مصر ضمن أسوأ 20 دولة في التضخم.. الشعب يغرق في مستنقع الفقر

الأحد - 2 أكتوبر 2022

  • سياسات السيسي الفاشلة و ضعت  مصر في المرتبة 18 بقائمة أسوأ الدول في معدل التضخم
  • خلال أغسطس 2022  سجل التضخم في المدن 14.6% وهو أعلى مستوى في 4  سنوات
  • معدل التضخم السنوي قفز 6.4% في أغسطس 2021 إلى  15.3% في أغسطس 2022
  • مؤشر التضخم أكد أن مصر لو استمرت بنفس معدلات التضخم ستسير لنفس مصير سيرلانكا
  • بتعليمات من صندوق النقد..تعويم الجنيه سبب نزيفا حادا للاقتصاد ورفع التضخم منذ 2016
  • قروض السيسي دفعت مصر في مارس 2022 إلي التعويم الثاني للجنيه.. وهناك تعويم ثالث
  • "بلومبيرج": الجنيه المصري مستمر في التراجع منذ أشهر  ويتبعه ارتفاع متواصل للتضخم
  • لجوء السيسي لطباعة النقود بشكل غير آمن كان من أهم أسباب ارتفاع التضخم منذ 2016
  • نيران الأسعار تحرق البيوت المصرية.. ومراقبون: موجات التضخم هددت أصحاب الأعمال
  • تراجع البيع  بحوالي 80% في 2021 مقارنة بالعام  2020 والركود التضخمي"  يهدد بكارثة

 

إنسان للإعلام- خاص

أصبح التضخم ورم سرطاني يهدد الاقتصاد المصري، ويغرق المصريين في الفقر،  وجاء كنتيجة طبيعية للسياسات الاقتصادية الفاشلة للسيسي ونظامه، التي ركزت على الاستهلاك التفاخري وتخلت عن المشروعات الاستثمارية وتوسعت في القروض وأغرقت البلاد في الديون، ما أدي إلى تصاعد نسب التضخم بشكل غير مسبوق ووقوع أكثر من 60% من المصريين تحت خط الفقر.  

من خلال السطور التالية نفتح ملف التضخم الذي بلغ ذروته بعد تعويم الجنية في نوفمبر 2016 ، وتصاعدت أزماته بعد التعويم الثاني في 2022، ووقوع مصر ضمن قائمة أسوأ 20 دولة عالميا في التضخم. 

ما هو التضخم

التضخم هو في بعض التعريفات العلمية: "فقدان القوة الشرائية بمرور الوقت، مما يعني أن كمية النقود التي تمتلكها لن تشتري لك اليوم ما اشترته أمس، ويتم التعبير عنه عادة بأنه التغيير السنوي في أسعار السلع والخدمات اليومية، مثل: الطعام والأثاث والملابس والنقل والألعاب".

كما يتم تعريف التضخم بأنه الزيادة المستمرة في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات في دولة ما، ويُقاس على أنه نسبة مئوية متغيرة سنويًا. ويعني أيضًا ارتفاع أسعار الأشياء مع مرور الوقت. وبطريقة أخرى، يُقصد بالتضخم أن كل دولار تملكه يمكنه شراء نسبة أقل من السلع والخدمات، حيث عندما ترتفع الأسعار تنخفض قيمة الأموال التي تمتلكها.

والتضخم يعني انخفاض القوة الشرائية للنقود. وعلى سبيل المثال إذا كان التضخم 2% على أساس سنوي، فأي سلعة تساوي قيمتها 1 جنية  مثلا سيكون سعرها 1.02جنية  خلال عام. وبعد التضخم لن يكون للجنية نفس قيمته في الماضي.   

كيف يقاس التضخم؟

يراقب الاقتصاديون وصانعو السياسة عن كثب مقياسين أساسيين للتضخم مؤشر أسعار المستهلك، ومؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي.

 ويوضح مؤشر أسعار المستهلك مقدار ما يدفعه المستهلكون مقابل الأشياء التي يشترونها، مما يجعله أول لمحة واضحة عن الدولة لما فعله التضخم في الشهر السابق. وتُستخدم البيانات أيضا للتوصل إلى مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، ويتتبع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي -يصدر تقرير شهري عنه- التكلفة الفعلية للأشياء. على سبيل المثال، تحسب تكلفة إجراءات الرعاية الصحية حتى عندما تساعد الحكومة والتأمين في دفعها ، ويميل هذا المؤشر إلى أن يكون أقل تقلبا.

يمكن أن يكون التضخم نتيجة لارتفاع الطلب لدى المستهلكين، لكنه يمكن أن يرتفع وينخفض أيضا بناء على التطورات التي لا علاقة لها بالظروف الاقتصادية، مثل إنتاج النفط المحدود ومشاكل سلسلة التوريد.

