لا حرية ولا موضوعية.. هكذا "تعرّت" مهنية الإعلام الغربي
الأحد - 4 مايو 2025
- ازدواجية الإعلام الغربي بعد 7 أكتوبر أكدت حقيقة الانحياز الأعمى للرواية الصهيونية
- فصل مذيعين وإلغاء برامج مهمة لمجرد تعامل أصحابها بالمهنية المعتادة مع "الطوفان"
إنسان للإعلام- تقرير:
في يوم أمس، مرت ذكرى الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، لتحيي عبره ذكرى الحريات الصحفية في العالم.
الهدف الأساسي من هذا الاحتفال سنويا هو كشف حالة القمع لحرية الصحافة والتعبير في البلدان التي تُسمى "نامية"، وانتقاد وسجن الصحفيين في العالم الثالث، وفضح تحيز "إعلام السلطة" مقابل الإعلام الحر.
لكن جاءت معركة "طوفان الأقصى" فكشفت تدني مهنية الإعلام الغربي وانحيازه الأعمى للكيان الصهيوني، حيث ركزت الشبكات الإعلامية الكبري (الأميركية والأوروبية تحديدا) على عرض السردية الصهيونية دون الالتفات كثيرا إلى معاناة الشعب الفلسطيني تحت القصف والدمار، وحرب الإبادة الشاملة الجارية في غزة من قبل قوات الاحتلال.
لم يقتصر الأمر على انحياز وسائل الإعلام الكبرى في الغرب، بل وصل إلى فصل مذيعين وإلغاء برامج مهمة في الإعلام الأمريكي والأوروبي؛ لمجرد أن أصحابها تعاملوا بالمهنية المعتادة مع "الطوفان" وفضحوا جرائم الصهاينة وأكاذيبهم.
هذا التحيز الإعلامي الغربي ليس جديدًا، لكن "طوفان الأقصى" كشفه بوضوح غير مسبوق، مما دفع حتى بعض الصحفيين الصهاينة (مثل غيدون ليفي في هآرتس) لانتقاذه.
لذا فالتحدي الآن هو مواصلة فضح هذه الآلة الإعلامية، ودعم الروايات المستقلة التي تكسر احتكار الأخبار.
مهنية مزدوجة وانحياز للإبادة
في أعقاب طوفان الأقصى (هجوم 7 أكتوبر 2023)، تعرّضت مهنية الإعلام الغربي لانتقادات حادة بسبب انحيازه الواضح لصالح الرواية "الإسرائيلية"، وتجاهله للسياق التاريخي والقمع اليومي الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الاحتلال.
وظهر أن هذه الفضائيات والصحف التي كنا نعتبرها قديما "مصادر موثوقة ومحايدة"، ليست أكثر من أدوات ترويجية منحازة تخدم أجندات سياسية واضحة جداً، وخصوصاً حين يتعلق الأمر بفلسطين وإبادة غزة وكشف جرائم الحرب التي يقوم بها الاحتلال.
وقد كشفت الأحداث كيف أن الشبكات الإعلامية الأمريكية والأوروبية الكبرى تبنت خطابًا أحاديًا، يعيد إنتاج الرواية الصهيونية دون تمحيص أو توازن.
وكان من أبرز مظاهر انكشاف تحيز الإعلام الغربي: التغطية الانتقائية، واللغة المتحيزة، والتضليل والتكرار غير النقدي للرواية "الإسرائيلية"، وإسكات الأصوات الفلسطينية.
التغطية الانتقائية:
ظهر تركيز من جانب إعلام الغرب على ما يسمونه "إرهاب" حماس الذي هو أعمال المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، وبالمقابل تجاهل أسباب التصعيد، مثل: الابادة الجماعية التي تحدث والتجويع واستمرار الاحتلال والاستيطان وانتهاكات المسجد الأقصى، وإهمال ذكر أن غزة تحت حصار منذ 16 عامًا، وأن سكانها يعانون من الفقر والبطالة بسبب السياسات "الإسرائيلية".
اللغة المتحيزة:
غالبا ما يصف الإعلام الغربي العمليات الإسرائيلية بـ"الدفاع" في حين تصف المقاومين الفلسطينيون بـ"الإرهابيين"، حتى عند الحديث عن مدنيين أبرياء؛ لتبرير القتل والإبادة والتخفيف من جرائم الحرب التي يمارسها الاحتلال.
