دعم منظمات إنسانية مثل "الأونروا."

منافسة تقنية

على الرغم من خسارة مايكروسوفت لعقد "Project Nimbus" في عام 2021 لصالح شركتي أمازون وجوجل، إلا أنها استطاعت الحفاظ على علاقات وثيقة مع جيش الاحتلال.

 وفي سياق تصاعد التوترات الإقليمية، ازدادت المنافسة بين الشركات التكنولوجية الأمريكية للاستفادة من الإنفاق العسكري "الإسرائيلي"؛ حيث سعت كل من "جوجل" و"مايكروسوفت" لتقديم حوافز خاصة لجذب وزارة الحرب الصهيونية، إلا أن "مايكروسوفت" تمكنت من تأمين مكانة مميزة عبر توفير حلول تقنية متطورة عززت كفاءة العمليات العسكرية والاستخباراتية.

ومن جانب آخر، أشارت صحيفة "واشنطن بوست" إلى وثائق تفيد بأن شركة "جوجل" زودت جيش الاحتلال بإمكانية الوصول إلى أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي التي طورتها منذ الأسابيع الأولى للعدوان بين إسرائيل وغزة.

وفي أبريل الماضي، قام المسؤولون في "جوجل" بإخطار 28 من موظفيها بفصلهم عن العمل بعد مشاركتهم في احتجاجات نظمتها مجموعات كبيرة في مكاتب الشركة في نيويورك وسياتل وسانيفيل بولاية كاليفورنيا، احتجاجًا على العقد الذي أبرمته الشركة مع "إسرائيل" في إطار مشروع "نيمبوس".

وقد اعتصم المحتجون أمام مقرات الشركة لمدة تقارب العشر ساعات، قبل أن يتم اعتقال تسعة منهم بتهمة التعدي على الممتلكات.

ومشروع "نيمبوس" يتعلق بتطوير الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية بقيمة تبلغ 1.2 مليار دولار أمريكي، وينص على إنشاء نظام آمن مشابه لمنصة "Google Cloud" على الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ لتمكين حكومة الاحتلال من إجراء تحليل واسع للبيانات، وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، واستضافة قواعد البيانات وغيرها من أشكال الحوسبة القوية باستخدام تقنيات "جوجل".

وسابقًا، دشن موظفو جوجل وأمازون حملة باسم "لا تكنولوجيا للفصل العنصري" احتجاجًا على هذا المشروع، الذي شاركت فيه الشركتان، كما استقال عاملان من "جوجل" في أبريل الماضي احتجاجًا على المشروع.

خاتمة

تبرز الوثائق المسربة الدور المركزي للتكنولوجيا في صلب الصراعات والنزاعات المسلحة، حيث أصبحت الشركات التقنية الكبرى شريكا أساسيا في دعم العمليات العسكرية والاستخباراتية. وتطرح هذه المعلومات تساؤلات جدية حول مدى التزام تلك الشركات بمعايير حقوق الإنسان والقانون الدولي في ظل اندماج تقنياتها مع أجهزة الدولة والجيوش العاملة في النزاعات المسلحة.

 وتبقى التداعيات القانونية والأخلاقية لهذا الدعم محور نقاش عالمي يستدعي تحقيقًا دقيقًا وإجراءات مسؤولة من قبل المجتمع الدولي.

_____________

التقرير المترجم من المصدر