وقد يكون من الصعب تحمل التضخم بشكل خاص بالنسبة للأسر الفقيرة لأنها تنفق جزءا أكبر من ميزانياتها على الضروريات مثل الطعام والسكن والغاز."1"

 آثار شائعة للتضخم

وهناك عدد من الأثار السلبية للتضخم منها مايلي:

  1. ضعف القوة الشرائية للعملة، حيث يتسبب به التضخم يتمثل في ضعف القوة الشرائية للعملة بسبب ارتفاع الأسعار في مختلف القطاعات، وقد يرجع ارتفاع ثمن سلعة معينة إلى عدة أسباب، فقد يرتفع ثمن كوب القهوة بسبب زيادة الطلب على البن أو بسبب تعرض محصول البن للجفاف أو الفيضانات أو تواجده في منطقة صراعات،  ورغم أن هذه الأسباب سوف تزيد سعر القهوة، إلا أن هذا المثل لا يعبر عن التضخم، إلا في حالة انخفاض القوة الشرائية الإجمالية لمحبي القهوة،  فالتضخم يتطلب ارتفاع أسعار مجموعة من السلع والخدمات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها مثل الغذاء والوقود.
  2.  تشجيع الإنفاق والاستثمار، حيث يشجع التضخم وانخفاض القوة الشرائية الأشخاص على شراء السلع الآن بدلاً من شرائها لاحقًا لأن العملة سوف تفقد قيمتها يومًا بعد يوم، ويقوم المستهلكون بملء سياراتهم بالغاز، وتخزين الأغذية وشراء أحذية لأطفالهم بمقاسات أكبر لتناسبهم العام التالي، وعلى الجانب الآخر تقوم الشركات باستثمار رأس المال، ويقوم المستثمرون بشراء الذهب وغيره من المعادن الثمينة، وعلى المدى الطويل أثبتت الأسهم أنها أفضل التحوطات ضد التضخم.
  3. التضخم المفرط، حيث  كلما زاد معدل الإنفاق والاستثمار بسبب التضخم يُزيد معدل التضخم ويتحول إلى تضخم مفرط، مما يدخل الاقتصاد في حلقة مفرغ، وكلما كان الأشخاص والشركات أسرع في إنفاق الأموال قبل أن تفقد قيمتها زاد معدل التضخم بصورة أسرع ، و في هذه الحالة تتجاوز السيولة النقدية في حجمها السلع المعروضة للبيع، وتنخفض قيمة الأموال بمعدل أسرع ، وعندما تزداد الأمور سوءًا يميل الأشخاص إلى تخزين المزيد من السلع في بيوتهم بدلاً من الاحتفاظ بأموال تقل قيمتها يومًا بعد يوم، مما يجعل المتاجر فارغة من المخزون.
  4.  ارتفاع تكلفة الاقتراض، كما أن هناك علاقة بين التضخم وأسعار الفائدة، فعندما تكون أسعار الفائدة منخفضة يتشجع الأفراد والشركات على الاقتراض ، فعندما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة فإنها بذلك تجعل الأشخاص والشركات يتراجعون عن الاقتراض، بل ويفضل البعض وضع أمواله في المصارف لكسب فوائد ، وعندما تقل السيولة النقدية ويقل حجم الأموال، تزداد قيمة الأموال، وتحاول البنوك المركزية بهذه السياسة النقدية الحفاظ على التضخم في معدل معقول ، وتلجأ البنوك المركزية أيضًا إلى عرض النقود من أجل السيطرة على التضخم، لكن إذا كان حجم الأموال المعروض ينمو أسرع من الاقتصاد، ستقل قيمة الأموال ويحدث تضخم أيضًا.
  5. طباعة النقود، و عندما تكون ديون الأسر مرتفعة للغاية، يفكر السياسيون في طباعة النقود لكسب أصوات الناخبين  مما يزيد التضخم في المقابل ، وإذا كانت الحكومة نفسها مثقلة بالديون يكون لدى المرشحين حافز أكبر لطباعة النقود لتسديد الديون.
  6.  زيادة النمو الكاذب، كما أن انخفاض القوة الشرائية يؤدي  إلى تشجيع الأفراد والمستثمرين على إنفاق الكثير من الأموال خلال فترة زمنية قصيرة، مما يساهم في زيادة النمو الاقتصادي، وبالإضافة إلى ذلك يخفض التضخم معدل البطالة، فيجد المزيد من الأشخاص فرص عمل، مما يحفز النمو الاقتصادي.
  7.  انخفاض فرص العمل والنمو، ونجد عندما ترتفع معدلات التضخم إلى الحد الذي يدخل الاقتصاد في حالة من التضخم التراكمي، يصبح هناك ركود اقتصادي ، يؤدي ذلك إلى تباطؤ معدل النمو وارتفاع معدلات البطالة بشكل مطرد.
  8.  ضعف قيمة العملة، كما يرتبط ارتفاع معدل التضخم بانخفاض سعر الصرف، رغم أن ضعف العملة بشكل عام هو الذي يؤدي إلى التضخم وليس العكس ، وتضطر الدولة التي حدث بها ذلك إلى شراء السلع من الخارج بسعر أعلى بعد انخفاض قيمة عملتها المحلية أمام عملة الدولة الموردة، مما يؤدي إلى زيادة التضخم."2"

مصر بقائمة أسوأ 20 دولة

واذا انتقلنا للواقع المصري، سنجد أن معدل التضخم واصل مساره التصاعدي خلال أغسطس 2022، ليسجل التضخم السنوي في المدن 14.6% وهو أعلى مستوى في 4 سنوات نتيجة زيادة أسعار السلع الغذائية، مع توقعات أن يواصل مساره السالف خلال الشهور المتبقية من عام 2022 متأثرا بانخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار وتداعيات التضخم العالمي.

وسجل معدل التضخم السنوي لإجمالي البلاد 15.3% لشهر أغسطس 2022، مقابل 6.4% خلال الشهر المماثل من العام الماضي، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وانخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنسبة تجاوزت 20% منذ مارس الماضي، وسجّل 19.28 جنيها للشراء، و19.38 جنيها للبيع، في البنك المركزي.