ويستخدام هذا الاعلام مصطلحات مثل "الصراع" بدلًا من "الاحتلال"، مما يُضفي طابعًا من التماثل الأخلاقي بين الطرفين.
التضليل وتكرار الرواية "الإسرائيلية"دون تمحيص:
نقلت بعض الوسائل الغربية، خاصة الفضائيات الكبرى، ادعاءات "إسرائيلية" (مثل "قطع رؤوس أطفال") دون تحقق، ثم تبين زيفها لاحقًا، خاصة صحيفة "نيويورك تايمز" التي اضطرت للاعتذار لاحقا، لكن ظل الخبر وهذه الأكاذيب منتشرة في وسائل إعلام الغرب ونقلتها عنها تقارير للامم المتحدة.
أيضا تجاهلت وسائل الاعلام الغربية تقارير حقوق الإنسان (مثل منظمة "هيومن رايتس ووتش" و"أمنستي") التي تتهم "إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب.
إسكات الأصوات الفلسطينية:
من أبرز مظاهر انكشاف تحيز الإعلام الغربي منع أو تقليل ظهور محللين ونشطاء فلسطينيين في القنوات الكبرى (مثل CNN، BBC، Sky News)، في حين يُمنح "الإسرائيليون" مساحة واسعة. وسبق أحداث الطوفان فصل صحفيين (مثل شيرين أبو عاقلة قبل اغتيالها) أو اتهامهم بالتحيز لمجرد نقل معاناة الفلسطينيين.
أبرز الشبكات الإعلامية المنحازة
اتُّهمت شبكة CNN بنشر الرواية "الإسرائيلية" دون توازن، خاصة في الأيام الأولى لطوفان الأقصى، وتعرضت شبكة BBC لانتقادات بسبب رفضها وصف "إسرائيل" كدولة احتلال، واعتمادها مصطلحات محايدة زورًا.
من أول أيام الطوفان، كانت تغطية شبكة CNN منحازة 100% للطرف "الإسرائيلي"، بدون ذكر السياق التاريخي أو حتى المعاناة الفلسطينية، مع استخدام مصطلحات مثل: "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" و"هجوم غير مبرر من حماس"، لكن لما يتعلق الأمر بضحايا غزة؟ يصير ما يكتبونه هو "مزاعم غير مؤكدة"!!
أيضا كانت شبكة BBC البريطانية تبدو محايدة تاريخيا، لكن ظهر واقع مختلف تماماً مع الطوفان، فقد تجنبوا استخدام كلمة "احتلال" وشككوا برواية الفلسطينيين، حتى مع وجود أدلة واضحة، وتجاهلوا بشكل تام جرائم الحرب.
أما شبكة Fox News الأمريكية، فلأنها شبكة العنصريين البيض اليمينين الداعمة للاحتلال، فقد تبنت خطابًا صهيونيًا صريحًا، ووصفت كل الفلسطينيين بـ"الإرهابيين".
لم تكن هذه الشبكة مفاجئة في تحيزها، لأن لديها موقف سياسي واضح ومؤيد لـ"إسرائيل" من الأساس، وتغذّي الكراهية وتحرض ضد العرب والمسلمين بشكل عام.
أيضا نشرت صحيفتاNew York Times وWashington Post تقارير داعمة لـ"إسرائيل" وأهملت الرواية الفلسطينية في العناوين الرئيسية، حيث عمدت New York Times إلى نشر صور الأطفال "الإسرائيليين" أولاً، وبعدها بأيام تنشر صور قليلة من غزة، وكانت طريقة ترتيب القصص والعناوين دائمًا توصل رسالة غير متوازنة عن العدوان.
"الطوفان" كشف زيف الموضوعية المزعومة
فضح "طوفان الأقصى" معايير تعامل الاعلام الغربي من الناحية الموضوعية، ففي شأن الضحايا يتم تضخيم معاناة "الإسرائيليين" مقابل تقزيم مأساة الفلسطينيين وإبادتهم.
