مخطط تدميري .. وليس فشل سياسات "1"

الجمعة - 27 يناير 2023

- مصري حر
( هموم وطن )

 

ما وصل إليه الحال في مصر الآن، من أزمات عسكرية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية غير مسبوقة في التاريخ المصري، نتج عنها إسقاط أكثر من 70% من المصريين في الفقر بدرجات مختلفة وذلك بحسب التقديرات الدولية، وتراجع مصرعسكرياً، ودبلوماسياً،  والزج في أتون الديكتاتورية المستبدة، وإغراق البلاد في وحل الديون التي اقتربت خارجياً من 170 مليار دولار، و5 تريليون جنية داخلياً، وتراجع الإنتاج المحلي بأكثر من 40% خلال السنوات التسعة الماضية، وإغلاق أكثر من 10 آلاف مصنع، وارتفاع التضخم لقرب 22%، وعجز 85% من الشركات الناشئة عن مواصلة نشاطها، وارتفاع نسب البطالة الحقيقية لأكثر من 25%، وتهاوي قيمة العملة الوطنية أمام الدولار بشكل مستمر، وانكماش القطاع الخاص المستمر بسبب عدم قدرته على منافسة شركات الجيش الذي استولى على 60% من كعكة الاقتصاد المصري، وذلك بخلاف البيع المستمر لممتلكات الشعب .

 كل ذلك ليس نتيجة لفشل سياسات نظام عسكري فاشي، كما يحاول تصويره البعض من المعارضين، ولكن علينا أن نجرد الحقائق، ونؤكد أن ما يحدث لمصر من تجريف في مختلف مجالات الحياة، وإسقاطها اقتصادياً، ما هو إلا نتيجة طبيعية لمخطط تدميري، تم تدبيره بليل منذ انقلاب 3 يوليو 2013، وأشرف عليه لوبي صهيوني وشارك  فيه أنظمة عربية فاسدة، من أمثال حكام الإمارات والسعودية، واستهدف القضاء على مصر بمكانتها التاريخية، في أعقاب ثورة يناير الشعبية، كما استهدف إذلال شعبها الذي ثار على الظلم والفساد، وتقزيم دور مصر التاريخي لصالح أعدائها من الصهاينة .

ولكى نكون واقعيين ومنصفين، علينا أن ندلل على ذلك بالبراهين والوقائع، من خلال رصد الخطوط العريضة لهذه المخططات التدميرية لتجريف مناحي الحياة بمصر . 

ونبدأ هذا الرصد من الحياة العسكرية، فمنذ 3 يوليو 2013، وأصبح من الواضح أن السيسي استهدف إخضاع المؤسسة العسكرية بشكل كامل له وشلته المقربة المشاركة له في هذا المخطط التدميري، فوجدناه بدأ بالتلاعب في العقيدة العسكرية التي كانت تتمحور حول العداء المطلق للصهاينة، ووجدنا لأول مرة محاولات مستميتة لتبهيت العداء العسكري التاريخي بين مصر والكيان الصهيوني، وصناعة عدو جديد تستهدفه العسكرية المصرية، متمثلة فيما وصفوه بالإسلام السياسي والكتل المعارضة للنظام، ووجدنا لأول مرة في تاريخ العسكرية المصرية يتم توجيه سلاح الجيش  للداخل المصري، واستحلت الآلة العسكرية  دماء أبنائها، التي كان من المنوط بها حمايتهم والدفاع عنهم وبذلك اهتزت صورة الجيش الوردية في عين المواطن المصري، وبدأت مرحلة من البغض بين الطرفين، فبالرغم من حرص جمال عبد الناصر والسادات وحتى مبارك، على عدم الزج بالجيش في الصراعات الداخلية، والمواجهة الصريحة في الشوارع مع الشعب، وترك هذه المهمة القذرة للشرطة التي غالبا ما يُضحي بها، لتحسين أوجه الحكام العسكريين وقت اللزوم، وجدنا السيسي ينجح بجدارة في تأجيج الكراهية بين الجيش والشعب من خلال مواجهات استمرت لأكثر من عام في الشوارع، من أغسطس 2013 إلى نهاية عام 2014 .