والمديونية تجاوزت ١٣٠% من الناتج المحلي المصري مع توقعات بالسير على خطى سيرلانكا.

وقال المحلل الاقتصادي عبدالرحمن سليمان "تتبع الحكومة في مصر بالفترة الحالية على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل كبير، وخاصة بعد خروج حجم كبير من الأموال الساخنة من العديد من المستثمرين، مما سيساعد بشكل كبير على التحوط من خطورة التضخم العالمي الذي نواجه".

ولكن ما غاب عن أرقام الحكومة، ومؤسسات يتحكم الانقلاب في مخرجاتها الإحصائية، أن مصر مصنفة ضمن أسوأ 20 دولة في زيادة معدلات التضخم، وسط تحذيرات من أن القادم أصعب بسبب سياسات السيسي الاقتصادية، وترتيب مصر ١٨ في قائمة أسوأ دولة في معدل التضخم، بفضل احتكار الجيش ورجال الأعمال الكبار.

ونشر (Steve Hanke) الأستاذ بجامعة هوبكنز الأمريكية تحليلا عن عدد من الدول تسير على خطى سيرلانكا ومنها مصر التي سبقتها مباشرة سوريا وفي حاجة شديدة إلى العملة الصعبة ببنوكها المركزية

ووضع أستاذ الاقتصاد بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية ، مصر في المرتبة 18 من بين أسوأ عشرين دولة تعاني التضخم ، وليس من بينها دول غربية خلافا لما يردده الإعلام بأنها أزمة عالمية.

وأضاف مصر إلى لبنان وسوريا، وليس بينها دول غربية خلافا لما يردده الإعلام الحكومي بأنها أزمة عالمية

واستعرض حافظ الميرازي جدول ستيف هانكي لمؤشر التضخم ودرجات حدته عالميا، الذي وضعه ويتابعه ستيف هينك أستاذ الاقتصاد بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، يضع مصر في المرتبة 18 من بين أسوأ عشرين دولة تعاني التضخم وغلاء الأسعار مثل سيريلانكا ولبنان وسوريا وحتى تركيا.

وقال "هي قائمة ليس بينها دول غربية، خلافا لما يردده الإعلام الحكومي بأنها أزمة عالمية موجودة بنفس السوء في أمريكا وأوروبا"

وأضاف "المؤشر يقتصر على التضخم ولا يشمل الناتج القومي لكل دولة ونسبة أقساط الديون المستحقة وقدرة الاقتصاد على دفعها ، فلا يوجد مثلا، مجال لمقارنة  قوة الاقتصاد التركي وقدرته على دفع ديونه، والموجود في المرتبة الرابعة من حيث ارتفاع التضخم بالاقتصاد المصري، رغم أنه في المرتبة ال18 من حيث الغلاء".

العجيب وفق مراقبين أن أرقام وزارة تستعين بمعدلات التضخم قديمة حتى قبل الأزمات التي تعرضت لها مصر ، ففي نهاية أغسطس الماضي، قبل أسبوعين قال وزير المالية إن "معدل النمو 6.6٪ في العام المالي 2021 /2022 والتضخم بلغ ٩% بينما بلغ سعر الفائدة 14.3% ما بين السندات والأذون بينما بلغ متوسط سعر الصرف ١٨.٧٩%"

وفي مقارنة الأرقام عن مناطق دول الاقتصادات الناشئة مع دول الوفرة الاقتصادية، وصلت ثقة منطقة اليورو المالية لأدنى مستوى منذ 18 شهرا، حيث تدهور مؤشر الثقة الاقتصادي في منطقة اليورو بنسبة أكبر من المتوقع؛ حيث وصل لأدنى مستوى له منذ 18 شهرا في أغسطس، في ظل استمرار ارتفاع معدل التضخم ومشكلات سلاسل الإمداد وسياسات الصين الصارمة لمكافحة فيروس كورونا".

وأضاف المحلل الاقتصادي عبدالرحمن سليمان  "يجب التحوط بشكل كبير جدا من  موجة التضخم والذي من المتوقع أن يقع أثرها سنين قادمة ، وأيضا انخفاض خروج العملات الصعبة مثل الدولار من مصر والذي سيؤثر على تعزيز قوة الجنيه المصري أمام الدولار ، وأيضا  يجب أن يكون هناك مصانع تورد مواد الخام لمصانع المنتجة المنتجات النهائية ".

وخلص إلى أن "الدول المعتمدة على الاستيراد ستعاني من التضخم بشكل كبير جدا وفي أفضل السيناريوهات يكون التعافي منها في سنين أما الدول الذي ستعتمد على اقتصادها والإنتاج المحلي ستكون لها القدرة على الحفاظ على اقتصادها بشكل جيد"."3"

وفي وقت سابق، قال الخبير الاقتصادي المصري، ممدوح الولي، إن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في مصر تفوق الـ130%، دون مساءلة من برلمان أو إعلام اقتصادي أو مراكز بحوث اقتصادية، في ظل الجو غير الديمقراطي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات.

وتقدر الحدود الآمنة لنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول بين 30 و50%، وفقا لتصنيفات صندوق النقد والبنكيين الدوليين، و60% وفقًا لتصنيف الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني أن الدين العام في مصر تجاوز الحدود الآمنة بمعدلات مرعبة.