على سبيل المثال، يصف إصابة "إسرائيليين" بـ "الهلع" و"الأمراض النفسية" لأن مدنهم تعرضت للقصف، لكن نفس هذا الاعلام تجاهل صور وفيديوهات أنقاض المنازل التي هدمها الاحتلال على أسر كاملة وأبادها بأطفالها ونسائها ورجالها.
وبجانب ذلك، أثبت الإعلام الغربي أنه أداة سياسية تخضع لضغوط اللوبيات ورواية النخب الحاكمة، حيث ركز على الرواية الصهيونية والامريكية ورضخ للضغط الصهيوني وفصل صحفيين ومذيعين مهنيين انتقدوا جرائم الاحتلال، إلا أن كشف الإعلام البديل (مثل الصحفيين المستقلين ووسائل التواصل الاجتماعي والناشطين) هذه الممارسات، أجبر بعض المنصات والصحف والفضائيات على تعديل خطابها لاحقًا.
وقد دفع هذا الانكشاف كثير من الشعوب الغربية لإعادة النظر بمواقفها، وكانت المظاهرات الضخمة المؤيدة لفلسطين في عواصم العالم، رغم تضليل الإعلام التقليدي، مؤشر على رفض هذا الانحياز الاعلامي الغربي.
مثال علي انحياز "نيويورك تايمز"
في آخر مثال على انحياز "نيويورك تايمز" للاحتلال نشر موقع "ذي إنترسبت" 30 أبريل 2025 مقالا للصحفي كوري روبن، أشار فيه إلى أن جامعة هارفارد أصدرت تقريرين منفصلين حول معاداة السامية والتحيز ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين، إلا أن صحيفة نيويورك تايمز اختارت التركيز على التقرير الأول فقط!!
وأوضح روبن في مقاله أن هارفارد، عندما يتعلق الأمر بكيفية تعاملها مع مختلف المجموعات داخل الحرم الجامعي، تسعى إلى إظهار توازنها وحيادها، حيث تولي جميع الفئات نفس القدر من الاهتمام، لكن -كما يقول روبن- "من يطالع تغطية نيويورك تايمز لن يعلم أبدًا أن هناك فئة معينة تشعر بعدم الترحيب داخل الحرم الجامعي".
وأشار إلى أن الطريقة التي تناولت بها الصحيفة الخبر قد تؤثر سلبا على الرأي العام وتلحق ضررا كبيرا، ففي ثنايا تغطيتها، وردت فقرتان فقط تطرقتا إلى نتائج الاستطلاع الذي أجرته فرقتا العمل في الجامعة، والذي شمل نحو 2,300 مشارك من أعضاء الهيئة التدريسية والموظفين والطلاب.
وأظهرت النتائج أن 6% من المشاركين المسيحيين أفادوا بشعورهم بعدم الأمان الجسدي داخل الحرم الجامعي، مقابل 15% من المشاركين اليهود، و47% من المشاركين المسلمين.
ويضيف أن المجتمع الأكاديمي كثيرا ما يطالب بأخذ مشاعر وانطباعات الطلاب والموظفين وأعضاء الهيئة التدريسية اليهود كمؤشر على مدى شعورهم بالأمان والترحيب داخل الحرم الجامعي، غير أن تقارير هارفارد الجديدة تشير، بناء على تجارب اليهود أنفسهم، إلى أنهم يشعرون بقدر أكبر من الأمان والترحيب والحرية لكونهم يهودًا، مقارنة بما يشعر به المسلمون في الجامعة.
وتساءل "روبن" عن اختيار نيويورك تايمز لافتتاح تغطيتها بالتركيز على التقرير الخاص بمعاداة السامية، إذ استهلت تقريرها بالقول: أصدرت فرقة عمل من جامعة هارفارد تقريرًا لاذعًا عن الجامعة، وجدت فيه أن معاداة السامية تسللت إلى المقررات الدراسية، والحياة الاجتماعية، وسياسات التوظيف، ورؤية بعض البرامج الأكاديمية للعالم.
ثم أضافت، في فقرة لاحقة: كشف تقرير منفصل عن التحيز ضد العرب والمسلمين والفلسطينيين في الحرم الجامعي، عن انزعاج وشعور بالغربة لدى هؤلاء الطلاب، حيث قال 92% من المسلمين المشاركين في الاستطلاع إنهم يعتقدون أنهم سيتعرضون لعقوبات أكاديمية أو مهنية إذا عبّروا عن آرائهم السياسية.
