الحصاد المر| مصر تودع 2023 بأزمات غير مسبوقة في جميع المجالات
الخميس - 28 ديسمبر 2023
- التضييق السياسي على الجميع كان السمة البارزة لممارسات النظام الاستبدادي في 2023
- الانتخابات الرئاسية كتبت أحدث الفصول الرديئة لحالة الانسداد السياسي القائمة منذ 2013
- السياسات الاقتصادية الفاشلة قادت إلى التفريط في أصول الدولة وتخفيض تصنيفها الائتماني
- تحرك أوروبي مشبوه لإنقاذ الاقتصاد المتدهور مقابل خطط لتوطين الفلسطينيين في سيناء!
- اتساع الأحكام الجائرة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين وتزايدت حالات القمع
- مصر في المرتبة 166 عالميا لحرية الصحافة.. والسيسي يواصل حملته ضد الإعلام الحر
- "طوفان الأقصى" كشف تقزم مصر الرسمية وعجزها التام عن أداء أي دور إقليمي أو دولي
إنسان للإعلام- خاص:
عام 2023 هو عام الأزمات غير المسبوقة في مصر تحت حكم النظام الانقلابي، فبه اختتم هذا النظام 10 سنوات من الحكم الديكتاتوري الفاسد ذي الطبيعة الاستبدادية، جر مصر خلالها إلى مستنقع الديون والغلاء وغياب الحريات، وتهديد الأمن القومي وضياع السيادة وتقزم دور مصر الخارجي إلى أقصى الحدود.
سياسيا، كثفت السلطات قمعها ضدّ المعارضين السياسيين والمحتجين السلميين وغيرهم من المنتقدين، وزورت أحدث انتخابات رئاسية بشكل فج.
واقتصاديا، تدهورت قيمة العملة المصرية بمعدلات صادمة، وزاد التضخم والغلاء، وتضاعف حجم الديون الداخلية والخارجية.
وحقوقيا، شهد الشارع المصري زيادة مضطرة في حالات القمع والاعتقالات التعسفية وشهدت السجون ومقار الاحتجاز حالات انتهاكات خطيرة لحقوق السجناء والمعتقلين.
وأمنيا، ، لم تنته معركة الإرهاب في سيناء رغم ادعاء السيسي بانتهائها، كما تزايدت المخاطر الأمنية من الغرب (ليبيا) ومن الجنوب (السودان) ومن الشرق (حدود فلسطين)، وفشلت آخر جولة من المحادثات بشأن سد النهضة الإثيوبي، بما يهدد مصر بالجفاف والعطش.
وخارجيا، فقدت مصر دورها وتأثيرها الإقليمي والدولي، وتقزمت حد العجز عن اتخاذ أي موقف من العدوان الصهيوني على قطاع غزة وحرب الإبادة الجارية منذ السابع من أكتوبر 2023، بل ما حدث كان عكس التوقعات تماما، حيث تعاون النظام الانقلابي تماما مع العدو المحتل، وساهم في إحكام الحصار على القطاع.
في التقرير التالي، نكشف حجم وأبعاد التراجع المصري على كل المستويات في عام 2023، تحت حكم النظام الاستبدادي الذي يعيش ويتغذى على الفساد، ويعدو بسرعة من فشل إلى فشل.
انسداد سياسي انتهى بمسرحية الانتخابات الرئاسية
كان التضييق السياسي على الأحزاب والأفراد هو السمة البارزة لممارسة السلطات المصرية عام 2023، بعد أن هيمنت الأحزاب المؤيدة للسيسي بأغلبية ساحقة على مجلسي النواب والشيوخ، والتي على القرارات الحكومية بدون تدقيق، بما يشمل التعديلات الدستورية لعام 2019 التي عززت سلطة السيسي عبر السماح له بالترشح لفترة إضافية واحدة، بالإضافة إلى الفترتين السابقتين، ومددت أيضا فترة ولايته الحالية من أربع إلى ست سنوات.