وأوضح الولي في مقال لـ"عربي21"، أن بيانات وزارة المالية الخاصة بالدين التي يخرج بها وزير المالية إلى وسائل الإعلام تنسب الدين الحكومي فقط سواء الداخلي أو الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي ذكر أنها بلغت 87.6% في نهاية يونيو الماضي، بينما الأصح لمعرفة الصورة الحقيقية لحجم الدين العام لمصر إلى الناتج المحلي الإجمالي، هو نسبة كامل الدين المحلي بمكوناته الثلاثة، مع كامل الدين الخارجي بكل مكوناته الحكومة والبنوك والقطاع الخاص، إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهنا سنصل إلى نسبة ستفوق الـ130%.

يوسف البنا، المحلل المالي في "نعيم المالية" يقول إنّ الارتفاع "يعود إلى زيادة أسعار الخضراوات والحبوب والزيوت، هذا هو أعلى مستوى للتضخم في مدن مصر منذ نوفمبر 2018 عندما بلغت الأرقام 15.7%".

واتفقت معه رضوى السويفي، رئيسة البحوث في "الأهلي فاروس"، فقالت إنّ "الأغذية والمشروبات من أهم أسباب الزيادة بجانب إعادة تسعير بعض السلع الأخرى".

وخلال الأشهُر الأخيرة، تخطّت أرقام التضخم في مصر الرقم المستهدف من قِبل البنك المركزي البالغ 7% (بزيادة نقطتين مئويتين أو أقل) حتى نهاية 2022. وكان التضخم في مصر قفز بعد أن حررت الدولة سعر صرف الجنيه في نهاية 2016، ثم حركته جزئيًا في مارس 2022 مرة أخرى.

السويفي ترى أن أرقام التضخم الخاصة بسبتمبر التي ستُعلن في أكتوبر "ستتوقف على حسب سعر الصرف، وهل حدث به مزيد من التحرير أم لا. الأرقام المبدئية تتراوح بين 15 و17% للشهر الحالي على أساس سنوي"."4"

تعويم الجنية والتضخم

وقد ارتبط التضخم بشكل كبير بمراحل تعويم الجنية المختلفة وفقط العملة المصرية من قيمتها الكثير على مدار اسنوات التسعة الماضية، وذلك في ظل مواصلة الاقتصاد المصري النزيف المستمر  بسبب السياسات الفاشلة لنظام السيسي.

فبعد قرار التعويم في عام 2016 عقب اتفاق مصر مع صندوق النقد،  على قرض بقيمة 12 مليار دولار ، واصل معدل التضخم في مصر الارتفاع وبلغ معدله السنوي في نهاية نيسان/ابريلعام 2017 نحو  32,9% بعد أن قفز مطلع نفس العام  الى قرابة 30% أثر تحرير سعر صرف الجنيه المصري في تشرين الثاني/نوفمبر2016 .

ومنذ ذلك الوقت بدأت مصر أسوء رحلة مع صعود التضخم ورفع الأسعار في مختلف السلع والأطعمة، مما ترتب عليه معاناة المستهلكين من الارتفاع الكبير في الاسعار

وأدى تحرير سعر صرف العملة المصرية الى تراجع قيمتها بنسبة 50% تقريبا. ووصل سعره في المصارف أكثر قليلا من 18 جنيها للدولار، بعد ان كان 8,83 جنيها ثم ارتفع بعد ذلك الي 20 جنيها ."5" 

وبحسب خبراء فإن ارتفاع معدلات التضخم بهذه الطريقة يفاقم سوء الأوضاع المعيشية للمواطن المصري أكثر مما هي عليه، وبعد عام 2016 أصبح التضخم  في  أعلى معدل ارتفاع في الرقم العام للأسعار منذ نوفمبر 1986، أي منذ أكثر من 30 عاما، وفقا للتاريخ الإحصائي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وقال المحلل الاقتصادي أشرف إبراهيم إن ارتفاع معدل التضخم لهذه النسبة لم يكن أمرا مفاجئا، ولكنه جاء نتيجة للمعطيات الاقتصادية المصرية القائمة، والتي تشكلت على مدار المرحلة، مشيرا إلى أن هذه الارتفاعات تعني مزيدا من التدهور في مستويات معيشة الأفراد في مصر، وتآكل مدخراتهم البنكية، بعد أن تجاوزت معدلات التضخم أسعار الفائدة على الإيداعات والأوعية الادخارية بنسب كبيرة.

في السياق ذاته أوضح الباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أن ارتفاع نسب التضخم يؤدي إلى مزيد من انخفاض القيمة الحقيقة للنقود، وبالتالي فمن الصعب أن يحقق المواطن مستوى مقبول من المعيشة ما لم تتحرك الأجور بنفس نسبة ارتفاع الأسعار ."6"

التعويم الثاني والثالث

وبسبب السياسات الاقتراضية التي يعيش عليها النظام المصري لجأت مصر في مارس 2022 الي التعويم الثاني والذي أدي الي انخفاض قيمة الجنية من جديد وبلغ الدولار نحو  18 جنيه .