ويشير الكاتب إلى أن ترتيب عرض التقريرين يعكس تفضيلًا واضحًا من قبل الصحيفة، فرغم أن الأرقام الواردة في التقرير حول الإسلاموفوبيا تُظهر واقعا مقلقا، إلا أن الصحيفة تعاملت معه كأولوية ثانوية، مذكّرة القارئ مباشرة بــ "أبشع الشرور الاجتماعية" بحسب وصفه، دون أن تُعطي حجما مماثلا للمعاناة التي يعيشها العرب والمسلمون والفلسطينيون في الحرم الجامعي.
وبحسب بنية التقرير الصحفي، فإن مذهب معاداة السامية يُصوَّر على أنه عامل موضوعي وفاعل، يمكنه التسلل والتأثير سلبا على كافة أركان المؤسسة الأكاديمية، أما التحيز ضد العرب والمسلمين والفلسطينيين، فيُختزل في مشاعر وانطباعات الطلاب، وكأنه مجرد تصور ذاتي قد لا يعكس واقعًا ملموسًا.
ويفضح الكاتب الصحيفة موضحا إنها استخدمت في وصف معاداة السامية كلمات مثل “لاذع”، و”متسلل”، و”الحياة الاجتماعية”، و”نظرة عالمية”، وهي مصطلحات تحمل دلالات اتهامية ومقلقة، وتشير إلى مسؤولية جميع مستويات المؤسسة، من السياسات الأكاديمية إلى تفاصيل الحياة اليومية.
أما في التقرير الخاص بالإسلاموفوبيا والتحيز ضد العرب، فقد اختُزلت القضية في “الانزعاج والعزلة”، متجاهلةً تداعيات ملموسة تشمل مراجعة أقسام دراسات الشرق الأوسط، وقمع الأصوات المؤيدة لفلسطين، ورفض نشر مقالات في مجلات أكاديمية، وطرد موظفين، ودفع أساتذة بارزين للتقاعد نتيجة تعرضهم لهجمات بسبب آرائهم.
"إعلام سامسونج" أميركي على الطريقة المصرية!
الأغرب أن طريقة "إعلام السامسونج" المصرية، التي تقوم على توجيه تعليمات للصحفيين حول كيفية كتابة وتناول قضايا معينة بتعليمات من ضابط مخابرات، انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية عقب طوفان الأقصى!
فقد كشفت مذكرة مسربة أن صحيفة "نيويورك تايمز" أصدرت تعليمات للصحفيين الذين يغطون الحرب "الإسرائيلية" على قطاع غزة، بتقييد استخدام مصطلحات "الإبادة الجماعية" و"التطهير العرقي"، و"تجنب" استخدام عبارة "الأراضي المحتلة" عند وصف الأراضي الفلسطينية.
المذكرة التي كشف تفاصيلها موقع "انترسبت" الأمريكي، 15 أبريل/نيسان 2024، تطلب من المراسلين عدم استخدام كلمة فلسطين "إلا في حالات نادرة جداً"، والابتعاد عن مصطلح "مخيمات اللاجئين" لوصف المناطق التي نزح إليها الفلسطينيون بسبب العدوان "الإسرائيلي" المستمر.
بالفعل، لاحظ قراء "نيويورك تايمز" أن الصحيفة تبرر أعمال القتل والتدمير الإسرائيلية وتشجع إبادة الفلسطينيين، وواجهت الصحيفة انتقادات شديدة بزعم استهدافها عمال الصحيفة من أصول شرق أوسطية وشمال أفريقية، وهو ما نفاه مسؤولوها.
وفي مارس 2024، اقتحم متظاهرون مؤيدون للقضية الفلسطينية مبنى الصحيفة؛ احتجاجاً على انحيازها لتل أبيب، ورددوا شعارات تتهم الصحيفة بـ"المشاركة في الإبادة الجماعية بقطاع غزة"
لاحقا، وبعد ستة أشهر من الإبادة "الإسرائيلية" تبين أن "سوزان ويسلينج"، محررة معايير صحيفة "نيويورك تايمز"، والمحرر الدولي "فيليب بان"، فرضوا على محرري الصحيفة "كـتيب إرشادات" لما يكتبونه عن غزة.