وقبل الانتخابات الرئاسية 2023 التي جرت في الفترة بين 10 و12 ديسمبر/كانون الأول، في أجواء غير ديمقراطية، فقد كثفت السلطات قمعها ضدّ المعارضين السياسيين والمحتجين السلميين وغيرهم من المنتقدين، قبيل الانتخابات، مع منع مرشحي المعارضة الحقيقيين من الترشح.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن انتخاب عبد الفتاح السيسي لولاية ثالثة مدتها ست سنوات جاء بعد حملة اعتقالات، وترهيب، وشروط مرهقة على المرشحين، ما منع أي منافسة حقيقية.
وفي الأشهر التي سبقت الانتخابات، قمعت قوات الأمن الاحتجاجات السلمية، وضايقت واحتجزت وحاكمت عشرات الصحفيين والنشطاء السياسيين والحقوقيين. استهدفت السلطات غالبا المؤيدين المفترضين لأحمد الطنطاوي وأفراد عائلته، وهو معارض قوي للقيادة المصرية ومنافس محتمل على الرئاسة، ونجحت باستبعاد ترشيحه من خلال منعه من التأهل. بمنع إجراء انتخابات تنافسية، قوّضت السلطات بشدة الحق في المشاركة السياسية(1).
وتحاكم السلطات السياسي المصري المعارض والمرشح الرئاسي السابق أحمد الطنطاوي، وأعضاء من حملته الانتخابية، انتقامًا من ممارستهم لحقوقهم في المشاركة السياسية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها. وقد تعرض مؤيدو ومناصرو أحمد الطنطاوي لانتهاكات أكثر من غيرهم.
وقبل أشهر من الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول، قضت حكومة عبد الفتاح السيسي بإحكام على أي منافسة محتملة. وكان قضاء الحكومة على الانتخابات المستقلة هو الفصل الأخير من حملة القمع المستمرة التي دمرت إلى حد كبير الفضاء المدني وكبّلت المشاركة السياسية في البلاد خلال العقد الماضي.
ثم جاءت الانتخابات الرئاسية المزعومة، لتكتب أحدث الفصول الرديئة لحالة الانسداد السياسي القائمة منذ عام 2013 ، حيث قالت وسائل إعلام عالمية "إن مهزلة الانتخابات الرئاسية بأنها لم تشهد اي منافسة وانها كانت محسومة للسيسي، الذي استفاد باجواء حرب غزة في تمرير هذه الانتخابات"(2).
عشرات الأزمات الاقتصادية تحل بالمصريين
ينتهي عام 2023، مع مزيد من الأزمات التي حلت بالمصريين، نتيجة عشرات الإجراءات التي اتخذها "السيسي" وحكومته، وكانت سببا مباشرا في إفقار المصريين وزادت من حجم الضغوط عليهم، وفاقمت من أعباء البطالة والتضخم، وعرضتهم للكثير من الأزمات وبينها نقص وغلاء الكثير من السلع وانقطاع التيار الكهربائي يوميا.
والمتابع لحال الاقتصاد المصري في 2023، يرى بوضوح انخفاض قيمة العملة المحلية بأكثر من 50 بالمئة ووجود أكثر من سعر لها بالسوق الرسمي والموازي، مع تفاقم أزمة الديون المحلية وفوائد وأقساط الخارجية، وتغولهما على الموازنة العامة للدولة، ووضع البلاد تحت رحمة المؤسسات المالية العالمية المقرضة.
فقد بلغ حجم الديون الخارجية 166 مليار دولار مع نهاية عام 2023، كما بلغ حجم الدين المحلى 6,86 تريليون جنيه مقابل 6,35 تريليون فى الربع الأخير من عام 2022 ، وباتت مصر مطالبة بسداد نحو 29.229 مليار دولار من الديون الخارجية خلال العام المقبل 2024.
ومنذ بدء أزمة شح الدولار وهروب أموال المستثمرين وخفض الجنيه ورفع أسعار الفائدة، باءت كل إجراءات البنك المركزي المصري المتشددة في كبح جماح الدولار وتوفير الدولار بالفشل بل جاءت بنتائج عكسية حيث أظهرت مدى حجم وعمق الأزمة وتحول جزء من الأزمة إلى مضاربات في السوق.