ثم تصاعد المخطط التدميري، من خلال إغراق الجيش وقيادته، في وحل الانشغال بالكعكة الاقتصادية، ولا ننكر أن كل الرؤساء العسكريين قبل السيسي سمحوا بهامش اقتصادي جيد للجيش، لكن السيسي عن عمد وسّع نفوذ الاقتصاد العسكري ليستولى على أكثر من 60% من اقتصاد مصر، وفتح أبواب الفساد أمام الجنرالات لتوريطهم فيما يستهدف وضمهم لعصابته المستفيدة الوحيدة من تردي الأوضاع بمصر، وكلنا على علم بالفساد المستشري داخل القطاع العسكري الاقتصادي، وكشف عن جزء منه الفنان المقاول محمد علي منذ عام 2019، وذلك بخلاف ما أعلنه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق هشام جنينة، والذي أعلن أن حجم الفساد بمصر تجاوز 600 مليار جنية، وأكد أن المؤسسة العسكرية تأتي على رأس قائمة المؤسسات الفاسدة، فكان جزاؤه الاعتداء عليه بدنياً والزج به في السجن بحكم جائر، بل وأكدت التقارير الغربية المتوالية، تورط العشرات من الجنرالات في قضايا فساد، ومنهم أسامة عسكر رئيس أركان الجيش المصري الحالي، والذي تم استبعاده من منصبه بعد اتهامه بالتورط في الاستيلاء على نصف مليار جنيه، وكانت المفاجأة بعد  ذلك في ترقيته رئيساً للأركان .

ومن الخطوط العريضة لتدمير المؤسسة العسكرية، الاستنزاف المستمر للكفاءات العسكرية، من خلال إحالة الكثير منهم للمعاش القسري، خاصة من المحسوبين على حقبة  نصر أكتوبر، وعدم وجود استقرار في القيادة العسكرية، من خلال حركات استبعاد وتبديل في المناصب العسكرية المختلفة، ولقد أجهز السيسي على معظم قيادات المجلس العسكري الذين عضدوا انقلابه، ولم يرحم المقربين منه من أمثال صدقي صبحي وزير الدفاع السابق، ومحمد حجازي، وغيرهم الكثير ويكفي أن نعلم أنه تم استبعاد أكثر من ألفي قيادة عسكرية عن مناصبهم بين عام 2018 إلى 2020 واستمر هذا النمط حتى مطلع العام 2023  .

وفي إطار رصد المخطط التدميري للمؤسسة العسكرية، نجد أن السيسي نجح في فتح أفق التعاون الكامل بين العدوين التاريخيين مصر والكيان الصهيوني، فوجدنا على مدار السنوات التسعة الماضية، أن سيناء أمست مرتع للعسكرية الصهيونية، تحت دعوى محاربة الإرهاب تارة، وتعقب تجار المخدرات تارة أخرى، بل ووصل التعاون إلى مداه من خلال إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الصهاينة خلال عام 2022، كما تعامى السيسي مؤخرا عن وثائق ظهرت للعلن حول مقتل العشرات من الجنود المصريين بدم بارد على يد الصهاينة في نكسة 67، كما توالت التقارير الغربية مؤخرا، لتؤكد استعانة السيسي بخبراء عسكريين صهاينة في تدريبات الجيش المصري، لتدلل لنا مدى ما وصل له النفوذ الصهيوني العسكري داخل الجيش المصري .

المخطط التدميري الذي أستهدف الجيش، شمل أيضا تحميل الميزانية بكم من صفقات شراء السلاح، التي لم يستفيد منها الجيش بشكل حقيقي، وكان الهدف منها التزلف لدول غربية لتعضيد موقف الجنرال المنقلب، وقد احتلت مصر المرتبة الثالثة في شراء الأسلحة في العالم، وقد توالت التقارير الغربية لتكشف عن توريط مصر في دفع مليارات الدولارات لفرنسا وألمانيا وأمريكا، مقابل هذه الصفقات المشبوهة  .