هذه الإرشادات أو القواعد أو المذكرة المسربة تضمنت بعض المصطلحات التي لا يجب ذكرها بشأن كيفية الكتابة عن الحرب "الإسرائيلية" على قطاع غزة.
وقال عدد من العاملين في "نيويورك تايمز"، لموقع "انترسبت"، إن بعض محتوياتها تظهر دليلاً على تبني الصحيفة للروايات "الإسرائيلية"، في وقت يتم فيه تقديم وثيقة "الإرشادات" كمخطط عام للحفاظ على المبادئ الصحفية الموضوعية في تغطية حرب غزة!.
وسبق أن كشف تقرير لموقع "انترسبت" الاستقصائي، 9 يناير 2024، أن تغطية صحيفة "نيويورك تايمز" والصحف الكبرى الأخرى لحرب غزة انحازت لـ"إسرائيل" بشدة، حتى أنها تجاهلت بشكل مستمر الإبادة الجماعية التي تظهر للعيان بوضوح.
التقرير أكد أنه بجانب المأساة الإنسانية في غزة المتمثلة في استمرار العدوان "الإسرائيلي" والقتل والإبادة بلا هوادة، هناك مأساة إعلامية أخري حيث تحاول وسائل الإعلام الغربية حجب هذه الجرائم الصهيونية والتدليس على القارئ الغربي.
مأساة إعلامية وتدليس على القراء
وهذا الانحياز في تغطية حرب غزة، بتبرير جرائم الاحتلال، مقابل شيطنة المقاومة الفلسطينية، لم يظهر فقط في صحيفة "نيويورك تايمز"، بل وفي صحف كبرى أخرى تعمدت نقل "الراوية الإسرائيلية" في تغطيتها وتجاهل الإبادة، فقد كشف تقرير آخر لموقع "انترسبت"، يوم 9 يناير 2024، أن تغطية صحف "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"لوس أنجلوس تايمز" للحرب على غزة "أظهرت تحيزًا ثابتًا ضد الفلسطينيين لصالح إسرائيل"، وأنها "تجاهلت بشكل مستمر الإبادة الجماعية المأساة الإنسانية في غزة".
موقع "انترسبت" لخص الدور المشبوه لهذه الصحف في تغطية حرب غزة بقوله: "هناك مأساة إعلامية، حيث تحاول وسائل الإعلام الغربية حجب هذه الجرائم الصهيونية والتدليس على القارئ الغربي".
وفقًا لتحليل انترسبت: "خطورة ذلك تنبع من أن وسائل الإعلام المطبوعة، التي تلعب دورًا مؤثرًا في تشكيل وجهات النظر الأمريكية حول الصراع "الإسرائيلي- الفلسطيني"، لم تعر سوى القليل من الاهتمام للتأثير غير المسبوق لحملة الحصار والقصف الإسرائيلية على الأطفال والصحفيين في قطاع غزة".
هذه الصحف الأمريكية الكبرى ركزت بشكل غير متناسب على الوفيات الإسرائيلية في الحرب، واستخدمت "لغة عاطفية" لوصف عمليات قتل "الإسرائيليين"، أما ذبح الفلسطينيين وقتل الأطفال والنساء وهدم المنازل عليهم فلم تهتم به هذه الصحف!
السامية أهم من الإسلاموفوبيا!
"انترسبت" أوضحت أيضا أن تحليلها للصحف الأمريكية أظهر أن هذه الصحف قدمت تغطية غير متوازنة لما يسمى "الأعمال المعادية للسامية"، أي اليهود في الولايات المتحدة، في حين تجاهلت تماما العنصرية المعادية للمسلمين في أعقاب 7 أكتوبر 2023، فخلال فترة الدراسة التحليلية ذكرت صحف نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز، مصطلح "معاداة السامية" أكثر من "الإسلاموفوبيا" (بمعدل 549 إلى 79) !!
ونتج عن هذا أزمة حول "معاداة السامية في الحرم الجامعي" حيث اتهم يهود ومعادون للفلسطينيين الطلاب الأمريكيين الذين تظاهروا نصرة لغزة بأنهم "معادين للسامية" تارة "ويدعون لـ "إبادة اليهود" تارة أخري!!