وانعكس الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه أمام الدولار بشكل دراماتيكي على التضخم الأساسي على أساس سنوي في مصر وبلغ أكثر 41% خلال عام 2023، وقفزت أسعار المواد الغذائية بحسب بيانات رسمية إلى نحو 97%، ولكنها تجاوزت هذه النسبة إلى أكثر من 200% في الأسواق.(3)
التفريط في أصول الدولة وانخفاض التصنيف الائتماني
سياسات السيسي قادت أيضا إلى مزيد من التفريط في الأصول العامة والحكومية وبيع أهم الشركات المصرية والرابحة منها، والتي تمس الأمن القومي المصري للمستثمرين العرب والأجانب، ما وضع ممتلكات المصريين تحت سيطرة شركات وصناديق خليجية وأجنبية طامعة في الاستحواذ على العديد من الشركات العامة، وسط ما يشكله ذلك مستقبلا من مخاطر على الأمن القومي المصري، وعلى حياة بلد نحو ثلثي سكانها تحت خط الفقر المدقع وإما فقراء.
في الوقت نفسه، خفضت وكالات التصنيف الائتماني العالمية الكبرى قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها، فوكالة (ستاندرد أند بورز) خفضت التصنيف من B إلى –B، ونفس التصنيف من وكالتي (فيتش) و(موديز)، حيث خفضت التصنيف من B3 إلى CAA1".
أخطر قرارات النظام الاقتصادية في 2023
كانت أخطر القرارات الاقتصادية للسيسي ونظامه خلال 2023، هو تأجيل تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، وذلك خوفا من تنفيذ مرونة سعر الصرف قبل الانتخابات الرئاسية والتي انتهت منذ أيام.
كذلك إنفاقات النظام الدولارية على مشروعات وصفقات على أقل تقدير بنحو 30 مليار دولار، مع السعي الحثيث للاقتراض من جهات كثيرة، كطرح سندات الساموراي اليابانية، والباندا الصينية، وبالروبية الهندية، لجمع 1.5 مليار دولار.
ولا يبدو في الأفق أن حكومة السيسي، ستغير توجهاتها نحو بيع الأصول العامة، والاقتراض الخارجي، خاصة وأنها ومع قرب نهاية العام تقترب من التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي لتوسيع برنامج الإنقاذ إلى حوالي 6 مليار دولار من 3 مليارات، بحسب ما نقلته وكالة "بلومبرغ"، في 20 ديسمبر 2023.(4)
قروض من صندوق النقد بدوافع سياسية
ومع بدء العدوان الصهيوني على غزة، أكتوبر 2023، تأثُر الاقتصاد المصري بشكل سلبي، ما دفع صندوق النقد الدولي للحديث عن احتمالية أن يزيد قروضه للقاهرة، ضمن برنامج الإنقاذ المصري، بحسب مجلة "فورين بوليسي".
وهذه القروض، بالإضافة إلى الحديث عن مساعدات أوروبية أخرى لمصر، أثارت تساؤلات حول أهدافها، بسبب تزامنها مع الحديث عن "خطط توطين الفلسطينيين في سيناء" المجاورة لغزة، فيما اعتبرها خبراء "خطة إنقاذ عاجلة" للاقتصاد المتدهور بالفعل، لكن "ينقصها المزيد من التحركات الحكومية لتحسين الأوضاع".
وأوضحت المجلة أنه، في أكتوبر الماضي، أجرت مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن زيادة محتملة في قرضها البالغ 3 مليارات دولار، إلى أكثر من 5 مليارات دولار.(5)
والحقيقة الواضحة أن مصر تقوم بدور مساند للكيان الصهيوني، من خلال إحكام الإغلاق لمعبر رفح الدولي، ولذا تغيرت لغة صندوق النقد الدولي عن مصر وعن القرض المفروض أن تحصل عليه، مع ثناء مديرة صندوق النقد الدولي على ما تقوم به الحكومة من إجراءات.
تصاعدت حالات الانتهاكات لحقوق الإنسان
في عام 2023، تصاعدت حالات الانتهاكات لحقوق الإنسان في مصر بشكل ملحوظ، حيث شهد الشارع المصري زيادة مضطرة في حالات القمع والاعتقالات التعسفية. ولم يقتصر التأثير السلبي على الشارع فحسب، بل تجلى أيضًا داخل مقار السجون ومراكز الاحتجاز، حيث تزايدت الانتهاكات وساءت ظروف الاحتجاز.