ثم أصبحت مصر الآن على أعتاب التعويم الثالث للجنية، بعد دخولها في مفاوضات جديدة خلال أغسطس الماضي مع صندوق النقد على قرض جديد، مما جعل الجنية المصري بأدنى سعر على الإطلاق، في  أسوأ موجة هبوط منذ 9 سنوات

تتعرّض العملة المصرية إلى ضغوط شديدة أدت إلى هبوطها بشكل متسارع أمام الدولار،خلال سبتمبر 2022،  لتسجل أدنى مستوياتها على الإطلاق. ويقوم المستثمرون بالمزايدة على الجنيه من خلال بيعه عند أدنى مستوى بتاريخه مقابل الدولار.

ويسير الجنيه المصري في طريقه للشهر السابع من التراجعات في سبتمبر/ أيلول، وهي أسوأ موجة هبوط منذ 2013، وفق وكالة "بلومبيرغ".

وجرى تداول سعر صرف الجنيه عند 19.53 مقابل الدولار  في منتصف  سبتمبر الجاري، متجاوزاً مستوى 19.51 الذي سُجل في ديسمبر/ كانون الأول 2016 بعد تخفيض قيمة العملة في ذلك العام، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، ليعود ويرتفع قليلاً مساء الثلاثاء إلى 19.50 أمام الدولار.

وفي السوق الخارجية، جرى تداول الجنيه أقل من 1% بعيداً عن المستوى القياسي المنخفض البالغ 19.6725 الذي جرى الوصول إليه أيضاً في عام 2016، بحسب "بلومبيرغ". في غضون ذلك، فقد الجنيه المصري أكثر من 22% من قيمته أمام الدولار منذ مارس/آذار.

وأدت الحرب في أوكرانيا إلى تعميق مشكلات مصر الاقتصادية، وسط ارتفاع فاتورة الدولة التي تعتمد على استيراد القمح والنفط ومعها الحاجة إلى الدولارات، وسحق السياحة من اثنين من أكبر أسواقها، أوكرانيا وروسيا، المصدر الرئيسي للعملة الصعبة.

وشجع ميل مصر نحو سعر صرف أكثر مرونة المشاركين في السوق على تكثيف الضغط على العملة التي لا تزال باهظة الثمن حتى بعد تخفيض قيمتها بنسبة 15% في مارس/ آذار.

كما أنها تتورط بشكل متزايد في عمليات بيع الأصول الخطرة التي تعمقت الأسبوع الماضي وأدت إلى ارتفاع الدولار، وسط مخاوف من أن يؤدي ارتفاع التضخم إلى صعود أسعار الفائدة وإشعال الركود.

وأشار تقرير "بلومبيرغ" إلى أن ارتفاع الدولار ألقى بثقله على عملات شركاء مصر التجاريين ونظرائهم من البلدان النامية. وتأمل مصر في أن تتمكن على الأقل من التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن مساعدة صندوق النقد الدولي في الربع الأخير من العام، بينما تكافح مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويفضل المقرض، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، سعر صرف أكثر مرونة، ويعمل تجار العملات على تصعيد رهاناتهم لمزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه. في الأسبوع الماضي، فاجأ البنك المركزي المصري معظم الاقتصاديين بالامتناع عن رفع أسعار الفائدة، وبدلاً من ذلك، اختار رفع نسب الاحتياطي للمقرضين، وهو شكل غير مباشر من التشديد.

ومن شأن قرض جديد من صندوق النقد الدولي أن يدعم الاحتياطيات الأجنبية المتضائلة في مصر، والتي هبطت إلى 33 مليار دولار من 41 مليار دولار في فبراير/ شباط.

ومع ذلك، فإن قرضا جديداً سيضيف إلى الدين الخارجي المتضخم لمصر، والذي قفز من 37 مليار دولار في عام 2010 إلى 158 مليار دولار اعتباراً من مارس/آذار، وفقاً لأرقام البنك المركزي المصري.

ويعتبر المحللون، وفق "بلومبيرغ"، أنه توجد احتمالية لسيناريو تخفيض حاد لقيمة العملة، بينما ساهم فقدان الثقة في ضعف الجنيه المصري، وأرتفاع التضخم بشكل غير مسبوق ، ونزوح المستثمرين المحليين والأجانب من الأوراق الحكومية قصيرة الأجل في نقص الدولار.

وأدت قواعد الاستيراد الجديدة التي وضعت في وقت سابق من هذا العام لوقف تقلص احتياطيات العملات الأجنبية ودعم الجنيه إلى نقص السلع، مما أدى إلى ارتفاع التضخم بالقرب من أعلى مستوياته في أربع سنوات. فقد صعد معدل التضخم السنوي إلى 15.3% في أغسطس/آب، مقارنة بما يزيد قليلاً عن 6% في الشهر نفسه من العام الماضي، بحسب وكالة "رويترز"."7"

اثار التضخم على الاقتصاد المصرى

ومن أخطر الأثار المترتبة على ارتفاع التضخم في مصر ، نيران الأسعار التى حرقت البيوت المصرية  ، والقفزة الغير مسبوقة  بأسعار الغذاء‏  و المواد الأساسية.

حيث أرتفعت اسعارمن 2016 الي 2022 ، بشكل عام أكثر 500 % ، وقد أرتفع سعر السكر  250%  والدقيق بنسبة 200%  وارتفعت   أسعار الزيوت تصل لنسبة 300%  ، و الأجهزة الكهربائية ترتفع بنسبة200 % وسط حالة ركود خانقة .