هذا التعاطف من صحف أمريكا الكبرى مع اليهود والتضخيم من اتهامات من يعارضون العدوان بوصفهم "معادين للسامية"، مقابل التغاضي عن اضطهاد المسلمين الأمريكيين، تُرجم إلى "مزيد من العنصرية ضد الفلسطينيين والمسلمين"، وفق "انترسبت".
ووفقاً لتحليل إنترسبت، غالبا ما تقلل وسائل الإعلام الغربية من شأن معاناة الفلسطينيين أو تُهملها، مما يؤدي إلى تقديم رواية غير مكتملة ومتحيزة.
وفي دراسته لهذا الانحياز الأعمى لـ"إسرائيل" من قبل الصحف الأمريكية الثلاثة الكبرى، جمع " إنترسبت" وتحليل أكثر من 1000 مقال من صحف "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"لوس أنجلوس تايمز"، وكانت كلها تدور حول العدوان "الإسرائيلي" على غزة، والمصطلحات الرئيسية والسياق الذي استخدمت فيه.
وخلص إلى أن "الإحصائيات كشفت عن خلل كبير في طريقة تغطية هذه الصحف للإسرائيليين والشخصيات المؤيدة لإسرائيل، مقابل الأصوات الفلسطينية والمؤيدة للفلسطينيين... حيث فضلت وأخذت بالروايات الإسرائيلية وتجاهلت الروايات الفلسطينية، ومن ثم بررت الابادة الجماعية ونفي إسرائيل لها بسهولة"!
أكدت الدراسة أن تغطية الحرب في هذه الصحف قدمت صورة قاتمة للجانب الفلسطيني، وهي صورة تجعل من إضفاء الطابع الإنساني على الفلسطينيين، ومن ثم إثارة التعاطف الأمريكي معهم "مهمة أصعب".
التحليل أظهر وجود كلمات "إسرائيلي" و"إسرائيل" أكثر من كلمة "فلسطيني" بمختلف أشكالها في الصحف الثلاثة على الرغم من أن أعداد الوفيات الفلسطينية تفوق الوفيات الإسرائيلية بمراحل!!
كمثال، تم ذكر الفلسطينيين مرة واحدة، مقابل كل قتيلين من الفلسطينيين، بينما ذُكر "الإسرائيليون" ثماني مرات مقابل كل قتيل إسرائيلي، أي أكثر من عدد مرات ذكر القتيل الفلسطيني الواحد بمعدل 16 ضعفاً!!
وهو ما كشف مجددا المعايير المزدوجة التي تتبعها وسائل الإعلام الغربية التي تزعم أنها منابر الحرية والديمقراطية، لكنها ساهمت في انتشار المعلومات المضللة فضلا عن تجردها من الإنسانية، وهي تتجاهل إبادة أطفال ونساء في غزة.
انحياز البرامج الحوارية التلفزيونية
ولا يقتصر الأمر على الصحف، فقد وثق الأكاديمي الأمريكي "ويليام لافي يومانز"، وهو أستاذ مشارك في كلية الإعلام والشؤون العامة بجامعة جورج واشنطن، ومدير معهد الدبلوماسية العامة والاتصالات العالمية، في دراسة تحليلية تفاصيل هذا التحيز من جانب البرامج الحوارية التلفزيونية الأمريكية "لإسرائيل".
أوضحت الدراسة التحليلية، التي نشرها على موقع "ريسبونسبل ستيتكرافت"، التابع لمعهد "كوينسي" لفن الحكم المسؤول في واشنطن، مدى انحياز صانعي الأخبار والنخبة في أمريكا وانفصالها عن الواقع عندما يتعلق الأمر "بإسرائيل".
رصد مدى شيوع التحيز غير المفاجئ في البرامج الحوارية الرئيسية في القنوات الأمريكية NBC، و CBS، و ABC، وFox نحو دولة الاحتلال، خاصة منذ هجوم "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر 2023، وما تبعه من عدوان مدمر وبدعم أمريكي على غزة.