وشهدت السجون ومقار الاحتجاز حالات انتهاكات خطيرة لحقوق السجناء والمعتقلين، منها الاحتجاز التعسفي والمعاملة القاسية والظروف غير الإنسانية. كما شهد العام اتساع الأحكام الجائرة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين للنظام، والتي استخدمت لإسكات الأصوات الناقدة ومنع التعبير عن الرأي.
وتزايدت حالات القمع والانتهاكات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين للنظام، بما يؤكد عدم استعداد النظام المصري لتحسين واقع حقوق الإنسان.(6)
أكذوبة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
وفي سبتمبر/أيلول 2023 مر عامان على إطلاق الحكومة المصرية للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، لكن السلطات لم تتخذ أي خطوات تُذكر لتخفيف حملة القمع الشاملة ضد المنتقدين أو إلغاء أي من القوانين العديدة التي تُستخدم بشكل اعتيادي لتقييد الحريات الأساسية. بينما أفرجت السلطات عن مئات المحتجزين على دفعات، اعتقلت كثيرين آخرين وأعادت اعتقال بعض المفرج عنهم، وما زال الآلاف محتجزين ظلما بسبب نشاطهم السلمي.
أيضا ما يزال أعضاء أساسيون في المجتمع المدني يواجهون إجراءات منع السفر وتجميد الأصول التعسفية والتحقيقات الجنائية انتقاما من نشاطهم السلمي أو انتقادهم.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة، تتزايد مشاكل الحصول على الغذاء والحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأخرى.
وفي أبريل 2022، دعا السيسي إلى حوار وطني مع عناصر المعارضة السياسية في البلاد، إلا أنه وحتى وقت كتابة هذا التقرير لم يُسفِر الحوار عن أي سياسات ملموسة لتحسين وضع حقوق الإنسان.
تزايد انتهاكات الشرطة وقوات الأمن
وعلى مدى عام 2023، اعتقلت السلطات واستجوبت آلاف الأشخاص بسبب مشاركتهم في احتجاجات غير مصرح بها، وكذلك بسبب مزاعم الانخراط في أنشطة متعلقة بالإرهاب ونشر “أخبار كاذبة”.
وواصلت عناصر الشرطة و"الأمن الوطني" إخفاء المعارضين قسرا في أماكن احتجاز غير رسمية حيث يتعرض المحتجزون للتعذيب والإكراه على الاعتراف.
وتقاعست السلطات عن التحقيق في حوادث التعذيب وسوء المعاملة، التي ظلت واسعة الانتشار. وما زالت "نيابة أمن الدولة العليا" تحيل إلى المحاكمة مجموعات من المحتجزين دون أي تهمة، وتصدر ضدهم أحكام جائرة غير مبررة، في حين لم يواجه الجناة التابعون للشرطة أي تحقيق جاد.
وظلت الأوضاع المزرية في السجون ومراكز الاحتجاز المصرية محمية من الإشراف أو الرقابة المستقلين في 2023، رغم حملات العلاقات العامة الحكومية التي تروّج لافتتاح سجون جديدة.
وفقا لتقارير حقوقية، تبيّن أن قوات الأمن المصرية وموظفي السجون يستخدمون عنفا جنسيا منهجيا لإهانة وتعذيب المحتجزين بمن فيهم الرجال، والنساء.
وفي مواقع "قطاع الأمن الوطني"، يتعرض المحتجزون، الذين يكونون عادة ضحايا للاختفاء القسري، للاغتصاب، والتحرش، والصعق بالكهرباء، أو التهديد بالعنف الجنسي ضدهم أو ضد أقاربهم لانتزاع الاعترافات.
الحرمان من المحاكمات العادلة والضمانات القانونية
وبموازاة هذه الانتهاكات المستمرة، أبقى القضاة والمدعون العامون بشكل روتيني آلاف المحتجزين رهن الحبس الاحتياطي دون تقديم أدلة.