وشهدت الأسواق المصرية موجة جديدة من ارتفاع الأسعار ، وسجلت أسعار السلع الغذائية في مصر ارتفاعات متتالية مع بداية ‏عام 2021 ، وصرح المدير التنفيذي للمطاحن بمصر : أن الدقيق ارتفع بنسبة 30%  خلال 8 شهور.‏..  وارتفع سعر ‏الدقيق الشعبي إلى 7 آلاف جنيه للطن نهاية الشهر الماضي ..  مقارنة بـ5400 جنيه في بداية العام الجاري ..  وارتفع سعر الدقيق الفاخر من 7600 جنيه بداية عام 2021 إلى 8600 جنيه للطن الشهر الماضي.

من جانبه أرجع صاحب إحدى شركات إنتاج وتعبئة الزيوت ارتفاع الأسعار إلى زيادة الطلب العالمي خصوصاً من الصين ‏والهند .. مقابل انخفاض المعروض، كأحد تداعيات انتشار فيروس ‏كورونا .. وأن  الأسعار تحركت خلال عام بنسبة 100% مسجلة 20 ألف جنيه للطن مقابل 10 آلاف جنيه ‏2020 ، فيما أكد تقرير صادر عن معهد المحاصيل الحقلية ‏بمركز ‏البحوث ‏الزراعية .. أن مصر تستورد زيوتاً وبذوراً زيتية ‏بكميات ‏تبلغ ‏‏5.7 ملايين طن سنويًا.

بينما حذر عدد من المراقبين  من أن مواصلة ارتفاع الأسعار ستؤدي إلى إقدام بعض ‏التجار والمصنعين على اتباع سياسة التخزين.. وهو ما ينذر ‏بحدوث أزمة سلعية كالتي حدثت في أواخر 2016 وبداية 2017 من اختفاء السكر من المحلات التجارية .

وقال مراقبون:  هناك تجار أغلقوا متاجرهم  نتيجة ارتفاع الأسعار ‏مع تراجع الطلب.. والبعض الآخر قد يقبل هامش ربح بسيط ‏لتغطية التكاليف  خاصة أصحاب الإيجارات المرتفعة، وأحد مسؤولي المبيعات أكد أن   حركة البيع ‏تراجعت بحوالي 80% في 2021، مقارنة بالعام  2020  .  "8"

 مخاطر الركود التضخمي

وفى ظل ارتفاع التضخم تشهد مصر حالة من الركود التضخمي، والذي يعرفه العلماء بانه   حالة نمو اقتصادي ضعيف وبطالة عالية، أي ركود اقتصادي، يرافقه تضخم  تحدث هذه الحالة عندما لا يكون هناك نمو في الاقتصاد ولكن يكون هناك ارتفاع في الأسعار، وتعتبر حالة غير مرغوب فيها.

وظهر مصطلح الركود التضخمي (والذي يعبر عن حالة الركود والتضخم) لأول مرة خلال فترة التضخم والبطالة في المملكة المتحدة. شهدت المملكة المتحدة حالة التضخم في الستينيات والسبعينيات. إذ ارتفع معدل التضخم في الستينيات والسبعينيات وفشل صناع السياسة في المملكة المتحدة في الاعتراف بالدور الأساسي للسياسة النقدية في السيطرة على التضخم. وحاولوا بدلًا من ذلك استخدام السياسات والأجهزة غير النقدية للاستجابة للأزمة الاقتصادية. وقد أجرى صناع السياسات تقديرات غير دقيقة لدرجة الطلب في الاقتصاد، ما ساهم في ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة بشكل كبير خلال فترة الستينيات والسبعينيات.

لم يقتصر الركود التضخمي على المملكة المتحدة. أظهر علماء الاقتصاد أنَّ الركود التضخمي كان منتشرًا بين سبعة نظم اقتصادية رئيسية من عام 1973 وحتى 1982.

تحول تركيز علماء الاقتصاد بعد أن بدأت معدلات التضخم في الانخفاض عام 1982 من أسباب الركود التضخمي إلى نمو الإنتاجية وتأثير الأجور الحقيقية على الطلب على العمالة."9"

الركود التضخمي يتصاعد  

وقد خلصت دراسة" ظاهرة الركود التضخمى فى الاقتصاد المصرى " للخبير الاقتصادي ابراهيم عباس عواد نشرت في مطلع عام 2022 ، الى أنه  فى ضوء نتائج التحليل النظري والتطبيقي لأبعاد ظاهرة الركود التضخمى فى الاقتصاد المصرى، انتهت  الى مجموعة من النتائج  أولها أن ظاهرة الركود التضخمي في الاقتصاد المصري يمكن إرجاعها إلي عدة عوامل يتعلق بعضها بارتفاع تكاليف الإنتاج ويتعلق البعض الآخر منها بالتغيرات الهيكلية في الاقتصاد المصري  فمن الناحية النظرية ، تبين أن الركود التضخمي في الاقتصاد المصري يمكن أن ينشأ نتيجة تأثير أي من هاتين المجموعتين أو كلاهما .