رصد مفارقات تؤكد التحيز الأعمى لهذه الشبكات، فالغالبية العظمى من الضيوف (120 من أصل 140) أمريكيين يدعمون "إسرائيل"، ولم يكن أي منهم من أصل فلسطيني أو حتى عربي أمريكي، ما يثبت التحيز لصالح الاحتلال.
كانت الآراء، التي عبر عنها الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات، مؤيدة بأغلبية ساحقة "لإسرائيل"، وكان هؤلاء الضيوف أكثر تعاطفا مع "إسرائيل" بأكثر من الضعف مقارنة بالفلسطينيين.
كانت قناة "فوكس نيوز" الأكثر تحيزا للاحتلال، حيث أعرب 96 بالمائة من الضيوف عن آراء مؤيدة "لإسرائيل"، ولم يتم التعبير عن وجهة نظر واحدة مؤيدة للفلسطينيين.
وفي البرامج الأخرى، أعرب ما بين 60 و65% من الضيوف عن آراء مؤيدة لإسرائيل، وأكثر تكراراً بخمسة أضعاف من المؤيدة للفلسطينيين في جميع البرامج التي تم بثها.
وكان السؤال الرئيسي الذي وزعه "كونترول الدعاية الصهيونية" على غالبية الفضائيات الغربية يطرح سؤالا واحدا على كافة الضيوف: "هل تدين هجوم حماس على إسرائيل"؟!.
لكن مقابل هذا الخطاب الإعلامي الغربي الكاذب الداعم لـ"إسرائيل" بفجاجة، ظهر خطاب موازٍ متضامن مع الشعب الفلسطيني من جانب العديد من الأمريكيين والأوروبيين، عبر وسائل الإعلام البديلة، لتقديم الرواية الحقيقة حول العدوان.
ظهر نشطاء أمريكان وأوروبيون للرد على عدم مهنية إعلامهم وفضحوا - عبر مواقع التواصل- جرائم الاحتلال "الإسرائيلي" واتهموا إعلامهم وحكوماتهم بالكذب.
وانتشرت المظاهرات أمام غالبية الصحف الأمريكية والبريطانية مثل نيويورك تايمز وموقع بي بي سي، وقناة فوكس اليمينية الداعمة للصهاينة؛ لنقل رسائل احتجاج على تغطيتهم المنحازة.
كانت الهتافات التي حاصرت مباني شبكة "بى بى سى" في بريطانيا ليست عفوية وإنما مقصودة، بعدما أظهرت الشبكة انحيازا أعمي لا علاقة له بالمهنية تجاه الاحتلال.
ويرى محللون ان دلالات خروج هذه المظاهرات ضد الاحتلال بهذه الكثافة وتصدي النشطاء والسياسيين في أوروبا لسعى الحكومات والإعلام الغربي فرض رؤية احادية كاذبة تدعم الاحتلال، كان رسالة لإعلام الغرب بأنه سقط في اختبار غزة.
موجات معاقبة الصحفيين
لم يقتصر الأمر علي بث الميديا الغربية أكاذيب، والانحياز للاحتلال الصهيوني ولكن امتد الأمر لمعاقبة شبكة "بى بى سى" ستة من صحافييها العرب بالقاهرة وبيروت لمجرد إبداء رأيهم بحرية عبر مواقع التواصل حول تضامنهم مع غزة.
كما أبعدت قناة MSNBC الأمريكية ثلاثة من مذيعيها المسلمين عن الشاشة، استجابة للضغوط الأمريكية و"الإسرائيلية" بسبب تغطيتها للعدوان في غزة.
ونشر موقع قناة "الجزيرة" الإنجليزية، رسالة من 8 صحفيين يعملون في هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى،" اتهموا فيها قناتهم بالتحيز لـ"إسرائيل" وعدم عرض معاناة المدنيين الفلسطينيين بالقدر الكافي، وأكدوا أن الهيئة مذنبة بارتكاب "معايير مزدوجة في كيفية رؤية المدنيين".
أيضا تم إجبار بعض الصحفيين العاملين مع وسائل الإعلام الغربية على الاستقالة، واستقال آخرون لرفضهم التعاون مع مؤسساتهم الإخبارية في إخفاء حقيقة ما يجري في غزة.