المخطط التدميري للجيش شمل أيضا، الزج بالأحرار من الضباط الرافضين لسياسات السيسي، في السجون بقضايا عسكرية ملفقة منهم مُعتقلين على ذمة قضية 3/ 2015 عسكرية بالسجن الحربي بمنطقة الهايكستب، والذين تم الأعتداء عليهم مراراً وتكراراً، وقاموا بالإضراب عن الطعام أكثر من مرة رفضاً للتنكيل بهم، وكذلك " مجموعة ضباط 8 إبريل " .

ذلك بخلاف ما كشفه الخبير بالقانون الدولي، الدكتور محمود رفعت، في عام 2019، عن حملة اعتقالات شنها الجيش المصري بحق عدد من ضباطه، متهماً الإمارات بالوقوف وراء تلك الحملة بعد تسريب قائمة بأسماء هؤلاء الضباط للنظام المصري متهمينهم  بالتخطيط لانقلاب عسكري، مما يدل على مدى توغل القزم الإماراتي في المؤسسة العسكرية المصرية، وتسخيرها لمخططاتها التي تقف من خلفها الصهاينة  .

ومن ملامح مخطط السيسي لتدمير الجيش، محاولات المستمرة لتوسيع الهوة بين الجيش والشعب، من خلال سلسلة من الإجراءات التي تميز العسكريين عن المدنيين لتغذية روح العداء بين الطرفين، ومنها إصدار قرار عسكري يمنح ضباط الجيش وعائلاتهم حصانة وامتيازات غير مسبوقة، مما جعلهم "فوق الدولة"، ومنها قرار نص على أن "وزارة الدفاع هي الوزارة السيادية رقم (1) في البلاد، ويتمتع السادة الضباط والأفراد فيها بحصانة تمنع أي جهة مدنية من مساءلتهم، ومَن يمس بهذه الحصانة يخضع للتحقيق الفوري والمساءلة أيّا مَن كان من المؤسسات المدنية، بما في ذلك أي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني؛ وأشار القرار إلى أن "المؤسسة العسكرية لا تخضع لقانون الطوارئ عند إعلان حالة الطوارئ بالبلاد وشدد القرار على ان لا يحق لأي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني تفتيش ممتلكات السادة الضباط والأفراد، ولا يخول لأي جهة التصديق لهم بفعل السالف ذكره، وفي مخالفة ذلك يحق لصاحب الصفة العسكرية أن يقاضي المخالف في هذه المؤسسة أو الشرطة المدنية أو القضاء المدني، والقبض عليه عن طريق الشرطة العسكرية،ويأتي هذا القرار، امتداداً للقانون الذي أقرّه البرلمان المصري خلال شهر يوليو 2018، تزامناً مع الذكرى الخامسة للإطاحة بالرئيس الراحل د.محمد مرسي، والذي منح قادة الجيش وكبار الضباط حصانة مفتوحة ومزايا واسعة، ومنها التمتع بجميع المزايا والحقوق المُقررة للوزراء في الحكومة، كما منح القانون المُشار إليه، رئيس الجمهورية –وليس المجلس الأعلى للقوات المسلحة- الحق في استدعاء كبار ضباط الجيش للخدمة مدى الحياة، وتحصينهم ضد الإجراءات القضائية، وذلك في مواجهة اتهامات واسعة من حقوقيين مصريين ودوليين لكبار ضباط الجيش والأمن المصري بارتكاب مجازر غير مسبوقة في تاريخ مصر، ويصب كل ذلك في تأجيج الكراهية بين الجيش والشعب في سابقة تاريخية .

هذا رصد بسيط لحقائق مخطط تدميري  كارثي، وأهداف خبيثة، قام السيسي وعصابته على مدار السنوات التسعة، بتنفيذها ونتج عنها تجريف المؤسسة العسكرية المصرية، والزج بها في الصراع السياسي، وتراجع دورها الوطني، حيث أصبح عاجزاً حتى عن حماية مصدر الحياة المصرية "نهر النيل " بعد أن استولت أثيوبيا على حصتنا التاريخية في النهر العظيم.