ومنذ انقلاب 2013، يعاني المتهمون السياسيون من امتناع السلطة الدائم عن تبليغهم بأسباب اعتقالهم وقت الاعتقال، وحرمان بعضهم من حضور المحامي الخاص به، أو من التمتع بالحديث الخاص مع محاميهم قبل التحقيق، بالإضافة إلى انتهاك حق المتهمين في العرض على المحاكمة في مدة مناسبة أو في الخروج من الحبس الاحتياطي، الذي صار يُستخدم كغطاء لتنفيذ عقوبة بدون محاكمة.
كما يتم حرمان العديد من المدنيين المحالين إلى المحاكمات العسكرية من حقوق ما قبل المحاكمة وحقوقهم أثناء المحاكمة أيضًا، حيث أن القانون لا يوفر أية ضمانات لحماية حقوق ما قبل المحاكمة للأفراد الماثلين أمام المدعي العسكري، بدءً من حقهم في معرفة التهم الموجه لهم، والتواصل مع محاميهم، الذين يواجهون بدورهم صعوبات في الحصول على الملفات، وبالتالي تجهيز دفاع مناسب، مرورًا برفض طلباتهم بتقديم شهادات شهود النفي، وعدم إمكانية استئناف قرارات الحبس الاحتياطي في نظام القضاء العسكري.
وأثبتت مجريات المحاكمات، بما لا يدع مجالا للشك أن القضاء غير مستقل، وأن ممارسات الدولة المصرية، حتى في ظل الدستور الجديد، تنتهك الضمانات الدستورية والقانونية للحق في المحاكمة العادلة بشكل متواصل.
وباتت المحاكمات الجماعية مثالا صارخا على انتهاك الحق في المحاكمة العادلة، بالإضافة إلى قواعد قانونية أخرى مثل قاعدة أن العقوبة الشخصية كما هو منصوص عليه في الدستور المصري.
حظر الجمعيات..والاعتداء على الحقوقيين مستمر
بموجب "قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي" الصارم لعام 2019، لا تتمكن المنظمات غير الحكومية من العمل بحرية.
يسمح قانون 2019 للسلطات بإغلاق وتجميد أصول أي جمعية تستمر في العمل من دون تسجيل. ورغم مناشدة منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطات المصرية في أبريل 2023 بتعديل هذا القانون، ليتسق مع الحقوق التي يكفلها دستور مصر والتزاماتها الحقوقية الدولية، إلا أن الدولة ما زالت تطبق هذا القانون المشبوه ولا تسمح بأي نوع من "العمل الأهلي" دون تسجيل، في حين أن عملية التسجيل معقدة ومرهقة ولا تُنجَز إلا عندما تنشر وزارة التضامن الاجتماعي على موقعها الإلكتروني موافقتها واللوائح الداخلية للجمعيات.
وفي المحصلة لعام 2023، ما زالت السلطات تحظر أي مشاركة أو نشاط مدني مستقل لا تأذن به أو تشرف عليه الحكومة.
من جانب آخر، تواصل السلطات استخدام منع السفر التعسفي لاستهداف أعضاء بارزين في المجتمع المدني بسبب عملهم السلمي، بمن فيهم محامو حقوق الإنسان، والصحفيون، والناشطات النسويات، والباحثون.
وأدى المنع غير المحدد زمنيا، والذي لا تعلنه السلطات عادة بشكل رسمي ولا تمنح طريقة واضحة للطعن فيه في المحكمة، إلى تشتيت العائلات، والإضرار بالمسيرات المهنية، وإيذاء الصحة العقلية لمن يخضعون لها. وواجه بعض هؤلاء الأعضاء في المجتمع المدني تجميد الأصول، ما أدى إلى عزلهم عن النظام المصرفي.(7)
انتهاكات واسعة لحرية الرأي والتعبير
شهد هذا العام أيضا استمرار الانتهاكات لحق حرية التعبير بمختلف صورها، ويمكن القول إن الربع الأخير من العام 2023 شهد تطورًا في الانتهاكات من حيث الجسامة. كان أبرزها: قرار محكمة جنح مستأنف بالمحكمة الاقتصادية تأييد حكم الحبس للناشر والسياسي الليبرالي هشام قاسم ستة أشهر وغرامة 20,000 جنيه، وذلك بعد اتهامه من قبل وزير القوى العاملة الأسبق والقيادي بحزب الكرامة كمال أبو عيطة بسبه وقذفه عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وسبق ذلك قرار محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بحبس الناشط الحقوقي والباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، باتريك جورج زكي، بالسجن ثلاث سنوات، بسبب مقال رأي منشور له عام 2019. قبل أن يصدر قرار رئاسي بالعفو عنه بعد يومين من الحكم عليه.