ومن الناحية التطبيقية، تبين أن الركود التضخمي في الاقتصاد المصري يحدث بسبب انخفاض تكلفة وحدة الناتج من الأجور، أو بسبب ارتفاع تكلفة السلع الوسيطة المحلية، و هذا التزامن في المعدلات العالية للتضخم والبطالة في الاقتصاد المصري يجد تفسيره في استخدام الأساليب الإنتاجية كثيفة رأس المال من ناحية وارتفاع تكلفة الإنتاج المحلى بسبب ارتفاع تكلفة السلع الوسيطة المحلية من ناحية أخري. حيث أدي استخدام الأساليب الإنتاجية كثيفة رأس المال إلي التصاعد في معدلات البطالة، وفي ذات الوقت، أدي الارتفاع في تكلفة الإنتاج بسبب ارتفاع تكلفة السلع الوسيطة، إلي ارتفاع المستوي العام للأسعار. "10"

 ركود عظيم بالأسواق

وفي مايو الماضي زادت التخوفات في الأسواق المصرية من الغرق في ركود عميق عقب قرر البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة بنسبة 2%، لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة وتراجع الجنيه وهروب الأموال الساخنة من مصر، والتي قدرت رسمياً بنحو 20 مليار دولار خرجت في الربع الأول من العام الجاري.

وجاء القرار مواكباً لتوقعات أغلب المؤسسات المالية الدولية في هذا الوقت، التي رصدت اتجاه البنك المركزي إلى مواجهة الضغط على الدولار، بزيادة الفائدة على الجنيه، لمنع "الدولرة" واستمرار تحكمها في المعروض من العملة الأميركية بالأسواق عبر البنوك وشركات الصرافة المرتبطة بها، في ضوء التراجع الكبير في موارد البلاد من العملة الصعبة، وعدم قدرة الحكومة على الحصول على قروض قبيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وفق برنامج اقتصادي جديد.

وبحسب مراقبين، فإن قرار رفع الفائدة سيؤدي إلى تفاقم الركود في الأسواق كما سيؤثر سلباً على العديد من القطاعات الاقتصادية، وأبرزها الصناعة

من جانبه، أوضح وزير التضامن والعدالة الاقتصادية السابق والخبير الاقتصادي جودة عبد الخالق أن رفع الفائدة لمنع الضغط على الدولار، بحجة مساهمته في الدفع بزيادة الصادرات، أمر ناتج عن قصور في الرؤية، فلم يحدث خلال نصف قرن مضى أن أدى رفع سعر الدولار إلى تحسن ملموس في الصادرات ولا خفف من الواردات، بل أساء للصناعة والزراعة والعدالة الاجتماعية في الدولة ، وبيّن أن الحكومة بسياساتها الأخيرة تبين أن هناك برنامجاً مسبقاً اتفقت عليه مع صندوق النقد، وتريد تنفيذه، طمعاً في الحصول على المزيد من القروض، من دون أن تحدد كيف سيستفيد منها المجتمع، ومن سيتحمل أعباءها

وقال إنه في كل مرة تنخفض قيمة الجنيه، ترتفع التكلفة، وتقل الإنتاجية في المجتمع، بما يجعله معتمداً على مزيد من القروض والإعانات، لحين حدوث كارثة، تكشف أزماته، وتبين للكل كمّ أن اقتصادنا أصبح هشاً وضعيفاً في مواجهة المشكلات الخارجية، بعد أن وضحت صورته أمام الجميع في الداخل.

وحسب بيانات رسمية، ارتفع المعدل السنوي للتضخم العام إلى 13.1 % في إبريل/ نيسان 2022، من 10.5% في مارس/ آذار، مسجلاً أعلى معدل له منذ مايو/ أيار عام 2019.

كان البنك المركزي قد رفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة، أساس وسمح للجنيه بالانخفاض أمام الدولي في اجتماع مفاجئ في مارس الماضي، مستهدفاً كبح التضخم ودعم النشاط الاقتصادي. وبلغ سعر العائد على الإيداع والإقراض لليلة واحدة، 9.25% و10.25%، في حين بلغ سعر العملية الرئيسية، وسعر الخصم والائتمان 9.75% لكل منها. وأصدر بنكا الأهلي ومصر شهادات ايداع شهرية بفائدة بلغت 18%."11"

اثر التضخم على الفقراء بمصر

أشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إلى تسجيل زيادة كبيرة في معدلات الفقر، من 27.8 في المئة في عام 2015 إلى 32.5 في المئة في عام 2018. وتحدّث البنك الدولي أيضاً عن نمط مماثل، لافتاً إلى ارتفاع أعداد الأشخاص الذين يعيشون في الفقر من 22.7 مليون شخص في عام 2012 إلى 32.5 مليون شخص في عام 2017. بتعبير آخر، ازدادت أعداد المصريين الذين هم تحت خط الفقر بواقع 9.8 ملايين نسمة في غضون خمس سنوات. والسبب الأساسي هو السياسة المالية والاقتصادية التي ترمي إلى التسريع في نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى نخب الأعمال.

وقد أدّى الارتفاع في معدّلات الفقر إلى زيادة مستويات الحرمان الاجتماعي، والدليل على ذلك التراجع بمعدّل 9.7 في المئة في الاستهلاك العام للسلع والخدمات، مع انخفاض الإنفاق على خدمات مثل التعليم، والرعاية الصحية، والثقافة. والمناطق المدينية هي الأكثر تأثّراً في هذا الصدد، مع تراجع مستوى الاستهلاك بنسبة 13.7 في المئة، مقارنةً بـ5.1 في المئة في المناطق الريفية. فقد تراجع مستوى الإنفاق للشخص الواحد في المناطق المدينية بواقع 1400 جنيه مصري، من 10600 إلى 9200 جنيه، فيما تراجع بواقع 500 جنيه فقط في المناطق الريفية، من 7100 إلى 6600 جنيه.