ففي أكتوبر 2023 استقالت "آن بوير"، الشاعرة وكاتبة المقالات ومحررة الشعر الحائزة على جائزة بوليتزر في "نيويورك تايمز"، من منصبها احتجاجا على التغطية غير العادلة وغير المتوازنة للعدوان "الإسرائيلي" على غزة.
ودخلت مواقع التواصل خاصة تلك المملوكة ليهود مثل "فيس بوك" على الخط لمنع وحذف أي تعاطف مع غزة والمقاومة ومناهضة الاحتلال وجرائمه، كي يبقى فقط المحتوي الصهيوني المضلل المتعاطف مع الاحتلال.
وكشفت النيابة العامة "الإسرائيلية" تنسيقها مع شركة "ميتا" المشغلة لفيس بوك وانستغرام لحذف كل ما يتعلق بهزيمة "إسرائيل" في طوفان الأقصى، والآراء الداعمة لحماس والمقاومة، بحسب موقع "عرب 48"، الذي أكد أن شركة "ميتا" استجابت لـ 90 بالمائة من طلبات نيابة إسرائيل.
ترامب يغلق أشهر برنامج!
يوصف برنامج "60 دقيقة" العريق على قناة "سى بى إس" بأنه الأشهر، ولكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى "إنهاء" وغلق البرنامج لأنه أذاع حلقة عن غزة وجرائم الاحتلال، لكن ترامب زعم أن السبب تعديل البرنامج مقابلة مع كامالا هاريس، المرشحة الرئاسية الديمقراطية المهزومة العام الماضي، وفق صحيفة "الجارديان" ، 6 فبراير 2025.
وقد وسع ترامب - الذي وصف الصحفيين مرارا وتكرارا بأنهم "أعداء الشعب" في ولايته الأولى - هجومه ليشمل منافذ أخرى من خلال تضخيم مزاعم كاذبة بأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وكالة المساعدات الخارجية التي تم إغلاقها حاليا، كانت تمول موقع "بوليتيكو" المنتقد لجرائم الاحتلال وغيره من منافذ الأخبار، بما يصل إلى 8 ملايين دولار.
واستقال منتج البرنامج "60 دقيقة" التلفزيوني الشهير بيل أوينز من منصبه بسبب الهجمات التي طالت استقلاليته في الأشهر الأخيرة، في ظل معركة قانونية يخوضها ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومطالبته بغرامة 10 ملايين دولار.
وربط المعلّقون بين الاستقالة وتغطية العدوان "الإسرائيلي" على غزة، حيث غرّدت الصحفية ليلى الريان على موقع "إكس"، قائلة: "يُخفي مقال نيويورك تايمز عن استقالة المنتج التنفيذي لبرنامج 60 دقيقة، بيل أوينز، أن المساهِمة المسيطرة في شركة باراماونت، شاري ريدستون، اشتكت من فقرة تتناول حرب إسرائيل على غزة".
كذلك انتقد الكوميدي، ناثان فيلدر، منصة البث التابعة للشركة "باراماونت بلس" لحذفها إحدى حلقاته من البرنامج الشهير "ناثان فور يو" بدعوى معاداة السامية، وهي التهمة الجاهزة لكل من ينتقد "إسرائيل" وجرائمها.
وفي سرد الحلقة، يقول فيلدر: "على تطبيق باراماونت، هناك 50 نتيجة لكلمة نازي، و10 نتائج لكلمة هتلر، وصفر لكلمة يهودية.. لقد حُذِفنا"، وهو زعم غير صحيح أدي لغلق البرنامج أيضا.
ختاما، لقد ساهم "طوفان الأقصى" في كشف الزيف الغربي عن حرية الصحافة، وأظهر أن ما يُباع على أنه إعلام حر، ليس سوى امتداد لمؤسسات السلطة والنفوذ، وأن معركة الوعي لم تعد مع الأنظمة القمعية فقط، بل مع أباطرة الإعلام الذين يحتكرون الحقيقة ويوجهون الرأي العام وفق أجندات لا أخلاقية.
ومع تزايد وعي الشعوب الغربية وتنامي المنصات البديلة، فإن رهان كشف الحقيقة بات مرهونًا باستمرار النضال الإعلامي المستقل، لكسر الهيمنة الغربية، وإسقاط "أسطورة الإعلام المحايد".