ذلك بينما أطلق سراح الصحفي وعضو فريق تحرير منصة “متصدقش” كريم أسعد بعد أن ألقت قوة أمنية القبض عليه في 19 أغسطس الماضي من منزله، وقامت بالاعتداء عليه وزوجته بالضرب، والولوج إلى حسابات المنصة وحذف منشورين كانا يتناولان هوية المصريين المتواجدين على متن الطائرة التي خرجت من مصر وتم توقيفها في زامبيا.
شهد عام 2023 أيضا استمرار الانتهاكات لحرية الصحافة والإعلام، إذ سجلت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 7 وقائع انتهاك اشتملت على 8 حالات خلال الربع الثالث من العام، على سبيل المثال، تنوعت ما بين: القبض على صحفيين، حذف مقالات رأي، وحذف محتوى من لقاء إعلامي مع مرشح رئاسي في مجموعة قنوات المتحدة المملوكة للدولة(8).
وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن السلطات المصرية قوّضت بشدة حرية وسائل الإعلام والحق في الوصول إلى المعلومات. ومنذ العام 2014 ضمن الدول الـ 10 التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين.
وفي 2023، استهدفت السلطات الصحفيين ووسائل الإعلام قبل الانتخابات، على سبيل المثال: في أكتوبر/تشرين الأول، أحال "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" عاملين في موقع "مدى مصر" الإعلامي المستقل إلى النيابة العامة بتهمة "مزاولة أنشطة إعلامية دون ترخيص" و"نشر أخبار كاذبة دون التأكد من مصادرها".
وفي فبراير/شباط، أحالت النيابة العامة ثلاثة صحفيين من مدى مصر إلى المحاكمة في قضية أخرى تتعلق بتقرير يزعم وجود فساد في "حزب مستقبل وطن" الموالي للسيسي.وفي يونيو/حزيران، منعت السلطات الوصول إلى موقعين إخباريين مستقلين، "مصر 360" و"السلطة الرابعة"، وفقا لمنظمات حقوقية محلية ودولية، لينضما بذلك إلى مئات المواقع المحجوبة منذ 2017.(9)
وفيما يؤكد التضييق على الحريات الإعلامية، قال الخبير الاقتصادي العالمي ستيف هانكي في حسابه على منصة إكس: إن الجنرال السيسي لا يزال يواصل حملته “الصليبية” ضد الصحافة. وأضاف "هانكي": وليس من المفاجئ أن تحتل مصر المرتبة 166 من أصل 180 دولة بحسب تصنيفات حرية الصحافة التي أعدتها منظمة ‘مراسلون بلا حدود’.(10)
ضربات موجعة للسيادة المصرية بدون رد فعل
وعلى الصعيد الأمني، لم تنته معركة الإرهاب في سيناء رغم ادعاء السيسي بانتهائها، كما تزايدت المخاطر الأمنية من الغرب (ليبيا) ومن الجنوب (السودان) ومن الشرق (حدود فلسطين). ولعل من أبرز التحديات ضرب الكيان الصهيوني نقاط على الحدود المصرية أكثر من مرة أثناء معركة طوفان الأقصى، وإصابة تسعة جنود مصريين على الأقل يوم 23 أكتوبر في القصف المدفعي الإسرائيلي الذي استهدف نقطة مصرية قرب الحدود مع قطاع غزة، وسبق ذلك تعرض معبر رفح الحدودي للقصف مرتين بعد أقل من 24 ساعة من العدوان الصهيوني على قطاع غزة. و رضخت حكومة الانقلاب في مصر للتهديدات الإسرائيلية بقصف قوافل المساعدات في حال قررت القاهرة إدخالها عبر معبر رفح.