و أثر التضخم على الأسر المصرية، وشهد عام 2020 تراجعاً شديداً في الإنفاق الاجتماعي والدعم الحكومي. وفي هذا الإطار، خفّضت الحكومة وزن ربطة الخبز المدعومة 20 غراماً في 17 آب/أغسطس الماضي، علماً بأن الخبز هو الغذاء الأساسي لنحو 60 مليون مصري. وفي 16 آب/أغسطس، أعلنت الحكومة عن زيادة سعر تذكرة المترو في القاهرة للسنة الثانية على التوالي. فقد أُلغي العمل بالتذاكر الأرخص التي يبلغ سعرها 3 جنيهات، فيما رُفِع ثمن الفئتَين الأخريين من التذاكر من 5 إلى 7 جنيهات، ومن 7 إلى 10 جنيهات ، وقد أدي أرتفاع اسعار الخدمات الاساسية التى تقدمها الدولة لتحميل الأسر المصرية أعباء غير مسبوقة تاريخية خاصة في قطاعات الكهرباء وموارد الطاقة ، والمواصلات العامة .

ورغم ارتفاع التضخم، يعطي الإنفاق الحكومي الأولوية لمشاريع البنى التحتية الضخمة التي يقودها الجيش ويسيطر عليها، ما يشكّل فعلياً أداة للاستحواذ على الأموال العامة. وقد أتاحت هذه السياسة، مقرونةً بالإعفاءات الضريبية، للشركات المملوكة من الجيش الازدهار على حساب الطبقتَين الدنيا والوسطى، وكذلك على حساب القطاع الخاص المدني الذي يجد صعوبة كبيرة في المنافسة. على سبيل المثال، صرّح الرئيس السيسي، في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أنه أُنجِزت على امتداد الأعوام الخمسة الماضية مشاريع وطنية بقيادة الجيش تبلغ قيمتها 200 مليار دولار. ومن أجل وضع هذا الرقم في سياقه، نشير إلى أن حجم إجمالي الناتج المحلي المصري بلغ 303 مليارات دولار في عام 2019. ومن الأمثلة على هذه المشاريع الضخمة العاصمة الإدارية الجديدة. تُقدَّر كلفة هذا المشروع بـ58 مليار دولار، وتتولّى تنفيذه شركة مملوكة من الجيش بنسبة 51 في المئة، فيما تملك وزارة الإسكان نسبة الـ49 في المئة المتبقّية. ويؤدّي الجيش أيضاً دوراً بارزاً في تشييد البنى التحتية وصيانتها. مثلاً، في كانون الأول/ديسمبر 2016، أفاد كامل الوزير الذي كان آنذاك رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بأن الجيش مسؤول عن شق الطرقات وتطوير المشاريع التي تؤمّن فرصاً وظيفية لأكثر من مليونَي مواطن، وفرصاً في الأعمال لما يزيد عن 1100 شركة. يستحوذ الجيش، بدلاً من المواطن المصري العادي، على الجزء الأكبر من المكاسب التي تؤمّنها هذه المشاريع. ويستخدم الجيش هذه المشاريع لاختراق الاقتصاد على نحوٍ متزايد والسيطرة على الأموال العامة.

إذاً تتسبب السياسات الاقتصادية والمالية التي ينتهجها النظام بتفاقم الفقر ونقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى النخب. وإلى جانب الطبيعة السلطوية للنظام، فإن الدعم الدولي الذي يحصل عليه في شكل تدفقات مالية وقروض يساهم في تعزيز جهوده الآيلة إلى إثراء طبقة النخبة في الأعمال والمؤسسات العسكرية على حساب المواطنين.

 لقد حصلت الحكومة من حلفائها الإقليميين على دعمٍ مالي قدره 92 مليار دولار بين عامَي 2011 و2019، وتستمر في اقتراض مبالغ طائلة من المؤسسات الدولية. تتيح هذه الأموال للحكومة تنفيذ مشاريع ضخمة والإبقاء على منظومة الضريبة التنازلية. ويسمح هذا بدوره للأعمال والشركات المملوكة من الجيش بأن تزدهر، ما يساهم في تعزيز نفوذ المؤسسة العسكرية وشبكة المحسوبيات التابعة لها. وهذا الدعم الخارجي يحمي الجيش أيضاً من التدقيق العام، ويقترن مع الاعتماد المتزايد على الضرائب باعتبارها مصدراً للإيرادات الحكومية.

المصادر

  1. الجزيرة نت  نشر بتاريخ  15/6/2022
  2. موقع أرقام نشر بتاريخ     18 -3 - 2018
  3. بوابة الحرية والعدالة نشر بتاريخ 15 سبتمبر  2022
  4. موقع نافذة مصر نشر بتاريخ    8 سبتمبر 2022   
  5. موقع " i24NEWS "  نشر بتاريخ 5 مايو 2017
  6.   موقع عربي21 نشر بتاريخ    12/02/2017  
  7. موقع العربي الجديد نشر بتاريخ  27 سبتمبر 2022
  8. موقع العربي الجديد نشر بتاريخ  1 سبتمبر 2021
  9. ويكيبيديا الموسوعة الحرة
  10. دراسة "ظاهرة الركود التضخمي في الاقتصاد المصري "للخبير الاقتصادي ابراهيم عباس عواد نشرت بتاريخ يناير 2022
  11. العربي الجديد   نشر بتاريخ   22 مايو 2022
  12.    موقع "كارنيجي"  نشر بتاريخ  1 أكتوبر 2020