وفي منتصف أبريل 2023، أسرت قوات الدعم السريع في السودان عسكريين مصريين في مطار مروي، ورغم إعادة قوات الدعم السريع هؤلاء الجنود - أو معظمهم- إلا أن حرصها على بث فيديوهات للحظة أسرهم مثّل جرحا كبيرا للكرامة الوطنية المصرية، ورفع منسوب الغضب لدى الكثير من المصريين الذين شاهدوا تلك اللقطات.
وليس بعيدا عن هذه الإهانات والضربات ماحدث في 16 أغسطس 2023 من قبض السلطات في زامبيا على 5.7 على عشرة أشخاص، بينهم 6 مصريين، كانوا على متن طائرة خاصة هبطت في مطار كينيث كاوندا الدولي في العاصمة لوساكا، وبصحبتهم مليون دولار وأسلحة ومخدرات وتم احتجازهم للتحقيق، ثم أفرج عنهم لاحقا، بعد أن تبين أنهم كانوا في مهمة "قذرة" خاصة بالمخابرات المصرية.
كذلك فشل آخر جولة من المحادثات بشأن سد النهضة الإثيوبي، وعدم قدرة مصر على إبداء أي رد فعل سوى الإعلان عن فشل المفاوضات يوم 20 ديسمبر الحالي، وحديث وزير الري بأن "مصر تحتفظ بحقها في الدفاع عن أمنها المائي والقومي في حال تعرضه للخطر"، ولم تتحرك الدولة بأي شكل يظهر اهتمام النظام بقضية مياه النيل، شريان حياة المصريين.
تراجع مهين لمكانة مصر إقليميا ودوليا
عندما قفز السيسي إلى السلطة بانقلاب عسكري قاده ضد الرئيس المنتخب، محمد مرسي، عام 2013، وعد المصريين بالرخاء وسعة العيش، وبأن تصبح مصر "قد الدنيا" حسب قوله، فهل كانت النتيجة كذلك على أرض الواقع بعد كل هذه السنوات؟
العكس هو الصحيح تماما، فقد منيت مصر بـ"خسائر فادحة" لحقت حتى بأرضها وترابها الوطني، فضلا عن ثرواتها القومية، بخلاف تراجع قوتها الناعمة، في حين يصر مؤيدو السلطة على أن مصر شهدت الكثير من الإنجازات.
وبحسب مؤشرات دولية -أبرزها تقارير البنك الدولي- فقد خسرت مصر جزءا من مساحتها الكلية المقدرة حتى عام 2018 بمليون كلم مربع، إثر انكماش تدريجي لثرواتها وأراضيها مع صعود السيسي.
ويأتي على رأس ذلك التنازل عن جزيرتي وصنافير في البحر الأحمر لصالح السعودية، بخلاف ألف كلم مربع سيتم اقتطاعها من شبه جزيرة سيناء لصالح مشروع "نيوم" السعودي، إضافة إلى تفريط مصر في بعض حقوقها الاقتصادية بمياه النيل وحقول الغاز في البحر المتوسط.
وأخيرا، قررت الحكومة التخلص من بعض ديونها ببيع أصول مملوكة للدولة إلى مستثمرين (عرب وأجانب) بالشراكة مع "صندوق مصر السيادي".
وبحسب السياسي والمعارض المصري، أيمن نور، فإن مصر في عهد السيسي "تتعرض لنزيف نقاط يتصل بسمعتها وثرواتها وأرضها وفرصها في تحقيق توازن اقتصادي واجتماعي وسياسي في المستقبل، في ظل أوضاع تتردى كل عام عن العام الذي يسبقه".
وفي حديث "للجزيرة نت" قال نور إن "ما خسرته مصر على مستوى الثروات والأرض والامتداد الجغرافي أقل بكثير مما تحملته من خسارة تتصل بوزنها الإستراتيجي وقيمتها في محيطها الإقليمي والدولي خلال 6 سنوات تصدّر فيها السيسي الحكم".
واعتبر أن قيمة مصر -الكبيرة في أسوأ أوضاعها- "انحدرت إلى نقطة لم يسبق أن تدنت إليها، بعد أن كانت تقود المنطقة، وكانت طرفا دوليا مؤثرا"، مستنكرا في هذا الشأن ما وصفها بـ"تبعية النظام المصري لنظيره الإماراتي"، قائلا إن "هذه التبعية لها تكلفة كبيرة على سمعة مصر وصورتها".(11)
ومع أحداث "طوفان الأقصى" والعدوان الصهيوني على غزة، انكشفت مصر الرسمية تماما، وبدا للكافة عجز الدولة عن أداء أي دور فاعل في القضية الفلسطينية، بل ما حدث كان عكس أي توقعات، إذ شارك نظام السيسي في إحكام الحصار على غزة، متعاونا – أو متواطئا- مع الكيان الصهيوني، بل صرح السيسي بتفهمه لأهداف العدوان من القضاء على حماس والمقاومة الإسلامية.
وسربت وسائل إعلام دولية أن السيسي والحكام العرب طلبوا سرا من الكيان الصهيوني ضرورة القضاء على حماس ووعدوا بالتعاون في ذلك، وهو ما ظهر في عدم إبداء أي رد فعل من عمليات التطهير العرقي التي يمارسها جيش الاحتلال في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وحتى عندما تعرضت الحدود المصرية لغارات جوية وقصف مدفعي صهيوني، لم يحرك السيسي ساكنا، بما يؤكد حالة العجز والوهن الشديد التي وصلت إليها مصر مع نهاية عام 2023. والحقيقة أنه منذ انقلاب الجنرال “عبد الفتاح السيسي” عام 2013، كانت السياسة الخارجية لمصر انعكاسا لشؤونها الداخلية.
الخلاصة أن مصر تودع عام 2023 -أو يودعها العام- وقد تدهورت كل مظاهر الحياة فيها بشكل غير مسبوق، نتيجة القبضة الدكتاتورية وتفاقم الفساد، وغياب أي رؤية لحل مشكلات الدولة.
___________
المصادر:
- مصر: الانتهاكات والقمع تطغى على الانتخابات الرئاسية، "هيزمن رايتس ووتش"، 18 ديسمبر 2023، https://cutt.us/EsZyX
- "ولاية رئاسية ثالثة محسومة.. هكذا استفاد السيسي من حرب غزة" ، الخليج الجديد، 10 ديسمبر 2023 ، https://cutt.us/fQIHJ
- رحلة الجنيه المصري في عام 2023.. الأسوأ على الإطلاق، "عربي 21"، 23 ديسمبر 2023، https://cutt.us/PkkIT
- أخطر القرارات وأكبر 4 أزمات أضعفت اقتصاد مصر في 2023.. حصاد مر، "عربي 21"، 23 ديسمبر 2023، https://cutt.us/L4z9v
- قروض جديدة وأزمات.. كيف تأثر اقتصاد مصر في ظل حرب غزة؟، موقع "الحرة"، 23 نوفمبر 2023، https://cutt.us/2eRLR
- تقرير المشهد الحقوقي 2023، مركز الشهاب لحقوق الإنسان، 27 ديسمبر 2023، https://rb.gy/6ec34g
- مصر: أوقفوا تضييق الخناق على الجمعيات والمؤسسات الأهلية، "هيومن رايتس ووتش"، 16 مارس 2023، https://cutt.us/QpNcO
- انتخابات منقوصة الشرعية … التقرير ربع السنوي الثالث عن حالة حرية التعبير في مصر (من ١ يوليو إلى ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٣)، "مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، 30 نوفمبر 2023، https://cutt.us/4X27k
- مصر: الانتهاكات والقمع تطغى على الانتخابات الرئاسية، "هيزمن رايتس ووتش"، 18 ديسمبر 2023، https://cutt.us/EsZyX
- موجز الصحافة ، المعهد المصري للدراسات،28 ديسمبر 2023، https://cutt.us/NjFFJ
- السيسي وعد بأن تكون مصر "قد الدنيا" فخسرت أرضا وثروات ونفوذا ومياها، "الجزيرة نت"، 30 يونيو 2020، https://cutt.us/uJZ8v